أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-08-2015
3793
التاريخ: 5-08-2015
762
التاريخ: 25-10-2014
759
التاريخ: 5-08-2015
848
|
إنّ كلامه [الله] هو الحروف المسموعة ، وتكلّمه إيجادها مثل كلامنا وتكلّمنا ، وهذا هو مذهب الإمامية ووافقهم عليه المعتزلة ، وأمّا الأشاعرة فلا أدري أنّهم يتبعوننا في ذلك بأسرهم أم لا ؟ غير أنّ المصرّح به في كلام جماعة منهم (1) ، هو الأَوّل وقبول أنّ كلامه اللفظي حادث غير قائم به ، إلاّ أنّهم أثبتوا معنى آخر للكلام ، وسمّوه بالكلام النفسي (2) .
أقول : الكلام
تارةً في تصوّره ، وأُخرى في تصديقه ، فللبحث جهتان :
أمّا الجهة
الأُولى :
فقد قال جمع من
أعلامنا : إنّه غير معقول في نفسه ، لكنّ الأشعرية أصرّت على تصويره ، ففي المواقف
وشرحها (3) : وهو المعنى القائم بالنفس الذي يعبّر عنه بالألفاظ ، ونقول هو الكلام
حقيقةً ، وهو قديم قائم بذاته تعالى ، ونزعم أنّه غير العبارات ؛ إذ تختلف
العبارات بالأزمنة والأمكنة والأقوام ، ولا يختلف ذلك المعنى النفسي ، بل يدلّ
عليه بالإشارة والكتابة كما يدلّ عليه بالعبارة
، والطلب الذي هو معنىً قائم بالنفس واحد لا يتغيّر مع تغيّر العبارات ، وغير
المتغيّر غير المتغيّر، وهو غير العلم ؛ إذ قد يخبر الرجل عمّا لا يعلمه ، بل يعلم
خلافه أو يشك فيه ، وغير الإرادة ؛ لأنّه قد يأمر الرجل بما لا يريده كالمختبِر .
وأمّا قِدمه؛ فلامتناع حلول الحوادث في الواجب ... وهو واحد (4) وانقسامه إلى
الأمر والنهي والاستفهام والخبر والنداء بحسب التعلّق ، فذلك الكلام الواحد
باعتبار تعلّقه بشيء على وجه مخصوص يكون خبراً ، وباعتبار تعلّقه بشيء آخر ...
يكون أمراً ، وكذا الحال في البواقي .
وقيل : كلامه
خمسة . وقال ابن سعيد من الأشاعرة : هو في الأزل واحد ، وليس متّصفاً بشيء من تلك
الخمسة ، وإنّما يصير فيما لا يزال .
أقول : كلّ ذلك
لا يرجع إلى معنى معقول :
أمّا أَوّلاً :
فدعوى أنّه الكلام حقيقةً دعوى كاذبة ؛ فإنّ الكلام حقيقةً هو الحروف المسموعة كما
مرّ ؛ ولذا اعترف ابن روزبهان أنّ هذا المعنى ممّا لا يفهمه العرف .
وأمّا ثانياً :
فلأنّهم لم يعلموا الفرق بين التصوّر والتصديق ، وإلاّ لم يدّعوا تغايره مع العلم،
فإنّ الإخبار ـ ولو عن شيء مقطوع العدم ـ أمر اختياري لابدّ له من تصوّر وعلم ،
ولا مانع من أن يتصوّر المخبِر ما يذعن بعدمه ثمّ يخبر عن وجوده ، فالعلم التصوري
موجود، ولعمري إنّ أكثر ما قالوه في معناه لا يخرج عن معنى العلم أصلاً ، فهذا
المعنى هو الوجود الذهني ولو كان تصوراً لا تصديقاً .
وأمّا ثالثاً :
فكما أنّه لا إرادة حقيقةً في فرض الاختيار ، ولا طلب جدياً أيضاً ، بل الموجود هو
الطلب الصوري وفيه تأمّل .
