المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



حجيّة السيدة الزهراء عليها السلام على الأئمة الأطهار  
  
2506   04:10 مساءً   التاريخ: 6/12/2022
المؤلف :  الشيخ محمد السند
الكتاب أو المصدر : مقامات فاطمة الزهراء في الكتاب والسنة
الجزء والصفحة : ص 19-39
القسم : سيرة الرسول وآله / السيدة فاطمة الزهراء / مناقبها /

لما كانت علّة الخلق هي عبادة الله تعالى لقوله : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )[1] فانّ العبادة لا تتم إلا بمعرفته تعالى ، ومعرفته لا تتم إلا برسله وأوليائه ، إذ هم حججه على العباد في كل زمان فهم الطريق اليه والمسلك إلى سبيله .

عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) . . . قال : " انّما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ، ثبت أن له سفراء في خلقه ، يُعبّرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم ، وما به بقاؤهم وفى تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه جلّ وعزّ وهم الأنبياء ( عليهم السلام ) وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدبين بالحكمة ، مبعوثين بها ، غير مشاركين

للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب في شيء من أحوالهم ، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان ممّا أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين ، لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علمٌ يدلّ على صدق مقالته وجواز عدالته "[2].

فالحجّة اذن هو الدليل إلى الله تعالى يُحذّر به عباده وينذرهم ويهديهم .

فمقام الحجية إلهي تصل بوساطته العلوم الإلهية اللدنيّة إلى عباده .

وإذا كان أهل البيت ( عليهم السلام ) حجج الله على خلقه فانّ أمّهم فاطمة حجة الله عليهم ، وهي ما صرّحت به رواية العسكري ( عليه السلام ) : " نحن حجة الله على الخلق ، وفاطمة ( عليها السلام ) حجّة علينا "[3]، ويشهد لهذا المعنى ما ورد عن مصادر علومهم ( عليهم السلام ) كالجفر والصحيفة والجامعة ، وأن منها مصحف فاطمة ( عليها السلام ) مما يدلّ على كونها واسطة علمية بين الأئمة ( عليهم السلام ) وبين اللّه تعالى في العلم المحفوظ في مصحفها المتعلق بما يكون إلى يوم القيامة ، فهي حجة في هذا العلم الجم على الأئمة ( عليهم السلام ) يأخذون به ، نظير حجية النبي ( صلى الله عليه وآله ) في شأن القرآن الكريم الذي هو مصدر علوم الأئمة ( عليهم السلام ) كما في الروايات الآتية .

ولا يخفى أن وساطتها ( عليها السلام ) لذلك العلم ليس عبر نقش وخط ذلك المصحف ، إذ الوجود الكتبي لمصحفها وجود تنزلي تنزيلي لحقائق ذلك العلم الذي ألقي إليها ، فوساطتها بلحاظ عالم الأنوار لهم ( عليهم السلام ) فقد روى فرات الكوفي في تفسيره ، قال : حدّثنا محمّد بن القاسم بن عبيد معنعناً عن أبي عبداللّه ( عليه السلام ) أنّه قال : " ( انّا أنزلناه في ليلة القدر ) الليلة فاطمة والقدر اللّه ، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ، وانّما سميت فاطمة ، لأن الخلق فطموا عن معرفتها ، وقوله ( وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ) يعني خير من ألف مؤمن ، وهي أمّ المؤمنين ، ( تتنزل الملائكة والروح فيها ) والملائكة المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) والروح القدس هي فاطمة ( عليها السلام ) ( باذن ربّهم من كلّ أمر سلام هي حتّى مطلع الفجر ) يعني حتّى يخرج القائم ( عليه السلام ) "[4]

فقد روى زرارة عن حمران قال سألت أبا عبداللّه ( عليه السلام ) عمّا يفرّق في ليلة القدر هل هو ما يقدر اللّه فيها ؟ قال : " لا توصف قدرة اللّه ، إلا أنه قال ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) فكيف يكون

حكيماً إلا ما فُرق ، ولا توصف قدرة اللّه سبحانه لأنه يحدث ما يشاء . وأما قوله ( ليلة القدر خير من الف شهر ) يعني فاطمة ( عليها السلام ) ، وقوله ( تتنزّل الملائكة والروح فيها ) والملائكة في هذا الموضع المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد ( عليهم السلام ) و ( الروح ) روح القدس ، وهو في فاطمة ( عليها السلام ) ( من كل أمر سلام ) يقول من كل أمر مسلّمة ( حتّى مطلع الفجر ) يعني حتّى يقوم القائم ( عليه السلام ) "[5] وكما هو الحال في وساطة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لايصال القرآن لهم ، ففي صحيحة زرارة قال : " سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : لولا أننا نزداد لأنفدتا ، قال قلت : تزدادون شيئاً لا يعلمه رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) ، قال : أما إنّه إذا كان ذلك عرض على رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) ثم على الأئمة ثم انتهى الأمر الينا " .

