دور الإمام الرضا ( عليه السّلام ) قبل ولاية العهد: الاصلاح الاخلاقي |
1528
03:44 مساءً
التاريخ: 2023-02-11
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-8-2016
2905
التاريخ: 10-8-2016
2917
التاريخ: 15-10-2015
3428
التاريخ: 7-8-2016
2999
|
كان الإمام ( عليه السّلام ) يستثمر جميع الفرص المتاحة للاصلاح والتغيير الأخلاقي والاجتماعي وبناء واقع جديد مغاير لما عليه عامة الناس ، ولهذا تعددت أساليبه التربوية الاصلاحية فكانت كما يلي :
أولا : احياء روح الاقتداء برسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله )
قام الإمام ( عليه السّلام ) بتوجيه الانظار والقلوب للاقتداء بارقى النماذج البشرية وهو رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، فهو قدوة للحكّام باعتباره حاكما ورئيس دولة ، وقدوة للفقهاء ، وقدوة لسائر المسلمين من افراد وجماعات .
وإذا كانت الحكومات المعاصرة للإمام ( عليه السّلام ) تضيّق الخناق على الإمام ( عليه السّلام ) في حالة التدخل في السياسة فإنها لا تستطيع أن تمنعه من الحديث المتعلق باخلاق رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وخصوصا أخلاقه كحاكم ، ولذا وجد ( عليه السّلام ) الظروف مناسبة للدعوة إلى الاقتداء به ( صلّى اللّه عليه واله ) ، فقد كان يذكر الأحاديث عن أجداده حول أخلاق رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، ومنها الحديث المروي عن الإمام الحسن ( عليه السّلام ) عن أبيه ( عليه السّلام ) في صفات رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) الأخلاقية :
« . . . وكان من سيرته في جزء الأمة ايثار أهل الفضل بإذنه ، وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ، فيشاغل ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الأمة من مسألته عنهم واخبارهم بالذي ينبغي ، ويقول : ليبلّغ الشاهد منكم الغائب ، وابلغوني حاجة من لا يقدر على ابلاغ حاجته . . . كان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يخزن لسانه الّا عما يعنيه . . . ويكرم كريم قوم ويولّيه عليهم . . . ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس . . . خيارهم عنده وأعمهم نصيحة للمسلمين ، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة . . . وقد وسع الناس منه خلقه وصار لهم أبا رحيما ، وصاروا عنده في الحق سواء . . . كان دائم البشر ، سهل الخلق ، ليّن الجانب . . . وترك من الناس من ثلاث كان لا يذم أحدا ولا يعيّره ولا يطلب عثراته ولا عورته . . . وجمع له الحلم مع الصبر ، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه ، وجمع له الحذر مع أربع : اخذه الحسن ليقتدى به ، وتركه الباطل لينتهى عنه ، واجتهاده الرأي في اصلاح أمته والقيام فيما جمع لهم من خير الدنيا والآخرة »[1].
وهذه الدعوة دعوة صامتة لتقوم الأمة بتشخيص منهجين في الاخلاق :
منهج الحكّام ومنهج رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) الذي هو منهج أهل البيت ( عليهم السّلام ) . وقد فوّت الإمام ( عليه السّلام ) على الحكّام فرصة منعه من التحدث عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) في الجانب الخلقي . وهكذا كانت الدعوة إلى الاقتداء برسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) دعوة صامتة وسلميّة لكشف حقيقة أخلاق الحكّام .
ثانيا : القيام بدور القدوة
انّ دور الإمام ( عليه السّلام ) هو دور القدوة ، وقد ادّى الإمام ( عليه السّلام ) هذا الدور أداءا مطابقا لقيم الاسلام الثابتة ، وأبرز للمسلمين نموذجا من ارقى نماذج الخلق الاسلامي الرفيع ، وكان قمة في الصدق وأداء الأمانة والوفاء بالعهد ، والتواضع ، واحترام الآخرين ، والاهتمام بالمسلمين ، وقضاء حوائجهم .
وكان يعالج الواقع الفاسد في العلاقات معالجة عملية ، ومن مواقفه العملية انه دعا يوما بمائدة ، فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم ، فقيل له :
لو عزلت لهؤلاء مائدة ، فقال : « ان الربّ تبارك وتعالى واحد والام واحدة والأب واحد والجزاء بالأعمال »[2].
وقال لخدّامه : « ان قمت على رؤوسكم وأنتم تأكلون ، فلا تقوموا حتى تفرغوا » .
وكان لا يستخدم أحدا من خدّامه حتى يفرغ من طعامه[3].
