أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-3-2017
2832
التاريخ: 10-5-2016
3584
التاريخ: 15-1-2019
2814
التاريخ: 22-5-2016
2432
|
لم يحظ سوء النية في تنفيذ العقد من حيث التعريف بما حظي به حسن النية من جهد الفقه في تعريفه ، ومع هذا فقد عرفه البعض بانه عبارة عن الغش وسوء القصد فهو يطابق الخطأ وفقاً لقواعد الاخلاق ، وهو الذي ينحصر في تعمد وقصد الاضرار بالغير ، اي ان سوء النية هو تحقق يقين العلم بتلك الواقعة على وجه الحقيقة ، أي العلم بكافة عناصر الواقعة القانونية او التصرف وما يتمخض عنه من نتائج ، فضلاً عن ارادة الفعل والنتيجة ) (1) .
وبصدد التعريف المشار اليه اعلاه، يتطلب الامر ان نشير الى عدة ملاحظات حوله ، ، وأولها ان التعريف المذكور قد جاء على نحو يتسم بالإطالة نوعاً ما ، كما انه اعتمد اسلوب التعداد الصوري لحالات وقوع سوء النية اذ يذكر مرة الغش وفي الأخرى سوء القصد ومن ثم يشير الى الخطأ لينتقل بعدها الى ذكر تعمد الاضرار بالأخرين معرجاً على تحقق يقين العلم وارادة الفعل والنتيجة ، وكان الأولى الابتعاد عن الاطالة وتحاشي ذكر الصور لنصبح أمام تعريف يمكن ان يقال عنه انه تعريف جامع مانع ، كذلك يبدو واضحاً ان النزعة الشخصية هي المهيمنة في تحديد سوء النية من عدمه ، بمعنى أن سوء النية هي عبارة عن حالة نفسية او ذهنية عند المتعاقد الذي صدر منه السلوك المعيب على نحو عمدي مما يعني ان من اخذ بهذا التعريف قد ضيق من نطاق سوء النية ليجعلها منحصرة في زاوية محدودة هي الخطأ العمد ، في حين تضييق النطاق قد يكون مدعاة لضياع الحقوق لا سيما في قلة التحرز والاهمال غير العمدي ، ويذهب البعض في تعريف سوء النية الى انه ( قصد الاضرار بالغير ومن يصيب الغير بضرر نتيجة اهماله وعدم احتياطه ) (2)، وما يمكن ان نلاحظه على التعريف هذا انه ينحى بسوء النية بعيداً عن مسألة الجهل بالعيب ليدخلها ضمن حيز الخطأ الصادر من الشخص عمدا او اهمالاً، وما يحسب لهذا التعريف انه جعل نطاق سوء النية متسعاً نوعاً ما، وهو مسلك محمود لا سيما واننا نقترب من العدالة خطوة بقدر ما نستطيع جبر الضرر الواقع على احد طرفي العلاقة التعاقدية ، كما انه نأى بالقانون من ان يكون حامياً للشخص الذي يتعامل برعونة وقلة تبصر واحتياط ، ويذهب البعض الى ان التعريفات سالفة الذكر والمبنية على النزعة الشخصية وهو ما نراه ايضاً انها تصلح ان تكون معبرة عن سوء النية في مجال الحيازة ودفع غير المستحق، اي انها تصلح في مجال موضوعات الحقوق العينية وليس العلاقات التعاقدية ، ففي اطار قواعد الحيازة مثلاً لا يعد الحائز سيء النية اذا كان يجهل أن يتعدى على حق الغير الا اذا ما كان الجهل راجعاً الى خطأ جسيم، وحسن النية مفترض على العكس من سوء النية (3). وبعيداً عن النزعة الشخصية التي اضفاها اصحاب الاتجاه السابق على تعريفاتهم ، هنالك من يرى سوء النية بانها ) مخالفة قواعد السلوك التي تلزم الاطراف بالنزاهة والاخلاص والابتعاد عن الخبث(4) ، او انها تتجسد في عدم توخي الامانة وشرف التعامل والاخلاص في تنفيذ الالتزام التعاقدي.
بمعنى عدم التعامل بصدق واستقامة وشرف مع الغير ، بصورة لا تبقي ممارسة الحق ضمن الغاية المفيدة والعادلة التي انشئ من اجلها والتزم بها طرفي العقد ، بحيث تؤدي هذه الممارسة
الى الاضرار بالغير من غير مسوغ مشروع (5)، ويبدو على التعريفات سالفة الذكر انها تجسد النزعة الموضوعية ، والتي لا تكتفي بالوقوف عند عدم الجهل او العلم بل تتعداه الى امكانية العلم ومن ثم فهي لا تقف عند الغش او الاضرار بالآخرين ، أو الحاق الضرر بالآخرين نتيجة الاهمال وعدم الاحتياط ، اذ ان القانون على وفق هذا الاتجاه يستلزم الاستعلام والاستقصاء وهو التزام قانوني ينزل الاخلال به منزل سوء النية.