وأمّا رابعاً :
فلِما ذكره بعض الأشاعرة (5) بأنّ قوله تعالى {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام:
72] مع قوله : {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا } [الإسراء: 32] متباينان لفظاً ومعنىً
تباين زيد مع عمر ، فالقول باتّحادهما في الأزل قول باتّحاد الآيتين ، وهو ضروري
البطلان .
وأمّا خامساً :
فلأجل أنّ الالتزام بكون الكلام النفسي المذكر مدلولاً للكلام اللفظي ، التزام
بأنّه أمر ونهي ، وخبر واستفهام ، وتمنٍ وترجٍّ ، وتعجّب وقَسَم ونداء ، فإنّ
الكلام اللفظي ليس إلاّ أحد هذه الأمور ، ومن البديهي عدم تعقّل معنى آخر له وراء
هذه المعاني ، فإذا صحّ ذلك فيلزمهم الالتزام بكذبه تعالى وسفهه ، تعالى الله عمّا
يقول الظالمون الجاهلون علواً كبيراً ؛ وذلك لأنّه أخبر بقوله : {إِنَّا
أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [نوح: 1]، وهكذا أخبر عن وقوع جملةً كثيرة من
الأُمور ، والحال أنّ وقوعها غير ثابت في الأزل .
والكلام النفسي
عندهم قديم ، وأيضاً أنّه أمر بأُمور ونهى عن أُمور وحكى أشياء ، والحال أنّه لا
مكلّف ولا مخاطَب في الأزل ، وقطعية بطلان التالي يكشف عن قطعية بطلان المقدّم .
وأمّا إنكار
اتّصافه بهذه الأنواع في الأزل مع كونه مدلولاً للفظ ، فهو عسير جداً ، كما اعترف
به القوشجي ، بل هو غير معقول أصلاً .
وأمّا سادساً :
فلوقوع النسخ اتّفاقاً ، وهو غير راجع إلى اللفظ فقط ، بل إلى المعنى قطعاً، فلو
كان الكلام قديماً لَما وقع النسخ ، الذي هو بمعنى الدفع حقيقةً ، والرفع صورةً ؛
وذلك لِما تسالم عليه الجميع من أنّ ما ثبت قِدمه امتنع رفعه ، بل لزم أبديته وهذا
ظاهر .
ثمّ إنّ صحّة
هذه القاعدة المتسالم عليها بإطلاقها وإن كانت غير ثابتة عندي ... إلاّ أنّها في غير الأفعال الاختيارية ممّا
لا شكّ فيه ، والكلام النفسي من الصفات دون الأفعال .
قاله القوشجي
في تصوير هذا الكلام النفسي (6) .
أقول : المعنى
النفسي الذي يدّعون أنّه قائم بنفس المتكلم ، ومغاير للعلم في صورة الإخبار عمّا
لا يعلمه ، هو إدراك مدلول الخبر ، أعني حصوله في الذهن مطلقاً .
أقول : هل
الإدراك المذكور إلاّ العلم التصوّري فأين المغايرة ؟ ولعمري إنّ هذا غير خافٍ على
المبتدئين .
قال ابن
روزبهان (7) في تصويره : ليراجع الشخص إلى نفسه إنّه إذا أراد التكلّم بالكلام ،
فهل يفهم من ذاته أنّه يزوّر ـ يقوّم ويحسّن ـ ويرتّب معانٍ فيعزم على التكلّم بها
... ويقول في نفسه : سأتكلّم بهذا ... فهذا هو الكلام النفسي .
أقول : وبمثله
أجاب عن لزوم السفه والكذب ... ولكنّه ما التفت إلى أنّ ما ذكره ليس إلاّ تصوّر
المعاني ، وتصوّر ترتيبها والتصديق بحسنه ، فيدخل في العلم الذي يتخيّل تغايره معه
، فلا دافع عن لزوم السفه والكذب أصلاً .
