أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
1765
التاريخ: 13-3-2019
9780
التاريخ: 1-07-2015
1955
التاريخ: 1-07-2015
1901
|
ما يقول المادّيون عن هذا النظام الأجمل ؟
حينما تستنطق الماديين في انبثاق هذا النظام
الأكمل عن الطبيعة الجامدة العمياء يجيبونك بوجهين :
الأَوّل : إنّه اتّفاق وتصادف ، فهذه الأناظيم
حصلت اتّفاقاً وصدفةً ، من حركات الأجزاء غير المتجزّئة ! وقد أشرنا إلى أنّ هذا
الكلام لا ينافي ناموس العلم فقط ، بل يصادم الإنسانية في فطرتها المودعة فيها فلا
جواب له ، ولو تمّ التصادف ، بطل قانون العلية ، وببطلانه تنهدم العلوم من أساسها
.
الثاني : إنّه نتيجة الانتخاب الطبيعي والتنازع ـ
التناحر ـ في البقاء .
توضيح ذلك على سبيل الاختصار : إنّ شارلز روبرت
داروين الانجليزي ( 1809 ـ 1882م)، دوّن فرضية رجوع الأنواع إلى أصل واحد أو أصول
محدودة ، وبعبارة أُخرى: أنّ هذه الفرضية تقول : إنّ هذه الأنواع الموجودة من
الحيوانات ، لم تكن كذلك في أصلها، بل أصلها إمّا نوع واحد أو أنواع محدودة ، وجعل
لتركيزها نواميس أربعة :
1 ـ التنازع في البقاء : فكلّ حي ينازع في حفظ
كيانه وتثبيت بقائه ، وان كان ذلك مستلزماً للتجاوز على الآخرين .
2 ـ الانتخاب الطبيعي : يعني أنّ نتيجة التنازع
المذكور ، بقاء الأصلح وفساد غير الأصلح أو ضعفه جداً .
3 ـ قانون المطابقة : وهو تأثير الأمكنة ،
والأغذية ، والملابسات الواقعة في الحياة ، في اختلاف الأفراد والأنواع ، فقوة
أظفار الأسد وحدته لافتراسه ، فلو وقع في محلّ لا يمكنه الصيد ، واضطر إلى أكل
الحشائش ـ كالدواب مثلاً ـ تبطل خاصية أظفاره ، بل تقوى أنيابه وهكذا .
4 ـ قانون الوارثة : وهو أنّ الصفات العارضة
والأطوار الاتّفاقية ، التي طرأت على الحيوانات من جهة اختلاف الأحوال تنتقل إلى
أولادها ، فتوجب اختلاف أشكالها ، بحيث ينجرّ إلى تخيّل اختلاف أنواعها في الأصل ،
مع أنّ الاختلاف المذكور نتيجة التوارث بتمادي الزمان ، وعليه يترتّب رجوع الأنواع
إلى نوع واحد ، أو أنواع محدودة .
ولمّا انتشرت هذه الفرضية فرح المادّيون بها ،
وحسبوا أنّها كافية لأن يُعلّل بها النظام المحكم الساري في أجزاء العالم ، ومعها
لا موجب للتشبّث بالصدفة والاتّفاق ، الذي يرفضه أوائل العقول الساذجة ، وينافره
شرف العلم والإنسانية ، فقالوا : إنّ الطبيعة وإن كانت غير شاعرة ، إلاّ أنّ هذا
النظام متولّد من انتخابها بعد التنازع في البقاء ، بضميمة المطابقة والوراثة ،
فارتقاء الموجودات إلى هذه الدرجة من التكامل ، معلول لهذه النواميس دون المادة
نفسها .
أقول : البحث حول هذه الفرضية عن ناحيتين :
الناحية الأُولى في صحّتها في نفسها ، والناحية الثانية في استنتاج ما تخيّله
الماديون منها .
أمّا الناحية الأُولى وصحّتها في نفسها فلا دليل
عليها ، غير بعض التخمينات والتخرّصات التي لم يقرّ بها العلم ولا الفلسفة ، بل
البرهان على خلافها ، بل الإنصاف أنّها مخالفة للحسّ والوجدان والأخلاق ، كما
فصّلنا القول فيها في مجموعتنا المسماة بـ ( كشكول محسني )، وقد دلّل على بطلانها
غير واحد من باحثي الغرب ، حتى أخرجها بعضهم من المسائل العلمية ، وجعلها آخر
منافيةً للتمدّن الغربي وموجبةً لتأخّره ، وحسبها الثالث من الأقاصيص التي تحكيها
الأُمهات لأولادها الصغار ، بل نسبها بعضهم إلى الجنون ... إلى غير ذلك من الكلمات
الحادّة التي نقدوا بها هذه النظرية (1) .