وفي رواية عن أبي عبداللّه ( عليه السلام ) قال : " ليس يخرج شيء من عند اللّه عزّوجلّ حتّى يُبدأ برسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) ثم بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ثم واحداً بعد واحد لكي لا يكون آخرنا أعلم من أولنا "[6] فالوساطة ليست في خصوص الوجود الكتبي للقرآن ، بل في ايصال الحقائق النورية للقرآن إلى أنوار أرواحهم ( عليهم السلام ) ، فالإلقاء والتلقي نوريٌ بلحاظ نشأة الملكوت المطوي في وجوداتهم وأرواحهم

كما يشير اليه قوله تعالى : ( انّه لقرآن كريم في كتاب مكنون )[7].

وقد بيّن الإمام أبو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ما يتضمنه هذا المصدر العلمي الإلهي في رواية بقوله : " انّ فاطمة مكثت بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خمسة وسبعين يوماً ، وكان دخلها حزنٌ شديد على أبيها ، وكان جبرئيل ( عليه السلام ) يأتيها فيُحسن عزاءها على أبيها ويُطيّب نفسها ويُخبرها عن أبيها ومكانه ، ويُخبرها بما يكون بعدها في ذريتها ، وكان علي ( عليه السلام ) يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة ( عليها السلام ) "[8].

وفي رواية أخرى يبيّن الإمام ( عليه السلام ) جانباً آخر من جوانب ما يتضمنه هذا المصدر الإلهي ، ففي حديث قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : " ومصحف فاطمة ما أزعم انّ فيه قرآناً وفيه ما يحتاج الناس الينا ولا نحتاج إلى أحد حتى أنّ فيه الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش . . . "[9].

ولعل الرواية الأخرى تفيدنا جانباً آخر مما يتضمنه مصحف فاطمة ( عليها السلام ) :

عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " إلى أن قال : وانّ عندنا لمصحف فاطمة ( عليها السلام ) وما يدريهم ما مصحف فاطمة ( عليها السلام ) قال : قلت : وما مصحف فاطمة ( عليها السلام ) ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد "[10].

وقوله ( عليه السلام ) : " والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد " ليس المراد منه خلو القرآن الكريم عن ذلك العلم المودع في مصحف فاطمة ( عليها السلام ) إذ القرآن تبيان كل شيء ، بل المراد أن ليس فيه من ألفاظ وآيات وكلمات القرآن شيء ، إذ علمها ( عليها السلام ) بذلك بنزول جبرئيل عليها هو ما سيأتي بيانه من كونها مطهرة تُمسُ القرآن الكريم في الكتاب المكنون ، واللوح المحفوظ الذي يستطرُ فيه كل غائبة ورطب ويابس وما كان وما يكون ، فعلمها بذلك هو من العلم بحقيقة القرآن العلوية ، لا هو شيء خارج عن حقيقة القرآن ، غاية الأمر أن تلك الحقيقة بالألفاظ الموجودة بين الدفتين وما علمت به ( عليها السلام ) كالشرح لبطونه وحقائقه التكوينية العلوية . ويشهد لذلك رواية أخرى عن مصحفها ( عليها السلام ) وهي ما رواه الطبري في دلائل الإمامة من معتبرة أبي بصير قال : " سألت أبا جعفر محمّد بن علي ( عليهما السلام ) عن مصحف فاطمة فقال : أنزل عليها بعد موت أبيها .

قلت : ففيه شيء من القرآن .

فقال : ما فيه شيء من القرآن .

قلت : فصفه لي .

قال : له دَفتان من زبرجدتين على طول الورق ، وعرضه حمراوين .

قلت : جعلت فداك فصفه لي ورقه .

قال : ورقه من در أبيض ، قيل له : كني فكان .

