المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

أسرار.. الشفرة
2024-09-30
Bernoulli,s Method
10-12-2021
تفسير الاية (27-31) من سورة الجاثية
12-5-2017
إسماعيل بن علي الخضيري
21-06-2015
حكم من مات وله نخل وعليه دين مستوعب تعلّق بالنخل
29-11-2015
شركات الأموال في قانون ضريبة الدخل
11-4-2016


معايير تحديد القواعد ذات التطبيق الضروري  
  
1826   11:07 صباحاً   التاريخ: 15/11/2022
المؤلف : خليل ابراهيم محمد خليل
الكتاب أو المصدر : تكامل مناهج تنازع القوانين
الجزء والصفحة : ص 144-160
القسم : القانون / القانون الخاص / القانون الدولي الخاص /

اختلف الفقهاء في المعيار الذي بموجبه يتم تمييز القواعد ذات التطبيق الضروري من غيرها من القواعد القانونية الأخرى، أو بمعنى آخر متى نكون أمام قاعدة من القواعد ذات التطبيق الضروري؟. في الإجابة عن هذا التساؤل ذهب الفقه مذاهب شتى، فمنهم من اعتمد على معيار شكلي يتمثل في التحديد التشريعي لنطاق تطبيق القواعد الوطنية معيارا لاعتبارها من القواعد ذات التطبيق الضروري، وهناك من اعتمد على معايير فنية للكشف عن هذه القواعد، وأتجه جانب آخر إلى معيار غائي، فضلا عن أن هناك من اعتمد على معيار الخروج عن القواعد العامة لتحديد هذه القواعد، كما أن المعيار العقلاني اتبعه جانب آخر من الفقه للكشف عن هذه القواعد. ولا يخفى على أحد أهمية تحديد المعيار الذي يتم بموجبه معرفة هذا النوع من القواعد، وذلك لوضع هذه القواعد في إطارها الصحيح ومن ثم تطبيقها وفقا لآلية منهج القواعد ذات التطبيق الضروري، لتبقى القواعد أو القوانين التي تقع خارج نطاقها خاضعة لأسلوب الإسناد في تحديد القانون واجب التطبيق. ولبيان هذه المعايير نتناولها في الفروع الآتية:

الفرع الأول: المعيار الشكلي. الفرع الثاني: المعايير الفنية. الفرع الثالث: المعايير الغائية. الفرع الرابع: معیار خروج هذه القواعد عن بعض الأصول المقررة في الدولة الصادرة عنها. الفرع الخامس: المعيار العقلاني.

الفرع الأول

المعيار الشكلي

تعد القواعد ذات تطبيق ضروري وفقا لهذا المعيار، إذا قام المشرع الذي أصدرها بتحديد نطاق سريانها المكاني على نحو صريح(1) ، وهذا المسلك من جانب المشرع يكشف عن إرادته في تطبيق هذه القواعد على المراكز كافة التي تدخل في مجال سريانها المكاني دون حاجة إلى إعمال قواعد الإسناد المزدوجة حتى لو كانت هذه القواعد تفضي إلى اختصاص قانون أجنبي في شأن المركز المطروح علی القاضي، ومن الأمثلة على ذلك نص المادة (3/1) من القانون المدني الفرنسي (2).

ويذهب جانب من الفقه (3) إلى وصف هذا المعيار بالقصور، ذلك أنه يقوم على تخمين مضمون إرادة المشرع، إذ لا تكشف عناية المشرع بتحديد النطاق المكاني لقانونه عن نظرته المطلقة والجازمة لتلك القوانين بوصفها من القوانين ذات التطبيق الضروري، والقول بان هذا التحديد يدل على وجود قواعد ذات تطبيق ضروري يؤدي إلى نتائج غير منطقية ويتضح ذلك من خلال المثال الآتي: فالمادة (3) في فقرتها الأولى من القانون المدني الفرنسي تنص على أن تطبق قوانين البوليس والأمن على كل من يقيم في الإقليم الفرنسي، وتقضي الفقرة الثانية بأن يطبق القانون الفرنسي على العقارات الكائنة على الإقليم الفرنسي حتی وان كانت مملوكة للأجانب، كما تقضي الفقرة الثالثة بخضوع أهلية الفرنسيين للقانون الفرنسي حتى وان كانوا في الخارج  (4).

فلو طبقنا المعيار الشكلي بحرفيته على الفقرات الثلاثة لهذه المادة، يتبين أنها من القواعد ذات التطبيق الضروري لان المشرع قام بتحديد النطاق المكاني لهذه المادة، كما يؤكد إضفاء المشرع الطابع القاصر عليها، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فان نية المشرع الفرنسي عند وضعه للمادة الثالثة لم تتجه إلى اعتبارها من القواعد ذات التطبيق الضروري، إذ وعلى الرغم من طابعها القاصر أضفي عليها القضاء الفرنسي نوعا من الازدواجية فاستخدمها في تحديد اختصاص القانون الفرنسي أو اختصاص القانون الأجنبي (5) ، وهذا ما يكشف عن قصور هذا المعيار في تحديد هذا النوع من القواعد (6).

وهناك مثال آخر للمعيار الشكلي لا يترتب على تحديد المشرع لنطاق تطبيق هذه القواعد فحسب بل في منح هذه القاعدة مجالا واسعا للانطباق يزيد عن ذلك المترتب على إعمال قواعد الإسناد (7)، ومن الأمثلة على ذلك ما نص عليه قانون النقل البحري ومشارطات إيجار السفينة الفرنسي المؤرخ في 18/6/1966 المعدل، في المادة  (16/1) والتي تنص على أن في غير الحالات التي ترتبط بها فرنسا بمعاهدة دولية تقضي بخلاف ذلك، يطبق القانون الفرنسي على عقد النقل البحري متى كان النقل قد بدأ من ميناء فرنسي أو انتهى بها (8). ومثل هذا النص ورد في قانون نقل البضائع بطريق البحر الأمريكي لعام 1436 الذي يطلق عليه اختصارا "COGSA(9) الذي ينطبق على كل سند شحن لنقل البضائع من الولايات المتحدة واليها. وهناك مثال آخر ورد في القانون الايطالي إذ تقضي المادة (185) (10) من القانون الصادر في 1941/4/22 في شأن حق المؤلف بتطبيق القانون الايطالي على جميع أعمال الكتاب الإيطاليين، وكذلك أعمال الكتاب الأجانب المتوطنين في ايطاليا، إذا ما كان أول نشر لهذه الأعمال في ايطاليا. وهذا النص يقابله في التشريع العراقي نص المادة (49) من قانون حماية حق المؤلف العراقي رقم (3) لسنة 1971 المعدل (11).

ويشير الفقيه "Loussouarn" إلى أن هذا الاتجاه الأخير وأن كان أكثر انضباطا من سابقه إلا أنه يحصر نطاق قواعد البوليس ذات التطبيق الضروري في نطاق ضيق للغاية، إذ لا يوجد سوى هذا النص الخاص بالنقل البحري المذكور آنفا وهي نتيجة يصعب قبولها. فضلا عن المثال الذي يتعلق بحق المؤلف المذكور آنفا(11). فضلا عن ذلك فان مثل هذا التوسع في نطاق تطبيق قانون القاضي لا يصلح أصلا لاعتبار القواعد التي تحدد نطاق سريانها من القواعد ذات التطبيق الضروري، إذ لا يتصور أن تكون القواعد التي يتضمنها قانون القاضي في شأن النقل البحري من قوانين البوليس ذات التطبيق الضروري فان كانت المادة (16/1) من الممكن عدها كذلك، إلا أن هذا الأمر لا ينطبق على بقية قواعد قانون النقل البحري الفرنسي(12). وثمة نقد أخر يوجهه جانب من الفقه (13) إلى هذا المعيار، فلو كانت القاعدة التي تريد الانطباق وفقا للمعيار الشكلي منتمية إلى قانون القاضي فلا مشكلة في الأمر، إذ يطبق القاضي هذه القاعدة انصياعة الأوامر مشرعه، أما وان كانت القاعدة منتمية إلى القانون الأجنبي غير المختص بمقتضى قاعدة الإسناد، فان من الصعوبة بمكان تطبيق هذه القواعد حسب معيار التحديد التشريعي لها لأنها لا تلزم القاضي الوطني بتطبيقها، ولعل هذا ما يفسر قبول البعض للمعيار الشكلي محل البحث حينما كان الفقه لا يتصور التطبيق المباشر للقاعدة القانونية الأجنبية التي لا تنتمي إلى القانون المختص بموجب قاعدة الإسناد إلا إذا كانت هذه القاعدة منتمية إلى قانون القاضي المطروح عليه النزاع، أما وقد اتجه الفقه المعاصر إلى الإعمال الأحادي لبعض القواعد الأجنبية، إذ أصبح من غير المقبول أن يتم هذا الإعمال بناء على مجرد إرادتها في الانطباق، وإنما يشترط في إعمال القاعدة الأجنبية في هذا الفرض أن تكتسب وصف قواعد البوليس ذات التطبيق الضروري.