ووصفه إبراهيم بن العباس : ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا ( عليه السّلام ) ، ما جفا أحدا ولا قطع على أحد كلامه ، ولا ردّ أحدا عن حاجة ، وما مدّ رجليه بين يدي جليس ، ولا اتكى قبله ، ولا شتم مواليه ومماليكه ، ولا قهقه في ضحكة ، وكان يجلس على مائدة مماليكه . . . كثير المعروف والصدقة في السر . . .[4].
وكان متواضعا للناس ، دخل الحمام فقال له بعض الناس : دلّكني يا رجل . فجعل يدلّكه فعرّفوه ، فجعل الرجل يعتذر منه ، وهو يطيب قلبه ويدلّكه[5].
وكان ( عليه السّلام ) كثير العفو والصفح لا يقابل الإساءة بالإساءة ، رحيما لا يحمل حقدا ولا عداءا لمن يؤذيه من عامة الناس أو من خواصهم ، فقد عفى عن الجلودي الذي سلب حلي نساء أهل البيت ( عليهم السّلام ) عندما هجم على دار الإمام الرضا ( عليه السّلام ) في عهد هارون ، وطلب من المأمون أن لا يمسّه بسوء[6].
وقال شعرا يصف به أخلاقه الكريمة لتقتدي به الأمة :
إذا كان من دوني بليت بجهله * أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل
وان كان مثلي في محلّي من النهى * أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل
وان كنت أدنى منه في الفضل والحجى * عرفت له حق التقدّم والفضل[7]
ثالثا : الدعوة إلى مكارم الأخلاق
كان ( عليه السّلام ) يدعو إلى التمسك بمكارم الاخلاق ومحاسنها ، ويعمق هذه الدعوة من خلال نشر أحاديث رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) التي ترسم للمسلمين المنهج السلوكي السليم ، ومن تلك الأحاديث التي رواها :
قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة ، والمذيع بالسيئة مخذول ، والمستتر بها مغفور له »[8].
وقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « ان اللّه بعثني بالرحمة لا بالعقوق »[9].
وقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « عدة المؤمن نذر لا كفارة لها »[10].
وكان ( عليه السّلام ) يدعو للاندكاك بقيم الاسلام والسنن الصادرة من اللّه تعالى ومن رسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) ومن أولياء اللّه فيقول : « لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال : سنة من ربّه ، وسنة من نبيّه ، وسنة من وليّه ، فأمّا سنة من ربّه فكتمان أمره . . .
وأما السنة من نبيّه فمداراة الناس . . . واما السنة من وليّه فالصبر في البأساء والضرّاء »[11].
وحدّد ( عليه السّلام ) المفهوم الحقيقي للتواضع والذي هو حركة سلوكية شاملة ، تبتدأ بالنفس وتنتهي بالمجتمع ، فقال : « التواضع درجات ، منها : ان يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم ، ولا يحبّ أن يأتي إلى أحد الّا مثل ما يؤتى اليه ، ان رأى سيئة درأها بالحسنة ، كاظم الغيظ ، عاف عن الناس ، واللّه يحب المحسنين »[12].
وكان يضرب الأمثال في خطوات الاصلاح ويقصّ قصص الصالحين لتبقى شاخصة في العقول والنفوس ، ومما جاء في ذلك قوله ( عليه السّلام ) : « إنّ رجلا كان في بني إسرائيل عبد اللّه تبارك وتعالى أربعين سنة ، فلم يقبل اللّه منه ، فقال لنفسه : ما اتيت الّا منك ، ولا الذنب الّا لك ، فأوحى اللّه تبارك وتعالى اليه : ذمك نفسك أفضل من عبادة أربعين سنة »[13].
وكان ينشد الشعر لتأثيره السريع على الاسماع والممارسات ، ويستخدمه كوسيلة لاصلاح الاخلاق ، ومما انشده ( عليه السّلام ) في العلاقات الاجتماعية :
اعذر أخاك على ذنوبه * واستر وغطّ على عيوبه
واصبر على بهت السفيه * وللزمان على خطوبه
ودع الجواب تفضلا * وكل الظلوم إلى حسيبه[14]
وانشد شعرا لربط المسلمين باليوم الآخر وعدم الانخداع بالأماني ، ولاستحضار اليوم الآخر في الأذهان باعتبار تأثيره الكبير في اصلاح الاخلاق قال ( عليه السّلام ) :
كلنا يأمل مدا في الأجل * والمنايا هنّ آفات الأمل
لا تغرنّك أباطيل المنى * والزم القصد ودع عنك العلل
إنّما الدنيا كظل زائل * حل فيه راكب ثم ارتحل[15]
وكان ( عليه السّلام ) يدعو المسلمين إلى إقامة العلاقات الاجتماعية الصالحة ويدعو إلى الإخاء والتآلف والتآزر ، ويدعو إلى نبذ الاخلاق الطالحة التي تؤدّي إلى التقاطع والتدابر ، أو تؤدّي إلى ارباك العلاقات ، كالكذب والغيبة والنميمة والبهتان ، والاعتداء على أموال الناس وأرواحهم وأعراضهم ، وينهى عن جميع الانحرافات الأخلاقية ، لكي تكون الاخلاق مطابقة للمنهج الاسلامي السليم ، الذي ارسى دعائمه رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وأهل بيته ( عليهم السّلام ) .
