المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الاخلاق و الادعية
عدد المواضيع في هذا القسم 6234 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

الاتكال على الأمل
4-11-2017
كيف تتناسب الخاتمية مع سير الإنسان التكاملي؟
5-10-2014
الاتجاهات الرئيسية في نظرية الموقع الصناعي
27-9-2020
دائرة تنبيه alarm circuit
16-10-2017
إدارة البـحـث الصـناعـي
2023-12-18
الطبريّ وعلم اسباب النزول
24-04-2015


الصدقة ودورها في مصير الإنسان.  
  
1758   09:42 صباحاً   التاريخ: 2023-03-05
المؤلف : الشيخ علي حيدر المؤيّد.
الكتاب أو المصدر : الموعظة الحسنة
الجزء والصفحة : ص 217 ـ 232.
القسم : الاخلاق و الادعية / الفضائل / فضائل عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-28 830
التاريخ: 18-7-2020 2488
التاريخ: 2024-06-12 665
التاريخ: 7-8-2020 3113

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): "يا علي: الصدقة ترد القضاء الذي قد أبرم إبراماً" (1).

مفاهيم الصدقة:

للصدقة تعريف وأحكام ذكرها الفقهاء في الكتب الفقهيّة ومن جملة أحكامها بالمعنى الأعمّ أنّها: عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول وإقباض بإذن المتصدّق ومن أحكامها نيّة القربة إلى الله تعالى ولا تصحّ بدون القربة، وزكاة الأموال وزكاة الفطرة محرّمة على بني هاشم إلّا صدقة الهاشميّ على الهاشميّ أو صدقة غيره عند الاضطرار أو المستحبّ من الصدقات كالنذر فإنّها غير محرّمة على بني هاشم؛ لأنّ من علل تحريم الصدقة على بني هاشم أنّهم اختصّوا بالخمس.

وصدقة السرّ أفضل من الجهر إلّا أن يُتّهم الشخص بتركها فيظهرها دفعاً للتهمة.. (2).

وللصدقة أيضاً مصداق ظاهر معروف وهو أن يعطي الإنسان للفقير درهماً مثلاً.. وهناك مصاديق أخرى للصدقة ربّما تكون أهمّ من الأولى وأقوى أثراً وهي كلّ معروف يعمله الإنسان صدقة وهذا ما يستفاد من الأحاديث الشريفة إذ إنّ الصدقة أوسع وتشمل كلّ معروف ولعلّه بمعنى كلّ خير يفاض من قبل الفرد على الآخرين وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «كلّ معروف صدقة والدالّ على الخير كفاعله والله يحبّ إغاثة اللهفان» (3).

وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «إنّ على كلّ مسلم في كلّ يوم صدقة.

قيل: مَن يطيق ذلك؟

قال (صلى الله عليه وآله): إماطتك الأذى عن الطريق صدقة وإرشادك الرجل إلى الطريق صدقة، وعيادتك المريض صدقة وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وردّك السلام صدقة» (4).

وقد وردت صور عديدة للصدقة بمفهومها الواسع في الأحاديث الشريفة نذكر بعضها.

نماذج للصدقة:

المصاديق التي تدخل تحت مفهوم الصدقة الواسع والتي تعني كلّ معروف وعمل خير فيه نفع للآخرين عديدة وقد استقينا بعضها من الأحاديث الشريفة الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام):

1 - النهي عن المنكر صدقة: فكلّ منكر مثل شرب الخمر أو الزنا وما شابه من المحرّمات يرتكبه أحد أقربائك أو أصدقائك أو من تتمكّن من التأثير عليه وعرفت بأنّ فعله منكر ونهيت عنه بإظهار مساوئه أو مفاسده الدنيويّة والأخرويّة لفاعل المنكر فهو عمل بالمعروف ويحسب لك صدقة تثاب عليها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ونهيك عن المنكر صدقة» (5).

2- ردّ السلام صدقة: التحيّة في الإسلام هي «السلام عليكم» وردّ التحيّة أيضاً صدقة؛ لأنّها مقابلة الودّ بالودّ وتزيد من أواصر المحبّة في المجتمع وتدعو بهذه الكلمة إلى السلام والوئام بالإضافة إلى الثواب الذي تحصل عليه من رد السلام، قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86].

 وقال الامام الصادق (عليه السلام):

«السلام تحيّة لملّتنا وأمان لذمتنا» (6).