وأمّا الناحية الثانية فنقول : إذا سلّمنا هذه
الفرضية بتمامها وحسبناها قطعيةً ، فلا يمكن استفادة مرام الماديين منها ، كما لا
يمكن استفادة الحرارة من الثلج !
نقول : مَن الذي أوجد هذه الموجودات ؟ مَن الذي
خلق هذه الذرّات المركّبة ؟ مَن الذي أعطى الطبيعة انتخابها ؟ مَن الذي أودع
التنازع في كيان الأشياء ؟ وهكذا فلابدّ إمّا من الرجوع إلى الصدفة والاتفاق ، أو
إلى الإيمان بخالق الإنس والجان ، وهذا الذي ذكرنا لم يخفَ على داروين نفسه ؛ ولذا
لم يجعلها دليلاً على إنكار الصانع ، بل قيل : إنّه كان عاملاً ومقيّداً بجميع ما
جاء في مذهب الپرتستان أرتدوكس (2) ، من دين المسيح ( عليه السلام ) ، بل صرّح
بأنّ عقائده لا تنافي المذاهب (3) .
وإليك ملخّص ما كتبه هو إلى بعض الألمانيين عام
1873 : يستحيل على العقل الرشيد أن تمرّ به خلجة من الشك ، في أنّ هذا العالم
الفسيح ، بما فيه من الآيات البالغة ، وتلك الأنفس الناطقة
المفكّرة ، قد صدر عن مصادفة عمياء ؛ لأنّ الأعمى
لا يخلق نظاماً ولا يبدع حكمةً ، ذلك أكبر برهان يقوم عندي على وجود الله .
ثمّ يقول : ولقد قامت عندي شكوك كثيرة لأَوّل
عهدي بالبحث ، فسألت : من أين جاءت العلّة الأُولى ؟ وهل لها نشأة ومعاد ؟ غير
أنّي لم ألبث حتى استبان لي ، أنّ هذا الشك نفسه قد يخطر للإنسان ، إذا فكّر في
نشأة المادّة المحسوسة ذاتها ، فمن أين جاءت المادة القديمة ؟ وهل لها أَوّل ؟ أم
هي أزلية ؟ فإذا كانت أزليةً ـ وغالبة الظن على ذلك ـ فمن أين أتت ؟ تلك الحدود
التي يقف عندها الفكر الإنساني معترفاً بالعجز (4) ، لكنّ الماديين أكثروا السرعة
من مقلّدهم ـ بالفتح ـ ولم يدروا أنّ هذه التلفيقات على فرضِ صحّتها ، لا ترتبط
بهوَساتهم أصلاً .
ثمّ إنّ شارلز داروين ليس مؤسّساً لهذه النظرية ،
بل ذكرها غير واحد ممّن سبقه ، كما ذكره فريد وجدي في دائرة المعارف ، بل يوجد ذلك
في كلمات العرب ـ إخوان الصفا وغيرهم أيضاًـ كما نقلها إسماعيل مظهر في مقدّمة
ترجمة أصل الأنواع (5) ، مع أنّهم من المسلمين ، فاتضح من جميع ذلك أنّ هذه
النظرية لا تشفي داء الماديين ، فإنّ صحّتها لا تصادم وجود الله تعالى ، بل ولا
غيره من الأصول الدينية ، نعم هي غير صحيحة عند القرآن ، فإنّه يبيّن خِلقة
الإنسان بدواً وينفي ـ بالدلالة الالتزامية ـ تكوّنه من القرود وغيرها ، فهي تخالف
الإسلام في مسألة فرعية جزئية ، وقد عرفت أنّ البرهان والحسّ والأخلاق ترجّح جانب
القرآن .
