أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-03-2015
1485
التاريخ: 26-03-2015
2402
التاريخ: 23-09-2015
1253
التاريخ: 26-09-2015
2970
|
وهو
أن يأتي المتكلم أو الشاعر بمعنى من معاني المدح أو غيره من فنون إذا لشعر
وأغراضه، ثم يرى مدحه بالاقتصار على ذلك المعنى فقط غير كامل، فيكمله بمعنى آخر،
كمن أراد مدح إنسان بالشجاعة ورأى مدحه بالاقتصار عليها دون الكرم مثلاً غير كامل،
فكمله بذكر الكرم، أو بالبأس دون الحلم، وما أشبههه، وقد جاء منه في الكتاب العزيز
قوله تعالى: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ
عَلَى الْكَافِرِينَ ) فانظر هذه البلاغة، فإنه سبحانه وتعالى علم وهو أعلم أنه لو
اقتصر على وصفهم بالذلة على المؤمنين وإن كانت صفة مدح، إذ وصفهم بالرياضة
لإخوانهم المؤمنين والانقياد لأمورهم كان المدح غير كامل، فكمل مدحهم بأن وصفهم
بالعزة على الكافرين فأتى بوصفهم بالامتناع منهم، والغلبة لهم، وكذلك قوله سبحانه:
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) ومثال التكميل في
الشعر قول كعب بن سعد الغنوي [طويل]:
حليم
إذا ما الحلم زيّن أهله ... مع الحلم في عين العدو
مهيب
فقوله:
حليم مدح حسن، وقوله: إذا ما الحلم زين أهله احتراس، لولاه لكان المدح مدخولاً، إذ
بعض التغاضي قد يكون عن عجز يوهم أنه حلم، فإن التجاوز لا يكون حلماً محققاً إلا
إذا كان عن قدرة، وهو الذي قصده الشاعر بقوله: إذا ما الحلم زين أهله
ويعضد هذا التفسير قول سالم بن وابصة: [بسيط]
وحلم
ذي العجز ذلك أنت عارفه ... والحلم عن قدرة ضرب من
الكرم
فحاصل
قول الغنوي أن ممدوحه حليم في الموضع الذي يحسن فيه الحلم، ثم رأى أن المدح بمجرد
الحلم لا يكمل به المدح، لأن من لم يعرف منه إلا الحلم، ربما طمع فيه عدوه ونال
منه ما يذم بسببه، فكمل مدحه بأن قال:
مع
الحلم في عين العدو مهيب
ولقد
أحسن هذا الشاعر في احتراسه في صدر البيت وعجزه معاً باحتراسين حسنين.
أما
الذي في الصدر فقد تقدم تنبيهنا عليه، وهو قوله: إذا ما الحلم زين أهله
، وأما الذي في العجز فقوله:
مع
الحلم في عين العدو مهيب
لأن
المهابة قد تكون مع الجهل.
ومن
مليح التكميل قول السموءل: [طويل]
وما
مات منا سيد في فراشه ... ولا طل منا حيث كان قتيل
فإنه
لو اقتصر على صدر البيت كان مدحاً غير كامل، لأن موت الجميع قتلى وإن اقتضى وصفهم
بالصبر، فهو يحتمل أن يكون عن ضعف وقلة جد في الحروب، فاحترس عن ذلك بأن قال:
وما
طلّ منا حيث كان قتيل
وأحسن
من ذلك كله قوله: حيث كان فإنه أبلغ وصف في الشجاعة من التكميل في
النسيب قول كثير [كامل]:
لو أن
عزة خاصمت شمس الضحى ... في الحسن عند موفق لقضى لها
فقوله:
عند موفق تكميل حسن، غلا أنه دون الأول، وإنما كان مثل هذا تكميلاً لأنه لو قال:
عند محكم لتم المعنى، لكن في قوله عند موفق زيادة كمل بها حسن البيت، والسامع يجد
لهذه اللفظة من الموقع الحلو في النفس ما ليس للأولى، إذ ليس كل محكم موفقاً، فإن
الموفق من الحكام من قضى بالحق لأهله، وفي ذلك إشارة إلى أن عزة تستحق الحسن دون
شمس الضحى، فيكون بهذه اللفظة مع التكميل مبالغة، والتكميل هاهنا من تكميل المعاني
النفسية لا تكميل المعاني البديعية ولا الفنون.