3- إماطة الأذى عن الطريق صدقة: الإنسان عندما يسير في طريق ما ويجد أمامه حجراً أو زجاجة مكسورة أو قشور الفواكه وما شابه عليه إماطتها عن الطريق لئلا تسبّب إيذاء الآخرين قد يأتي شخص ضرير أو شيخ مسنّ أو طفل أو ماشٍ غير منتبه ويتضرّر بهذا الحجر أو الزجاجة فرفعك هذه الأشياء عن الطريق أيضاً صدقة وفعل خير وعلى الإنسان دائماً الانتباه لحركاته في الطريق وألّا يلقي في وسطه ما يؤذي الناس.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إماطتك الأذى عن الطريق صدقة» (7).

4 - إرشادك الرجل إلى الطريق صدقة: فلو كان هناك شخص ضرير فمن المعروف الأخذ بيده إلى ضالته، ولو كان هناك شخص ضال فمن المعروف أيضاً إرشاده إلى جهته وهكذا في مساعدة الأطفال في عبورهم من جانب الطريق إلى الجانب الآخر فكل ذلك من المعروف.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وإرشادك الرجل إلى الطريق صدقة» (8).

5 - عيادتك المريض صدقة: زيارة المريض وعيادته من الأعمال التي تزيد في الروابط الاجتماعيّة وتقلّل من معاناة المريض.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن عاد مريضاً شيّعه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتّى يرجع إلى منزله» (9).

6 - تعليم النّاس وإسداء النصيحة لهم صدقة:

قال رسول الله (صلى الله عليه السلام): «تصدّقوا على أخيكم بعلم يرشده ورأي يسدّده» (10).

7 - الإصلاح بين الناس صدقة: مِن الأمور المهمّة في المجتمع أن يصلح الإنسان بين أصدقائه وإخوانه إذا تباعدوا وأن يقرّب بينهم مهما استطاع لأنّ في الإصلاح خير وفائدة عظيمة الأثر للمجتمع وفي التباعد الفرقة والتشتت.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "صدقة يحبّها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقريب بينهم إذا تباعدوا" (11).

8- الكلمة الطيّبة صدقة: الكلمة لها أثر واضح في قلوب الناس كما لها الأثر الواضح في تغيير الأفكار والاتجاهات وما شابه، فتكلّمك مع الناس بكلام ليّن وطيّب مريح هو خير وصدقة تحسب لك.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "الكلمة الطيّبة صدقة، وكلّ خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة" (12).

وهناك أيضاً صور أخرى عديدة منها طلب الرزق الحلال للأهل صدقة وغيرة المرء على عرضه صدقة وإعطاء الفقير مبلغاً من المال أو حاجة يتستّر بها على نفسه وخدمة الناس و.. صدقة، وأفضل الصدقة صدقة اللسان.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أفضل الصدقة صدقة اللسان تحقن به الدماء، وتدفع به الكريهة، وتجر المنفعة إلى أخيك المسلم» (13).

ولو تأملنا في هذه الأعمال جميعها نراها تنطبق على الإنسان المؤمن الذي صدّق بالله تعالى واليوم الآخر وكأنّ الكلمة مأخوذة من التصديق أو من صدّق بالله تعالى واليوم الآخر وبعكس مَن لا يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر فإنّه لا محرّك له إلى هذه الأعمال -عادة - وإن صدرت منه فإنّها تصدر لمصلحة شخصيّة لا ينظر من ورائها القرب إلى الله تعالى أو مصلحة الآخرين.

 وللصدقة فوائد أخرى مهمّة ترتبط بحياة الإنسان ومصيره ففي بعض الأخبار أنّ الصدقة ترد القضاء، أو النجاة من سوء القضاء، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيّته للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «الصدقة ترد القضاء الذي أبرم إبراماً».

فما هو القضاء الذي ترده الصدقة؟

معاني القضاء والقدر:

القضاء والقدر يُطلَق في القرآن الحكيم والسنة واللغة على معان عديدة فالقضاء يعني:

1 - القضاء بمعنى الخلق والإتمام كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] أي: خلقهن وأتمهن.

2 - القضاء بمعنى الحكم والإيجاب كقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] أي: أوجب وألزم.

3 - القضاء بمعنى الإعلام والإخبار كقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: 4] أي: أعلمناهم وأخبرناهم.

وأمّا القدر فقد جاء بمعان عديدة أيضا منها:

1 - القدر بمعنى الخلق كقوله تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فصلت: 10].