هذا وبالإضافة الى النزعتين السابقتين هنالك من يعطي لسوء النية مفهوماً قانونياً، وليس الابقاء عليها ضمن الاتجاهين الشخصي والموضوعي ، ومفهومه القانوني يتبلور في قصد عدم الالتزام بالحدود التي يفرضها القانون (6) ، ويقال في هذا الصدد عدم قصد الالتزام وليس عدم الالتزام في ذاته ، اذ يحصل ان يقصد شخص ما الالتزام بحدود القانون وعلى الرغم من ذلك تقع منه المخالفة لعدم ادراكه لكل حقائق الموضوع أو لجهله بالقانون ، أو لعدم اتخاذه الاحتياطات اللازمة ، فقصد الالتزام شيء مستقل عن التحقيق الفعلي لهذا الالتزام (7)
ويرى البعض من الفقه القانوني المصري (8) ، ان مصداق الرأي هذا هو ما نص عليه المشرع المصري في المادة (204) من القانون المدني المصري رقم (131) لسنة 1948 ) والتي تنص على انه الالتزام بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر ينقل من تلقاء نفسه هذا الحق. إذا كان محل الالتزام شيئا معينا بالذات يملكه الملتزم ، وذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل ) ، والمقابلة للمادة ( 247 ) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 والتي جاء نصها مطابقاً للنص المصري تماما ، اذ نصت الالتزام) بنقل الملكية او أي حق عيني آخر ينقل من تلقاء نفسه هذا الحق اذا كان محل الالتزام شيئاً معيناً بالذات يملكه الملتزم وذلك دون اخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل ) (9) ، وكذلك نص المادة (934) من القانون المدني المصري والتي جاء فيها (1- في المواد العقارية لا تنتقل المكية ولا الحقوق العينية الأخرى سواء أكان ذلك فيما بين المتعاقدين أم كان في حق الغير ، إلا إذا روعيت الأحكام المبينة في قانون تنظيم الشهر العقاري.2 - ويبين قانون الشهر المتقدم الذكر التصرفات والأحكام والسندات التي يجب شهرها سواء أكانت ناقلة للملكية أو غير ناقلة ، ويقرر الأحكام المتعلقة بهذا الشهر) ، والمطابقة لموقف المشرع العراقي بالجمع بين المادة (مادة 2/1126 ) التي تنص على ( والعقد الناقل الملكية عقار لا ينعقد الا اذا روعيت فيه الطريقة المقررة قانوناً ، مع نص المادة (2/3 ) من قانون التسجيل العقاري العراقي رقم 43 لسنة 1971 المعدل التي جاء فيها ( لا ينعقد التصرف العقاري الا بالتسجيل في دائرة التسجيل العقاري) (10) ، فالمشرع في هذه الحالة قد نص على وجوب اتباع اجراء معين حين تنتقل الملكية، ومن ثم يكون الشخص حسن النية اذا قصد الالتزام بحدود القانون ، أي حين يقوم بتسجيل العقار موضوع العقد في دائرة التسجيل العقاري ، اما اذا لم يقم بهذا الواجب المناط به اعتبر سيء النية ان ما يدعم هذا الرأي هو قرار ليس بالجديد لمحكمة النقض المصرية جاء فيه ( الغير سيء النية في معنى المادة 17 من قانون تنظيم الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946 هو ) الذي كان يعلم بعيب سند المتصرف وقت تعاقده معه ، بان كان يعلم ان البائع له غير مالك او ان سند ملكيته مشوب بعيب يبطله او بما يوجب فسخه اما من يتعامل مع بائع لم يثبت انه سبق ان تصرف في العقد المبيع تصرفاً انتقلت به الملكية فلا يعتبر سيء النية في معنى المادة المذكورة ، لأنه في هذه الحالة قد تعامل مع مالك حقيقي لا تشوب ملكيته شائبة ، ولو كان يعلم وقت تعاقده معه أنه سبق ان باع العقار لمشتر سابق لم يسجل عقد) (11).
ويتضح من حكم محكمة النقض المصرية الذي ذكر ان سوء النية قد تمت اقامته على فرض تشريعي هو عدم الالتزام بالإجراءات التي رسمها القانون عند نقل ملكية العقارات، ولذلك اعتبر المشتري الثاني حسن النية عندما قام بتسجيل عقده حتى مع علمه ان البائع قد باعه لمشتر اخر لم يقم بتسجيل عقده في دائرة التسجيل العقاري ، اذ القانون اعتبر المشتري الأول الذي لم يسجل عقده مقصراً ومهملاً وهذا ينزله منزلة المشتري سيء النية (12).