قلت : جعلت فداك فما فيه ؟

قال : فيه خبرُ ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وفيه خبر سماء سماء ، وعدد ما في السماوات من ملائكة وغير ذلك ، وعدد كل ما خلق اللّه مرسلا وغير مرسل ، وأسمائهم ، وأسماء من أرسل إليهم ، وأسماء من كذب ومن أجاب ، وأسماء جميع من خلق اللّه من المؤمنين والكافرين من الأولين والآخرين ، وأسماء البلدان وصفة كل بلد في شرق الأرض وغربها ، وعدد ما فيها من مؤمنين ، وعدد ما فيها من كافرين ، وصفة كل من كذب ، وصفة القرون الأولى وقصصهم ، ومن وليَ من الطواغيت ومدة ملكهم وعددهم ، وأسماء الأئمة وصفتهم وما يملك كل واحد واحد ، وصفة كبرائهم ، وجميع من تردد في الأدوار .

قلت : جعلت فداك وكم الأدوار ؟

قال : خمسون الف عام ، وهي سبعة أدوار فيها أسماء جميع ما

خلق اللّه وآجالهم ، وصفة أهل الجنّة ، وعدد من يدخلها ، وعدد من يدخل النار ، وأسماء هؤلاء وهؤلاء ، وفيه علم القرآن كما أنزل ، وعلم التوراة كما أنزلت ، وعلم الإنجيل كما أنزل ، وعلم الزبور وعدد كل شجرة ومدرة في جميع البلاد .

قال أبو جعفر : ولما أراد اللّه تعالى ، أن يُنزل عليها جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوه فينزلون بها عليها ، وذلك في ليلة الجمعة ، الثلث الثاني من الليل ، فحيطوا به وهي قائمة تصلي ، فما زالوا قياماً حتّى قعدت ، ولما فرغت من صلاتها سلّموا عليها ، وقالوا : السلام يقرئك السلام ووضعوا المصحف في حجرها .

فقالت : للّه السلام ومنه السلام ، واليه السلام ، وعليكم يا رسل الله السلام .

ثم عرجوا إلى السماء . فما زالت بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرأه حتّى أتت على آخره ، ولقد كانت ( عليها السلام ) مفروضة الطاعة على جميع ما خلق اللّه من الجن والإنس والطير والوحش ، والأنبياء والملائكة .

قلت : جعلت فداك ، فلمن صار ذلك المصحف بعد مضيها .

قال : دفعته إلى أمير المؤمنين ، فلما مضى صار إلى الحسن ( عليه السلام ) ثم الحسين ( عليه السلام ) ثم عند أهله حتّى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر ( عليه السلام ) .

فقلت : انّ هذا العلم كثير .

قال : يا أبا محمّد انّ هذا الذي وصفته لك لفي ورقتين من أوله ، وما وصفت بعد في الورقة الثالثة[11] ولا تكلمت بحرف منه[12] " .

ويجدر التنبيه إلى أن اختلاف ألسن الروايات في كيفية مصحفها امّا راجع إلى تعدد صحفها ( عليها السلام ) أو الاختلاف في أبعاض المصحف الواحد أو وجوه أخرى لا تخفى على القارئ بعد ملاحظة مجموع الكلام في هذا المقام . ويدلّ على ظاهرها ومفادها من اشتمال مصحفها على كل صغيرة وكبيرة ورطب ويابس وجميع ما خلق مما كان وما يكون وما هو كائن ، وعلوم الكتب السماوية وكما سيأتي في المقامات اللاحقة من كونها مطهرة كما في صورة الأحزاب ، والمطهّر كما في سورة الواقعة يمس حقيقة القرآن العلوية المكنونة في الكتاب واللوح المحفوظ الموصوف بأنّه تبيان لكل شيء كما في سورة النحل ، وهو الكتاب المبين كما في سورة الدخان ، والكتاب المبين وهو الذي يستطر فيه كل غائبة في السماوات والأرض كما في سورة النمل ، وكل ما في البرّ والبحر وكل رطب ويابس كما في سورة الأنعام ، فمضمون هذه الرواية مما دلّت عليه تلك الآيات مضافاً إلى كون القرآن هو الكتاب المهيمن على بقية الكتب السماوية ،

فهو يحيط بها ، فالذي يمسُ حقيقته العلوية تتنزل عليه مثل تلك الحقائق .

وفي رواية ثالثة قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : " . . وليخرجوا مصحف فاطمة فانّ فيه وصية فاطمة "[13].