2 - القدر بمعنى الكتابة والإخبار كقول الشاعر:

واعلم بأنّ ذا الجلال قد قدّر *** في الصحف الأولى التي كان سطّر

3 - القدر بمعنى البيان كما في قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} [النمل: 57] أي: بيّنا وأخبرنا بذلك.

4 - القدر بمعنى وضع الأشياء في مواضعها من غير زيادة فيها ولا نقصان كما في قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17].

وإذا عرفت ما تقدّم من معاني القضاء والقدر فأفعال العباد جميعها واقعة بقضاء الله وقدره فبأيّ معنى من المعاني المتقدّمة واقعة؟

إذا قلنا إنّ أفعال العباد واقعة بالمعنى الأول وهو خلق الفعل فهو غير صحيح من وجوه:

الأول: إنّ الوجدان يكذّب ذلك؛ لأنّ الإنسان هو الذي يفعل ولا يفعل.

الثاني: يلزم من خلق الفعل أن نكون مجبورين على المعصية؛ لأنّ الله تعالى أراد ... ـ والعياذ بالله - وسقط العقاب عن المعصية والثواب على الطاعة إذ إنّ شارب الخمر أو الزاني لم يرتكب هذا العمل بإرادته وإنّما هو مجبور عليها والمصلّي والصائم وفاعل الخير مجبور على الفعل وليس بإرادته فيسقط عن العاصي العقاب وعن الطائع الثواب.

وإذا قلنا بالمعنى الثاني – أي: الوجوب والإلزام - فإنّه يصحّ إلّا في الأحكام الواجبة، كالصلاة والصوم، وفي المحرّمات والمكرّوهات والمستحبّات والمباحات لا يصحّ هذا المعنى؛ لأنّها أيضاً أحكام والعبد مكلّف بفعلها على نحو الترك أو الإيجاد.

فلم يبقَ إلّا المعنى الثالث وهو البيان والإعلام والكتابة أي: إنّ الله تعالى كتب أفعال العباد في اللوح المحفوظ وبيّنها وأعلمها للملائكة وعلى هذا المعنى الأخير ينطبق وجوب الرضا بالقضاء والقدر الإلهي.

قال المحقّق الخواجه نصير الدين الطوسيّ في التجريد: "والقضاء والقدر إن أريد بهما خلق الفعل لزم المحال أو الإلزام صحّ في الواجب خاصّة أو الإعلام صحّ مطلقاً" (14).

القضاء والقدر عند أمير المؤمنين (عليه السلام):

ولقد بيّن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) القضاء والقدر وشرحهما شرحاً وافياً في حديث الأصبغ بن نباتة لمّا انصرف من صفّين فإنّه قام إليه شيخ فقال: أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله تعالى وقدره. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطأنا موطئاً ولا هبطنا وادياً ولا علونا تلعة إلا بقضائه وقدره.

فقال له الشيخ: عند الله أحتسب عنائي ما أرى لي من الأجر شيئاً، فقال له الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): مه - يعني اصبر- أيّها الشيخ بل عظّم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرّين.

فقال الشيخ: كيف والقضاء والقدر ساقنا؟

فقال (عليه السلام): ويحك لعلّك ظننت قضاءً لازماً وقدراً حتماً، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي ولم تأتِ لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ولا المسيء أولى بالذم من المحسن تلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشيطان وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب وهم قدريّة هذه الأمّة ومجوسها.

إنّ الله تعالى أمر تخييراً ونهى تحذيراً وكلّف يسيراً، لم يُعصَ مغلوباً ولم يُطَع مكرهاً، ولم يُرسِل الرسل عبثاً ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظنّ الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.

فقال الشيخ: وما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلا بهما.

فقال الإمام (عليه السلام): هو الأمر من الله تعالى والحكم وتلا قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23].

فنهض الشيخ مسروراً وهو يقول:

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته *** يوم النشور من الرحمن رضوانا أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً *** جزاك ربّك عنّا منه إحسانا (15)

فإذا عرفت القضاء والقدر وهو أمر الله تعالى وحكمه فكيف ترد الصدقة هذا القضاء والقدر وقد أبرم إبراما؟

يمحو الله ما يشاء ويثبت:

في معرض الإجابة على هذا السؤال نحتاج إلى بيان أمر مهم وهو أنّ القضاء والقدر نوعان منه ما هو محتوم ومنه ما هو غير محتوم وبتعبير آخر إنّ هناك أجل وتقدير لحياته محتوم ومقطوع به لا خلاص منه كما في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] وأجل أو تقدير معلّق منوط ببعض الأعمال فإنّ عملها ارتفع عنه هذا المصير وإلّا فإنّ القضاء متوجّه إليه آخذ به.

