أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-14
1018
التاريخ: 19-1-2016
3299
التاريخ: 21-8-2018
2047
التاريخ: 28-5-2020
4809
|
لا يخفى أن الإنسان يمر في رحلة الحياة الدنيا بمراحل عمرية مختلفة، تبدأ بسن الطفولة وتنتهي بسن الشيخوخة والهرم، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير} [الروم:٥٤]. وقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5]. ومن المعلوم أن لكل مرحلة عمرية خصائصها ومزاياها التي تختلف عن مزايا المراحل الأخرى وخصائصها. فللطفولة براءتها وطهرها وعفويتها، وللشباب حماسه ونشاطه وحيويته، وللكهولة هيبتها ووقارها(1).
ويهمنا أن نتوقف قليلاً عند أهم مزايا مرحلة الشباب، هذه المزايا التي قد تشترك في بعضها سائر المراحل العمرية، لكننا نجدها بارزة وحاضرة في مرحلة الشباب أكثر من غيرها. والوقوف على هذه المزايا في غاية الأهمية، فهي تستدعي مسؤوليات تتناسب معها، ومن الضروري التعويل عليها في كل عمل تغييري إصلاحي، إذ من المفترض أن يكون الشباب هم رواد عملية التغيير والنهوض، كما أن من الضروري أخذها بعين الاعتبار في عملية إرشاد الشباب وتوجيههم وتهذيبهم وتنمية قدراتهم وتطوير ملكاتهم، ويحقق طموحاتهم، ويخدم قضاياهم وقضايا المجتمع عموماً.
ـ زَهوُ الشباب وانتفاخ الشخصيّة
ومن المهم بمكان التنبيه إلى أن الكثير من المزايا إذا لم يتم إخضاعها للعقل والحكمة فإنها قد تؤثر سلباً على توازن الشاب الفكري، وعلى صوابية آرائه ومواقفه، وعلى علاقاته بالآخرين، فالشاب المعجب بشجاعته وقوة عضلاته، والمنشغل في جماله ونضارته، قد يدفعه الاستغراق في ذلك إلى الغفلة عن نفسه ونقائصها وما فيها من نقاط ضعف، فيعيش حالة من الزهو والنشوة الخاصة والانتفاخ في الشخصية، وقد يدفعه العجب بالنفس وما تمتلكها من طاقات حيوية إلى ارتكاب الأخطاء، فيقع أسير التكبر والتعجرف وينزلق إلى الاستخفاف بالآخر، وربما قاده ذلك إلى التهور وارتجال المواقف والكلمات، وقد عبرت بعض الأحاديث عن هذه الحالة بأنها حالة سكر، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "أصناف السُّكْر أربعة: سّْكر الشباب وسكر المال وسكر النوم وسكر الملك"(2)، فكما أن المال والجاه (المُلْك) يخلقان لدى الكثيرين حالة من الزهو والنشوة التي تعمي صاحبها وربما شلت عقله، فإن للشباب أيضاً الزهو عينه، وكما أن النوم يفقد الإنسان وعيه فإن نشوة الشباب تسكر الإنسان وتُفقده التوازن العقلي، ومن هنا يكون من الضروري للشاب أن يصحو من هذه النشوة الخادعة، ويتنبه إلى أن العقل هو زينة الإنسان وهو أساس القوة لديه، ولا قيمة للشجاعة التي تبتعد عن الحكمة، ويجدر بالشاب أن يعمل دائماً على تهذيب نفسه وإصلاحها وإيقاظها من كبوتها.
وعليه أن يضع في حسبانه أن طاقة الشباب هذه على أهميتها وبشتى مزاياها المشار إليها لا تدوم ولا تستمر، فهي مرحلة من مراحل عمر الإنسان، وسوف تنتهي وتنقضي لذاتها، وإذا ما فقدت فهي لن تعوض ولن تعود، فالمال ـ مثلاً ـ إذا تلف أو شرق فبالإمكان تعويضه، والجاه ـ أيضاً ـ يمكن تعويضه، ولكن الشباب لا يمكن تعويضه، ولا مجال لكي يعود، وهذا ما عبرت عنه الكلمة المروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : "شيئان لا يَعرِفُ فضلَهما إلاّ من فقدهما: الشباب والعافية" (3).
وقال الشاعر:
ألا ليت الشباب يعـود يـومـاً فأخبره بما فعل المشيبُ.
وفي ضوء ذلك، فإن الشاب الناجح هو الذي يبادر إلى استثمار هذه المرحلة العمرية المتفجرة عطاء وحيوية قبل فوات الأوان، ففي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مخاطباً أمير المؤمنين (عليه السلام): (يا علي بادر بأربع قبل أربع، بشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل مماتك) (4).
