محاور الحركة الإصلاحية العامّة للإمام الباقر ( عليه السّلام ): الاصلاح الفكري والعقائدي |
1633
02:55 صباحاً
التاريخ: 14/11/2022
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2016
3126
التاريخ: 11-8-2016
3239
التاريخ: 15-04-2015
3107
التاريخ: 11-8-2016
3076
|
من الأزمات التي خلّفتها سيرة الحكّام السابقين هي أزمة ارتباك المفاهيم وما رافقها من تقليد وسطحية في الفكر ، فلم تتجلّ حقيقة التصور الاسلامي عند الكثير من المسلمين لكثرة التيارات الهدّامة ونشاطها في تحريف المفاهيم السليمة وتزييف الحقائق ، فكان دور الإمام ( عليه السّلام ) هو حمل النفوس على التمحيص لتمييز ما هو أصيل من العقيدة عمّا هو زيف ، وعلى تحكيم الأفكار والمفاهيم الأصلية في عالم الضمير وعالم السلوك على حد سواء ، والاستقامة على المنهج الذي يريده اللّه تعالى للإنسان .
وقد مارس الإمام ( عليه السّلام ) عدة نشاطات لإصلاح الأفكار والعقائد ، نشير إلى أهمّها كما يلي :
1 - الردّ على الافكار والعقائد الهدّامة والمذاهب المنحرفة
وجد المنحرفون لأفكارهم وعقائدهم الهدّامة أو ساطا تتقبّلها وتروّج لها - جهلا أو طمعا أو تآمرا على الإسلام الخالد - وفي عهد الإمام الباقر ( عليه السّلام ) نشطت حركة الغلاة بقيادة المغيرة بن سعيد العجلي .
روى علي بن محمد النوفلي أن المغيرة استأذن على أبي جعفر ( عليه السّلام ) وقال له : أخبر الناس أنّي أعلم الغيب ، وأنا أطعمك العراق ، فزجره الإمام ( عليه السّلام ) زجرا شديدا وأسمعه ما كره فانصرف عنه ، ثم أتى أبا هاشم عبد اللّه بن محمد ابن الحنفية فقال له مثل ذلك ، فوثب عليه ، فضربه ضربا شديدا أشرف به على الموت ، فلمّا برئ أتى الكوفة وكان مشعبذا فدعا الناس إلى آرائه واستغواهم فاتّبعه خلق كثير[1].
واستمرّ الإمام ( عليه السّلام ) في محاصرة المغيرة والتحذير منه وكان يلعنه أمام الناس ويقول : « لعن اللّه المغيرة بن سعيد كان يكذب علينا »[2].
ولعن ( عليه السّلام ) بقية رؤساء الغلاة ومنهم بنان التبّان ، فقال : « لعن اللّه بنان التبّان ، وان بنانا لعنه اللّه كان يكذب على أبي »[3].
وكان ( عليه السّلام ) يحذّر المسلمين وخصوصا أنصار أهل البيت ( عليهم السّلام ) من أفكار الغلو ، ويرشدهم إلى الاعتقاد السليم ، بقوله :
« لا تضعوا عليّا دون ما وضعه اللّه ، ولا ترفعوه فوق ما رفعه اللّه »[4].
وكان ( عليه السّلام ) يخاطب أنصاره قائلا : « يا معشر الشيعة شيعة آل محمد كونوا النمرقة الوسطى : يرجع إليكم الغالي ، ويلحق بكم التالي »[5].
وحذّر ( عليه السّلام ) من المرجئة ولعنهم حين قال : « اللهمّ العن المرجئة فإنهم أعداؤنا في الدنيا والآخرة »[6].
وكان ( عليه السّلام ) يحذّر من أفكار المفوضة والمجبرة . ومن أقواله في ذلك : « إيّاك أن تقول بالتفويض ! فإنّ اللّه عزّ وجلّ لم يفوّض الأمر إلى خلقه وهنا وضعفا ، ولا أجبرهم على معاصيه ظلما »[7].
وفي عرض هذا الردّ القاطع الصريح كان الإمام ( عليه السّلام ) يبيّن الافكار السليمة حول التوحيد لكي تتعرف الأمة على عقيدتها السليمة .