ومع عجز المعيار الشكلي في تحديد القواعد ذات التطبيق الضروري، فقد اتجه الفقه إلى معايير فنية في البحث عن هذه القواعد، وهذا ما نتناوله في الفرع الثاني.

الفرع الثاني

المعايير الفنية

ذهب اتجاه في الفقه إلى الاعتماد على بعض الأفكار الفنية المعروفة في فقه القانون الدولي الخاص، لإيجاد معيار يكشف عن القواعد ذات التطبيق الضروري، فاستندوا إلى فكرة الإقليمية في البحث عن القواعد ذات التطبيق الضروري، و اتجه جانب آخر إلى فكرة النظام العام للقيام بهذه المهمة، ونتناول فكرة الإقليمية، والنظام العام فيما يأتي:

أولا: المعيار الفني المستند إلى فكرة الإقليمية: ظهرت فكرة الإقليمية لتبرير تطبيق القوانين ذات التطبيق الضروري، على أساس أن هذه القوانين إنما هي قوانين إقليمية، مرتبطة بإقليم الدولة التي وضعتها، كما أنها تطبق داخل الدولة لتحقيق المصلحة العامة لها، وتعد القوانين ذات التطبيق الضروري وفقا لمبدأ الإقليمية قوانين ذات تطبيق إقليمي وتبقى خارج مجال التنازع، وتطبق دون اللجوء إلى المنهج التقليدي القاعدة الإسناد، ومن ثم تساهم فكرة الإقليمية في الكشف عن القواعد ذات التطبيق الضروري(14).

واستندت بعض أحكام القضاء الفرنسي إلى فكرة الإقليمية معيارا لتحديد قوانين البوليس أو القوانين ذات التطبيق الضروري(15)، إذ مادامت قوانين البوليس ذات تطبيق إقليمي، فان الإقليمية تصبح على هذا النحو معيارا للكشف عن هذه القوانين، لذلك إذا ما قدر القاضي أن قاعدة ما في قانونه هي إقليمية، فانه يطبقها على جميع التصرفات والوقائع القانونية التي تتم في إقليم الدولة، أو على الأشخاص المقيمين فيها، أو الأموال الموجودة فيها على حسب الأحوال، ودون الاعتداد بما تشير إليه قاعدة الإسناد من اختصاص القانون أجنبي (16). وهذا المعيار تعرض كسابقه للنقد (17) ويظهر عيب معيار الإقليمية في البحث عن القواعد ذات التطبيق الضروري بالآتي:

1. إن فكرة الإقليمية هي من الأفكار الغامضة، فما المقصود بالقانون الإقليمي؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل وكما يقول البعض من الفقه(18) صعبة جدا، فالقوانين الإقليمية كثيرة، إذ أن قانون القاضي، وقانون موقع المال، وقانون الموطن، كلها قوانين إقليمية، وفكرة الإقليمية هي فكرة غير ثابتة بل أنها متغيرة، ولعل هذا هو الشبه الوحيد بينها وبين القوانين ذات التطبيق الضروري، ومن ثم فليس من المجدي البحث عن القوانين ذات التطبيق الضروري في فكرة الإقليمية، إذ أن ذلك يعني تعريف فكرة غامضة القوانين ذات التطبيق الضروري- عن طريق فكرة أكثر غموضا الإقليمية - هذا من جانب، ومن جانب آخر، فالقول بان قانون ما هو قانون إقليمي لا يعني وضعه خارج إطار منهج قاعدة الإسناد، إذ أن الكثير من القوانين الإقليمية تقع ضمن نطاق هذا المنهج.

2. ليس بالضرورة وصف قانون ما بأنه إقليمي يعني أنه من القوانين ذات التطبيق الضروري، فقأنون موقع المال قانون إقليمي إلا أنه ليس من القوانين ذات التطبيق الضروري(19) .

3. معيار الإقليمية يصطدم مع وجهة نظر البعض من أنصار القوانين ذات التطبيق الضروري، الذين يرون إمكانية امتداد هذه القوانين في بعض الأحيان إلى خارج الحدود، ومثال ذلك القانون البلجيكي الصادر في 17 حزيران 1960، الذي يمتد على كل طلاق بين زوجين يحمل أحدهما الجنسية البلجيكية، وبذلك يكون تطبيق هذا القانون ممتدأ إذ يحكم حالات الطلاق متى كان أحد الزوجين بلجيكيا و أن تم هذا الطلاق في الخارج (20).

ثانيا: المعيار الفني المستند إلى فكرة النظام العام: ويعني هذا المعيار انه إذا تعلق قانون القاضي بالنظام العام، فإن ذلك يؤدي إلى فرض تطبيقه حتى وان قادت قاعدة الإسناد إلى تطبيق قانون أجنبي، إذ تتطابق فكرة القوانين ذات التطبيق الضروري مع فكرة النظام العام، فكلاهما يهدف إلى حماية المبادئ الأساسية لمجتمع دولة القاضي من حيث الأهداف السياسية والاقتصادية الاجتماعية (21).

وعلى هذا الأساس نجد أن القضاء الفرنسي (22). اعتمد على فكرة النظام العام في محاولة للبحث عن القواعد ذات التطبيق الضروري، إذ شبه القضاء الفرنسي في بعض الحالات القوانين ذات التطبيق الضروري بالقوانين المتعلقة بالنظام العام، وفكرة النظام العام على الرغم من غموضها فإنها تحظى باهتمام كبير من جانب القضاء الذي يضفي عليها من خلال الاستخدام المتزايد لها معاني متعددة، الأمر الذي أدى إلى المزيد من غموضها(23). فذهبت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في 1963/10/2 (24) إلى أن المبدأ الذي يقرر حق المجني عليه في العمل غير المشروع في الحصول على تعويض عادل هو من النظام العام، ويجب مراعاة الهدف الاجتماعي في المادة 1382(25) من القانون المدني حتى ولو كانت نصوص القوانين الأجنبية تضيق من إعماله... وتكون القوانين المتعلقة بالمسؤولية التقصيرية من قوانين البوليس وفقا للمادة  (3/1) من القانون المدني".

ويذهب جانب من الفقها (26). إلى انتقاد الاعتماد على فكرة النظام العام في الكشف عن القواعد ذات التطبيق الضروري، فهو يؤدي إلى غموض فكرة النظام العام، إذ أن القضاء هنا يضفي عليها معنی و مغزي جديدين، وبهذه المثابة فان فكرة النظام العام كما هي مصاغة في القانون الوطني - لا تتطابق م ع قوانين البوليس أو القواعد ذات التطبيق الضروري ومن ثم لا يمكن تسخيرها في الكشف عن مضمون هذه القوانين، فعلى سبيل المثال، تعد القواعد المتعلقة بالطلاق والبنوة من القواعد المتعلقة بالنظام العام في التشريعين العراقي والمصري، ومع ذلك لم يدع أحد أنها من قوانين البوليس أو القوانين ذات التطبيق الضروري، هذا فضلا عن أن الدفع بالنظام العام ليس في حقيقة الأمر سوى طريقة لاستبعاد القانون واجب التطبيق الناجم عن إعماله بموجب قاعدة الإسناد، إذ يقتضي الدفع بالنظام العام انعقاد الاختصاص أولا للقانون الأجنبي ومن ثم يتم استبعاد هذا القانون إعمالا لتلك الفكرة، أما بالنسبة للقواعد ذات التطبيق الضروري فان الأمر على خلاف ذلك، إذ تطبق مباشرة دون أن يسبق هذا التطبيق انعقاد الاختصاص القانون أجنبي، وبطبيعة الحال لم يكن هذا الخلط مقصودا من جانب القضاء وعلى الرغم من أنه لم يقتصر على درجات القضاء العادية، إنما وقعت في هذا الخلط محكمة النقض ذاتها.

كما انتقد هذا المعيار لأنه يؤدي إلى التوسع غير المبرر في فكرة النظام العام، والتضييق من تطبيق القانون الأجنبي، فضلا عن عجزها عن تقديم تفسير معقول للتطبيق الأحادي للقواعد الأجنبية ذات التطبيق الضروري، وعلى وجه الخصوص تلك القواعد التي لا تنتمي إلى القانون المختص، والمحدد بمقتضى قواعد الإسناد في دولة القاضي، وبهذا يكون للنظام العام دورا جديدا لا يقتصر على حماية المبادئ العليا المجتمع القاضي، وإنما يتجاوز ذلك إلى القيام بدور وقائي يكفل الحماية المتطلبة للسياسة التشريعية التي يسعى المشرع الوطني إلى إدراكها، وذلك عن طريق الإعمال المباشر لبعض قواعد القانون الداخلي ودون حاجة إلى الالتجاء إلى قواعد الإسناد  (28).