كانت هذه وقفة سريعة عند أهم مزايا الشباب وخصائصه، وإنما قدمنا الحديث عن هذه المزايا لان لها ارتباطا وثيقا بمجمل المحاور اللاحقة التي سيتم تناولها في هذا الكتاب، فالحديث المتقدم عن قرب الشباب من الفطرة الصافية له دوره الكبير فيما ستناوله في المحور الثالث من علاقة الشباب مع الله تعالى او كيفية مساعدته على تهذيبه بنفسه، والطاقة والحيوية والشجاعة التي يمتاز بها الشباب لها ارتباطها المؤثر فيما سنتناوله في المحور الرابع من دور الشباب في عملية التغيير والنهوض، وقوة الأحاسيس العاطفية لدى الشباب لها تأثيرها على ذلك أيضاً، ولها دورها فيما سوف يتم تناوله في المحور الثاني من الحديث عن مسؤوليات الشباب.. وهكذا الحال في سائر المزايا التي قدمنا الحديث عنها.
حيوية الشباب وحكمة الشيوخ
وفي ختام هذا المحور يجدر بنا ـ أيضاً ـ التنبيه إلى أن الحديث عن الشباب ومزاياهم ودورهم في عملية التغيير الاجتماعي والسياسي، لا ينبغي أن يفهم - خطأ ـ على أنه انتقاص من دور الشيوخ ومكانتهم، فلكل خصوصياته ومزاياه، ولكل دوره ووظيفته، فللشاب حيويته وحماسته، وللشيخ حكمته وخبرته. تغنى حياة الشاب وتجربته، وإذا اجتمعت حيوية الشباب وحكمة الشيوخ، وانتظمنا في نطاق عمل معين كان ذلك مؤشراً على نجاح العمل وسداده، وقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :"رأي الشيخ أحبّ إلي من جَلَدِ الغلام"(5) وجلده: قوته. ولذا يفترض بالشاب أن لا يكتفي بشجاعته أو يغتر بقوة عضلاته، فيتخيل أن ذلك وحده كاف في تحقيق أهدافه والوصول إلى مبتغاه أو الانتصار في المعارك، فالتجربة والحكمة التي يمتلكها الشيوخ هي في معظم الأحيان أهم من قوة الشباب. والحروب أيضاً كغيرها من الأعمال لا تقاد بالعضلات فحسب، بل تقاد ـ في الأساس - بالتخطيط والرأي الصائب، وصحيح أنه مع تقدم العمر بالإنسان فإن جسده يشيخ ويتعب، ولكن عقله لا يشيخ بل يزداد اكتمالاً ونضوجاً(6)، يقول أحمد صافي النجفي:
عمري بروحي لا بعدّ سنيني فلا سخرنّ غـداً مـن التسعين
عمري إلى السبعين يركض مسرعاً والروح باقية على العشرين
ولهذا فلا يفترض بالإنسان إذا تقدم به العمر أن يتخلى عن مسؤولياته أو يتقاعد عن العمل والعطاء أو العلم والدرس، وإنما عليه القيام بدوره والعمل لآخرته ودنياه ما دام في العمر بقية، {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6].
_____________________________________
(1) يقول بعض الشعراء وهو يحدثنا عن مزايا وخصائص المراحل التي يمر بها الانسان:
ابن عشر من السنين غلام رفعت عن نظيره الأقلام
وابن عشرين للصبا والتصابي ليس يثنيه عن هواه ملام
والثلاثون قوة للشباب وهيام ولوعة وغرام
فإذا زيد بعد ذلك عشراً فكمال وقوة وتمام
وابن خمسين مر عنه صباه فيراه كأنه أحلام
وابن ستين صيرته الليالي هدفا للمنون وهي سهام
وابن سبعين عاش ما قد كفاه واعترته وساوس وسقام
فإذا زيد بعد ذلك عشرا بلغ الغاية التي لا ترام
وابن تسعين لا تسلني عنه فابن تسعين ما عليه كلام
فإذا زيد بعد ذلك عشرا فهو حي كميت والسلام
وهذه الابيات تنسبت الى الشاعر الفقيه عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن ابي الفوارس المعري البكري المشهور بابن الوردي، من شعراء القرن الثامن الهجري، ولد في المعرة غرب مدينة حلب بالشام (سوريا) زمن المماليك سنة 689هـ، توفي بالطاعون سنة 749هـ.
(2) تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)ص124، وهو جزء من الحديث المعروف بحديث الأربعمائة، ولكن المذكور في مصادر أخرى هو (سكر الشراب) بدل: (سكر الشباب) انظر: الخصال للصدوق ص 636، ومعالي الأخبار ص 365.
(3) عيون الحكم والمواعظ ص 298.
(4) الخصال للصدوق ص 239. ومن لا يحضره الفقيه
(5) نهج البلاغة ج 4 ص 19.
(6) إلا في حالات مرضية خاصة ومعروفة، وهي ما يعرف بمرض الزهايمر ( الخرف).
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|