ولهم جواب ثالث معروف بالفلسفة الدياليكتيكية ،
وقد بُنيت على أُصول أربعة :
التغيّر والتحوّل الباطني ( في مقابل التغيّر
الحاصل من خارج الشيء المسمّى بالميكانيك)، صحّة التناقض والتضاد ، بل ضرورة
وقوعهما في كلّ شيء ، تأثير التقابل وهو ارتباط الأشياء بعضها ببعض ، بلا انفصال
لشيء منها من هذه السلسلة المرتبطة ، تبديل الكمّية إلى الكيفية دفعة واحدة ؛
وعليها بنوا إنكار الواجب الوجود والأديان ، بل وجميع الأحكام العقلية ؛ إذ لا شيء
ثابت عندهم أصلاً ، بل كلّ شيء له أَوّل ونهاية ، وبها علّلوا نظام العالم المتقن
!
لكن هذه الفرضية واضحة البطلان ؛ لأنّ الأصل
الأَوّل يشمل نفس هذه الفرضية أيضاً ، فلا قيمة لها ، فإنّها محكومة بالزوال
والاضمحلال .
وحلّه : أنّ التغيّر غير جارٍ في العلوم غير
المادية ، أَليست نتيجة ضرب الاثنين في الاثنين هي الأربعة ، وهل يحتمل أحد أن
تكون النتيجة خمسة أو ثلاثة في زمان من الأزمنة ؟ لكنّهم لا يفرّقون بين العلوم
الطبيعية والعقلية ، فيطبّقون أحكام الأُولى على الثانية .
وأمّا صحّة التناقض والتضاد والحكم بوقوعهما ، بل
بضرورة وقوعهما فضلاً عن إمكانه ، فهو مخالف للفطرة الإنسانية والضرورة الأَوّلية
، فإنّ امتناعهما ضروري عند كل أحد حتى الصبيان ، لكن الأمر اشتبه على الماديين
الدياليكتيكيين ، ولم يقدروا على ضبط الوحدات المعتبرة في التناقض ، وحيث أتوا
بأمثلة جزئية دالة على وقوعه ، لم يلتفتوا إلى فقدان وحدة أو وحدات منها ، فحسبوا
أنّهم فازوا بمرادهم ! وقد مرّ الكلام فيه (6) .
وأمّا الثالث فلا كلّية وتعميم فيه ولا دليل على
ذلك ، وأمّا الرابع فهو باطل وما قيل في وجهه مضحك جداً ، ولا ينبغي أن نضيّع
الوقت بإطالة الكلام معهم إثباتاً ونفياً ، ولعمرك إنّ وضوح فساد كلام المادّيين
وشدّة اختلاله ، دليل آخر على وجود الواجب الوجود ، وضرورة إثبات الصانع المختار
العليم {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [إبراهيم: 10].
وعلى الجملة : أنّ جميع فرضيات الماديين حول مبدأ
العالم ، وتلفيقاتهم حول نظام العالم البديع، ترجع إلى صدفة عمياء لا غير ، وهي
تناقض مبدأ العليّة العامّة الشاملة غير القابلة للاستثناء، فلا تغرنّكم كثرة
تعابيرهم وفرضياتهم ، فدقّق النظر تجد صدق قولنا ، وبعد ثبوت تركّب الذرّة
وتجزئتها ، فقد سقط معبود الماديين إلى اليوم وإلى الأبد .
______________________
(1) الجينات الوراثية أثبتت اليوم خِلقة الإنسان
الابتدائية ، وأبطلت تحوّل الإنسان من الحيوان ، وتدلّ هي على صدق القرآن على
أخباره ، أنّ الإنسان خُلق كذلك ابتداءً .
(2) فيلسوف نماها / 226.
(3) المصدر نفسه/ 225.
(4) مقدّمة ترجمة أصل الأنواع بالعربية تأليف
إسماعيل مظهر / 26.
(5) أصل الأنواع / 29 ـ 41.
(6) وخلاصة الكلام أنّ الماديين اشتبهوا في مبدأ
التناقض ، أَوّلا باشتباه التضاد الفلسفي بالتضاد العلمي ، وثانياً بعدم الفرق بين
التناقض والتضاد الفلسفيين ، وثالثاً بإمكان الأخيرين وضرورة وقوعهما ! غافلين عن
أنّ التناقض الفلسفي لو كان ممكناً ، لكان إنكارهم على مخالفيهم باطلاً ؛ لصحّة
ووقوع التناقض وعدمه !
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|