وإزاء هذا الاختلاف بين القواعد ذات التطبيق الضروري و فكرة النظام العام، وعدم إمكان الاستناد إلى الفكرة الأخيرة لإعمال هذه القواعد، حاول الفقه البحث عن المعايير الغائية للكشف عن هذه القواعد

الفرع الثالث

المعايير الغائية

حاول بعض الفقهاء البحث عن معايير غائية لتحديد القواعد ذات التطبيق الضروري، كمعيار مصلحة الدولة الذي يركز على الغاية أو الهدف من القانون، ومعيار تنظيم الدولة، وسنبحث هذين المعيارين فيما يأتي:

أولا: معیار مصلحة الدولة "معيار الغاية والهدف من القانون": يعد معیار مصلحة الدولة الذي يرتكز على فكرة القوانين السياسية من أول المعايير الغائية لتحديد ماهية قواعد البوليس ذات التطبيق الضروري وصاحب هذا المعيار الفقيه الفرنسي ارمنجون "Arminjon (29) إذ يرى أن القوانين ذات التطبيق الضروري تعد من قبيل القوانين السياسية التي تمثل أستثناء على مبادئ القانون العام وقواعده لمصلحة الدولة (30)، وان القوانين السياسية وضعت لتخدم مصالح الدول التي أصدرتها، ولما كانت القوانين السياسية بعيدة عن مجال تنازع القوانين فإنها تخرج عن إعمال قواعد القانون الدولي الخاص (31). والقوانين ذات التطبيق الضروري وفقا لهذا الاتجاه هي قوانين سياسية تخرج عن مجال تنازع القوانين لتنطبق على الأشخاص والوقائع والتصرفات كافة، التي صدرت من اجلها والتي تسعى على هذا النحو إلى إدراك مصلحة الدولة التي أصدرتها (32). وقد اخذ القضاء في بعض الدول (33) بفكرة القوانين السياسية لتطبيق هذه القواعدة (34).

والاستناد إلى فكرة القوانين السياسية النابع من مصلحة الدولة لم يسلم من النقد (35)، فمن ناحية أولى إذا كان من المتصور تطبيق القوانين السياسية أو القوانين ذات التطبيق الضروري التي تنتمي إلى قانون القاضي بصرف النظر عن القانون المختص بمقتضى قاعدة الإسناد، إلا أنه من العسير وفقا لهذه الأفكار تطبيق القوانين السياسية الصادرة عن الدول الأجنبية حتى وان كان هذا القانون منتميا إلى النظام القانوني المختص بمقتضى قاعدة الإسناد (36). ومن ناحية ثانية يصعب تحديد فئة معينة من القوانين لتتصف بالطابع السياسي، إذ أن كل قانون يستهدف في الواقع هدفا سياسية، والاختلاف بين قانون و آخر ليس في الطبيعة بقدر ما هو اختلاف في الدرجة، ومن ناحية ثالثة فان القوانين السياسية من وجهة النظر هذه تعبرعن الإقليمية البحتة التي لا يتصور في إطارها قيام تنازع القوانين، وهو الأمر الذي يخل بالتنسيق المتطلب بين النظم القانونية المختلفة، والتي تسعى قواعد الإسناد المزدوجة إلى إدراكه، ومن جهة رابعة فان القوانين السياسية في حد ذاتها فكرة غامضة، خصوصا وان الفصل بين القوانين التي تحقق المصالح الخاصة وتلك التي تحقق المصلحة العامة هي من الأمور التي يصعب تحقيقها بعد أن تزايدت موجة تدخل الدولة في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية على نحو يتعذر معه إعمال مثل هذه التفرقة (37).

وسبق أن قال بهذه الفكرة الفقيه الفرنسي بيليه "A Pillet" الذي نادى بالرجوع إلى الهدف أو الغاية الاجتماعية للقانون الوطني، وهذا المعيار يسمح بالتفرقة بين نوعين من القوانين، وهي تلك التي تهدف إلى حماية المصلحة الفردية، وتلك التي تهدف إلى حماية مصلحة الجماعة، فالقوانين التي تهدف إلى تحقيق المصلحة الفردية تتمتع بوصف الديمومة والاستمرار ويمكن أن تمتد في تطبيقها إلى خارج الإقليم، كالقوانين المتعلقة بحالة الأشخاص و أهليتهم، وهنا يمكن التضحية بصفة العمومية ويقبل بتطبيق القانون الأجنبي أمام القاضي الوطني، أما القوانين التي تهدف إلى حماية مصلحة الجماعة فينبغي لتحقيق الغرض الذي وضعت من أجله، أن يغلب بشأنها وصف العمومية فيقتصر تطبيقها على الإقليم ويضحي بوصف الدوام والاستمرار، ومن أمثلتها القوانين المتعلقة بالملكية(38) ولعل عدم القدرة على تحديد هدف القوانين كانت من أبرز الانتقادات التي وجهت إلى نظرية بيليه(39) .

وإزاء النقد الذي وجه إلى هذا المعيار نادى جانب آخر من الفقه بمعيار تنظيم الدولة للكشف عن القواعد ذات التطبيق الضروري.

ثانيا: معيار تنظيم الدولة "المعيار العضوي": نادي الفقيه"Francescakis  (40) مؤسس نظرية القواعد ذات التطبيق الضروري بأن مجال هذه القوانين يكون، بحسب الأصل محددأ صراحة بواسطة المشرع، إلا انه نظرا لقلة القواعد التشريعية في هذا الصدد، فقد أضاف ذلك الفقيه معيارا آخر لتكملة نظريته هو معیار تنظيم الدولة(41) وبمعيار تنظيم الدولة يتم تحديد القواعد ذات التطبيق الضروري، التي يجب مراعاتها من اجل حماية التنظيم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة، ويتمثل المعيار المميز لها بفكرة التنظيم، وعلى هذا النحو فهو قد اتخذ من الهدف الذي يبتغيه المشرع من تشريع هذه القوانين معيارا لتحديدها، فهذه القوانين تعكس فكرة التنظيم في الدولة مما يحتم تطبيقها دون تزاحم لان طابع التنظيم فيها لا يقبل تدخل قانون أجنبي(42). كما يعمل معيار تنظيم الدولة على تحقيق الغايات والأهداف عن طريق الهياكل والأجهزة التي تنظمها الدولة، وهذه القواعد التي تهدف إلى حماية تنظيم الدولة وفقا لهذا الاتجاه تتمثل في قواعد الرقابة على النقد، والتأمينات الاجتماعية، ونظم التأمين الخاصة، والالتزام بالنفقة، والقواعد الخاصة بحماية الطرف الضعيف في بعض أنواع العقود كعقود المستهلك وعقود العمل(43). ففي هذه الحالات فان تطبيق القانون الوطني تقتضيه ممارسة تنظیمات دولة القاضي لنشاطها، لذلك فإننا نكون بصدد قانون من القوانين ذات التطبيق المباشر في كل مرة يقتضي فيها أعمال هذا القانون تدخل مرفق عام أو سلطة من سلطات دولة القاضي (44).

ويؤخذ على هذا المعيار انه يؤدي إلى التوسع في القواعد ذات التطبيق الضروري نظرا لشموله لكل القوانين التي تلازم تدخل الدولة، وان كانت الدولة أصبحت تتدخل في المجالات كافة، فان معظم القوانين تصبح قوانين بوليس أو قوانين ذات تطبيق ضروري، وهو ما يؤدي إلى تعطيل عمل قواعد الإسناد والأضرار بمصالح التجارة الدولية (45)، إذ أن القوانين كافة وفقا لهذا المعيار والملازمة لفكرة تنظيم الدولة المسألة والعلاقة سوف تعد من قوانين البوليس أو ذات تطبيق ضروري لأنه لا يوجد قطاع من قطاعات الحياة إلا ويشرف عليه أو يتكفل بتسييره جهاز من أجهزة الدولة، كمسائل الزواج و النسب، فلاشك أن أجهزة الدولة تهيمن عليها على الأقل من ناحية تنظيم سجلات الحالة المدنية، فهل يمكن القول هنا بان الأمر يتعلق بمسائل تحكمها في مجموعها قوانين ذات تطبيق ضروري فهذا الأمر لا يمكن التسليم به، كما أن إعماله يبدوا صعبة ولا يمكن أن يغطي الفروض كافة التي يجب أن يطبق فيها قانون القاضي أيا كان العنصر الأجنبي في العلاقة محل النزاع، ولا يمكن الاستناد إلى فكرة تنظيم الدولة للروابط والعلاقات بقصد تحقیق وحماية المصالح الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع، فلا جدال أن القوانين كافة تهدف من جانب منها على الأقل إلى تحقيق هذين النوعين من المصالح(46). لذلك حاول بعض الفقهاء الجمع بين المعيارين كما في البند الآتي:

