أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-8-2016
3326
التاريخ: 10-8-2016
2910
التاريخ: 2023-02-03
1841
التاريخ: 7-8-2016
3479
|
ان الموقف الذي يتخذه الإمام ( عليه السّلام ) لا بد من اشتماله على مصلحة ذات عائد مقبول للإسلام والمسلمين ولاتباع أهل البيت ( عليهم السّلام ) ، وقد حصل الإمام ( عليه السّلام ) على مكتسبات عديدة بعد اضطراره للقبول بولاية العهد ، ولولا قبوله لما تحققت تلك المكتسبات ، ومن هذه المكتسبات :
أوّلا : اعتراف المأمون بأحقيّة أهل البيت ( عليهم السّلام )
قام الأمويون ومن بعدهم العباسيون بمحاولة طمس فضائل أهل البيت ( عليهم السّلام ) والتقليل من شأنهم ، واستخدموا جميع طاقاتهم للحد من ذلك ، تحت الترغيب والترهيب ، ولكنّ الوضع تغيّر بعد قبول الإمام ( عليه السّلام ) بولاية العهد ، فقد قام المأمون بتوضيح هذه الفضائل ، وتوضيح مظلومية أهل البيت ( عليهم السّلام ) من قبل الحكّام السابقين .
فقد أجاب المأمون على كتاب كتبه له بنو هاشم ، وضّح فيه تلك الحقائق إذ جاء فيه : « . . . فلم يقم مع رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أحد من المهاجرين كقيام عليّ بن أبي طالب ( عليه السّلام ) فإنه آزره ووقاه بنفسه . . . وهو صاحب الولاية في حديث غدير خم ، وصاحب قوله : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي . . . » وكان أحب الخلق إلى اللّه تعالى وإلى رسوله ، وصاحب الباب ، فتح له وسدّ أبواب المسجد ، وهو صاحب الراية يوم خيبر ، وصاحب عمرو بن عبد ود في المبارزة ، وأخو رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) حين آخى بين المسلمين » .
ثم وضّح في الكتاب نفسه مظلومية أهل البيت ( عليهم السّلام ) معترفا بجرائم العباسيين بحقهم فقال : « . . . ثم نحن وهم يد واحدة كما زعمتم ، حتى قضى اللّه تعالى بالأمر إلينا ، فأخفناهم ، وضيّقنا عليهم ، وقتلناهم أكثر من قتل بني أميّة إياهم »[1].
وفي موضع آخر احتجّ المأمون على الفقهاء بفضائل الإمام علي ( عليه السّلام ) وأحقيّته بالخلافة ، فما كان من الفقهاء الّا تأييد ما قاله ، فقال يحيى بن أكثم القاضي : يا أمير المؤمنين قد أوضحت الحق لمن أراد اللّه به الخير ، وأثبت ما يقدر أحد أن يدفعه ، واتّبعه الفقهاء بالقول : كلنا نقول بقول أمير المؤمنين أعزه اللّه[2].
وكان المأمون يتحدّث عن فضائل أهل البيت ( عليهم السّلام ) في أغلب جلساته ، وهذا يعني تشجيعا للولاة والامراء ليتحدّثوا عن أهل البيت ( عليهم السّلام ) بمثل ما تحدّث به ، وتشجيع لأنصار أهل البيت ( عليهم السّلام ) في ذكر فضائلهم بحرية تامّة ، وهذا ما يزيد من توسّع القاعدة الشعبية الموالية لأهل البيت فكرا وعاطفة وسلوكا .
واعترف المأمون أيضا بأفضلية الإمام الرضا ( عليه السّلام ) وأحقيته بالخلافة وأخبر خواصه بأنّه : نظر في ولد العباس وولد عليّ رضي اللّه عنهم ، فلم يجد في وقته أحدا أفضل ولا أحق بالأمر من علي بن موسى الرضا[3].