وقيل : إنّه
ألفاظ متخيّلته .
أقول : وهذا
أيضاً راجع إلى التصوّر كما هو ظاهر ، مع أنّ هذه التلفيقات لا تتمّ إلاّ بقياس
الغائب على الشاهد الباطل اتّفاقاً . ثمّ إنّ الكلام وإن دلّ على التصوّر والتصديق
، لكنّها دلالة عقلية كدلالة كلّ فعل اختياري على مقدّماته ، فالأقوال والأفعال من
هذه الجهة سواء ، فليست بوضعية فضلاً عن كونها لفظيةً .
تعقيب وتحقيق:
الذي يظهر من
هؤلاء الناس أنّ معنى الأمر والنهي هو الطلب ـ أي طلب الفعل وطلب الترك ـ القائم
بالنفس المغاير للإرادة .
وأمّا الأخبار
فقال القوشجي (8) : والأشاعرة يدّعون أنّ نسبة أحد طرفي الخبر قائمة بنفس المتكلم
ومغايرة للعلم ... إلخ فيكون معنى الإخبار عندهم هو هذه النسبة .
أقول : أمّا
الطلب فهو عندي وعند جملة من أصحابنا الأُصوليين المتأخرين مغاير للإرادة ، كما
أشرنا إليه في أَوّل الفريدة الثانية ، فإنّ الإرادة بمعنى القصد ومن النفسيات .
وأمّا الطلب
فهو بمعنى السعي نحو الشيء ؛ ولذا يقال لمَن عزم على تحصيل العلم ولكنّه لم يحصّله
بعد : إنّه مريد للعلم ، ولا يقال : إنّه طالب ؛ إذ هو ما طلبه بعد فهو من الأفعال
، ومنه ينقدح أنّه ليس قائماً بنفس المتكلّم ، فإنّه فعل لا صفة .
فالذي يدلّ على
أنّه غير الإرادة خلافاً لجمع من أصحابنا والمعتزلة ، هو الذي يدلّ على أنّه غير
قائم بالنفس ، فلا يكون معنىً للكلام النفسي في الأمر والنهي .
وأيضاً الأمر
والنهي بنفسهما مصدقان للطلب ، لا أنّهما وضعا لمعنى الطلب وهو موضوع له لهما .
وأمّا الإخبار
فالمنسوب إلى العدلية (9) ، أنّه دال على ثبوت النسبة وعدمها ، نعم خالف فيه بعضهم
منهم سيدنا الأُستاذ المحقّق ـ دام ظله ـ فذهب إلى أنّ معناه أمر آخر قرّرناه مع
جوابه في أُصول الفقه ، فحينئذٍ يتّحد المذهبان ـ أي : مذهب جمهور العدلية ومذهب
الأشعرية ـ في ذلك مع أنّ النزاع بينهما قائم أشد قيام ، وإلى هذا يُنظر ما حكي عن
المحقّق الرشتي قدّس سره في بدائعه ، من أنّ الالتزام بالنسبة الحكمية التزام
بالكلام النفسي .
أقول :
والتحقيق عدم الاتّحاد ؛ وذلك لأنّ لفظ النسبة يطلق على معنيين :
أحدهما : الصفة
الموجودة النفسية في قبال سائر الصفات النفسانية ، وهذه هي مراد الأشعرين ،
ويجعلونها الكلام النفسي في الأخبار ، ويزعمون قِدمها في الواجب .
ثانيهما :
الأمر الاعتباري المحض ، الملحوظ للعقل بين المحمول والموضوع ، الساري في الممتنعات
وبين الشيء ونفسه ولوازمه ، مثل : اجتماع الضدّين محال ، زيد زيد ، الإنسان ممكن ،
والنسبة الوجودية غير معقولة في هذه الموارد ، وقيام هذه النسبة الاعتبارية في
النفس على حدّ قيام سائر الأُمور الاعتبارية ، مثل الملكية ، والزوجية ، والأُمور
الإضافية ، مثل الفوقية ، والتحتية ونحوها.