ثالثا: الجمع بين معيار الغاية أو الهدف ومعيار تنظيم الدولة: يقترح جانب من الفقه (47) معيارا وظيفية ناتجة عن الجمع بين المعيارين: معيار الهدف أو الغاية الذي ينطلق من معیار مصلحة الدولة، والمعيار العضوي الذي يستند إلى تنظيم الدولة، وذلك لتحديد القواعد ذات التطبيق الضروري، إذ لا سبيل إلى تمييز تلك القواعد من سائر القواعد التي يحتويها قانون القاضي انطلاقا من الهدف أو الغاية فقط، لان هدف القواعد القانونية جميعا تحقيق المصلحة العامة وحمايتها ولا سبيل أيضا إلى تعريف القواعد ذات التطبيق الضروري بالنظر إلى أنها تأتي من جراء تدخل أجهزة أو مرافق عامة معينة، أي توجد في خصوص النشاط الذي تمارسه وتنظمه الدولة انطلاقا من مقتضيات مصلحة اقتصادية واجتماعية. وطبقا لذلك يعرف هذا الجانب من الفقه القواعد ذات التطبيق الضروري بأنها "القواعد التي قد تلازم تدخل الدولة والتي ترمي إلى تحقيق وحماية المصالح الحيوية والضرورية الاقتصادية والاجتماعية للجماعة، والتي يترتب على عدم احترامها إهدار ما تبتغيه السياسة التشريعية وتكون واجبة التطبيق على كافة الروابط التي تدخل في مجال سريانها أيا كانت طبيعتها وطنية أم ذات طابع دولي". فالعبرة هي دائمة بدرجة الحماية التي تؤكدها تلی القواعد بالنظر إلى ضرورة المصلحة محل الحماية لبقاء وفعالية النظم الاقتصادية والاجتماعية، بل والسياسية للمجتمع وتلك فكرة وظيفية بالدرجة الأولى، وطبقا للمعيار الوظيفي والتعريف المقترح لهذه القواعد وفقا له يترتب ما يأتي:

1.هذه القواعد لا تشمل جميع القواعد والقوانين التي تصاحب تدخل الدولة، بل هي فقط القواعد التي تتسم بطبيعة معينة ولها سمات يستدل بها عليها، فلا يكون منها إلا القواعد التي تبتغي تحقيق المصالح الحيوية أو المصالح الضرورية سواء العامة منها أم الخاصة. ومن ثم يمكن لهذا النوع من القواعد القانونية أن يوجد حينما توجد الدولة وتعمل على إشباع مصالح أفرادها وحمايتها، ومثال تلك القواعد ما يتعلق بحماية القصر، والقواعد الخاصة بالتأمين، والقوانين المنظمة للإجراءات الوقتية أو التحفظية، وقوانين العمل والتأمين الاجتماعي، كما يوجد هذا النوع من القواعد في كل مرة تتدخل الدولة مبتغية إدراك المصالح العامة، وهذا ما نلاحظه بشأن قواعد التوجيه الاقتصادي على وجه الخصوص، ومن تلك القواعد والقوانين ما يتعلق بتنظيم الائتمان و عمليات البنوك، وسعر الفائدة، و الرقابة على النقد، والقوانين الجمركية.

2.  لا تقتصر هذه القواعد على تلك المنظمة لروابط القانون الخاص بل تمتد إلى المجالات كافة التي تنظمها أفرع القانون الأخرى ما دام يلزم لحماية السياسية التشريعية وما ترمي إليه في المجالات الاقتصادية والاجتماعية لمجتمع دولة القاضي، ومن ثم لا يخرج عنها كل ما يتعلق منها بمجالات القانون العام. إذ أن تدخل الدولة و ازدیاد نشاطها في مجال القانون الخاص، يجعل التفرقة بين القانون الخاص والقانون العام أمرا غير يسير إذ يذيب معالم الحدود بينهما.

ولا يختلف هذا الرأي من وجهة نظرنا عن رأي الفقيه الفرنسي فرانسيسكاكيس الذي أضاف إلى معيار الهدف معيارا آخر وهو معیار تنظيم الدولة ومن ثم توجه إليه الانتقادات نفسها .

الفرع الرابع

معیار خروج هذه القواعد عن بعض الأصول المقررة في الدولة الصادرة عنها

يذهب جانب من الفقه(48) إلى أن خروج القواعد ذات التطبيق الضروري أو كما أطلق عليها قواعد تأمين المجتمع على بعض الأصول المقررة في الدولة الصادرة عنها، يشكل سمة مشتركة بين هذه القواعد، ويصلح من ثم بأن يشكل معيارا لتشخيصها، ومن وجهة نظر هذا الجانب من الفقه فان هذا المعيار يكفل جمع هذه القواعد تحت هذا المعيار إلا أنه لا يكفل أختلاطها بغيرها من القواعد القانونية التي تخرج عن بعض الأصول المقررة، كالقاعدة المقررة في بعض القوانين والتي تستلزم توثيق عقد الزواج لسماع دعوى الزوجية عند الإنكار (49).

لذلك استلزم هذا الجانب من الفقه فضلا عن هذا المعيار لتحديد هذه القواعد على نحو جامع لها و مانع من اختلاطها بغيرها، أن يضاف إلى هذا المعيار المستمد من موضوعها، معيار آخر يتعلق بالغاية من تقريرها، فمن حيث الغاية من تقريرها فهي تتمثل بحماية المجتمع من الاستهداف لبعض الاضطرابات الاجتماعية أو الاقتصادية، لذلك فهو يعرف هذه القواعد بأنها تلك التي يخرج المقنن الوطني في سنه أو تقريره لها على الأحكام العامة السارية في دولته بدافع الحفاظ على السكينة العامة أو السلام الاجتماعي في هذه الدولة أو بدافع في عبارة معادلة قد تكون أدق - أن يجنب مجتمعة الوطني الاستهداف لبعض المخاطر أو الاضطرابات الاجتماعية أو الاقتصادية التي قد تحدث أو تقع نتيجة لعدم تقرير مثل هذه القواعد. ويستشهد هذا الجانب من الفقه بأمثلة تصدق على التسمية التي أطلقها على هذه القواعد والتي تشكل خروجا على الأحكام العامة السارية في الدولة منها (50):

فالمبدأ الذي يحكم العقود في القانون الخاص في تكوينها وفي آثارها هو مبدأ سلطان الإرادة، وان المشرع الوطني واتقاء للاضطرابات التي قد يثيرها أستبداد أرباب العمل بالعمال، يقرر مجموعة من القواعد الآمرة في شأن حماية العمال من استبداد أرباب العمل، كالأحكام المقررة للحد الأدنى من الأجور، أو المقررة للتعويض عن إصابات العمل، أو المقررة للحق في إجازة سنوية، أو المقررة لغير ذلك من حقوق العمال (51). وإذا كان من المقرر أن يدخل في سلطان إرادة طرفي عقد الإيجار تحديد مدة سريان العقد ومقدار الأجرة، فان المشرع الوطني قد يحد من حرية المؤجر في تحديد مقدار الأجرة وفي إنهاء العقد خروجا عن هذا الأصل، والمشرع إذ يفعل ذلك قد يكون مدفوعا بنزعته الاشتراكية التي يريد أن يمكن لها في المجتمع الذي يشرع له (52).

وإذا كان الأصل في الدول الأوربية التي يجري فيها الزواج بالشكل الديني فان من هذه الدول كفرنسا تستلزم إفراغه بالشكل المدني، ومثل هذه الدول تفعل ذلك من اجل تدعيم نزعتها العلمانية والابتعاد عن كل ما من شأنه التشكيك في سلامتها، ومن هنا كان فرضها على كل خطييين يريدان أن يتزوجا فيها حتى وان كان هذان الخطيبان ينتميان إلى دولة أخرى تستلزم لصحة زواجهما إجراؤه وفقا للشكل الديني، ذلك أن من شأن قيام القضاة في مثل هذه الدول بأعمال أحكام قوانين الدول الأجنبية التي ما انفكت تعترف بالزواج الديني وتقرره، ما يستثير أو يزكي في نفوس خصوم اتجاه علمنة الدولة من رعاياها روح معارضة هذا الاتجاه (53).

