أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-10-2015
4102
التاريخ: 9-4-2016
3413
التاريخ: 10-4-2016
3464
التاريخ: 14-10-2015
3530
|
خدعة رفع المصاحف :
استمرّ القتال أياما أظهر خلالها أصحاب الإمام صبرهم وتفانيهم من أجل انتصار الحقّ ، ثمّ إنّ الإمام ( عليه السّلام ) قام خطيبا يحثّ على الجهاد فقال : « أيّها الناس ! قد بلغ بكم الأمر وبعدوّكم ما قد رأيتم ، ولم يبق منهم إلّا آخر نفس ، وإنّ الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأوّلها . . . وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا ، منهم ما بلغنا وأنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى اللّه عزّ وجلّ »[1].
فبلغ ذلك معاوية وقد بدت الهزيمة على أهل الشام فاستدعى عمرو بن العاص يستشيره ، وقال له : إنّما هي الليلة حتى يغدو عليّ علينا بالفيصل فما ترى ؟
قال عمرو : أرى أنّ رجالك لا يقومون لرجاله ولست مثله ، وهو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره ، أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء ، وأهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم وأهل الشام لا يخافون عليّا إن ظفر بهم ، ولكن ألق إليهم أمرا إن قبلوه اختلفوا وإن ردّوه اختلفوا ، ادعهم إلى كتاب اللّه حكما فيما بينك وبينهم[2].
فأمر معاوية في الحال أن ترفع المصاحف على الرماح ، ونادى أهل الشام :
يا أهل العراق ! هذا كتاب اللّه بيننا وبينكم من فاتحته إلى خاتمته من لثغور أهل الشام من بعد أهل الشام ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق ؟
وكانت هذه الدعوى المضلّلة كالصاعقة على رؤوس جيش الإمام ، فهاج الناس وكثر اللغط بينهم ، وقالوا : نجيب إلى كتاب اللّه وننيب إليه ، وكان أشدّ الناس في ذلك أحد كبار قادة جيش الإمام عليّ الأشعث بن قيس .
فقال لهم الإمام ( عليه السّلام ) : « عباد اللّه ! امضوا على حقّكم وصدقكم وقتال عدوّكم ، فإنّ معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن أبي مسلمة وابن أبي سرح والضحّاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، أنا أعرف بهم منكم ، قد صحبتهم أطفالا ثمّ رجالا فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال ، ويحكم ! واللّه ما رفعوها إلّا خديعة ووهنا ومكيدة ، إنّها كلمة حقّ يراد بها باطل » .
فخاطبوا أمير المؤمنين باسمه الصريح قائلين : يا عليّ ، أجب إلى كتاب اللّه عزّ وجل إذ دعيت إليه وإلّا ندفعك برمّتك إلى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفّان .
ولم يجد الإمام ( عليه السّلام ) مع المخدوعين سبيلا فقال : فإن تطيعوني فقاتلوا وإن تعصوني فاصنعوا ما شئتم[3].
وكان في ساحة المعركة مالك الأشتر يقاتل ببسالة ويقين حتى كاد أن يصل إلى معاوية فقالوا لأمير المؤمنين : ابعث إلى الأشتر ليأتينّك . . ولكنّ الأشتر لم ينثن عن عزمه في القتال ، لأنه يعلم أنّ الأمر خدعة فهدّدوه بقتل الإمام ( عليه السّلام ) ، فعاد الأشتر يؤنّبهم فقال لهم : خدعتم واللّه فانخدعتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم ، يا أصحاب الجباه السود كنّا نظن أنّ صلاتكم زهادة إلى الدنيا وشوق إلى لقاء اللّه ، فلا أرى فراركم إلّا إلى الدنيا من الموت .
وأقبل الناس يقولون قد رضي أمير المؤمنين ، والإمام ( عليه السّلام ) ساكت لا يفيض بكلمة مطرق الرأس حزينا ، فقد انطلت الخديعة على جيشه فتمرّد عليه ، ولم يعد باستطاعته أن يفعل شيئا ، وقد أدلى ( عليه السّلام ) بما مني به بقوله : « لقد كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا ، وكنت بالأمس ناهيا فأصبحت اليوم منهيّا »[4].