وإن شئت فقل :
إنّ النسبة الأُولى قائمة بالنفس قياماً عينياً ، على حذو قيام العلم والشوق
والتمنّي، والثانية قائمة بها قياماً علمياً ، مثل قيام الموجودات الخارجية بالنفس
، فإنّه بصورها لا بأعيانها ؛ ولذا يقول الأصحاب ومَن تبعهم بصحّة الثانية وبطلان
الأُولى ، وأنّها غير معقولة، وما قالوه حقّ لمَن أنصف من نفسه ، ولم يكابر وجدانه
؛ تحفّظاً على تقليده مذهب أبائه وأشياخه !
فتحصّل : أنّ
كلامه تعالى هو إيجاده الألفاظ المترتّبة ، المسموعة ، الدالة على معانيها ،
المنقسمة تقسيماً ذاتياً إلى الإخبار والإنشاء الطلبي وغير الطلبي ، وليس هنا معنى
آخر غير الصفات المشهورة من العلم والإرادة ونحوهما ، يسمّى كلاماً نفسياً كما
تخيّله هؤلاء .
وكلامه تعالى
هذا حادث متكثّر مثل تكثّر بقية أفعاله ، كالرزق والخلق ، والإحياء والإماتة ،
ونحوها ، كل ذلك ظاهر لا سترة عليه .
ثمّ إنّ للعضدي
توهّماً آخر أضعف ممّا مرّ ، نقله الجرجاني في شرح كتابه المواقف في هذا المقام ،
وقد اعترف التفتازاني في شرح العقائد النفسية ، والقوشجي في شرح التجريد ، بخروجه
عن التعقّل وطور العقل ، فلا نطيل الكلام بنقله وردّه .
ثمّ للأحسائي
حديث آخر حول الكلام النفسي ، في شرحه على عرشية الحكيم الشهير الشيرازي، ولا بأس
بنقل كلامه وكلام الماتن مختصراً .
قال الماتن (10)
: الكلام ليس كما قالته الأشاعرة : صفةً نفسية ومعاني قديمة قائمة بذاته ... لأنّه
غير معقول ، وإلاّ لكان علماً لا كلاماً ، وليس عبارةً عن مجرّد خلق الأصوات
والحروف الدالة على المعاني ، وإلاّ لكان كلّ كلام الله ، ولا يفيد التقييد بكونه
على قصد إعلام الغير من قِبل الله ، أو على قصد الإلقاء من قِبله ؛ إذ الكل من
عنده ، ولو أُريد بلا واسطة فهو غير جائز أيضاً ، وإلاّ لم يكن أصواتاً وحروفاً ،
بل هو عبارة عن إنشاء كلمات تامّات ... إلخ .
قال الشارح ،
ذكر الكلام بعد العلم لجعله إيّاه من الصفات الذاتية ، والمستفاد من فحوى كلامه
وكلام أتباعه ـ مثل الملا محسن ـ أنّه قديم ... لأنّه بعض الشؤون الذاتية ... وقد
صرّح الملا محسن في كتابه أنوار الحكمة ، والتكلّم فينا مَلَكة قائمة بذواتنا ...
وفيه سبحانه عين ذاته ... قوله : ( ليس كما قالته الأشاعرة ) أصحاب علي بن إسماعيل
بن أبي بشير أبي الحسن الأشعري ... وكان على طريقة المعتزلة يقول بحدوث القرآن ،
ثم خطب وهو قاضٍ بالبصرة ، وعدل إلى مذهب محمد بن عبد الوهاب القطّان ...