وإذا كان القانون الخاص للدولة الوطنية يحدد من تؤول إليه الولاية على نفس الصغير عندما تسلب من ولاية الأب، فان هذه الدولة قد ترى أن تعهد بأمر تربية الصغير وتنشئته في مثل هذه الحالة إلى جهاز خاص تابع لها، والدولة إذ تفعل ذلك إنما تفعله بدافع حماية المجتمع من انحراف مثل هذا الصغير (54)، ذلك أن سلب الولاية من الأب إنما يعني أن بذرة الانحراف قد تولدت في نفس الصغير، أو هي في سبيلها إلى أن تتولد، لأنه لا يكفل القضاء على هذه البذرة في نفسه أو على أسباب تولدها لديه، وتنشئته تنشئة قويمة إلى أن يعهد بأمر تربيته ورعايته إلى إحدى دور التربية والإصلاح التابعة للدولة نفسها، أو تعهد به إلى قریب له يتولاه تحت إشرافها، ومن هنا كانت القواعد التي تتقرر في الدولة بقصد حماية الأطفال المستهدفين للخطر تشكل موضوع بعض القواعد تأمين المجتمع".

وإذا كان المشرع الوطني يهدف من وراء تخويل المصاب في حادث سيارة الحق أن يقاضي مباشرة مؤمن المتسبب في هذه الحادثة إلى كفالة تعويض الأول عما لحقه من أذى، فضلا عن تأمين الأخير من مسؤوليته المدنية الناشئة عن الحادثة(55)، فانه يرمي من وراء تحقيق هذه الغايات القريبة إلى تأمين حركة مرور السيارات في المجتمع وكفالة إطرادها و اتساع نطاقها ومن هنا كان إدراج هذه القواعد المقررة لما للمصاب في حادثة سيارة من سلطة مقاضاة المؤمن مباشرة من أقواعد تأمين المجتمع (56).

وبالمثل فإذا كان الأصل أن حق مالك المال المنقول المسروق أو الضائع في أسترداده ممن سرقه، أو عثر عليه أو تلقاه و هو سيء النية أو انتقلت إليه حيازته بحسن نية وسبب صحيح لا ينقضي بانقضاء مهلة ما، فان المشرع الوطني قد يقرر أنقضاءه في الفرض الأخير بقوات مدة زمنية معينة(57)، والمشرع الوطني إذ يفعل ذلك إنما يفعله بدافع كفالة الثقة في المعاملات التي تجري في المنقول في نطاق الإقليم الوطني، وتوفير الاستقرار لها وعدم إثناء الأفراد عن الإقدام عليها، فان حكمه هذا الذي يمكن حائز المنقول المسروق أو الضائع من الانتفاع بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية- يشكل إحدى قواعد تأمين المجتمع التي يفرض حكمها على الحالات كافة التي يقع فيها تلقي حيازة المنقول المسروق أو الضائع في إقليم الدولة الوطنية (58)، وذلك على سبيل الاستثناء من قواعد الإسناد التي تخضع المنقول بمقتضاها لقانون موقعه وقت تحقق سبب اكتساب الحق العيني عليه (59).

لذلك يرى هذا الجانب من الفقه(60) أن التعريف الذي أورده لقواعد تأمين المجتمع تحدد هذه القواعد على نحو جامع لها يمنع من اختلاط غيرها بها، كما يتأتى التعرف عليها بيسر وسهولة ودون مشقة تذكر، وإذا كان هذا الأمر يبدو مخالفا لواقع الأشياء من تعذر وضع تعریف جامع مانع لقواعد تأمين المجتمع، فان التعريف الذي أوجده هذا الجانب من الفقه حسب رأيه لا يخلو من نفع.

فمن شأن هذا التعريف أن يقيم بعض الملامح الواضحة التي يمكن للقضاء والفقه أن يسترشد بها للتعرف على القواعد المذكورة، لاسيما وأن المشرع الوطني قلما يعني في تقريره لهذه القواعد بتحديد مجال تطبيقها على الصعيد الدولي، ذلك أن تحديد مجال تطبيق هذه القواعد على الصعيد الدولي يتقرر بالخروج على أحكام قواعد الإسناد التقليدية لثبوت وصف قواعد تأمين المجتمع لها.

وينتهي الرأي بالقول بان قواعد تأمين المجتمع هي القواعد الخارجة على أحكام بعض الأصول المقررة في القانون الخاص، ومن ثم لا بأس من تسميتها ب "قواعد تأمين المجتمع" أو قواعد تأمين المجتمع ذات المضمون الاستثنائي"، وإذا عيب على مثل هذه العبارة أو تلك طولها، فان وضوحها وتحديدها -مع طولها خير من تسمية قصيرة يكتنفها الغموض واللبس، كما هو الحال في اصطلاح " Lois de police" وهو الاصطلاح الذي يقابل قواعد تأمين المجتمع عند تعريبه، فهذا الاصطلاح قابل لأن يصدق على بعض القوانين كالقوانين الجنائية، والقوانين الإدارية، في حين أن هذه القوانين لا تدخل عند البعض من الكتاب ضمن نطاق التنازع (61)، أما القول بان قواعد تأمين المجتمع بأنها تلك الخارجة عن أحكام بعض الأصول المقررة في القانون الخاص فان من شأنه أن يطلق على جميع القواعد التي تستهدف حماية المجتمع من الاستهداف لبعض الاضطرابات الاجتماعية أو الاقتصادية دون تمييز بين قواعد القانون العام أو الخاص، ثم إن هذه التسمية تماثل في طولها معظم التسميات التي قيلت في الدلالة على هذه القواعد كالقواعد ذات التطبيق الفوري أو المباشر والقواعد ذات التطبيق الضروري أو القواعد ذات التطبيق الإقليمي أو القواعد القادرة ذاتية على تحديد مجال تطبيقها من حيث المكان... الخ.

وفي رأينا أن هذه التسمية ذاتها لا تخلو من قصور، فهي إن كانت جامعة لهذه القواعد فهي لا تمنع من الاختلاط مع غيرها من القواعد التي تمثل خروجا عن القواعد العامة، إلا أنها لا تعد من قبيل قواعد تأمين المجتمع مما أضطر صاحب هذه التسمية إلى أن يضيف معیار، آخر يتمثل بالغاية أو الهدف منها لتحديد مثل هذه القواعد (62).

لذا ينطلق صاحب هذا الرأي من معيار جديد يتمثل في الخروج عن بعض الأصول المقررة في القواعد العامة في الدولة التي تصدر مثل هذه القواعد من شأنه أن يشكل معيارة جامعة لهذه القواعد وحتی لا تختلط هذه القواعد بالقواعد الأخرى التي تشكل خروجا أيضا عن بعض الأحكام العامة، يقترح إضافة معيار الهدف أو الغاية من تقرير هذه القاعد أو سنها واستدل على سلامة رأيه بأمثلة سبق أن أوردناها للتدليل على سلامة المعيار الذي اقترحه.

ويعتقد أن اقتراع هذا الجانب من الفقه معيار آخر إلى جانب معيار الخروج عن بعض القواعد و الأصول العامة يبين قصور هذا المعيار، إذ أن القواعد التي تسن خروجا عن القواعد والأصول العامة لا يعني أنها من قبيل القواعد ذات التطبيق الضروري، وهو ما اعترف به صاحب المعيار نفسه، فأضاف معیارا آخر هو معيار الهدف أو الغاية من وجود هذه القواعد، وهو معیار مشترك بين كل الاتجاهات الفقهية التي تناولت تحديد هذا النوع من القواعد.

الفرع الخامس

المعيار العقلاني

يری جانب من الفقه(63) أن الصلة العقلانية التي تربط بين القاعدة ذات التطبيق الضروري و أهدافها من ناحية ونطاق تطبيقها من ناحية أخرى، هي المعيار الذي يتعين الاعتداد به للكشف عن طبيعتها بوصفها من القواعد ذات التطبيق الضروري، وان تعريف هذه القواعد على هذا النحو يتضمن في الوقت نفسه معیار تحديدها والذي يكشف عن الأسباب التي تدعو إلى فرض تطبيقها على العلاقة المطروحة على الرغم من اختيار الأفراد لقانون آخر لحكم هذه العلاقة، أي على الرغم من أنتماء هذه القواعد إلى القانون المختص بموجب منهج قاعدة الإسناد.

وتظهر أهمية هذا المعيار عندما يستجيب القاضي لإرادة القاعدة الأجنبية في الانطباق على الرغم من عدم انتمائها إلى القانون المختص بموجب قواعد الإسناد في قانونه، إذ ولغرض تطبيق هذه القاعدة يتعين أن تكون ثمة صلة عقلانية تربط ما بين مضمون هذه القاعدة وأهدافها من ناحية وبين نطاق تطبيقها من ناحية أخرى، ففي هذا الفرض وحده تعد القاعدة المذكورة من قوانين البوليس ذات التطبيق الضروري الذي يجلب الاختصاص للنظام القانوني الذي تنتمي إليه و التي تستمد ضرورة تطبيقها من الصلة العقلانية بين مضمونها ونطاق تطبيقها لان تجاهل هذا التطبيق فيه إهدار الفاعلية القاعدة ومناهضة الأهداف التي تسعى إلى إدراكها.