قال تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 38، 39] ومن الأعمال الصدقة وصلة الرحم وعمل المعروف. وكل ذلك الكلام ورد في الآيات القرآنية وأخبار الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وقد جاء عن السيد عبد الله شبر في كتابه حق اليقين:

«قد ورد في الآيات القرآنية والأخبار المعصوميّة أنّ لله تعالى لوحين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات أحدهما اللوح المحفوظ الذي لا تغيير فيه أصلاً وهو مطابق لعلمه تعالى والآخر لوح المحو والإثبات فيثبت فيه شيئاً ثم يمحوه لحكم كثيرة ولا تخفى على أولي الألباب مثلاً يكتب فيه أنّ عمر زيد خمسون سنة ومعناه أنّ مقتضى الحكمة أن يكون عمره كذا إذا لم يفعل ما يقتضي طوله أو قصره فإذا وصل الرحم - أو تصدّق - مثلاً يمحو الخمسين ويكتب مكانه ستّين وإذا قطعها يكتب مكانه أربعين وفي اللوح المحفوظ أنّه يصل وعمره ستّون كما أنّ الطبيب الحاذق إذا اطّلع على مزاج شخص يحكم بأنّ عمره بحسب هذا المزاج ستّين سنة فإذا شرب سّماً ومات أو قتله إنسان فنقص من ذلك أو استعمل دواء قوى مزاجه فزاد عليه لم يخالف قول الطبيب والتغيير الواقع في هذا اللوح سمّي بالبداء.. » (16).

ولعلّ الحكمة من وجود اللوح الثاني أو البداء هو دفع الناس إلى الأعمال الحسنة وصلاح أمورهم وابتعاد الناس عن الأعمال السيّئة لتأثيرها السيّئ عليهم فيكون العمل الصالح والاندفاع نحو الخيرات غاية الإنسان.

ومِن الآيات الدالّة على الأجل المحتوم وغير المحتوم قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام: 2] فمرّة عبر عن القضاء والقدر بالأجل من دون أي قيد إضافيّ وأخرى عبّر عنه بالأجل المسمّى أي الأجل المعيّن فإنّ الأجل المسمّى هو الأجل المحتوم أو المقطوع المذكور في اللوح المحفوظ الذي لا يطّلع عليه أحد إلا الله تعالى ولا يقبل التغيير والتبديل كما ورد في الأحاديث الشريفة: (عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام: 2] قال:

الأجل غير المسمّى موقوف يقدّم منه ما شاء ويؤخّر منه ما يشاء، وأمّا الأجل المسمّى فهو الذي ينزل ممّا يريد أن يكون من ليلة القدر إلى مثلها من قابل، وذلك قول الله: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: 49] (17).

وعن حمران قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} قال: فقال: هما أجلان: أجل موقوف يصنع الله ما يشاء، وأجل محتوم (18).

فالأجل المسمّى عند الله تعالى هو الأجل المحتوم والذي يسمّى في ليلة القدر من كل سنة.

والأجل الآخر هو الموقوف أو غير المسمّى يتقدّم ويتأخّر حسب أعمال الإنسان وتصرّفاته تجاه نفسه أو تجاه الآخرين فمثلاً قطع الرحم أو عدم الدعاء أو عدم التصدق قد يقدّم في أجل الإنسان بينما صلة الرحم أو الدعاء أو التصدّق قد تؤدّي إلى تأخير أجله.. وفي قصة النبي يونس (عليه السلام) وقومه بعد أن نزل عليهم العذاب بدعاء يونس (عليه السلام) - وكان أجلاً غير محتوم فرفع عنهم بعد أن أشار عليهم عالم عابد من بينهم بالدعاء والتضرّع إلى الله تعالى بعدما كان الفزع قريباً منهم - دلالة على ذلك.

لقمة بلقمة:

وهناك شواهد عديدة على الأجل غير المحتوم نذكر منها:

في تاريخ ابن النجّار عن وهب بن منبّه قال: «بينما امرأة من بني إسرائيل على ساحل البحر تغسل ثيابها وصبي لها يلعب بين يديها إذ جاء سائل فأعطته لقمة من رغيف كان معها فما كان بأسرع من أن جاء ذئب فالتقم الصبي فجعلت تعدو خلفه وهي تقول يا ذئب ابني يا ذئب ابني فبعث الله ملكاً انتزع الصبي من فم الذئب ورمى به إليها وقال لقمة بلقمة» (19).