فلم يكن مصحف فاطمة عليها السلام مصدراً لجانب علمي معيّن ، بل يعمّ علوماً عدّة أشار لبعضها الإمام ( عليه السلام ) كالحوادث الواقعة إلى يوم القيامة أي ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فضلاً عن الأحكام التي يتضمنه مصحفها ليشمل حتى إرش الخدش ، على أنا لا نغفل عن قول الإمام ( عليه السلام ) من انّ مصحف فاطمة فيه وصيّتها ( عليها السلام ) ، ووصيتها هذه تتضمن أمراً خطيراً هاماً لم يصرح به الامام إلا انّه يُشعر من كلامه مدى خطورة وصيّتها هذه ، إذ قوله ( عليه السلام ) " وليخرجوا مصحف فاطمة " نوع تهديد وتحدي لبعض الجهات يكمن من خلاله أن في وصيتها ( عليها السلام ) توصيات الهية تعيّن الامام الذي إمامته من عند الله تعالى ، فالإيصاء بإمامة الأئمة ( عليهم السلام ) ، مما يدل على أن العهد بإمامة الأئمة ( عليهم السلام ) من ذريتها هو من شؤونها ( عليها السلام ) إذ متعلق الوصية لابد أن يكون ممّا يشمله ولاية الموصي ، ومن ثم كان الإمام السابق يوصي بإمامة اللاحق ، وكوصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) بإمامة علي ( عليه السلام ) والأئمة من ولده ( عليهم السلام ) ويصرّح

بهذا المقام لها ( عليها السلام ) النص الوارد في نزول اللوح الأخضر عليها المتضمن لتعيين أسماء الأئمة ( عليهم السلام ) ، ومن ثمّ يصح أن الأئمة من ذريتها أوصياء لها كما هو الحال في كون الامام اللاحق وصي الامام السابق ، وكما ورد في زيارة الحسين ( عليه السلام ) وزيارة الرضا ( عليه السلام ) " السلام عليك يا وارث فاطمة . . . " الدال على وراثة إلهية بينها وبين الأئمة وعلى الاجمال فإن مقام الوصاية بالإمامة مقام خطير إلهي نظير ما كان لمريم بنت عمران من مقام حيث ألقي إليها كلمة الله عيسى ، وكان لها مسؤولية البشارة بنبوّة عيسى للناس .

مما يعني أن لمصحف فاطمة ( عليها السلام ) شأناً في تحديد منصب الإمامة الإلهية ، ويدلل في الوقت نفسه ما لفاطمة ( عليها السلام ) من صلاحية خاصة في تحديد معالم القيادة الاسلامية المتمثلة زعامتها الحقة في إمامة المعصومين ( عليهم السلام ) ويؤكد كذلك عِظم حجيتها ( عليها السلام ) في أخطر شأن من شؤون الدين والأمة وهو تحديد مناصب الإمامة الإلهية ، علماً انّ هذا التحديد سيكون على مستوى الوصية الإلهية التي تلقى إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليحمّلها فاطمة ( عليها السلام ) ، ومن هنا سنرى مدى خطورة مسؤوليات فاطمة ( عليها السلام ) في رسم مبدأ مسار الأمة ومنتهاه إلى يوم القيامة ، وسيتّضح انّ من هذا القبيل أمراً خطيراً ومهماً ، وهو مدى أهمية موقف فاطمة ( عليها السلام ) إبّان أحداث البيعة وتوجهات السقيفة ، واعلان استنكارها لما

أقدمت عليه جماعة السقيفة وقتذاك ، إذ يعني استنكار فاطمة ( عليها السلام ) على ما أقدم عليه القوم مخالفتهم للمسار الذي جعله الله تعالى ورسمه لهذه الأمة ما تعاقبت أجيالها بحسب ما عهد إليها ( عليها السلام ) من وصية في تعيين الامام وهو ما تكفّله مصحف فاطمة ( عليه السلام ) وستؤكد الرواية التالية ما نذهب اليه من أن هذه الوصية هي وحي إلهي ألقي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وألقاه إليها ( عليها السلام ) .

قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) في حديث : " . . . وخلّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ولكنه كلام من كلام الله أُنزل عليها ، املاء رسول الله وخط علي ( عليه السلام ) "[14].