ثانيا : توظيف وسائل الإعلام لصالح الإمام ( عليه السّلام )
وظّف المأمون وسائل الاعلام لصالح الإمام ( عليه السّلام ) فأصبح من أكثر الناس شيوعا صيته ، وتحققت معرفة المسلمين وغير المسلمين به ، فالولاة والامراء وأئمة الجمعة ، يدعون له من على المنابر كل يوم وكل جمعة وكل مناسبة ، إضافة إلى طبع اسمه على الدارهم والدنانير المعمول بها في جميع الأمصار ، ووجد الخطباء والشعراء الفرصة مناسبة للترويج لشخصية الإمام ( عليه السّلام ) وآبائه وأجداده ، فكثرت الخطب والاشعار المادحة له ، والذاكرة لفضائله وفضائل أهل بيته ، وانتشرت في جميع الأمصار ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدلّ على تعميق الارتباط بالإمام ( عليه السّلام ) وتبنّي أفكاره وآرائه المطابقة للمنهج الاسلامي السليم ، ولولا قبوله بولاية العهد لما كان ذلك بالصورة الأوسع والأمثل ، ما دامت وسائل الاعلام الرسمية موجودة في جميع الأمصار ، دون الحاجة إلى بث الدعاة لمنهجه ومنهج أهل بيته ( عليهم السّلام ) .
وقد كان المأمون سبّاقا لغيره في نظم الشعر ، ومما جاء في شعره ، بعد ولاية العهد :
ألام على حب الوصيّ أبي الحسن * وذلك عندي من عجائب ذي الزمن
خليفة خير الناس والأوّل الذي * أعان رسول اللّه في السر والعلن
وقال أيضا :
لا تقبل التوبة من تائب * إلّا بحب ابن أبي طالب
أخو رسول اللّه حلف الهدى * والأخ فوق الخل والصاحب[4]
وهذا الشعر وغيره من مدائح المأمون لأهل البيت ( عليهم السّلام ) قد أثمر فيما بعد ، حتى أنه بعد استشهاد الإمام ( عليه السّلام ) بثمان سنين أي في سنة ( 211 ه ) أمر المأمون أن ينادى :
« برئت الذمة ممّن يذكر معاوية بخير ، وأن أفضل الخلق بعد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) علي بن أبي طالب »[5].
ثالثا : حرية الإمام ( عليه السّلام ) في مناظرة أهل الأديان والمذاهب
منح المأمون نوعا من الحرية للإمام ( عليه السّلام ) للتحدث بما يؤمن به من أفكار ومعتقدات وآراء سياسية ، وأمر المأمون الفضل بن سهل أن يجمع للإمام ( عليه السّلام ) أصحاب المقالات : ومنهم : الجاثليق وهو رئيس الأساقفة ، ( معرّب : كاثوليك ) ورأس الجالوت عالم اليهود ، ورؤساء الصابئين ، وعظماء الهنود من أبناء المجوس ، وأصحاب زردشت ، وعلماء الروم ، والمتكلمين ، وقد احتجّ الإمام ( عليه السّلام ) بالكتب المعتبرة عندهم ، وقد اعترف الجميع بأعلمية الإمام ( عليه السّلام ) ، بعد ان فنّد حججهم ، فأذعنوا لقوله ، واعترفوا بصحة أفكاره وآرائه .
وبعد جدال ونقاش طويل قال الجاثليق : « القول قولك ، ولا اله إلّا اللّه »[6].
وبعد حوار طويل أسلم عمران الصابي وقال : « اشهد أن اللّه تعالى على ما وصفت ووحّدت ، وأشهد أنّ محمدا عبده المبعوث بالهدى ودين الحق ثم خرّ ساجدا نحو القبلة » .
ولما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابي ، وكان جدلا لم يقطعه عن حجته أحد منهم قط ، لم يدن من الإمام ( عليه السّلام ) أحد منهم ولم يسألوه عن شيء[7].
وفي مجلس آخر بعث المأمون على الإمام ( عليه السّلام ) ليناظر متكلم خراسان سليمان المروزي ، فتناظرا في البداء ، وصفات اللّه تعالى والفرق بين صفات ذات اللّه وصفات فعله ، فأجابه الإمام ( عليه السّلام ) على جميع أسئلته ، وكان يقطعه في الحجج إلى أن سكت لا يستطيع أن يجيب على آراء الإمام ( عليه السّلام ) ، فقال المأمون عند ذلك : « يا سليمان هذا أعلم هاشمي »[8].