وتقدير مدى عقلانية الصلة المتطلبة بين مضمون القاعدة ونطاق تطبيقها يرجع إلى القاضي المطروح عليه النزاع وهو في الحالة هذه قاض أجنبي عن دولة المشرع الذي اصدر القاعدة المطلوب تطبيقها إذ لو كانت القاعدة تنتمي إلى قانون القاضي الذي عرض عليه النزاع فانه لا يشترط لإعمالها على نحو مباشر أن تتوافر الصلة العقلانية المذكورة آنفا لان القاضي ملزم في هذا الفرض بالإذعان لإرادة مشرعه، ويكفي للقاضي هنا أن تكون القاعدة التي تنتمي إلى قانونه قد وصلت حدا من الأمرية يقتضي إعمالها على نحو مباشر حتى يتصدى لتطبيقها بصرف النظر عن القانون المختص بمقتضى قاعدة الإسناد، أما لو تعلق الأمر بقاعدة أجنبية من القواعد ذات التطبيق الضروري، وكانت لا تنتمي إلى القانون المختص بمقتضى قواعد الإسناد، فان صفتها الآمرة وحدها لا تبرر إعمالها على نحو مباشر على الرابطة العقدية المطروحة، وإنما يتعين لهذا الإعمال أن يقدر القاضي الذي طرح عليه النزاع أن ثمة رابطة عقلانية بين مضمون القاعدة وأهدافها وبين نطاق تطبيقها، إذ أن في هذا الفرض وحده تبدو أهمية التفرقة بين قواعد البوليس وبين غيرها من القواعد ذات التطبيق المباشر (64). وإعمال المعيار العقلاني حسب وجهة نظر هذا الفقه يقتضي النظر في كل حالة على حدة وفقا لما يراه القاضي المطروح عليه النزاع في شأن مدى عقلانية الصلة بين أهداف قاعدة البوليس المطروحة ونطاق سريانها كما حدده المشرع الأجنبي.

ويرد هذا الجانب من الفقه على انتقاد هذا المعيار كون سلطة القاضي التقديرية على هذا النحو تؤدي إلى التحكم والإخلال بالأمان القانوني الذي ينشده المتعاقدون حينما قاموا باختيار قانون معين بموجب قاعدة الإسناد الخاصة بالعقود، وهو قانون قد يستبعده القاضي في خصوص مسألة محددة قدر دخولها في نطاق سريان قاعدة من القواعد ذات التطبيق الضروري التي لا تنتمي إلى قانون الإرادة مما قد ينال من توقعات المتعاقدين بالقول: إن ما يقلل من تحكم القاضي في هذا الصدد وكذلك من مدى الإخلال بتوقعات الأفراد أن سلطة القاضي في إعمال هذه القواعد تخضع لرقابة المحاكم العليا ولاشك بان هذه الرقابة ستحد من تحكم القضاة وتؤدي في الوقت نفسه إلى وحدة الحلول قدر المستطاع، كما أن أهمية اليقين القانوني في مجال عقود التجارة الدولية بصفة خاصة لا يجب أن يأتي على حساب الاحترام المتطلب لقواعد القانون الآمرة التي تتصل بالرابطة العقدية اتصالا وثيقا كما يراه القاضي.

ولا يخلو هذا المعيار كذلك من النقد فهو لا يوجد إلا المعيار الذي يحدد القواعد ذات التطبيق الضروري الأجنبية عن قانون العقد دون بيان معيار تحديدها فيما إذا كانت جزءا من قانون القاضي أو القانون واجب التطبيق. عليه نتفق مع جانب من الفقه (65). الذي يرى أنه من أجل الوقوف على طبيعة قوانين البوليس ذات التطبيق الضروري من التصدي لكل نص تشريعي حالة حالة، وإذ يضطلع القاضي لفحص النصوص القانونية بالنظر إلى كل حالة على حدة، وأن خطر التحكم في التقدير واقع، وأن الاضطراب في الحلول وزعزعتها أمر وارد، وتحكيم القاضي لمفاهيمه ذات النزعة الوطنية متصور، إلا أن هذه الصعوبات متصورة وموجودة في القوانين الداخلية فضلا عن القانون الدولي الخاص، مثل فكرة النظام العام، والسكينة العامة، والأمن العام و الآداب العامة، والقانون الطبيعي، والعدالة. لذلك وحسب وجهة النظر هذه أن من الاصوب الابتعاد عن وضع صيغة عامة بهذا الشأن، ومحاولة فحص النصوص القانونية واجبة التطبيق كل على حدة، لبحث ما إذا كان هدف كل قاعدة يوجب بالضرورة تطبيقها على بعض المسائل فإذا تبين للقاضي ذلك كان معنى هذا أن القاعدة هذه طابع قوانين البوليس فتطبق تطبيقا ضروريا مباشرة، وضابط الهدف الذي يلزم البحث عنه بالنظر لكل حالة على حدة يقتضي من القاضي القيام بعملية تحليلية لكل قاعدة من القواعد المدرجة في قانونه والنتيجة التي يصل إليها بإضفاء طبيعة القوانين ذات التطبيق الضروري على قانون من القوانين هي عملية تخضع فيها الرقابة المحاكم العليا ويكفي الكشف عنها أن يكون هدف القاعدة تحقيق مصالح حيوية على درجة من الأهمية مما يعطي القانون القاضي بشأنها أختصاصا استثنائيا يرفض معه كل مزاحمة من أي قانون أجنبي (66).

فالمعايير السابقة لا يفصل بينهما اختلاف جوهري، فهي وحسب وجهة نظر جانب آخر من الفقه (67)، تتفق في المضمون وان كانت تتباين في المظهر أو الصورة المعبرة عن هذا المضمون، وبعبارة أخرى يمكن القول بان كل تلك المعايير ترتكز على محور واحد أو يمكن صبها في قالب واحد يتعلق بالغاية أو الهدف الذي تسعى إليه تلك القواعد أو القوانين. خصوصا وان معيار الهدف أو الغاية هو المعيار المشترك بين جميع الاتجاهات الفقهية التي حاولت إيجاد معيار للقواعد ذات التطبيق الضروري.

_____________

1- د. السيد عبد المنعم حافظ السيد، عقد التأجير التمويلي الدولي، دراسة تحليلية مقارنة في القانون الدولي الخاص، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2010 ، ص 231

2-See Yvon Loussouarn et Pierre Bourel, Op., Cit., P124-125.     

3- د. أحمد عبد الحميد عشوش، تنازع مناهج تنازع القوانين،  الطبعة الاولى ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1985   ، 64-65 .

4- ينظر للمزيد من التفصيل بخصوص هذه المادة د. حفيظة العميد الحداد، مقارنة بين القانون المدني الفرنسي والقانون المدني المصري بشأن نصوص تنازع القوانين من حيث المكان، دراسة تحليلية وانقادية ، مجلة الدراسات القانونية ، تصدر عن كلية الحقوق في جامعة بيروت العربية العدد ، 2005 ، ص 170 .

5- إن أخضع أهلية الأشخاص القانون جنسيتهم وأخضع العقارات القانون موقعها. ينظر في مواقف القضاء الفرنسي د. هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، المرجع السابق، ص 639

6- د. أحمد عبد الحميد عشوش، تنازع مناهج تنازع القوانين، المرجع السابق، 65

7- See Yvon Loussouarn et Pierre Bourel, Op., Cit., P126.           

8- يذهب جانب من الفقه إلى أن هذا النص يعد من القواعد ذات التطبيق المباشر أو قوانين البوليس. ينظر: د. أحمد عبد الكريم سلامة، القواعد ذات التطبيق الضروري، وقواعد القانون العام في القانون الدولي الخاص ، دراسة تحليلية مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1985 ، ص 454 د. أحمد عبد الحميد عشوش، تنازع مناهج تنازع القوانين، المرجع السابق، ص 466 د. صلاح محمد المقدم، تنازع القوانين في معقدات الشحن ومشارطات إيجار السفينة، دراسة مقارنة في القانون البحري، الدار الجامعية للطباعة والنشر، 1981، ص 474. إلا أن هناك من لا يعدها كذلك و إنما من قواعد الإسناد أحادية الجانب التي تهتم بتحديد مجالها المكانی دون أن تهتم بتحديد الحالات التي ينعقد فيها الاختصاص القانون أجنبي كما تفعل القواعد المزدوجة. ينظر: د. هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1990 ، ص589

9- وتبني هذا القانون معاهدة بروكسل السندات الشحن البحرية لعام 1934، وهذا القانون ينطبق بشكل إلزامي على جميع سندات الشحن الخاصة بنقل البضائع من الولايات المتحدة واليها في التجارة الدولية. ينظر:

Peter D. Clark, DESPITE COGSA'S ROLE TO CLARIFY RULES, COURT DECISIONS STILL NEEDED, SEA LAW, 3 February 1995, p. 1

http://wwwnavlaw.com/articles/v4/95-02-03.htm

تاريخ الزيارة 2011/11/20                         

See Yvon Loussouarn et Pierre Bourel, Op., Cit., P126.

