أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-9-2020
20756
التاريخ: 25-03-2015
2095
التاريخ: 24-03-2015
1982
التاريخ: 24-09-2015
1814
|
وهو
أن يذكر الشاعر أو الناثر ألوانا يقصد الكناية بها أو التورية بذكرها عن أشياء من
مدح أو وصف أو نسيب أو هجاء أو غير ذلك من الفنون، أو لبيان فائدة الوصف بها كقوله
تعالى: (وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ
مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) فإن المراد بذلك والله أعلم الكناية
عن المشتبه والواضح من الطرق، لأن الجادة البيضاء هي الطريق الملحوب التي كثر
السلوك فيها جداً، وهي أوضح الطرق وأبينها، ولهذا قيل: ركب بهم المحجة البيضاء
ودونها المراء، ودون الحمراء السوداء التي كأنها في الخفاء والالتباس ضد البيضاء
في الظهور والوضوح. ولما كانت هذه الألوان الثلاثة في الظهور للعين طرفين وواسطة،
فالطرف الأعلى في الظهور البياض والطرف الأسفل في الخفاء السواد، والأحمر بينهما
على حكم وضع الألوان في التركيب، وكانت ألوان الجبال لا تخرج عن هذه الألوان
الثلاثة، والهداية بكل علم نصب للهداية تنقسم هذه القسمة، أتت الآية الكريمة على
هذا التقسيم، فحصل فيها التدبيج وصحة التقسيم، وهي مسوقة للاعتداد بالنعم على ما
هدت إليه من السعي في طلب المصالح والمنافع، والفرار من المضار والمعاطب.
ومن
التدبيج الحسن قول الحريري: فمذ أزور الحبيب الأصفر، واغبر العيش الأخضر، أسود
يومي الأبيض، وابيض فودي الأسود، حتى رثى لي العدو الأزرق، فحبذا الموت الأحمر،
إلا أن تدبيج الآية الكريمة جاء بلفظ الكناية لبيان فائدة الوصف بالألوان، وتدبيج
المقامة أتى بطريق التورية.
ومن
أمثلة هذا الباب الشعرية قول ابن حيوس الدمشقي [خفيف]:
إن
ترد علم حالهم عن يقين ... فالقهم يوم نائل أو نزال
تلق
بيض الوجوه سود مثار الـ...ـنقع خضر الأكناف حمر النصال
وكقول
بعض العرب [طويل]:
زياد
بن عين عينه تحت حاجبه ... وبيض الثنايا
تحت خضرة شاربه
وقد
ساق بعض النقاد هذا البيت من شواهد العيوب، وقال: وجه العيب فيه كون العين لا تكون
إلا تحت الحاجب، والثنايا تحت الشارب، وقد قال بعضهم في الرد على هذا العائب:
الشاعر أراد أنه غير مشوه، قد خلق في أحسن تقويم، فلم تأت صورته مخالفة للصور،
وعندي أن مثل هذا لا يعد عيباً، ولا يحتاج فيه إلى تكلف مثل هذا العذر، فإنه قد
ورد مثله في الكتاب العزيز للتوكيد والتهويل ليحصل الازدجار عن فعل من حل به ذلك،
وهذا من بليغ الموعظة، وهو قوله سبحانه: (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) والسقف لا يكون إلا من فوق ولا
سيما في هذا الموضع، لأنه سبحانه رفع فيه الاحتمال الذي يتوهم من أن السقف قد يكون
تحت بالنسبة، فإن كثيراً من السقوف يكون أرضاً لقوم وسقفاً لآخرين، فرفع تعالى هذا
الاحتمال بجملتين، وهما قوله تعالى: (عَلَيْهِمُ)
ولفظة (خَرَّ) لأنها لم تستعمل إلا فيما هبط أو
سقط من العلو إلى السفل، ومن ذلك أيضاً حديث أبي بكر أن النبي صلى الله عليه[وآله]
وسلم خطب في حجته فقال: ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله
السموات الأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات، وهي ذو
القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، الذي بين جمادى وشعبان ورجب لا يكون إلا
كذلك، وإنما هو صلى الله عليه[وآله] وسلم لما أراد أن يخبر عن شهر فرد غير موال
للأشهر الحرم التي قبله عرفه بأنه بين هذين الشهرين احتراساً من كونه لو اقتصر على
قوله: ورجب توهم بعض السامعين أنه ربما أراد صفر، لا سيما وقد كانت الجاهلية تحل
صفر عاماً، وتحرمه عاماً، ولذلك قال صلى الله عليه[وآله] وسلم: صفر، في حديث خرجه
الترمذي وأبو داود، وربما ظن الظان أنه أراد برجب صفر وسماه رجباً ليعرف بتعظيمه،
إذ الترجيب التعظيم، فاحترس من وقوع هذا اللبس بأن عرفه بأنه هو الذي بين جمادى،
ليقطعه عما قبله، وبين شعبان، ليقطعه عما بعده، والتأويلات أوسع وأفسح من أن يخطئ
معها عربي متقدم في لغته التي وضعها، وهو أعرف بمواقعها منا، لا سيما وقد قال امرؤ
القيس مما يؤيد ذلك [متقارب]:
لها
ذنب مثل ذيل العروس ... تسد به فرجها من دبر
وفرج
الفرس لا يكون إلا من دبر، لأن فرجها الذي يسد بذنبها هو ما بين قائمتي رجليها من
عجب الذنب، إلى حافر الرجلين، وفي بعض ذلك ما يخرج بيت الشاعر عن العيب.
ومن
التدبيج قول أبي تمام في مرثيته لمحمد بن حميد الطوسي [طويل]:
تردى
ثياب الموت حمراً فما أتى ... لها الليل إلا وهي من
سندس خضر
وكقول
البحتري [طويل]:
تحسنت
الدنيا بعدلك فاغتدت ... وآفاتها بيض
وأكنافها خضر