ان اصحاب الرأي هذا لم يقيموا للجانب الاخلاقي وزناً ، ولعل هذا الاتجاه والذي تدعمه بعض النصوص القانونية التي اشرنا اليها وما قضت به محكمة النقض المصرية ، وعلى الرغم من انه يؤدي الى استقرار التعامل بفرضه مراعاة تطبيق القانون والالتزام بالإجراءات واجبة الاتباع ، الا انه قد يضار منه الطرف الاخر الذي لم يقم بالتسجيل ، فالمشتري الثاني الذي اشرنا لوضعه القانوني قد استغل ثغرة قانونية اتاحت له الحصول على العقار الذي تم بيعه من قبل ، وفي مثل هذا المسلك مجافاة للمبادئ الخلقية ، وان كان النص القانوني هو الحاكم وليس قواعد الاخلاق ، غير انه يجب ان تبقى القواعد الخلقية بمثابة الملهم للمشرع القانوني ليترجمها الى قواعد قانونية .
_________
1- الهادي السعيد عرفة ، حسن النية في العقود ، بحث منشور في مجلة البحوث القانونية ، العدد الأول ، كلية الحقوق، جامعة المنصورة ، مصر ، 1986.، ص 152 .
2- شيرزاد عزيز سلمان ، حسن النية في ابرام العقود ، دراسة مقارنة في ضوء القوانين والاتفاقات الدولية الطبعة الأولى ، دار دجلة ، الأردن ، 2008 ، ص 129
3- ينظر د. اكرم محمود حسين البنو ومحمد صديق عبد الله ، اثر موضوعية الارادة التعاقدية في مرحلة المفاوضات ، بحث منشور في مجلة الرافدين للحقوق ، المجلد 13 ، العدد 49 ، كلية الحقوق ، جامعة الموصل ، ص 408 . كذلك جمال خليل النشار، النية واثرها في البناء في ملك الغير ، من غير ذكر طبعة ،2015 دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية. ، مصر ، 1999 ، ص 31 .
4- Léa Amic. La loyauté dans les rapports de travail. Droit. Thèse pour obtenir le grade Docteur en Droit ni ersit e d'ignon, 2014. Français
5- مصطفى العوجي ، القانون المدني ، العقد ، الجزء الأول ، الطبعة الثالثة ، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت - لبنان ، 2007 ، ص 114
6 - Ripert,La regle moraie dans les obligations, p 157.
7- د. نعمان جمعة ، اركان الظاهر كمصدر للحق ، من غير ذكر طبعة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، مصر ، 1977 ، ص 137.
8- ينظر د. سمير عبد السيد تناغو ، عقد البيع ، الطبعة الأولى ، منشأة المعارف، الاسكندرية ، مصر ، من غير ذكر سنة تشر ، ص 164. . د. توفيق حسن فرج ، عقد البيع والمقايضة ، الطبعة الأولى ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، مصر ، 1985 ، ص 198 و 199.
9- اكتفى المشرع الفرنسي في القانون المدني الجديد والمعدل بموجب المرسوم رقم ( 2016 - 131 ) والصادر في 10) شباط / فبراير 2016 ) ، والمتعلق بإصلاح قانون العقود والنظام العام واثبات الالتزامات ، في المادة (1196) منه على النص بانه ( في العقود التي يكون موضوعها نقل الملكية او حوالة اي حق آخر ، يتم النقل عند ابرام العقد .
يجوز تأجيل النقل بإرادة الطرفين ، أو بسبب طبيعة الاشياء او بحكم القانون . يشمل نقل الملكية نقل مخاطر الشيء . غير أن المدين بالالتزام يتحمل عبئه من وقت اشعاره ، طبقاً للمواد 21344 مع مراعاة القواعد المنصوص عليها في المادة 1351-1) ، وجاء نصها الفرنسي كالاتي :
Art. 1196.(-Dans les contrats ayant pour objet l'alienation de la propriété ou la cession d'un autre droit, le transfert s'opère lors de la conclusion du contrat.
Ce transfert peut être différé par la volonté des parties, la nature des choses ou par l'effet de la loi.
<< Le transfert de propriété emporte transfert des risques de la chose. Toutefois le débiteur de l'obligation de délivrer en retrouve la charge à compter de sa mise en demeure, conformément à l'article 1344-2 et sous réserve des règles prévues à l'article 1351-1.)
10- ليس للنصوص المذكورة مقابل في القانون المدني الفرنسي .
11- نقض مدني ، جلسة 13 من مايو سنة 1954 من مجموعة المكتب الفني ، السنة (5) المطبعة الاميرية بدار القضاء العالي ، سنة 1954 ، ص 856 ، القضية رقم 156 ، سنة 21 قضائية .
12- د. سمير عبد السيد تناغو ، عقد البيع ، مصدر سابق، ص 212 .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|