10- التي نصت على أن تسري أحكام هذا القانون على مصنفات المؤلفين العراقيين والأجانب التي تنتشر أو تمثل أو تعرض لأول مرة في جمهورية العراق، وكذلك على مصنفات المؤلفين العراقيين والأجانب التي تنشر أو تمثل أو تعرض لأول مرة في بلد أجنبي..."؛ وهي تماثل نص المادة (3) من مشروع حماية حق المؤلف العراقي لعام 1999 إذ نصت على أن تسري أحكام هذا القانون علی ... ثانيا. المؤلفين العراقيين والعرب والأجانب التي تنشر مصنفاتهم أو تمثل أو تعرض لأول مرة في العراق... وللمزيد من التفصيل حول هذا المشروع ينظر: د. عصمت عبد المجيد بكر ود. صبري حمد خاطر، الحماية القانونية للملكية الفكرية، الطبعة الأولى، منشورات بيت الحكمة، بغداد، 2001، ص 74

11- See Yvon Loussouarn et Pierre Bourel, op. cit., P126.            

12- د. محمود محمد ياقوت، قانون الإرادة وقواعد البوليس ضرورية التطبيق، دراسة تحليلية وتطبيقية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2003 ، ص 74.

13- د. هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1990 ، ص638

14- ينظر في معيار الإقليمية د. خالد عبد الفتاح محمد خليل، حماية المستهلك في القانون الدولي الخاص دار النهضة القاهرة 2002، ص 244

15- See Yvon Loussouarn et Pierre Bourel, Op., Cit., P126.

16- د. هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، المرجع السابق، ص 939 .

17-Yvon Loussouam et Pierre Bourel, Op.. Cit., P126-127.

18-  د. أحمد عبد الحميد عشوش، تنازع مناهج تنازع القوانين، المرجع السابق، 67-68 .

19- د. محمود محمد ياقوت، قانون الإرادة وقواعد البوليس ضرورية التطبيق، دراسة تحليلية وتطبيقية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2003 ، ص 76، وينظر محمود محمد ياقوت، حرية المتعاقدين في اختيار قانون العقد الدولي بين النظرية والتطبيق دراسة تحليلية ومقارنة في ضوء الاتجاهات الحديثة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2000 ، ص203.  

20- د. أحمد عبد الحميد عشوش، تنازع مناهج تنازع القوانين، المرجع السابق، 67-68؛ وهذه المادة تقابل في التشريع العراقي المادة (19/5) من القانون المدني، التي تجعل من تطبيق القانون العراقي ملزمة في كل حالة يكون فيها احد الزوجين عراقية على الحالات التي نصت عليها المادة (19) من القانون المدني العراقي؛ ويقابلها في التشريع المصري المادة (14) من القانون المدني المصري، فهذين النصين اعتمدا على معيار شخصي وليس إقليمي.

21- د. السيد عبد المنعم حافظ السيد، عقد التأجير التمويلي الدولي، دراسة تحليلية مقارنة في القانون الدولي الخاص، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2010 ، ص234.

22- Clunet, 1967. 614, Rev. cr. dr. int. pr., 1968. 64. note Derruppe. See Yvon Loussouarn et Pierre Bourel, 0., Cit., P128.

23- د. أحمد عبد الحميد عشوش، تنازع مناهج تنازع القوانين، المرجع السابق، 97-98؛ وينظر قرارات محكمة النقض الفرنسية بهذا الخصوص د. محمود محمد باقوت، حرية المتعاقدين في أختيار قانون العقد الدولي، المرجع السابق، ص204

25- حكم منشور في مجلة القانون الدولي "cluunet" 1964، ص 103، نقلا عن د. السيد عبد المنعم حافظ العيد، المرجع السابق، ص 239.

26-Art. 1382 "Any act whatever of man, which causes damage to another, obliges the one by whose fault it occurred, to compensate it".

27- د. أحمد عبد الحميد عشوش، تنازع مناهج تنازع القوانين، المرجع السابق، ص69؛ وينظر كذلك:

Yvon Loussouarn et Pierre Bourel, Op. cit., P127.

28- ينظر في هذا النقد د. السيد عبد المنعم حافظ السيد، المرجع السابق، ص234-235 وينظر في عدم اعتبار القواعد ذات التطبيق الضروري من قبيل القواعد المتعلقة بالنظام العام في نطاق العلاقات القانونية ذات الطابع الدولي د. عنایت عبد الحميد ثابت، ذاتية أو عدم ذاتية قواعد تأمين المجتمع في نطاق فض تداخل مجالات انطباق القوانين ذي الطابع الدولي ، بحث منشور في المجلة المصرية للقانون الدولي تصدرها الجمعية المصرية للقانون الدولي المجلدالثامن والاربعون القاهرة 1992  ، ص 40: وما بعدها

29- Arminjon. Les Lois Politiques et le droit international privé. Rev. dr. int. pr., 1930, P385. See Yvon Loussouam et Pierre Bourel, Op., Cit., P128.

وينظر: د. أحمد عبد الحميد عشوش، تنازع مناهج تنازع القوانين، المرجع السابق، ص70؛ ويقترب الفقيه Zweigent من فكرة القوانين السياسية بالانتصار للقواعد التي تتطابق مع اعتبارات النظام العام الاقتصادي والاجتماعي في الدولة، ومن ثم تطبيق هذه القوانين حال صدورها عن دولة القاضي، إذ لا تطبق القوانين الأجنبية في هذا النوع خارج حدود الدولة التي أصدرتها. نقلا عن د. خالد عبد الفتاح محمد خليل، حماية المستهلك في القانون الدولي الخاص دار النهضة القاهرة 2002 ، ص 247.

30- د. أحمد عبد الكريم سلامة، القواعد ذات التطبيق الضروري، وقواعد القانون العام في القانون الدولي الخاص ، دراسة تحليلية مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1985،  ص 122.

31- د. خالد عبد الفتاح محمد خليل، المرجع السابق، ص 246-247

32- See Yvon Loussouarn et Pierre Bourel, Op., Cit., P128.         

33- ومن ذلك قرار المحكمة الفدرالية في ألمانيا في 17 كانون الأول 1959. ينظر:

Rev. ar. Dr. int. pr., 1961, P313. Ibide.                            

34- إن فكرة القوانين السياسية لم تلق رواجا وقت أن دعا إليها الفقيه "Arminjon إلا أنها لاقت قدرة من القبول من خلال تطبيقات القضاء لها، إذ أعملت المحكمة العليا في ألمانيا الفدرالية فكرة القوانين السياسية، ورفضت تطبيق قوانين جمهورية ألمانيا الديمقراطية التي تتضمن قيودا نقدية باعتبار أن هذه القوانين تحمي مصالح الدولة التي أصدرتها، فجاء في حكمها الصادر عام 1959 وبخصوص عقد قرض ما يلي: "لا يجب فقط مراعاة المصالح الخاصة الجديرة بالحماية ولكن تحقيق الأهداف الاجتماعية والسياسية للدولة بصدد المسألة المطروحة ينظر حكم المحكمة العليا في ألمانيا الفدرالية في 17 تموز 1959 منشور في المجلة الانتقادية للقانون الدولي الخاص، 1991، ص313، نقلا عن د. خالد عبد الفتاح محمد خليل، المرجع السابق، ص 1267 وفي حكم صادر عن محكمة النقض البلجيكية عام 1960 جاء فيه أن إجراءات التأميم التشيكية لم تهدف إلى تنظيم حقوق الأشخاص الخاصة بغية حماية مصالحهم وإنما استهدفت مباشرة حماية مصالح الدولة التي أصدرت تلك التأمينات. نقلا عن د. أحمد عبد الحميد عشوش، تنازع مناهج تنازع القوانين، المرجع السابق، ص 79-72.

35- ينظر في هذا النقد د. أحمد عبد الحميد عشوش، تنازع مناهج تنازع القوانين، المرجع السابق، ص 71-72.

36- د. محمود محمد ياقوت، قانون الإرادة وقواعد البوليس ضرورية التطبيق، دراسة تحليلية وتطبيقية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2003 ، ص 88.

37- د. محمود محمد یاقوت، قانون الإرادة وقواعد البوليس ضرورية التطبيق، المرجع السابق، ص 90 .

38- د. أحمد عبد الكريم سلامة، القواعد ذات التطبيق الضروري، وقواعد القانون العام في القانون الدولي الخاص ، دراسة تحليلية مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1985 ، ص 60-65.