مضمون هذه الرواية أن بعض مصحفها هو من إملاء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بعد وفاته على فاطمة ( عليها السلام ) لا من نزول جبرئيل عليها نظير الرواية المتقدمة في أصول الكافي من أن ما ينزل من العلم المتجدد من الله تعالى على الامام الحي القائم بالأمر يتنزل أولاً على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في نشأته الأخروية ثم على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ثم على الإمام اللاحق فاللاحق إلى أن يصل في تنزله على الامام الحي القائم بالأمر . . .

مما يدلل على وساطة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في علوم المعصومين ( عليهم السلام ) اللدنية منه تعالى ، وفي الرواية إشارة إلى أن علياً ( عليه السلام ) كان يخط ما يمليه ويلقيه له بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) في تلك النشأة على فاطمة ( عليها السلام ) ، وهذا نظير ما كان من شأن علي ( عليها السلام ) من أنه كان يسمع ما يسمعه النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الوحي ويرى ما يراه النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما ورد ذلك في روايات عديدة وكما نقل ( عليه السلام ) ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قوله " انك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي " في آخر الخطبة القاصعة من نهج البلاغة ، ويقتضيه مفاد حديث المنزلة " أنت منّي بمنزلة هارون من موسى " إذ كان ما يتنزل على موسى يسمعه ويراه هارون كما هو مفاد الآيات الكريمة المشتركة بينهما فيما ينزل : فالذي يتنزل هو على فاطمة ( عليه السلام ) ، لكنه يسمعه علي ( عليه السلام ) ، ونظير ما سيأتي من نزول الملائكة على مريم بل والوحي المباشر من الله تعالى لها ، مع أنها لم تكن نبياً ولكن كانت آية من حجج الله تعالى . ثم أن في التصريح بأن ما نزل عليها كلام من كلام الله تعالى القدسي غير القرآني ، تبيان لمقام حجيتها الإلهية .

على أن مصحف فاطمة هو أحد دلائل إمامة الامام عند حيازته له .

عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : " ما مات أبو جعفر ( عليه السلام ) حتى قبض مصحف فاطمة ( عليها السلام ) "[15].

فمصحف فاطمة أحد المنابع العلمية التي يتزود منها الامام

إبّان مهمته الإلهية ، فضلاً عن كونه أحدى دلائل إمامته الحقّة .

من هنا تبيّن أن حجية فاطمة ( عليها السلام ) على أبنائها الحجج المعصومين ( عليهم السلام ) ، فهي الواسطة العلمية بين الله تعالى وبين الأئمة ( عليهم السلام ) ومن خلال العلم المحفوظ في مصحفها المتعلق بما يكون إلى يوم القيامة ، فحجيتها نظير حجية النبي ( صلى الله عليه وآله ) في شأن القرآن المجيد الذي هو مصدر علوم الأئمة ( عليهم السلام ) كما هو المقرر .

كما تؤكد أن العلم الذي يتلقونه ( عليهم السلام ) عن مصحف فاطمة غير مقتصر على ما نقش من وجود كتبي في ذلك المصحف ، بل هذا الوجود الكتبي تنزلي تنزيلي لحقائق ذلك العلم الذي أُلقي عليها كما تقدم ، فوساطتها اذن بلحاظ عالم الأنوار لهم ( عليهم السلام ) ، ويشهد لوساطتها لعلومهم وحجيتها روايات بدء الخلقة وخلقة أنوارهم واشتقاقها على الترتيب من نور النبي ( صلى الله عليه وآله ) ونور علي ، ثم اشتقاق نور الحسنين من نورهم مما يدل على كون رتبتها بعد علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وأن بقية أنوار الأئمة ( عليهم السلام ) أُشتقت منها فهي واسطة فيض تكوينية لوجودهم وكمالاتهم وهو مقام رفيع وسرّ عظيم .

ففي حديث عن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) مسنداً عن سلمان قال : " دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلمّا نظر اليّ قال : يا سلمان انّ الله عزّ وجل لم يبعث نبياً ولا رسولاً إلا جعل له اثني عشر نقيباً ، قال :

قلت : يا رسول الله قد عرفت هذا من الكتابين[16] قال : يا سلمان فهل علمت نقبائي الاثني عشر الذين اختارهم الله للإمامة من بعدي ؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ، قال : يا سلمان خلقني الله من صفاء نوره فدعاني فأطعته وخلق من نوري علياً فدعاه إلى طاعته فأطاعه ، وخلق من نوري ونور علي ( عليه السلام ) فاطمة فدعاها فأطاعته ، وخلق مني ومن علي ومن فاطمة الحسن والحسين ، فدعاهما فأطاعاه ، فسمّانا الله عزّ وجل بخمسة أسماء من أسمائه : فالله المحمود وأنا محمد ، والله العلي وهذا علي ، والله فاطر وهذه فاطمة ، والله الاحسان وهذا الحسن ، والله المحسن وهذا الحسين .