رابعا : بناء الجماعة الصالحة
كان الإمام ( عليه السّلام ) يقوم بأداء دوره التربوي على مستويين :
الأوّل : مجموع الأمة الاسلامية .
الثاني : الجماعة الصالحة .
فعلى المستوى الأول كان الإمام ( عليه السّلام ) يوجه الأمة للالتزام بالأخلاق الفاضلة والخصائص الحميدة ، ويبعدها عن مزالق الانحراف والرذيلة ، تنفيذا لمسؤوليته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومجموع الأمة يشمل الحكّام والمحكومين وهم جميع المسلمين بما فيهم اتباع أهل البيت ( عليهم السّلام ) .
وعلى المستوى الثاني فإنّ الإمام ( عليه السّلام ) مسؤول عن بناء الجماعة الصالحة التي تتبنى مذهب أهل البيت ( عليهم السّلام ) منهاجا في الحياة ، لكي يربّي كوادر ونماذج رسالية تقوم بدورها في اصلاح الأخلاق وتغيير الانحراف السائد في المجتمع ، وهو في هذا المستوى يقوم بأداء دوره بصورة اكثف ، ويبدي عناية إضافية ووقتا إضافيا ليربي عددا أكبر من المصلحين القادرين على انجاح مهمات الاصلاح والتغيير ، لذا نجده ( عليه السّلام ) يعمل ليل نهار ، ويلتقي بالافراد فردا فردا أو جماعة جماعة من أنصاره ، ويراسل وكلاءه واتباعه في الأمصار ليقوّم سلوكهم ويهذّب أخلاقهم .
وكان يرسم لاتباعه المنهج السلوكي القويم ، فعن الحسن بن الحسين أنه قال : استحل أحمد بن حمّاد منّي مالا له خطر ، فكتبت رقعة إلى أبي الحسن ( عليه السّلام ) وشكوت فيها أحمد بن حماد ، فوقّع فيها : خوّفه باللّه ! ، ففعلت ولم ينفع ، فعاودته برقعة أخرى أعلمته أنّي قد فعلت ما أمرتني به فلم انتفع ، فوقع : إذا لم يحلّ فيه التخويف باللّه ، فيكف تخوفه بأنفسنا[16].
وكان ( عليه السّلام ) يشتري العبيد ثم يعتقهم بعد أن يعدّهم اعدادا تربويا في داره فقد اعتق الف مملوك[17] طول سني حياته ، وهذا العدد الكبير له تأثير في سير الاخلاق ، حيث يصبح هؤلاء بعد التربية والاعداد الخلقي تيارا من المخلصين الواعين يعمل في وسط الأمة ، ويقوم بأداء دور الاصلاح مبتدءا بنفسه وأسرته ثم المجتمع الكبير .
وقد تخرج من هذا الإعداد مئات المربين والمصلحين ، وازداد اتباع الإمام ( عليه السّلام ) في عصره وتوسعت قاعدته الشعبية في مساحة واسعة من الدولة الاسلامية .
[1] عيون أخبار الرضا : 1 / 317 - 319 .
[2] بحار الأنوار : 49 / 102 عن فروع الكافي .
[3] الكافي : 6 / 289 .
[4] إعلام الورى : 2 / 64 وعنه في كشف الغمة : 3 / 106 وفي مناقب آل أبي طالب : 4 / 389 .
[5] مناقب آل أبي طالب : 4 / 391 .
[6] أعيان الشيعة : 2 / 25 .
[7] مناقب آل أبي طالب : 4 / 402 .
[8] الكافي : 2 / 428 .
[9] الكافي : 2 / 159 .
[10] كشف الغمة : 3 / 58 عن الجنابذي عن النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) .
[11] الكافي : 2 / 242 .
[12] الكافي : 2 / 124 .
[13] قرب الإسناد : 392 .
[14] عيون أخبار الرضا : 2 / 176 ح 4 وكشف الغمة : 3 / 59 و : 119 عن إعلام الورى : 2 /
[15] البداية والنهاية : 10 / 250 .
[16] رجال الكشي : 561 ح 1059 .
[17] الاتحاف بحب الاشراف : 155 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|