أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-4-2016
4444
التاريخ: 20-10-2015
6769
التاريخ: 31-3-2016
2895
التاريخ: 20-10-2015
3365
|
كانت الحلقة الدراسية التي أسّسها الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) حلقة حافلة بصنوف المعرفة الإسلامية ، وكان يفيض فيها الإمام من علومه وعلوم آبائه الطاهرين ويمرّن النابهين منهم على الفقه والاستنباط ، وقد تخرّج من هذه الحلقة الدراسية عدد كبير من فقهاء المسلمين .
واستقطب الإمام عن هذا الطريق الجمهور الأعظم من القرّاء وحملة الكتاب والسنّة حتى قال سعيد بن المسيّب : إنّ القرّاء كانوا لا يخرجون إلى مكّة حتى يخرج عليّ بن الحسين ، فخرج وخرجنا معه ألف راكب .
وعلم الفقه بالمعنى المعروف فعلا هو العلم بأحكام أفعال المكلّفين على ضوء مصادر الشريعة الإسلامية ، وكان الإمام هو المرجع الوحيد في عصره لإعطاء تفاصيل الأحكام الشرعية ، وتعليم طريقة استنباطها من مصادرها الإسلامية ، والمربي الفذّ الذي تخرّج على يديه فقهاء المدينة ، وكانت مدرسته هي المنطلق لما نشأ بعد ذلك من مدارس فقهيّة .
وقد قال عنه الزهري : ما رأيت هاشميا أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه[1] . وعدّه الشافعي أفقه أهل المدينة .
وروى المؤرّخون : أنّ الزهري كان يعترف بالفضل والفقه للإمام عليّ ابن الحسين ( عليهما السّلام ) وكان ممّن يرجع إليه في ما يهمّه من الأحكام الشرعية ، وروي أنّه رأى في منامه كأنّ يده مخضوبة ، وفسّرت له رؤياه بأنّه يبتلى بدم خطأ ، وكان في ذلك الوقت عاملا لبني اميّة ، فعاقب رجلا فمات في العقوبة ، ففزع وخاف من اللّه ، وفرّ هاربا فدخل في غار يتعبّد فيه ، وكان الإمام ( عليه السّلام ) قد مضى حاجّا إلى بيت اللّه الحرام فاجتاز على الغار الذي فيه الزهري ، فقيل له :
هل لك في الزهري حاجة ؟ فأجابهم إلى ذلك ، ودخل عليه فرآه فزعا خائفا ، قانطا من رحمة اللّه ، فقال ( عليه السّلام ) له : « إنّي أخاف عليك من القنوط ما لا أخاف عليك من ذنبك ، فابعث بدية مسلّمة إلى أهله ، واخرج إلى أهلك ومعالم دينك » .
فاستبشر الزهري وقال له : فرّجت عنّي يا سيّدي ، اللّه أعلم حيث يجعل رسالته في من يشاء[2].
ودخل الزهري مع جماعة من الفقهاء على الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) ، فسأل الإمام الزهريّ عمّا كانوا يخوضون فيه فقال له : تذاكرنا الصوم فأجمع رأيي ورأي أصحابي على أنّه ليس من الصوم واجب إلّا شهر رمضان .
فنعى عليهم الإمام ( عليه السّلام ) قلّة معلوماتهم بشؤون الشريعة وأحكام الدين ، وبيّن لهم أقسام الصوم قائلا :
« ليس كما قلتم ، الصوم على أربعين وجها ، عشرة منها واجبة كوجوب شهر رمضان ، وعشرة منها صومهنّ حرام ، وأربعة عشر وجها صيامهنّ بالخيار ، إن شاء صام وإن شاء أفطر ، وصوم الإذن على ثلاثة أوجه ، وصوم التأدّب وصوم الإباحة وصوم السفر والمرض » .
وبهر الزهري وبقية الفقهاء من سعة علم الإمام ( عليه السّلام ) وإحاطته بأحكام الدين ، وطلب منه الزهري ايضاح تلك الوجوه وبيانها ، فقال ( عليه السّلام ) : « أمّا الواجب فصيام شهر رمضان ، وصيام شهرين متتابعين لمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ، وصيام شهرين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق ، واجب ، قال اللّه تعالى : وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ - إلى قوله - : فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ[3].
وصيام شهرين متتابعين في كفّارة الظهار[4] لمن لم يجد العتق . قال اللّه تعالى :
وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا[5].
وصيام ثلاثة أيام : فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ[6] ، كل ذلك تتابع وليس بمفترق .
وصيام أذى الحلق ( حلق الرأس ) واجب ، قال اللّه تبارك وتعالى : فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ[7] ، وصاحبها فيها بالخيار بين صيام ثلاثة أيام أو صدقة أو نسك .
وصوم دم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي ، قال اللّه تبارك وتعالى : فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ[8].
وصوم جزاء الصيد واجب ، قال اللّه تبارك وتعالى : وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً[9] »[10].
ثمّ قال ( عليه السّلام ) : « أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهريّ ؟ » فقال : لا أدري ، قال ( عليه السّلام ) : « تقوّم الصيد قيمة ثمّ تفضي تلك القيمة على البرّ ، ثمّ يكال ذلك البرّ أصواعا ، فيصوم لكلّ نصف صاع يوما .
وصوم النذر واجب ، وصوم الاعتكاف واجب[11].
وأمّا الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ، ويوم الأضحى ، وثلاثة أيام من أيام التشريق[12] وصوم يوم الشكّ أمرنا به ونهينا عنه ، أمرنا أن نصومه من شعبان ونهينا أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشكّ فيه الناس » .
والتفت الزهري إلى الإمام ( عليه السّلام ) قائلا : جعلت فداك فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع ؟ قال ( عليه السّلام ) : « ينوي ليلة الشك أنّه صائم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه ، وإن كان من شعبان لم يضرّ » .
وأشكل الزهري على الإمام : كيف يجزي صوم تطوع عن فريضة ؟
فأجابه الإمام ( عليه السّلام ) : « لو أنّ رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يدري ولا يعلم أنّه من شهر رمضان ثمّ علم بعد ذلك أجزأ عنه ، لأنّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه » .
ثمّ استأنف الإمام حديثه في بيان أقسام الصوم قائلا :
« وصوم الوصال حرام[13] ، وصوم الصمت حرام[14] ، وصوم النذر للمعصية حرام ، وصوم الدهر حرام .
وأمّا الصوم الذي صار صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين وصوم الأيام البيض[15] وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان ويوم عرفة ويوم عاشوراء ، كلّ ذلك صاحبه فيه بالخيار ، إن شاء صام وإن شاء أفطر .
وأمّا صوم الإذن فإنّ المرأة لا تصوم تطوّعا إلّا بإذن زوجها ، والعبد لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن سيّده ، والضيف لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن مضيّفه ، قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : فمن نزل على قوم فلا يصوم تطوّعا إلّا بإذنهم .
وأمّا صوم التأديب فإنّه يؤمر الصبيّ إذا راهق تأديبا وليس بفرض ، وكذلك من أفطر لعلّة أول النهار ، ثمّ قوي بعد ذلك أمر بالإمساك بقية يومه تأديبا ، وليس بفرض ، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثمّ قدم أهله أمر بالإمساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض .
وأمّا صوم الإباحة فمن أكل أو شرب أو تقيّأ من غير تعمّد أباح اللّه ذلك وأجزأ عنه صومه .
وأمّا صوم السفر والمرض فإنّ العامّة اختلفت فيه ، فقال قوم : يصوم ، وقال قوم : لا يصوم ، وقال قوم : إن شاء صام وإن شاء أفطر ، وأمّا نحن فنقول : يفطر في الحالتين جميعا ، فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء في ذلك ، لأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول :
فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ . . .[16] » .
وانتهى هذا البحث الفقهي الذي ألقاه الإمام على العلماء والفقهاء ، وقد كشف عن مدى إحاطة الإمام بأحكام الشريعة وفروع الفقه ، فقد فرّع على الصوم هذه الفروع المهمّة التي غفل عنها العلماء ، ومن الجدير بالذكر أنّ فقهاء الإمامية استندوا إلى هذه الرواية في فتاواهم بأحكام الصوم .
[1] راجع ترجمة الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) من تاريخ دمشق ، تحقيق محمد باقر المحمودي : 27 .
[2] تأريخ دمشق : 36 / 16 ، بحار الأنوار : 46 / 7 .
[3] النساء ( 4 ) : 92 .
[4] الظهار : أن يقول الرجل لزوجته : أنت عليّ كظهر امّي .
[5] المجادلة ( 58 ) : 3 - 4 .
[6] المائدة ( 5 ) : 89 .
[7] البقرة ( 2 ) : 96 .
[8] البقرة ( 2 ) : 196 .
[9] المائدة ( 5 ) : 95
[10] المقنعة ، الشيخ المفيد : 363 .
[11] الاعتكاف إنّما يجب بعد مضي يومين منه فيتعيّن اليوم الثالث ، وكذلك يجب بالنذر وشبهه .
[12] أيام التشريق : هي أيام منى وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بعد يوم النحر
[13] صوم الوصال : وهو أن يصوم الليل والنهار ، وحرمته حرمة تشريعية .
[14] صوم الصمت : هو أن يمسك الإنسان فيه عن الكلام ، وقد كان الكلام محرّما على الصائم في الشرائع السابقة ، كما أعلن القرآن ذلك في قصة مريم ، قال تعالى : إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا إلّا أنّه نسخ في الشريعة الإسلامية المقدسة .
[15] الأيام البيض : وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، وسمّيت لياليها بيضا لأنّ القمر يطلع فيها من أولها إلى آخرها . جاء ذلك في مجمع البحرين ( مادة : بيض ) .
[16] فروع الكافي : 1 / 185 ، الخصال : 501 - 504 ، تفسير القمّي : 172 - 175 ، المقنعة : 58 ، التهذيب : 1 / 435 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل معتمد المرجعية الدينية العليا وعدد من طلبة العلم والوجهاء وشيوخ العشائر في قضاء التاجي
|
|
|