39- ينظر في فقه بيليه الذي عاش للفترة من 1857-1929 وخصائص فقهه د. عز الدين عبد الله، القانون الدولي الخاص المصري، تنازع القوانين وتتنازع الاختصاص القضائي الدوليين، الجزء الثاني، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، من دون سنة نشر  ، ص 91-97؛ د. فؤاد ديب، القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين ، مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية ، منشورات جامعة حلب 1996   ، ص 1؛ د. عامر محمد الكسواني، موسوعة القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين، الطبعة الأولى، الجزء الأول، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان الأردن، 2010م ، ص 79؛ د. حسن الهداوي ود. غالب على الداودي، القانون الدولي الخاص، القسم الثاني في تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي وتنفيذ الأحكام الأجنبية، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل، 1982 ، ص 45.

40- Francescakis, Ya-t-il du nouveau en matiere d'order public? Travaux du Comite francais de Droit intemational prive, 1971, P149. See Yvon Loussouam et Pierre Bourel, Op., Cit., P129.

41-  د. خالد عبد الفتاح محمد خليل، حماية المستهلك في القانون الدولي الخاص دار النهضة القاهرة 2002 ، ص28.

42- د. محمود محمد باقوت، قانون الإرادة وقواعد البوليس ضرورية التطبيق، المرجع السابق، ص 90

43- د. السيد عبد المنعم حافظ السيدة المرجع السابق، ص 236-237.

44- د. أحمد عبد الحميد عشوش، تنازع مناهج تنازع القوانين، المرجع السابق، ص73؛ وهي فكرة معرق وأن قال بها أوريو بيجوتيير " Lerebours-Pigeonniereالذي ذهب إلى القول باننا نكون أمام قوانين البوليس عندما يكون هناك تدخل لمرفق عام. ينظر:

Yvon Loussouarn et Pierre Bourel, Op., Cit., P130.                       

45-  ينظر في نقد هذا المعيار د. خالد عبد الفتاح محمد خليل، المرجع السابق، ص 250 .

46- وهو رأي د. أحمد عبد الكريم سلامة، القواعد ذات التطبيق الضرورية المرجع السابق، ص70؛ وقد سبق للفقيهان كاراكيلو "Karaquillo' ولو كيت Lequette أن قالا بالجمع بين معیار غاني و أخر موضوعي، ينظر في أرائهما بهذا الخصوص د. عنایت عبد الحميد ثابت، ذاتية أو عدم ذاتية قواعد تأمين المجتمع، المرجع السابق، ص89

47- د. أحمد عبد الكريم سلامة، القواعد ذات التطبيق الضروري، المرجع السابق، ص 71 .

48-  د. عنایت عبد الحميد ثابت، ذاتية أو عدم ذاتية قواعد تأمين المجتمع، المرجع السابق، ص 94-15.

49-  وهي قاعدة مقررة في القانون المصري التي لا تعد من قبيل قواعد تأمين المجتمع أو القواعد ذات التطبيق الضروري، ذلك أن المشرع الذي قررها لم يرد بها تجنب المجتمع الذي يشرع له لبعض المخاطر أو الاضطرابات الاجتماعية وإنما كان القصد من ورائها صيانة حقوق الزوجية، ودليل ذلك انه لم يفرض حكمها على المخاطبين بها بتقرير بطلان الزواج الذي ارم دون مراعاته و إنما اكتني بعدم سماع دعوى الزوجية عند الإنكار، فالمادة (17) من القانون رقم (1) لسنة 2000 الخاص بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات الدعاوى في مسائل الأحوال الشخصية المصري على أن "... ولا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ... ما لم يكن الزواج ثابتة بوثيقة رسمية ....

50- في هذه الأمثلة و غيرها ينظر: د. عنايت عبد الحميد ثابت، ذاتية أو عدم ذاتية قواعد تأمين المجتمع، المرجع السابق، ص95 – 100 .

51- فعلى سبيل المثال فان المشرع العراقي نظم في قانون العمل العراقي رقم (11) لسنة 1987 المعدل في الفصل الثاني من الباب الرابع تحديد الأجور وحمايتها في (46-53) وفي الباب الخامس نظم وقت العمل والإجازات في المواد (4-79) فضلا عن حماية العمل والعمال في المواد (80-106) الذي حمى فيها المرأة العاملة، و الأحداث، و عمال المقالع.

52- ينظر المادة الثالثة والرابعة من قانون إيجار العقار العراقي رقم (87) لسنة 1979 المعدل، وينظر للمزيد من التفصيل حول تدخل المشرع في مدة عقد الإيجار بحثنا المشترك مع محمد صديق محمد عبد الله، أثر وفاة المستأجر في عقد الإيجار، دراسة مقارنة، بحث منشور في مجلة الرافدين للحقوق، تصدر عن كلية الحقوق في جامعة الموصل، المجلد 8، العدد 28، السنة 11، حزيران 2009 ، ص 152 وما بعدها.

53- ينظر على سبيل المثال المادة (165) من القانون المدني الفرنسي التي تنص على أن:

"Marriage shall be celebrated publicly before the officer of civil status of the commune where one of the spouses has his domicile or his residence at the date of the public notice provided for by Article 63 ..."

54- ينظر على سبيل المثال المادة (375) من القانون المدني الفرنسي التي نصت على أن

"Where it is necessary to withdraw the child from his present circle, the judge may decide to entrust him: 10"To the other parent" (Act no 2002-305 of 4 March 2002); 2° To another member of the family or to a trustworthy third person; 3° To a medical or educational, ordinary or specialized, 4°"To a départemental Children's aid service" (Act no 89-487 of 10 July 1989)...."

55- تنص المادة (14) من قانون التأمين الإلزامي عن حوادث السيارات العراقي رقم (52) لسنة 1980 المعدل على أن يكتب المتضرر حقا مباشرة قبل المؤمن... كما تنص المادة (2) من القانون نفسه على أن يلتزم المؤمن بالتعويض عن الوفاة أو الإصابة البدنية التي تلحق أي شخص جراء استعمال السيارة في الأراضي العراقية بصرف النظر عن توفر ركن الخطا... وتنص المادة (10) من القانون نفسه على أن يحل المؤمن في حدود ما دفعه للمتضرر محل هذا الأخير في حقوقه تجاه الغير المسؤول مدنية"

56- نقلا عن د. عنایت عيد الحميد ثابت، ذاتية أو عدم ذاتية قواعد تأمين المجتمع، المرجع السابق، 99.

57- ينظر المادة (1163/2)  من القانون المدني العراقي إذ حدد المشرع العراقي المدة التي يجوز فيها لمالك المنقول أو السند لحامله إذا كان قد أضاعه أو خرج من يده بسرقة أو غصب أو خيانة أمانة أن يسترده ممن يكون حائزا له بحسن نية وسبب صحيح خلال ثلاث سنوات من وقت الضياع أو السرقة أو الغصب أو خيانة الأمانة .

58- د. عنایت عبد الحميد ثابت، ذاتية أو عدم ذاتية قواعد تأمين المجتمع، المرجع السابق، ص 106.

59- ينظر المادة (24) من القانون المدني العراقي .

60- د. عنایت عبد الحميد ثابت، ذاتية أو علم ذاتية قواعد تأمين المجتمع، المرجع السابق، ص100-103.

61- ينظر الكتاب الذين أشار إليهم المرجع نفسه، ص 136-137.

62-  د. عنایت عبد الحميد ثابت، ذاتية أو عدم ذاتية قواعد تأمين المجتمع، المرجع السابق، ص94-95 .

63- د. هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1990 ، ص 662-671.

64- د. هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، المرجع السابق، ص 669 .

65-  د. عكاشة محمد عبد العال، قانون العمليات المصرفية الدولية، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية 1994  ، ص 196–198.

66- عكاشة محمد عبد العال، قانون العمليات المصرفية الدولية، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية 1994   ، ص 198-199: و يتظر رأي الدكتور حسام الدين فتحي ناصف، مركز قانون القاضي في حكم المنازعات الخاصة الدولية ، الطبعة الاولى ، دار النهضة العربية القاهرة 1994  ، ص 46، الذي يذهب إلى أن قواتين المزاحمة يمكن قياسها بالهدف الذي ترمي إليه والذي يسس في واقع الأمر، التنظيم القانوني لمجتمع دولة القاضي بمقتضياته المختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية، فابتغاء حماية هذه المقتضيات هو ما يحتم تطبيق القواعد الوطنية دون تزاحم مع القوانين الأجنبية".

67- د. حسام الدين فتحي ناصف، مركز قانون القاضي في حكم المنازعات الخاصة الدولية ، الطبعة الاولى ، دار النهضة العربية القاهرة 1994  ، ص 46.

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .