المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



محمد بن إسحاق بن علي بن داود  
  
2769   06:46 مساءاً   التاريخ: 12-08-2015
المؤلف : ياقوت الحموي
الكتاب أو المصدر : معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)
الجزء والصفحة : ج5، ص228-235
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-09-2015 1872
التاريخ: 24-3-2016 2723
التاريخ: 29-12-2015 7225
التاريخ: 19-06-2015 2210

 ابن حامد أبو جعفر القاضي الزوزني البحاثي، ذكره عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي وأنه مات بغزنة سنة ثلاث وستين وأربعمائة وقال: هو أحد الفضلاء المعروفين والشعراء المفلقين صاحب التصانيف العجيبة المفيدة جدا وهزلا، والفائق أهل عصره ظرفا وفضلا، والمتعصب لأهل السنة المخصوص بخدمة البيت الموفقي، المحترم بين الأئمة والكبار لفضله مرة، وللتوقي من حماة لسانه وعقارب هجائه ثانية ولقد رزق من الهجاء في النظم والنثر طريقة لم يسبق إليها وما ترك أحدا من الكبراء والأئمة والفقهاء وسائر الأصناف من الناس إلا هجاه ووقع فيه فكان الكل يتترسون باحترامه وإيوائه عن سهام هجائه.

 قال عبد الغافر: وكان صديق والدي من البائتين عنده في الأحايين والمقترحين عليه ما يشتهيه من الطبائخ والمطعومات سمعته رحمه الله يحكي عنه أحواله وتهتكه واشتغاله في جميع الأحوال بما لا يليق بالعلماء والأفاضل ولكنه كان يحتمل عنه اتقاء لسانه ومما حكاه لي رحمه الله أنه قال ما وقع بصري قط على شخص إلا تصور في قلبي هجاؤه قبل أن أكلمه وأجربه أو أخبر أحواله وحكى لي بعض من أثق به أنه قال لم يفلت أحد من هجائي إلا القاضي الإمام صاعد بن محمد رحمه الله فإني كنت قد زورت في نفسي أن أهجوه، فحيث تأملت في حسن عبادته وكمال فضله ومرضي سيرته استحييت من الله تعالى وتركت ما أجلته في فكري على أني سمعت فيما قرع سمعي تشبيبا منه بشيء من ذلك عفا الله عنه ولقد خص طائفة من الأكابر والعلماء بوضع التصنيف فيهم ورميهم بما برأهم الله عز وجل عنه وبالغ في الإفحاش وأغرق في قوس الإيحاش وأظهر النسك بين الناس وأغرب في فنون الهجاء وأتى بالعبارات الرشيقة والمعاني الصحيحة من حيث الصنعة وإن كانت عن آخرها أوزارا وآثاما وكذبا وبهتانا واتفق الأفاضل على أنه أهجى أهل عصره من الفضلاء وأفتقهم شتما قبيحا وتعريضا وتصريحا وكان يسكن مدرسة السيوري بباعذرا ويخص جماعة سكانها من الأئمة في عصره بالهجاء وله معهم ثارات وأحوال يطول ذكرها ثم مع تبحره وانفراده بفن الهجاء كان له شعر في الطبقة العليا في المدح والثناء وسائر المعاني قصائده الغر في السادة والأئمة مشهورة ومقطعاته في الغزل مأثورة وكان ينسخ كتب الأدب بخط مقروء صحيح أحسن النسخ ولقد رأيت نسخة من كتاب يتيمة الدهر لأبي منصور الثعالبي في خمس مجلدات بخطه المليح بيعت بثلاثين دينارا نيسابورية وكانت تساوي أكثر من ذلك ولقد كتب نسخة من غريب الحديث لأبي سليمان الخطابي وقرأها على جدي الشيخ عبد الغافر بن محمد الفارسي قراءة سماع وعلى الحاكم الإمام أبي سعد بن دوست قراءة تصحيح وإتقان أقطع على الله تعالى أن لم يبق من ذلك الكتاب نسخة أبين ولا أملح منها وهي الآن برسم خزانة الكتب الموضوعة في الجامع القديم موقوفة على المسلمين ومن أراد صدقي في ادعائي فليطالعه منها ولم أظفر من مسموعاته في الأحاديث بشيء يمكنني أن  أودعه هذا الكتاب مع أني لا أشك في سماعه ولقد ذكر الحافظ أنه روى عنه عن خاله أبي الحسن هارون الزوزني عن أبي حاتم بن حيان ولم يقع إلي بعد ومن شعره في بعض الأكابر: [البسيط]

 (يرتاح للمجد مهتزا كمطرد ... مثقف من رماح الخط عسال)

 (فمرة باسم عن ثغر برق حيا ... وتارة كاشف عن ناب رئبال)

 (فما أسامة مطرورا براثنه ... ضخم الجزارة يحمي خيس أشبال)

 (يوما بأشجع منه حشو ملحمة ... والحرب تصدع أبطالا بأبطال)

 (ولا خضارة صخايا غواربه ... تسمو أواذيه حالا على حال)

 (أندى وأسمح منه إذ يبشره ... مبشروه برواد ونزال)

 إلى غير ذلك من أمثاله إلى تمام القصيدة وله: [الطويل]

 (وذي شنب لو أن جمرة ظلمه ... أشبهها بالجمر خفت به ظلما)

 (قبضت عليه خاليا واعتنقته ... فأوسعني شتما وأوسعته لثما)

 ومن شعره يصف البرد: [الكامل]

 (متناثر فوق الثرى حباته ... كثغور معسول الثنايا أشنب)

 (برد تحدر من ذرى صخابة ... كالدر إلا أنه لم يثقب)

 قال عبد الغافر واقتصرت على هذا النموذج من كلامه مخافة الإملال ومن أراد المزيد عليه فديوان شعره هزلا وجدا موجود والله يغفر له ويعفو عنه.

قال المؤلف: ولم أر من تصانيف البحاثي هذا شيئا إلا شرح ديوان البحتري ولعمري إن هذا شيء ابتكره فإني ما رأيت هذا الديوان مشروحا ولا تعرض له أحد من أهل العلم ولا سمعت أحدا قال إني رأيت ديوان أبي عبادة البحتري مشروحا وتأملته فرأيته قد ملئ علما وحشي فهما وذاك أن شروح الدواوين المعروفة كأبي تمام والمتنبي وغيرهما تساعدت القرائح عليها وترافدت الهمم إليها وما رأى له فيما اعتمده من شرح هذا الكتاب عمدة إلا أن يكون كتاب عبث الوليد للمعري وكتاب الموازنة للآمدي لا غير وقد ذكر البحاثي هذا أبو منصور الثعالبي في تتمة يتيمة الدهر بما أنا ذاكره إن شاء الله.

 قال أبو منصور: أبو جعفر محمد بن إسحاق البحاثي زينة زوزن وطرف الطرف وريحان الروح يقول في هجاء لحيته الطويلة: [الكامل]

 (يا لحية قد علقت من عارضي ... لا أستطيع لقبحها تشبيها)

 (طالت فلم تفلح ولم تك لحية ... لتطول إلا والحماقة فيها)

 (إني لأظهر للبرية حبها ... والله يعلم أنني أقليها)

 ويقول في ي ذم خال على وجه بعض من يهجوه: [الطويل]

 (أبو طاهر في الشؤم واللؤم غاية ... بعيد عن الإسلام والعقل والدين)

 (على وجهه خال قريب من آنفه ... كمثل ذباب واقع فوق سرقين)

نقلت من خط أبي سعد السمعاني عن رجل عن أسعد بن محمد العتبي قال حكى أبو جعفر البحاثي أن أبا بكر الصيفي كان يختلف معنا إلى الحاكم أبي سعد بن دوست وكان من أنجب تلامذته نظما ونثرا فاختطف في ريعان شبابه ونضارة عمره فرأيته في المنام ليلة قلت ما وجدت من أشعارك شيئا يكون لي تذكرة فقال ليس لي شعر فقلت: ألست القائل؟: [المجتث]

 (باكر أبا بكر بكاس ... ما بين إبريق وطاس)

 فقال وأنا أقول: [مجزوء الكامل]

 (حل الخطوب بساحتي ... لا كنت أيتها الخطوب)

 (غادرتنا فغدرت إن ... الدهر خداع خلوب)

 (دنيا تقضت لم يكن ... ليس في أطايبها نصيب)

 قال: فانتبهت وأشعلت السراج وكتبت عنه هذه الأبيات حكى يعقوب بن أحمد النيسابوري أن القاضي البحاثي دخل على أبي سعد بن دوست فأنشده: [الخفيف]

 (ليت شعري إذا خرجت من الدنيا ... فأصبحت ساكن الأجداث)

 (هل يقولن إخوتي بعد موتي ... رحم الله ذلك البحاثي)

 فلما مات البحاثي قال فيه أبو سعد بن دوست:

 (يا أبا جعفر بن إسحاق إني ... خانني فيك نازل الأحداث)

 (من هوى من مصاعد العز قسرا ... يك تحت الرجام في الأجداث)

 (فلك اليوم من قواف حسان ... سرن في المدح سيرها في المراثي)

 (مع كتب جمعن في كل فن ... حين يروين ألف باك وراثي)

 (قائل كلها بغير لسان ... رحم الله ذلك البحّاثي)

 وذكر محمد بن محمود النيسابوري في كتاب سر السرور أن شعر البحاثي نيف على عشرين ألف بيت وأنه وقف عليه في تسع مجلدات فانتخبت من ذلك المنتخب في هذه الورقة: [مجزوء الرمل]

 (بأبي من عند لثمي ... زاد في عشقي بشتمه)

 (ومضى يبكي ويمحو ... أثر اللثم بكمه)

وله مثله: [الطويل]

 (بليت بطفل قل طائل نفعه ... سوى قبل يزري بها طول منعه)

 (ويمسحها من عارضيه بكمه ... ويغسلها عن وجنتيه بدمعه)

 (يكاشفني إن لاح شخصي بعينه ... ويغتابني إن مر ذكري بسمعه)

 ولم أجد له في غير الهجاء السخيف شيئا استحسنته قال يهجو: [الطويل]

 (ألا إن هذا البيهقي محدث ... مسيلمة الكذاب في جنبه ملك)

 (ففي وجهه قبح وفي قلبه عمى ... وفي نطقه كذب وفي دينه حلك)

 (لو ابن معين كان حيا لجاءه ... وبالسلح سلح الكلب لحيته دلك)

 (فلا تعجبا إن مد في عمر مثله ... ويهلك أهل الفضل إذ خرف الفلك)

 وله: [الخفيف]

 (مأتم الشيخ مأنس للكرام ... جئته قاضيا لحق الحِمام)

 (مع حزن يحكي حزين الأغاني ... وبكاء يحكي بكاء الحَمام)

 (كجهام الغمام جفنا ووجها ... مكدي الدمع واري الابتسام)

 وله: [السريع]

 (إني لمرزوق من الناس إذ ... أصبحت من أحذق حذاقهم)

 (ما ذاك من فضل ولكنني ... أخالق الناس بأخلاقهم) 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.