وكان ممّا ركّز عليه الإمام ( عليه السّلام ) في هذا المجال بيان مقومات التوحيد ونفي التشبيه والتجسيم للّه تعالى .
قال ( عليه السّلام ) : « يا ذا الذي كان قبل كل شيء ، ثم خلق كل شيء ، ثم يبقى ويفنى كلّ شيء ، ويا ذا الذي ليس في السماوات العلى ولا في الأرضين السفلى ، ولا فوقهنّ ، ولا بينهنّ ولا تحتهنّ إله يعبد غيره »[8].
وفي جوابه ( عليه السّلام ) للسائلين عن جواز القول بأنّ اللّه موجود ، قال : « نعم ، تخرجه من الحدّين : حدّ الابطال ، وحدّ التشبيه »[9].
وقال ( عليه السّلام ) : « ان ربّي تبارك وتعالى كان لم يزل حيّا بلا كيف ، ولم يكن له كان ، ولا كان لكونه كيف ، ولا كان له أين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ولا ابتدع له مكانا »[10].
كما ركّز الإمام الباقر ( عليه السّلام ) على العبودية الخالصة للّه ونهى عن الممارسات التي تتضمّن الشرك باللّه تعالى .
قال ( عليه السّلام ) : « لو انّ عبدا عملا يطلب به وجه اللّه عزّ جلّ والدار الآخرة ، فأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركا »[11].
كما دعا إلى الانقطاع الكامل للّه تعالى بقوله : « لا يكون العبد عابدا للّه حق عبادته ؛ حتى ينقطع عن الخلق كلّه اليه »[12].
ونهى الإمام ( عليه السّلام ) عن التكلم في ذات اللّه تعالى ، وذلك لأنّ الإنسان المحدود لا يحيط بغير المحدود فلا ينفعه البحث عن الذات اللا محدودة إلّا بعدا ، ومن هنا كان التكلم عن ذاته تعالى عبثا لا جدوى وراءه ، فنهى ( عليه السّلام ) عن ذلك ، وحذّر منه بقوله : « ان الناس لا يزال لهم المنطق ، حتى يتكلموا في اللّه ، فإذا سمعتم ذلك فقولوا : لا اله إلّا اللّه الواحد الذي ليس كمثله شيء »[13].
وممّا ركّز عليه الإمام الباقر ( عليه السّلام ) الردع من اتّباع المذاهب المنحرفة والأفكار الهدّامة هو بيان عاقبة أهل الشبهات والأهواء والبدع ، واستهدف الإمام ( عليه السّلام ) من التركيز على عاقبة المنحرفين فكريا وعقائديا إبعاد المسلمين عن التأثر بهم ، وإزالة حالة الانس والألفة بينهم وبين الأفكار والعقائد المنحرفة .
قال ( عليه السّلام ) في تفسير قوله تعالى : هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً : هم النصارى والقسيسون والرهبان وأهل الشبهات والأهواء من أهل القبلة والحرورية وأهل البدع[14].
2 - الحوار مع المذاهب والرموز المنحرفة
يعتبر الحوار احدى الوسائل التي تقع في طريق اصلاح الناس ، حيث تزعزع المناظرة الهادفة والحوار السليم الأفكار والمفاهيم المنحرفة .
من هنا قام الإمام ( عليه السّلام ) بمحاورة بعض رؤوس المخالفين ، لتأثيرهم الكبير على أتباعهم لو صلحوا واستقاموا على الحقّ . وإليك بعض مناظراته :
مع علماء النصارى : حينما أخرج هشام بن عبد الملك الإمام ( عليه السّلام ) من المدينة إلى الشام كان ( عليه السّلام ) يجلس مع أهل الشام في مجالسهم ، فبينا هو جالس وعنده جماعة من الناس يسألونه ، إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك ، فسأل عن حالهم ، فأخبر انهم يأتون عالما لهم في كل سنة في هذا اليوم يسألون عمّا يريدون وعمّا يكون في عامهم ، وقد أدرك هذا العالم أصحاب الحوارييّن من أصحاب عيسى ( عليه السّلام ) ، فقال الإمام ( عليه السّلام ) : فهلمّ نذهب إليه ؟ فذهب ( عليه السّلام ) إلى مكانهم ، فقال له النصراني : أسألك أو تسألني ؟ قال ( عليه السّلام ) : تسألني ، فسأله عن مسائل عديدة حول الوقت ، وحول أهل الجنّة ، وحول عزرة وعزير ، فأجابه ( عليه السّلام ) عن كل مسألة .