التحكيم وصحيفة الموادعة :
لم تتوقّف محنة الإمام ( عليه السّلام ) بتخاذل الجيش ، وكان بالإمكان أن يحقّق مكسبا سياسيا عن طريق المفاوضات التي دعي إليها لو أطاعه المتمرّدون في اختيار الممثّلين عنه إلى التحكيم ، فأراد الإمام ( عليه السّلام ) ترشيح عبد اللّه بن عباس أو مالك الأشتر لما يعلم عنهما من اخلاص ووعي ، وأصرّ المخدوعون على ترشيح أبي موسى الأشعري ، فقال الإمام ( عليه السّلام ) : « إنّكم قد عصيتموني في أوّل الأمر فلا تعصوني الآن ، إنّي لا أرى أن اولّي أبا موسى فإنّه ليس بثقة ، قد فارقني وخذّل الناس عنّي - بالكوفة عند الذهاب لحرب الجمل - ثمّ هرب منّي حتى أمّنته بعد أشهر »[5].
وتمكّن معاوية وابن العاص من مأربهم في تفتيت جيش الإمام ( عليه السّلام ) ، يساعدهم في ذلك الأشعث بن قيس من داخل قوّات الإمام .
حضر عمرو بن العاص ممثّلا عن أهل الشام بدون معارضة من أحد لتسطير بنود الاتّفاق مع أبي موسى الأشعري ، ولم يقبل عمرو كتابة اسم « أمير المؤمنين » في الصحيفة ، فقال الإمام ( عليه السّلام ) : إنّ هذا اليوم كيوم الحديبية إذ قال سهيل ابن عمر للنبي : لست رسول اللّه ، ثمّ قال ( عليه السّلام ) : فقال لي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : أما إنّ لك مثلها ستعطيها وأنت مضطهد[6] .
وأهمّ ما جاء في الصحيفة هو إعلان الهدنة ووقف القتال ، وأن يلجأ الطرفان إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه لحلّ قضاياهم ، وأجّل البتّ في قرار الحكمين إلى رمضان ( 37 ه ) ، حيث كتبت الصحيفة في صفر من العام نفسه . والغريب أنّ مسألة الأخذ بثأر عثمان لم ترد ولو بإشارة بسيطة في كتاب الموادعة مع أنّها اسّ الفتنة التي تحرّك فيها معاوية وحزبه من أبناء الطلقاء[7] ، واتّفقوا على أن يكون موضع اجتماع الحكمين في « دومة الجندل » .
موقف واع وتقييم :
روي : أنّه طلب من الأشتر أن يشهد في الصحيفة ، فقال : لا صبّحتني يميني ولا نفعتني بعدها شمالي إن خطّ لي في هذه الصحيفة اسم أولست على بيّنة من ربّي من خلال عدوّي ؟ أو لستم قد رأيتم الظفر[8] ؟
وقيل لأمير المؤمنين : إنّ الأشتر لا يقرّ بما في الصحيفة ولا يرى إلّا قتال القوم .
فقال ( عليه السّلام ) : « وأنا واللّه ما رضيت ولا أحببت أن ترضوا » . . ثمّ قال ( عليه السّلام ) : « يا ليت فيكم مثله اثنين ، يا ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوّي ما أرى ، إذا لخفّت عليّ مؤنتكم ، ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم وقد نهيتكم فعصيتموني ، واللّه لقد فعلتم فعلة ضعضعت قوّة وأسقطت منّة وأورثت وهنا وذلّة »[9].
رجوع الإمام ( عليه السّلام ) واعتزال الخوارج :
قفل أمير المؤمنين راجعا إلى الكوفة مثقلا بالهموم والآلام ، يرى باطل معاوية قد استحكم ، وأمره أوشك أن يتمّ ، وينظر إلى جيشه وقد فتّته التمرّد لا يستجيب لأمره .
ودخل الإمام ( عليه السّلام ) الكوفة فرأى لوعة وبكاءا ، قد سادت جميع أرجائها حزنا على من قتل في صفّين ، واعتزلت فرقة تناهز اثني عشر ألف مقاتل عن جيش الإمام ، ولم يدخلوا الكوفة فلحقوا بحروراء ، وجعلوا أميرهم على القتال شبث بن ربعي ، وعلى الصلاة عبد اللّه بن الكواء اليشكري ، وخلعوا بيعة الإمام ( عليه السّلام ) يدعون إلى جعل الأمر شورى بين المسلمين . . وكان أمر هؤلاء قد بدأ منذ كتابة صحيفة الموادعة ، إذ لم يعجبهم الأمر فاعترضوا وقالوا : لا نرضى لا حكم إلّا للّه ، واتّخذوه شعارا لهم رغم أنّهم هم الذين أصرّوا على الإمام ( عليه السّلام ) لقبول التحكيم .
وسعى أمير المؤمنين لمعالجة موقفهم بالحكمة والنصيحة ، فأرسل إليهم عبد اللّه بن عباس وأمره أن لا يعجل في الخوض معهم في جدال وخصومة ، ولحقه الإمام ( عليه السّلام ) فكلّمهم وحاججهم وفنّد كلّ دعاويهم ، فاستجابوا له ودخلوا معه إلى الكوفة [10].
اجتماع الحكمين :
حان الأجل الذي ضرب لاجتماع الحكمين ، فأرسل الإمام ( عليه السّلام ) أربعمائة رجل عليهم شريح بن هاني ، وبعث معهم عبد اللّه بن عباس ليصلّي بهم ويلي أمورهم وأبو موسى الأشعري معهم ، وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة رجل من أهل الشام حتى توافوا في دومة الجندل .
وقد سارع عدد من أهل الرأي والحكمة ممّن أخلصوا للإمام ( عليه السّلام ) بتقديم النصح والتحذير لأبي موسى ، باذلين جهدهم في حمله على التبصرة والرويّة في اتّخاذ القرار ، وخشية منهم من مكر عمرو وخداعه[11].
قرار التحكيم :
اجتمع الحكمان : أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص ، والأوّل يحمل الغباء السياسي وضعف الانتماء العقائدي وقلّة الولاء لإمامه عليّ ( عليه السّلام ) والثاني هو الماكر المخادع ذو السجيّة الغادرة والطامع إلى إقصاء خطّ أهل البيت ( عليهم السّلام ) تماما عن الميدان السياسي ، يدفعه لذلك طمعه للملك وشركته مع الطليق ابن الطليق معاوية .
ولم يطل الاجتماع طويلا حتى تمكّن ابن العاص من معرفة نقاط الضعف في شخصية الأشعري والسيطرة عليه وتوجيهه نحو ما يريد ، واتفق الاثنان في اجتماع مغلق على خلع الإمام عليّ ( عليه السّلام ) ومعاوية عن ولاية أمر المسلمين ، واختيار عبد اللّه بن عمر بن الخطاب ليكون الخليفة المقترح .
وبادر ابن عباس محذّرا الأشعري من أن ينساق في لعبة ابن العاص ، فقال له : ويحك ، واللّه إنّي لأظنّه قد خدعك إن اتّفقتما على أمر ، فقدّمه فليتكلّم بذلك الأمر قبلك ثمّ تكلّم أنت بعده ، فإنّ عمرا رجل غادر لا آمن من أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه ، فإذا قمت في الناس خالفك .
فقام الأشعري فخطب وخلع الإمام عليّا ( عليه السّلام ) ، ثمّ انبرى عمرو فخطب وأكّد خلع الإمام وثبّت معاوية لولاية الأمر[12].
وبتلك الغدرة ظفر معاوية بالنصر ، وعاد إليه أهل الشام يسلّمون عليه بإمرة المؤمنين ، وأمّا أهل العراق فغرقوا في الفتنة وأيقنوا بضلال ما أقدموا عليه ، وهرب أبو موسى إلى مكّة ، ورجع ابن عباس وشريح إلى الإمام عليّ ( عليه السّلام ) .
[1] كتاب سليم بن قيس : 176 ، والكامل في التأريخ : 3 / 310 .
[2] وقعة صفّين : 347 ، وتأريخ الطبري : 4 / 34 .
[3] وقعة صفّين : 481 ، وتأريخ الطبري : 4 / 34 و 35 ط مؤسسة الأعلمي .
[4] نهج البلاغة الخطبة 208 ط مؤسسة النشر الإسلامي .
[5] وقعة صفّين : 499 ، وتأريخ الطبري : 4 / 36 ، والكامل في التأريخ : 3 / 319 .
[6] وقعة صفّين : 508 ، وشرح نهج البلاغة : 2 / 232 .
[7] تأريخ الطبري : 4 / 40 .
[8] وقعة صفّين : 511 ، والكامل في التأريخ : 3 / 321 .
[9] وقعة صفّين : 521 ، وتأريخ الطبري : 4 / 42 و 43 ، والكامل في التأريخ : 3 / 322 .
[10] تأريخ الطبري : 4 / 54 ، والكامل في التأريخ : 3 / 426 ، .
[11] وقعة صفّين : 534 ، وشرح نهج البلاغة : 2 / 246 . ط دار إحياء التراث العربي .
[12] تأريخ الطبري : 4 / 52 ، ومروج الذهب : 2 / 411 ، والكامل في التأريخ : 3 / 322 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|