وفي مجلس آخر جمع المأمون عددا من علماء الأديان وأهل المقالات ، فلم يتكلم أحد إلّا وقد ألزمه الإمام ( عليه السّلام ) حجته ، وقام اليه علي بن محمد بن الجهم ، وأثار الشبهات حول عصمة الأنبياء ( عليهم السّلام ) اعتمادا على الآيات المتشابهة الواردة في القرآن الكريم ، واثار الشبهات حول عصمة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، فأجابه الإمام ( عليه السّلام ) وأزال الشبهات عن ذهنه ، وأثبت له بالعقل والنقل عصمة جميع الأنبياء ( عليهم السّلام ) ، فبكى علي بن محمد بن الجهم وقال : يا ابن رسول اللّه أنا تائب إلى اللّه عزّ وجلّ من أن انطق في أنبياء اللّه عليهم السلام بعد يومي هذا إلّا بما ذكرته[9].
وفي مجلس آخر تساءل المأمون عن عصمة الأنبياء وأورد الآيات المتشابهة في ذلك فأجابه الإمام ( عليه السّلام ) جوابا شافيا ، وأوّل له تلك الآيات على خلاف ظاهرها ، فقال المأمون : « لقد شفيت صدري يا ابن رسول اللّه ، وأوضحت لي ما كان ملتبسا عليّ »[10].
وكان هدف المأمون - كما يرى الشيخ الصدوق - هو الحرص على انقطاع الرضا ( عليه السّلام ) عن الحجة مع واحد منهم ، وذلك حدّا منه له ولمنزلته من العلم [11].
رابعا : نشر مفاهيم أهل البيت ( عليهم السّلام ) وفضائلهم
استثمر الإمام ( عليه السّلام ) الفرصة المتاحة له لنشر مفاهيم أهل البيت ( عليهم السّلام ) ونشر فضائلهم ، وخصوصا بين الفقهاء والقضاة والقوّاد والوزراء ، ومن يرتبط بالبلاط الحاكم بصلة .
فقد وضّح الإمام ( عليه السّلام ) تلك الفضائل بعد ان حاول الحكّام طمسها ، ونشر أحاديث رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بحقهم ومنها :
قوله ( صلّى اللّه عليه واله ) : « علي امام كل مؤمن بعدي »[12].
وقوله ( صلّى اللّه عليه واله ) : « يا علي أنت حجة اللّه ، وأنت باب اللّه ، وأنت الطريق إلى اللّه ، وأنت النبأ العظيم ، وأنت الصراط المستقيم ، وأنت المثل الاعلى ، يا علي أنت امام المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيّين وسيد الصدّيقين ، يا علي أنت الفاروق الأعظم وأنت الصديق الأكبر . . . إن حزبك حزبي ، وحزبي حزب اللّه ، وإن حزب أعدائك حزب الشيطان »[13].
وقوله ( صلّى اللّه عليه واله ) : « ما زوّجت فاطمة الّا لما أمرني اللّه بتزويجها »[14].
وتحدث الإمام ( عليه السّلام ) عن عشرات الأحاديث الواردة في ذلك .
وفي مجلس عقده المأمون لجماعة من علماء العراق وخراسان سأل عن معنى الآية الكريمة : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا[15].
فأجابه العلماء : أراد اللّه عز وجل بذلك الأمة كلها .
فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟
فقال الإمام ( عليه السّلام ) : « لا أقول كما قالوا ، ولكنّي أقول : أراد اللّه عز وجل بذلك العترة الطاهرة » .
ثم ذكر الإمام ( عليه السّلام ) اثني عشر آية قرآنية تدل على أفضلية العترة الطاهرة ، فقال المأمون والعلماء : « جزاكم اللّه أهل بيت نبيكم عن هذه الأمة خيرا ، فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبه علينا إلّا عندكم »[16].
وسأل المأمون الإمام ( عليه السّلام ) ان يكتب له محض الاسلام على سبيل الايجاز والاختصار ، فكتب اليه أصول العقائد ومنها الإمامة ، ومما جاء في ذلك الكتاب : « وان الدليل بعده والحجة على المؤمنين والقائم بأمور المسلمين والناطق عن القرآن ، والعالم باحكامه ، اخوه وخليفته ووصيّه ووليّه ، والذي كان منه بمنزلة هارون من موسى ، علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) أمير المؤمنين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين ، وأفضل الوصيين ، ووارث علم النبيين والمرسلين ، وبعده الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .
ثم بيّن أسماء الأئمة ( عليهم السّلام ) وقال : ومن مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية ، وان من دينهم الورع والعفّة والصدق والصلاح والاستقامة والاجتهاد وأداء الأمانة إلى البر والفاجر . . . [17].