فقال النصراني : يا معشر النصارى ما رأيت أحدا قطّ أعلم من هذا الرجل لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام ردّوني فردّوه إلى كهفه ، ورجع النصارى مع الإمام ( عليه السّلام ) .
وفي رواية : انّه أسلم وأسلم معه أصحابه على يد الإمام ( عليه السّلام )[15].
مع هشام بن عبد الملك : ناظره هشام بن عبد الملك في مسائل متنوعة تتعلق بمقامات أهل البيت ( عليهم السّلام ) وميراثهم لعلم رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وادعاء الإمام علي ( عليه السّلام ) علم الغيب ، فأجابه الإمام ( عليه السّلام ) عن مسائله المتنوعة وناظره في اثبات مقامات أهل البيت ( عليهم السّلام ) مستشهدا بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ، فلم يستطع هشام ان يردّ عليه ، وناظره في مواضع أخرى ، فقال له هشام : ( أعطني عهد اللّه وميثاقه ألّا ترفع هذا الحديث إلى أحد ما حييت ) ، قال الإمام الصادق ( عليه السّلام ) : فأعطاه أبي من ذلك ما أرضاه[16].
وقد ذكرنا تفصيل المناظرتين في بحث سابق فراجع[17].
مع الحسن البصري : قال له الحسن البصري : جئت لأسألك عن أشياء من كتاب اللّه تعالى .
وبعد حوار قصير قال له ( عليه السّلام ) : بلغني عنك أمر فما أدري أكذاك أنت ؟ أم يكذب عليك ؟ قال الحسن : ما هو ؟
قال ( عليه السّلام ) : زعموا أنّك تقول : إنّ اللّه خلق العباد ففوّض إليهم أمورهم .
فسكت الحسن . . . ثمّ وضّح له الإمام ( عليه السّلام ) بطلان القول بالتفويض وحذّره قائلا : وإيّاك أن تقول بالتفويض ، فإنّ اللّه عز وجل لم يفوّض الأمر إلى خلقه ، وهنا منه وضعفا ، ولا أجبرهم على معاصيه ظلما[18].
وله ( عليه السّلام ) مناظرات مع محمد بن المنكدر - من مشاهير زهاد ذلك العصر - ومع نافع بن الأزرق أحد رؤساء الخوارج ، ومع عبد اللّه بن معمر الليثي ، ومع قتادة بن دعامة البصري[19] واحتجاجات لا يتحمّل شرحها هذا المختصر .
3 - إدانة فقهاء البلاط
جاء قتادة بن دعامة البصري إلى الإمام ( عليه السّلام ) وقد هيّأ له أربعين مسألة ليمتحنه بها ، فقال له ( عليه السّلام ) : أنت فقيه أهل البصرة ؟ قال قتادة : نعم ، فقال ( عليه السّلام ) :
« ويحك يا قتادة انّ اللّه عزّ وجل خلق خلقا ، فجعلهم حججا على خلقه ، فهم أوتاد في أرضه ، قوّام بأمره ، نجباء في علمه اصطفاهم قبل خلقه » ، فسكت قتادة طويلا ، ثم قال :
أصلحك اللّه ، واللّه لقد جلست بين يدي الفقهاء ، وقدّام ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدّام أحد منهم ما اضطرب قدّامك[20].
وأدان الإمام الباقر ( عليه السّلام ) أبا حنيفة لقوله بالقياس ، وعلّق الأستاذ محمد أبو زهرة على هذه الإدانة قائلا : تتبيّن إمامة الباقر للعلماء ، يحاسبهم على ما يبدو منهم ، وكأنّه الرئيس يحاكم مرؤوسيه ليحملهم على الجادة ، وهم يقبلون طائعين تلك الرئاسة[21].