أقول : الذي
ظهر لي أنّ الأشاعرة أشاروا إلى معنى لو كان ذلك في حق الحادث لكان صحيحاً، ولكنّ
بطلان قولهم لا من حيث إنّه غير معقول ، بل هو معقول معروف ، إلاّ أنّهم عجزوا عن
التعبير في بيان ما أرادوا بعبارة تدلّ على مطلوبهم ، فلمّا نظر مخالفوهم
إلى المفهوم من خصوص تعبيرهم عنه ، وجدوا شيئاً لا يعرف العقل استقامته...
والعبارة الدالة على مرادهم : هو أنّ النفس لها كلام مثل كلام اللسان بحروف وأصوات
إلاّ أنّها نفسية ، فالنفس تخاطب مثال غيرها ، وتأمره ، وتنهاه ، وتطلب منه ،
وكذلك ، مثالها وهو قولهم : مثل حديث النفس ؛ لأنّ النفس قد تحدّث نفسها ، وتحدّث
غيرها بكلام مشتمل على كلمات لفظية ، وحروف صوتية ، مثل الكلام المسموع بالأذان ،
إلاّ أنّه نفسي لا جسماني . هذا كلامهما .
أقول : أمّا
قول الماتن ( وإلاّ لكان كلّ كلام الله ) فهو مبني على كون أفعال المخلوق أفعال
الله ، أي على الجبر الباطل عندنا وعند متابعينا من المعتزلة .
وأمّا قوله : (
وإلاّ لم يكن أصواتاً وحروفاً ) ، فهو مبني على أنّ الصادر عن الله تعالى بلا
واسطة أمر مجرّد ...
وأمّا جعله
إيّاه من الصفات الذاتية ، فهو أضعف بناءً على إرادة ما أرادته الشريعة الإسلامية
من هذه الكلمة ، وإلاّ فلكل أحد الاصطلاح بكل ما أراد !
وأمّا ما أتى
به الشارح الأحسائي ، وزعم عجز الطرفين عن فهمه ، فهو شيء عجيب ، فإنّه ليس إلاّ
تصوّر الألفاظ لا غير ، وكلامه بطوله وما أصرّ عليه من أنّه غير العلم خبط وغلط ،
فلا نطوّل المقام به ، فاستقم ولا تكن من ذوي الاعوجاج .
وأمّا الجهة
الثانية:
ففي بيان
أدلتهم على ذلك المرام الخيالي وهي وجوه :
1 ـ إنّ الكلام
صفة له ، وكل ما هو صفة له فهو قديم ، فكلامه قديم .
أقول : وهذا
منهم عجيب ، فإنّ الكلام ليس بصفة ، بل هو يضاف إلى الله فيقال : كلام الله ، ولا
يقال : الله كلام ، كما يقال : زيد مخلوق الله ، ولا يقال : الله زيد المخلوق ،
فالكلام الذي هو مؤلّف من الحروف والأصوات مخلوقه لا وصفه ، وما يتّصف به هو
التكلّم فيقال : الله متكلم ، أي ثبت له التكلّم ، وهذا ظاهر للمبتدئين ، فلو تمّت
الكبرى لكانت النتيجة هي قِدم التكلّم ، الذي هو إيجاد الحروف المذكورة لا نفس
الكلام ؛ ليحتاج حينئذ إلى الكلام النفسي ، فافهم .
وأمّا الكبرى ،
فإن أُريد بالصفة المذكورة فيها مطلق ما يتّصف به الله سبحانه فهي باطلة ؛ إذ
صفاته الفعلية كلها حادثة ، كما تقول : الله رازق ، خالق ، رحيم ، مميت ، معطي ،
مثيب ، ومعاقِب ، إلى غير ذلك ، وإنّما القديم صفاته الذاتية .
وإن أُريد بها
الصفة الذاتية فالأوسط غير متكرّر ؛ فإنّ التكلّم في الصغرى صفة فعلية وهذا واضح .