الإشارة بالتصدّق:

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «عبد الله عابد ثمانين سنة ثم أشرف على امرأة فوقعت في نفسه فنزل إليها فراودها عن نفسها فطاوعته فلمّا قضى منها حاجته طرقه ملك الموت فاعتقل لسانه فمرّ سائل فأشار إليه أن خذ رغيفاً كان في كسائه فأحبط الله عمل ثمانين سنة بتلك الزنية وغفر الله له بذلك الرغيف» (20).

ولذا فإن ّالإشارة إلى أخذ الرغيف أو إلى فعل الخير قد تكون سبباً للمغفرة والرحمة ورفع الأجل غير المحتوم.

أبرم إبراماً:

وقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في وصيّته لأمير المؤمنين (عليه السلام): «الصدقة تردّ القضاء الذي قد أبرم إبراماً» فلعلّ مراد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) من أبرم إبراماً أي قرّر قراراً واستحكمت حلقاته وتوفّرت فيه المقتضيات 99 % مثلاً ولكن لم يصل إلى درجة الأجل الحتميّ الذي هو 100% مثل الناس الذين عاشوا تحت الأنقاض أياماً بسبب (زلزلة) أو عاصفة شديدة أو طوفان الماء فإنّ هؤلاء المقتضي لموتهم كان 80% أو 90% أو 100% ولكن دفع ذلك عنهم مع استحكام حلقاته بسبب من الأسباب كصلة الرحم أو الدعاء أو الصدقة أو معروف كان قد أسداه الإنسان في يوم من الأيام لأحد إخوانه، وقال الشاعر

ولربّ نازلة يضيق بها الفتى ضرعاً وعند الله فيها المخرج

ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها *** فرجت وكان يظنّها لا تفرج

النجاة من المأزق:

وردّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه كان في سفر، وكان معه في القافلة تجّار، ومعهم بضائع، وعلموا أنّ أمامهم في الطريق لصوص، فخافوا وأخذوا يتداولون مع الإمام (عليه السلام) في كيفيّة النجاة من المأزق.

فرأى أحدهم أن يدفن البضائع.

فقال (عليه السلام): ربّما لا تهتدون إليها بعد ذلك.

وقال آخر: ندّعي أنّها لك يا أبا عبد الله!!

فقال (عليه السلام): ربّما يكون ذلك أدعى لسلبها.

فقالوا: أجل ما نصنع بها؟

فأشار عليهم الامام (عليه السلام) أن يودعوها عند الله جلّ جلاله على أن يتصدّقوا بنسبة منها، ففعلوا ذلك، ومرّوا باللصوص فلم يتعرّضوا لهم (21).

الصدقة الجارية:

ومن الأبعاد المهمّة لفرض الصدقة هي إيجاد علائق اجتماعيّة من خلال تكفّل بعض أبناء المجتمع المتمكّنين في بناء المستشفيات الخيريّة ودور الأيتام والعجزة وإنشاء المؤسّسات العلميّة والدينيّة والمطابع ودور النشر لغرض نشر العلم بين أوساط الفقراء وكما أنّ الدواء وإيواء اليتامى إنقاذ لجسد الإنسان فإنّ في دعم المؤسّسات إنقاذاً لروح الإنسان وإغناء لها بالعلم

وإبعاداً لها عن الجهل ولو انتشرت هكذا أعمال خيرية في المجتمع لحققنا مسألة مهمة دعى لها الإسلام، وفرض من أجلها الزكاة والخمس وهي التكافل الاجتماعي، بل إن الإسلام لا يلاحظ الفرد المسلم وحده في العطية والفائدة بل حتى أهل الذمة لهم الحق في العناية والتصدق.

مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما هذا؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين إنّه نصرانيّ، فقال أمير المؤمنين: استعملتموه حتّى إذا كبر وعجز منعتموه؟ أنفقوا عليه من بيت المال، فأجرى عليه راتباً من خزانة الدولة (22).

ولا شكّ أنّ في إرساء المشاريع الخيريّة صدقة جارية تستفيد منها الأجيال القادمة وهذا العمل يبقى أثره الوضعيّ حتّى بعد وفاة الإنسان.

عن بريد العجليّ قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:

إنّ بقاء المسلمين وبقاء الإسلام أن تصير الأموال عند من يعرف فيها الحق ويصنع فيها المعروف» (23).

وجاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «خمسة في قبورهم وثوابهم يجري إلى ديوانهم: مَن غرس نخلاً، ومن حفر بئراً، ومن بنى لله مسجداً، ومن كتب مصحفاً، ومن خلّف ابناً صالحاً» (24).

والفوائد التي تعود على الفرد المتصدّق أيضاً عديدة نذكر هنا بعضها بمراجعة بعض الأحاديث الشريفة:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «تصدّقوا ولو بتمرة فإنّها تسدّ من الجائع وتطفي الخطيئة كما يطفئ الماء النّار» (25).

وقال (صلى الله عليه وآله): «صدقة السرّ تطفئ غضب الرب عزّ وجلّ» (26).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): «البرّ والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء» (27).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «داووا مرضاكم بالصدقة..» (28).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): «تصدّق بشيء عند البكور فإنّ البلاء لا يتخطّى الصدقة» (29).

وبناءً على ما تقدّم من معاني الصدقة وشموليّتها لكلّ معروف وبيان القضاء والقدر وأنّ التقدير الإلهيّ يقبل التغيير والتبديل في الأجل غير المحتوم نعرف مدى ارتباط الدعاء أو الصدقة أو الإحسان أو صلة الرحم في تغيير قسم كبير من مقدراتنا وأنّ هذا التغيير أيضاً يكون من قضاء الله تعالى فإنّه هو الذي قدّر لنا أنا إذا أقبلنا إليه ودعوناه، وتقدّمنا إليه بعمل صالح أو صدقة غير لنا مقدراتنا وبدل لنا مصائرنا فالفائدة الأولى من الصدقة والعمل الصالح تعود على أنفسنا شخصيّاً بردّ القضاء السيّء والفائدة الثانية تعود على الجميع وعلى المجتمع بالذات من العمل الصالح نفسه وذلك بفعل المعروف وتبديل مصير المجتمع ككلّ إلى الأحسن بعد أن يغيّر النّاس ما بأنفسهم من سوء إلى عمل صالح .

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]. فإنّ ما نراه من الظلم وكثرة الأموات بل موت الفجأة والحروب الطاحنة فهي من جرّاء عملنا الطالح بل إنّ الأعمال الفاسدة والسيّئة تقدّم أجل الإنسان كما مرّ ذكره..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كلمة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): ص 162.

(2) راجع شرح اللمعة الدمشقية: كتاب العطية وكذلك شرائع الإسلام.

(3) سفينة البحار: ج2، ص 24، باب الصاد بعده الدال.

(4) البحار: ج 72، ص50، باب 41، ح 4، ط ـ بيروت.

 (5) المصدر نفسه.

(6) البحار: ج 73، ص 12، باب 97، ح 46، ط ـ بيروت.

(7) البحار: ج 72، ص 50، باب 41، ح 4.

(8) المصدر نفسه.

(9) وسائل الشيعة: ج2، ص 634، باب 10، ح 2، ط ـ بيروت.

(10) تنبيه الخواطر: ص 316.

(11) البحار: ج 73، ص 44، باب 101، ح 4، ط ـ بيروت.

(12) البحار: ج 80، ص 369، باب 30، ح 30، ط ـ بيروت.

(13) البحار: ج 72، ص 373، باب 82، ح 24، ط ـ بيروت.

(14) للمزيد راجع كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: ص 341، المسألة الثامنة، وراجع حقّ اليقين في معرفة أصول الدين ج 1، ص 60.

(15) الكافي: ج1، ص155، باب الجبر والقدر، ح 1، ط 3 (بتصرّف).

(16) حقّ اليقين في معرفة أصول الدين: ج 1، ص 78.

(17) البحار: ج4، ص 116، باب 3، ح4.

(18) المصدر نفسه: ح 46.

(19) سفينة البحار: ج 2، ص23، باب الصاد بعده الدال.

(20) نفس المصدر: ص 24.

(21) راجع البحار: ج93، ص 120، باب 14، ح23.

(22) التوجيه الدينيّ: ص 81، ط ـ بيروت.

(23) مستدرك الوسائل: ج12، ص 339، باب 1، ح 1.

(24) مستدرك الوسائل: ج 12، ص 230، باب 15، ح 5.

(25) جامع السعادات: ج 2، ص 149.

(26) البحار: ج93، ص 130، باب 14، ح55.

(27) البحار: ج93، ص 119، باب 14، ح17.

(28) البحار: ج93، ص 118، باب 14، ح13.

(29) البحار: ج93، ص 129، باب 14، ح53.

 

 

 

 

 

 

 

 

 




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.