ثم خلق من نور الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق الله سماء مبنية أو أرضاً مدحية ، أو هواء أو ماء أو ملكاً أو بشراً ، وكلنا بعلمه أنواراً نسبحه ونسمع له ونطيع "[17].

فالخلقة والاصطفاء كما جرى على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ( عليه السلام ) ، جرى مثله على فاطمة ( عليها السلام ) ، وهذا لعمري مقام خطير وشأن رفيع .

كما أن اشتقاق نور علي من نور محمد ونور فاطمة من نور علي ونور الحسن والحسين من نور فاطمة وأنوار التسعة من

ذرية الحسين من نور الحسين ، دلالة على ترتيب النورانية وكون المتقدم واسطة فيض للمتأخر ، لذا فانّ فاطمة ( عليها السلام ) تُعد واسطة فيض نورانية للأئمة ( عليهم السلام ) لتقدمها عليهم بالنورانية ، وهذا معنى كونها واسطة إفاضة على أولادها المعصومين ( عليهم السلام ) فهي بالتالي حجّة عليهم .

ومما يؤكد أنهم من نور واحد ما روي عن الرضا صلوات الله عليه : " . . انّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى عمران : أني واهب لك ذكراً ، فوهب له مريم ، ووهب لمريم عيسى ، فعيسى من مريم ومريم من عيسى ، ومريم وعيسى شيء واحد ، وأنا من أبي ، وأبي مني ، وأنا وأبي شيء واحد "[18].

فإذا كان عيسى من مريم ومريم من عيسى شيء واحد ، فكيف بمن كانوا أنواراً يسبّحون الله قبل الخلق بألفي ألف عام ؟

عنهم ( عليهم السلام ) : " انّ الله خلقنا قبل الخلق بألفي ألف عام ، فسبّحنا فسبحت الملائكة لتسبيحنا "[19].

فهم ( عليهم السلام ) من فاطمة ، وفاطمة منهم .

وهذا دليل قولنا : أنها ( عليها السلام ) واسطة فيض تكوينية لوجودهم وكمالاتهم صلوات الله وسلامه عليهم وعلى أمّهم سيدة نساء

العالمين .

فيتلخص بذلك وجهان لمقام حجّيتها على الأئمة ( عليهم السلام ) :

الأول : كون مصحفها مصدر من مصادر علوم الأئمة ( عليهم السلام ) ومعنى ذلك وساطتها العلمية المنصوبة من قبله تعالى للأئمة .

الثاني : اشتقاق نورهم ( عليهم السلام ) من نورها في بدء الخلقة وهو يستلزم مقام الحجية لهيمنة المتقدم على اللاحق .

 

[1] الذاريات : 56 .

[2] الكافي ، كتاب الحجة 1 : 128 .

[3] تفسير أطيب البيان 13 : 235 .

[4] تفسير فرات الكوفي : 581 طبعة طهران 1416 ه - .

[5] تأويل الآيات الظاهرة : 791 والظاهرة أنّه أخرجه عن تفسير محمّد بن عباس .

[6] الكافي 1 : 255 .

[7] الواقعة : 77 .

[8] الكافي كتاب الحجة باب في ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة ( عليها السلام ) 1 : 188 .

[9] بصائر الدرجات باب في الأئمة ( عليهم السلام ) أعطوا الجفر والجامعة ومصحف فاطمة ( عليها السلام ) : 150 .

[10] الكافي 1 ، كتاب الحجّة باب مصحف فاطمة : 239 .

[11] في نسخة الثانية بدلاً من الثالث .

[12] دلائل الإمامة للطبري : 27 .

[13] المصدر السابق : 157 .

[14] بصائر الدرجات : 156 .

[15] نفس المصدر : 158 .

[16] أي التوراة والإنجيل .

[17] البحار 25 : 6 .

[18] البحار 25 : 1 .

[19] نفس المصدر .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.