وإن شئت فقل
على سبيل النقض : إنّ الله كما يتّصف بالكلام النفسي على زعمهم ، يتّصف بالكلام
اللفظي باعترافهم ، فلابدّ لهم من القول بقِدم اللفظي بعين هذا الوجه ! فهذا
التلفيق فاسد جداً .
2 ـ كلّ متكلّم
يرتّب الكلام في نفسه قبل التلفّظ به ، واللفظ كاشف عن الكلام النفسي المذكور ،
كما قال الأخطل :
إنّ
الكلام لفي الفؤادِ وإنّما *** جُعل
اللسانُ على الفؤادِ دليلاً
وفيه : أنّ
الكلام النفسي بهذا المعنى تصور الألفاظ لا غير ، ولا نمنع عن إطلاق الكلام عليه
غير أنّه عين العلم ، ودلالة اللفظ عليه ليست بلفظية ، بل هي عقلية كما في الأفعال
على ما قلنا سابقاً .
3 ـ إنّ إطلاق
الكلام على الموجود الذهني صحيح بلا عناية فيقال : في نفسي كلام ، وفي التنزيل {
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
[الملك: 13].
أقول : وهذا
كما يقال : في نفسي أن أُسافر غداً ، وفي نفسي صوم الجمعة ، وهكذا ، فهل للصوم
والمسافرة مسافرة نفسية وصوم نفسي حتى يكون للكلام كلام نفسي ؟
4 ـ إطلاق
المتكلّم على الواجب صحيح ، ومعناه مَن قام به الكلام لا مَن أوجده ؛ ولذا لا يقال
: الذائق على مَن أوجد الذائقة ، ولا المتحرّك إلاّ لمَن قام به الحركة ، والقائم
به تعالى لا يكون إلاّ قديماً .
أقول ... إنّ
قيام المبادئ بذويها على أنحاء مختلفة ، وأنّه ليس بحلولي دائماً ، فهذا الإشكال
صدر عن غفلة وجهالة بأنحاء القيام ، وإلاّ فيرد عليه استلزامه قِدم الرزق والخلق
وغيرهما ، كما هو واضح .
وفي خاتمة
البحث نقول : الدليل على إثبات أصل هذه الصفة للواجب ، هو إجماع الأنبياء وتواتر
أخبارهم ، بأنّ الله أمر بكذا ونهى عن كذا ، والأمر والنهي من أقسام الكلام كما
قالوا ، والثاني القرآن العزيز ، وكلاهما يدلّ على الكلام اللفظي دون النفسي ، فلا
ملزم بل لا مجوّز لهم أن يعتقدوا بالكلام النفسي القائم بذاته بعد قبولهم الكلام
اللفظي ، فتأمّل جيداً .
__________________________
(1) لاحظ شرح
المواقف وحواشيه ، وشرح القوشجي وكلام ابن روزبهان .
(2) قال
الأحسائي في شرح المشاعر : إنّ هذا قول الأشعري ومتابعيه تبعاً لمحمد بن عبد
الوهاب القطّان .
أقول : وعن بعض
العامّة نقلاً عن بعض العلماء ، إنّه ما تلفّظ بالكلام النفسي أحد إلاّ في أثناء
المِئة الثالثة ، ولم يكن قبل ذلك في لسان أحد . لاحظ إحقاق الحق 1 / 222.
وفي حاشيته
لبعض المتتبعين : قيل: إنّ أَوّل مَن تفوّه به أبو محمد عبد الله المتكلّم
البغدادي من أهل القرن الثالث .
(3) شرح
المواقف 3 / 77.
(4) شرح
المواقف 3 / 83.
(5) حاشية شرح
المواقف 3 / 82.
(6) شرح
التجريد / 277.
(7) إحقاق الحق
1 / 204.
(8) شرح
التجريد / 276.
(9) كفاية
الأُصول 1 / 98.
(10) شرح
العرشية / 67.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|