ووضّح الإمام ( عليه السّلام ) مفاهيم الإمامة ومسؤوليات الإمام فقال : ان الإمامة اسّ الاسلام النامي وفرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وامضاء الحدود والاحكام ومنع الثغور والأطراف ، الإمام يحلل حلال اللّه ويحرم حرام اللّه ، ويقيم حدود اللّه ويذب عن دين اللّه ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة »[18].
وذكر ( عليه السّلام ) في لقاءاته المختلفة وفي أجوبته المتعددة صفات الإمام ، ووحدة الإمامة ، وواجبات وحقوق الإمام لكي يعطي للأمة الفرصة لتشخيص الإمام الحقّ وان لم يكن مبسوط اليد ، فليس كل من استلم الحكم أصبح اماما ، وإنما الإمام له صفات خاصة ثابتة في الاسلام ومنها ان يكون « أعلم الناس وأحكم الناس واتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع الناس ، وأسخى الناس ، وأعبد الناس »[19].
واستثمر الإمام ( عليه السّلام ) الفرصة لنشر الأحاديث التوحيدية لأهل البيت ( عليهم السّلام ) وردّ على جميع الشبهات العقائدية التي تتعلق بصفات اللّه ، وبالتشبيه ، وفنّد آراء المشبّهة والمجسّمة والمجبّرة والمفوّضة والغلاة .
خامسا : حقن دماء أهل البيت ( عليهم السّلام )
من مكتسبات قبول ولاية العهد من قبل الإمام ( عليه السّلام ) هو حقن دماء أهل البيت ( عليهم السّلام ) ، فقد قام المأمون تقربا للإمام ( عليه السّلام ) باعلان العفو العام عن جميع قادة الثورات ، ومنهم زيد أخو الإمام ( عليه السّلام ) وإبراهيم ، ومحمد بن جعفر ، واردف العفو بتنصيب بعضهم ولاة في بعض الأمصار ، فكانت خير فرصة لهم للقيام باصلاح الأوضاع بصورة سلمية هادئة ، وخير فرصة لإعادة بناء القاعدة الشعبية الموالية لأهل البيت ( عليهم السّلام ) وتنظيم صفوفها ، والاستفادة من الامكانيات المتاحة لتطوير الحركة الرسالية ، ولولا قبول الإمام ( عليه السّلام ) بولاية العهد لسفكت دماء كثيرة قبل أن تؤدّي دورها ومسيرتها في داخل الأمة ، فقد جاء قبول الإمام ( عليه السّلام ) في وقت كان خط أهل البيت ( عليهم السّلام ) بحاجة إلى قسط من التفرّغ للعمل الرسالي السلمي بعيدا عن شهر السلاح الذي يكلّف كثيرا ويربك الأوضاع الداخلية له .
[1] بحار الأنوار : 49 / 210 ، عن كتاب : نديم الفريد ، لابن مسكويه .
[2] العقد الفريد : 5 / 358 - 359 .
[3] مروج الذهب : 3 / 441 ، وفي الشذرات الذهبية في تراجم الأئمة الاثني عشر عند الإمامية المنشور باسم :
الأئمة الاثنا عشر لابن طولون : 97 .
[4] تذكرة الخواص : 320 عن كتاب الأوراق للصولي .
[5] تذكرة الخواص : 319 وتاريخ الخلفاء : 247 .
[6] مناقب آل أبي طالب : 4 / 352 .
[7] الاحتجاج ، الطبرسي : 2 / 419 .
[8] عيون أخبار الرضا : 1 / 179 - 191 .
[9] الاحتجاج ، الطبرسي : 2 / 423 .
[10] الاحتجاج : 2 / 436 .
[11] عيون أخبار الرضا : 1 / 191 . راجع جملة من هذه الاحتجاجات في الفصل الثالث من الباب الرابع من الكتاب .
[12] كشف اليقين ، العلّامة الحلي : 17 .
[13] بحار الأنوار : 28 / 111 .
[14] فرائد السمطين : 1 / 90 .
[15] سورة فاطر ( 35 ) : 32 .
[16] عيون أخبار الرضا : 1 / 228 - 240 ، وفي تحف العقول : 425 - 436 .
[17] بحار الأنوار : 68 / 263 ، ح 20 .
[18] الاحتجاج ، الطبرسي : 2 / 441 - 442 .
[19] عيون أخبار الرضا : 1 / 213 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|