4 - الدعوة إلى أخذ الفكر من مصادره النقيّة
لقد حذّر الإمام ( عليه السّلام ) الناس من الوقوع في شراك الافكار والآراء والعقائد المنحرفة ، وحذّر من البدع وجعلها أحد مصاديق الشرك فقال :
« أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأيا فيحبّ عليه ويبغض »[22].
كما حذّر من الإفتاء بالرأي فقال : « من أفتى الناس بغير علم ولا هوى من اللّه لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه »[23].
ومن هنا كان يدعو الناس إلى اخذ العلم والفكر من منابعه النقية وهم أهل البيت المعصومون من كل زيغ وانحراف . قال ( عليه السّلام ) لسلمة بن كهيل وللحكم بن عتيبة : « شرّقا وغرّبا فلا تجدان علما صحيحا إلّا شيئا خرج من عندنا »[24] .
وكان يحذّر من مجالسة أصحاب الخصومات ويقول : « لا تجالسوا أصحاب الخصومات ، فإنهم يخوضون في آيات اللّه »[25].
كما كان يشجع على ذكر مقامات أهل البيت ( عليهم السّلام ) وفضائلهم فإنّها من أسباب نشر الحق والفضيلة ، فعن سعد الإسكاف ، قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السّلام ) :
اني اجلس فأقصّ ، واذكر حقكم وفضلكم . فقال ( عليه السّلام ) : « وددت انّ على كل ثلاثين ذراعا قاصّا مثلك »[26].
5 - نشر علوم أهل البيت ( عليهم السّلام )
لقد فتح الإمام ( عليه السّلام ) أبواب مدرسته العلمية لعامة أبناء الأمة الإسلامية ، حتى وفد إليها طلاب العلم من مختلف البقاع الإسلامية ، وأخذ عنه العلم عدد كبير من المسلمين بشتى اتّجاهاتهم وميولهم ، منهم : عطاء بن أبي رباح ، وعمرو بن دينار ، والزهري ، وربيعة الرأي ، وابن جريج ، والأوزاعي ، وبسام الصيرفي[27] ، وأبو حنيفة وغيرهم[28].
وفي ذلك قال عبد اللّه بن عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي جعفر ، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه متعلم[29].
وكانت أحاديثه مسندة عن آبائه عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، كما كان يرسل الحديث ولا يسنده . وحينما سئل عن ذلك ، قال : إذا حدّثت بالحديث فلم اسنده ، فسندي فيه أبي زين العابدين عن أبيه الحسين الشهيد عن أبيه علي بن أبي طالب عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) عن جبرئيل عن اللّه عزّ وجلّ[30].
[1] شرح نهج البلاغة : 8 / 121 .
[2] بحار الأنوار : 25 / 297 .
[3] المصدر السابق : 25 / 297 .
[4] المصدر السابق : 25 / 283 .
[5] المصدر السابق : 67 : 101 .
[6] المصدر السابق : 46 / 291 .
[7] بحار الأنوار : 5 / 298 .
[8] المصدر السابق : 3 / 285 .
[9] المصدر السابق : 3 / 265 .
[10] المصدر السابق : 3 / 326 .
[11] المصدر السابق : 69 / 297 .
[12] بحار الأنوار : 67 / 211 .
[13] المصدر السابق : 3 / 264 .
[14] المصدر السابق : 2 / 298 .
[15] بحار الأنوار : 46 / 313 - 315 .
[16] بحار الأنوار : 46 / 308 ، 316 .
[17] راجع مبحث ملامح وأبعاد هامة في عصر الإمام الباقر ( عليه السّلام ) .
[18] الاحتجاج : 2 / 184 .
[19] أعيان الشيعة : 1 / 653 .
[20] بحار الأنوار : 46 / 357 .
[21] تاريخ المذاهب الاسلامية : 689 .
[22] المحاسن : 207 .
[23] المصدر السابق : 205 .
[24] الكافي : 1 / 399 .
[25] كشف الغمّة : 2 / 120 .
[26] رجال الكشي : 215 .
[27] سير أعلام النبلاء : 4 / 401 .
[28] تاريخ المذاهب الإسلامية : 361 .
[29] مختصر تاريخ دمشق : 23 / 79 .
[30] إعلام الورى : 294 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|