التركيب العرقي: قد لا تحـتـوي كل الدول على قـومـيـة واحدة، وليس هناك دولة تضم كل ابناء القـومـيـة الواحدة داخل حدودها. والأقليات العرقية هي عبارة عن مجموعات بشرية هاجرت من مناطق سكنها الأصلية الى حيث الاكثرية العـرقـيـة لشعب آخر، كما هو الحال بالنسبة للشركس، والشيشان، والأرمن، الذين هاجروا من بلادهم الى منطقة الشرق الأوسط، او هي ا المجموعات العرقية التي تعرضت اراضيها للغزو من قبل مجموعات عرقية أخرى، كالهنود الحمر الذين اصبحوا أقلية في بلادهم عندما تعرضوا الى الغزو الاوروبي. وقليل هي الدول التي تحتوي على قـومـيـة واحدة، ولذلك فان معظم دول العالم تحتوي على قوميات متعددة داخل حدودها السياسية.

ويصف مصطلح القومية Nation مجموعة من الناس يعيشون على بقعة جغرافية محددة ويتكلمون لغة مشتركة، ولهم شعور دفاعي محدد، وتاريخ واهداف ومشاعر مشتركة، وادراك واضح لهويتهم القومية. وتشتمل القومية على احساس بقيمة الشعب وصفاته ومميزاته. والقومية شكل من اشكال التجمع البشري. ولكل قومية صفات حضارية ورموز تميزها عن غيرها من القوميات. وقد يرتبط بعض الناس بأكثر من قومية، كارتباط اليهود الأمريكان بالقومية الأمريكية والاسرائيلية، وارتباط الاسكتلنديين بإسكتلندا وبريطانيا في نفس الوقت.

وقد استخدم النازيون العرق والصفات البيولوجية للألمان لتفضيل العنصر الجرماني على غيره من الشعوب، اعتمادا على اسس عرقية. وقد ادی ایمان النازيين بتميز وسيادة العنصر الجرماني إلى دعوتهم وسعيهم الى السيطرة على الآخرين، و الی احتقار اجناس واعراق اخرى. وتمارس بعض الشعوب التمييز ضد بعضها اعتمادا على اسس ثقافية، واخرى عرقية. وقد امكن تصنيف المجتمعات الدولية إلى ثلاثة مجموعات اعتمادا على تركيبها العرقي. فهناك المجتمعات البسيطة التي تتكون من مجموعة عرقية غالبة، تشكل الأكثرية، كالمجتمع الفرنسي مثلا، وهناك المجتمعات الملتئمة التي تضم مجموعات عرقية متعددة انصهرت في مجتمع واحد جدید كمجتمعات العالم الجديد، واخيرا مجتمعات مركبة متعددة الاعراق كالمجتمع اليوغسلافي والتشيكوسلوفاكي.

وفيما يتعلق بالأمن والدفاع العسكري، فان الامر الغالب على الأقليات التي تهاجر الى مناطق ودول بعيدة عن موطنها الأصلي، هو الانخراط في تلك المجتمعات والتعايش معها. وتعمل تلك الاقليات على اثبات اخلاصها وولائها لأنظمة الحكم القائمة في الدول التي تعيش فيها. ويحدثنا التاريخ عن بعض الخلفاء العباسيين الذين استعانوا ببعض الأقليات العرقية لتدعيم ركائز حكمهم. وقد تمكنت الأقليات الشركسية، الشيشانية، الأرمنية من الانخراط في المجتمعات الشرق اوسطية، واثبتت ولاءها وانتماءها لتلك المجتمعات وانظمة الحكم فيها. وقد كان الشركس والشيشان قد هاجروا من مواطنهم في وسط اسيا هربا من الزحف الشيوعي، بحثا عن اماكن اكثر امنا واستقرار. وينطبق ذلك على الأرمن الذي تركوا مواطنهم في القفقاس وشمال تركيا قبل وأثناء الحرب العالمية الأولى، للاستقرار في بلاد دول الهلال الخصيب. ولم تكن الأقليات العرقية في الشرق الأوسط سببا في خلق المشاكل او عنصرا سلبيا مؤثرا على القوة الجيوبولتيكية للدول التي يعيشون فيها.

اما بالنسبة للأقليات التي تعيش في موطنها كالهنود الحمر في الولايات المتحدة ، فقد كانت ولفترة طويلة، عنصرا مزعزعا للأمن نتيجة لما واجهوه من قبل المهاجرين الأوروبين، مما ادى الى تنامي شعور قومي لديهم يفصلهم عن القادمين الجدد. وتحاول الحكومة الأمريكية تعويض الهنود الحمر عن بعض ما فقدوه من خلال منحهم بعض امتيازات الحكم الذاتي في اقاليم جغرافية محددة.

ويختلف الأمر بالنسبة للمجتمعات المتعددة الأعراق والاصول كالمجتمعات التشيكوسلوفاكية واليوغسلافية السابقة، والمجتمعات العراقية، المغربية، الجزائرية في الوطن العربي. وقد عانى المجتمع اليوغسلافي الذي يتكون من الصرب، الكروات، والبشناق ...الخ من الحرب الأهلية في عام 1943، وفي عامي 1993 و 1994، ادت الى تقسيم الدولة إلى جمهوريات متعددة على اسس عرقية. وقد كانت تشيكوسلوفاكيا قد انشئت بعد الحرب العالمية الثانية من التشيك في الغرب والسلوفاك في الشرق. غير أن التباين العرقي بين الشعبين ادى الى انفصالهما في دولتين عام 1992. وفي الوطن العربي عانى المجتمع العراقي من تعدد القوميات، وخاصة فيما يتعلق بالأقلية الكردية في الشمال. وقد ادت المعارك المتعددة بين القوات الحكومية والكردية الى التأثير سلبا على قوة الدولة الجيوبولتيكية.