ومن
التكميل الحسن قول أبي الحسين المتنبي [وافر]:
أشد
من الرياح الهوج بطشا ... وأسرع في الندى منها
هبوبا
فإنه
فطن إلى أنه لو أقتصر على وصفه بشدة البطش دون أن يضيف إلى البطش الكرم كان المدح
غير كامل، فكمل المدح في عجز البيت بذكر الكرم، ولم يتجاوز في ذلك كله وصفي الريح
التي شبه ممدوحه بها في حالتي بطشه وكرمه، وما حسن بيت أبي الطيب إلا لأنه أشرقت
عليه أنوار أوصاف النبوة، فإنه نظر إلى الحديث الذي يرويه ابن عباس رضي الله عنهما
حيث يقول: كان رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم أجود الناس، وكان أجود
ما يكون في رمضان؛ كان كالريح المرسلة .
وما
وهم فيه المؤلفون في الموضع أنهم خلطوا التكميل بالتتميم، إذ ساقوا في باب التتميم
شواهد التكميل، لأن كلا منهم ذكر قول عوف بن محلم السعدي [سريع]:
إن
الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
من
شواهد التتميم، ومعنى البيت تام بدون لفظة وبلغتها وإذا لم يكن المعنى ناقصاً فكيف
يسمى هذا تتميماً!!، وإنما هو تكميل، وما غلطهم إلا من كونهم لم يفرقوا بين تتميم
الألفاظ وتتميم المعاني، فلو سموا مثل هذا تتميماً للوزن لكان قريباً، وإنما ساقوه
على أنه من تتميم المعاني البديعة ولذلك أتوا بقول المتنبي [طويل]:
ويحتقر
الدنيا احتقار مجرب ... يرى كل ما فيها وحاشاك فانيا
في
باب التتميم، وهو مثل الأول، وإن زاد على الأول أدنى زيادة، لما في لفظة حاشاك بعد
ذكر الفناء من حسن الأدب مع الممدوح، وربما سومح بأن يجعل هذا البيت في شواهد
التتميم لهذه الشبهة.
وأما
الأول فمحض التكميل، ولا مدخل له في التتميم اللهم إلا أن يكون مرادهم بالتتميم
تتميم الوزن، لا تتميم المعنى، فيجوز بهذا الاعتبار أن يسمى كل ما ورد من الحشو
الحسن سوءا كان متمماً للمعنى أو مكملاً تتميماً، لأنه به تم الوزن، ويكون من قسم
تتميم الألفاظ، وما قدمناه من تتميم المعاني.
ومن
مليح التكميل قول النابغة الذبياني في وصف حمار وأتان وحشيين [طويل]:
فإن
هبطا سهلاً أثارا عجاجة ... وإن طلعا حزنا تشظت جنادل
فإنه
لو اقتصر على وصف صلابة حوافرهما بالمشي في السهل كان المدح لهما غير كامل، حتى
يصفهما بالمشي في الحزن، فلا جرم أنه لما أراد تكميل المدح وأوجبت عليه الصناعة أن
يقول في عجز البيت: الحزن كما قال في صدره: السهل، فوصفهما بما يوجب لهما بلوغ
الغاية في صلابة الحوافر هذا ما نقلته من كلام الناس على هذا البيت، وفيه ما فيه،
لأن الاقتصار على وصفهما بالمشي في السهل، وهو يريد وصفهما بصلابة الحوافر، نقص
تام في المعنى المراد، فبقية البيت على هذا تتميم لا تكميل.
والفرق
بين التتميم والتكميل أن التتميم يرد على المعنى الناقص فيتممه والتكميل يرد على
المعنى التام فيكمله، إذ كان الكمال أمراً زائداً على التمام.
والتتميم
لا يكون إلا في المعاني دون الفنون، أعني بالمعاني معاني النفس، لا معاني البديع،
التي هي أنواعه، وأعني بالفنون أغراض المتكلم ومقاصده، والتكميل يكون فيهما معاً،
هذا إذا لم يرد بالتتميم تتميم الوزن كما قدمت.
ومن
أحسن التكميل تكميل وقع في قول شاعر الحماسة: [بسيط]
لو
قيل للمجد: حد عنهم وخلهم ... بما احتكمت من الدنيا لما
حادا
فقوله:
بما احتكمت من الدنيا، من التكميل العجيب، والله أعلم.