أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-10-2021
1655
التاريخ: 7-10-2021
1592
التاريخ: 1-2-2023
1131
التاريخ: 1-2-2023
1052
|
السؤال : أرجو منكم أن ترسلوا لي ملخّص عن حيثيّات صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية ، لأنّ أهل السنّة يعتبرون أنّ الصلح قد أعطى الشرعية في الخلافة لمعاوية.
الجواب : للإجابة على سؤالكم لابدّ من الأخذ بعين الاعتبار أربعة أُمور يتوقّف عليها القول بشرعية خلافة معاوية :
1 ـ إنّ الإمام الحسن عليه السلام بايع معاوية بيعة حقيقية!!
2 ـ إنّ الإمام الحسن عليه السلام تنازل عن الخلافة لمعاوية!!
3 ـ إنّ الإمام الحسن عليه السلام بايع مختاراً ، وبدون ظروف قاهرة!!
4 ـ إنّ معاوية عمل بشروط البيعة أو الصلح!!
وإثبات كلّ واحدة من هذه المقدّمات دونه خرط القتاد ، وسوف نحاول مناقشتها لبيان عدم إمكانية ثبوتها.
النقطة الأُولى : إنّ المصادر التاريخية التي بمتناول أيدينا تثبت عدم حدوث بيعة من الإمام الحسن عليه السلام لمعاوية ، بل لم يكن في الأمر غير المعاهدة والصلح ، وهذا غير البيعة ، كما يشهد له كلّ من عنده بعض الإلمام بالعربية.
وإليك بعض النصوص التاريخية التي ذكرت الهدنة أو المعاهدة ولم تذكر البيعة :
1 ـ قال يوسف : « فسمعت القاسم بن محيمة يقول : ما وفى معاوية للحسن بن علي عليهما السلام بشيء عاهده عليه » (1).
2 ـ في كلام للإمام الحسن عليه السلام مع زيد بن وهب الجهنيّ قال : « والله ، لأن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي ، وأومن به في أهلي ، خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي … والله لإن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير ... » (2).
3 ـ فلمّا استتمت الهدنة على ذلك سار معاوية حتّى نزل بالنخيلة (3).
4 ـ في رواية له عليه السلام : « إنّما هادنت حقناً للدماء وصيانتها ... » (4).
5 ـ لمّا وادع الحسن بن علي عليهما السلام معاوية ، صعد معاوية المنبر ، وجمع الناس فخطبهم ... (5).
وممّا يؤيّد ذلك أنّ جميع المصادر التاريخية القديمة حين تذكر أحداث عام ( 41 هـ ) تقول : « صلح الحسن » ، وليست « بيعة الحسن ».
النقطة الثانية : هناك فرق واضح بين القيادة الدنيوية وحكومة الناس ـ مهما كانت الوسائل والسبل ـ وبين الخلافة الإلهيّة ، فحتّى لو سلّمنا ببيعة الإمام الحسن عليه السلام فهي لا تثبت أكثر من القيادة الدنيوية لمعاوية على الناس ، وهذا لا يعني على الإطلاق التنازل عن الخلافة ، والمنصب الإلهيّ ، بل وليس من صلاحية الإمام ذلك.
فتعينه إماماً للناس وخليفة كان من قبل الله تعالى ، فلا يمكن التنازل عنه ، فهو ـ كما يعبّر عنه الفقهاء ـ من الحقوق التي لا يصحّ إسقاطها ، ولا تقلها ، وممّا يدلّ على ذلك الروايات الكثيرة الدالّة على ثبوت الخلافة للإمام الحسن عليه السلام : « إمامان قاما أو قعدا » (6) ، فكيف يجوز للإمام الحسن عليه السلام نزع ثوب ألبسه الله إيّاه؟
وممّا يؤيد ذلك ، ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله : « لا يلين مفاء على مفيء « أي لا يكون الطليق أميراً على المسلمين أبداً ، ولو تأمّر عليهم لكان غاصباً لحقّ الإمارة ، ظالماً لهم بحكم الشرع والعقل والاعتبار ، فحيث كان معاوية طليقاً لم يكن له أن يتأمّر على المسلمين (7).
النقطة الثالثة : وهي نقطة مهمّة جدّاً ، لو أمكن إثباتها لشكّلت منعطفاً حادّاً في تحليلنا ، ولأمكن أن يقال ـ بوجه ما ـ شرعية قيادة معاوية وحكومته ، وذلك لأنّ الإنسان يحاسب ويؤاخذ على أعماله الاختيارية ، وليس ما اضطرّ إليه ، فهو منفيّ عنه ، وغير منظور عقلاً ونقلاً.
وبعد هذه المقدّمة نقول : إنّ دراسة الظرف الذي عاشه الإمام الحسن عليه السلام يجعلنا نقطع بعدم إمكانية الاحتمال الأوّل ، وهو الاختيارية في حقّه ، فتعيّن الاحتمال الثاني ، ومعه لا مجال للقول بشرعية خلافة معاوية ، لأجل تنازل الإمام عليه السلام له ، فهو يؤخذ به لو كان تنازله طواعية ، وليس كرهاً واضطراراً.
ولابدّ لتعيين الاحتمال الثاني من النظر في ثلاثة أُمور :
1 ـ حالة قوّاد جيش الإمام عليه السلام.
2 ـ أهل الكوفة.
3 ـ رؤساء القبائل.
الأمر الأوّل : إنّ الإمام عليه السلام أرسل في البدء قائداً من كندة في أربعة آلاف مقاتل ، توجّه إلى الأنبار ، فأرسل إليه معاوية بخمسمائة ألف درهم ، فأخذها وتوجّه إليه مع مائتي رجل من خاصّته وأهل بيته.
ثمّ أرسل الإمام عليه السلام قائداً من مراد في أربعة آلاف ، فكتب لهم معاوية ، وأرسل له خمسمائة ألف درهم ، ومنّاه أيّ ولاية أحبّ من كور الشام ، فتوجّه إليه.
ثمّ أرسل الإمام عليه السلام عبيد الله بن عباس قائداً على الجيش ، فضمن له معاوية ألف ألف درهم ، يعجّل له النصف ، ويعطيه النصف الآخر عند دخوله إلى الكوفة ، فانسل في الليل إلى معسكر معاوية.
الأمر الثاني : إنّ أكثر أهل الكوفة قد كتبوا إلى معاوية : « إنّا معك ، وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك » (8).
الأمر الثالث : كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السرّ ، واستحثّوه على المسير نحوهم ، وضمنوا له تسليم الحسن عليه السلام إليه ، عند دنوّهم من عسكره أو الفتك به (9).
وإذا رأينا الروايات التي يذكر فيها الإمام عليه السلام سبب مصالحته مع معاوية ، لوجدنا أنّ الطريقة التي استعملها الإمام كانت هي المتعيّنة لكلّ لبيب ، ولكلّ خبير بالأُمور العسكريّة.
مضافاً إلى ما ذكرناه من النقاط الثلاث نذكر بعض الروايات زيادةً في التوضيح :
1 ـ هنالك صنف من الروايات يصرّح الإمام الصادق عليه السلام لسدير حول عمل الإمام الحسن عليه السلام بقوله : « فإنّه أعلم بما صنع ، لولا ما صنع لكان أمراً عظيماً ».
وبالتأكيد إنّ هذا الأمر العظيم من الخطورة والأهمّية بمكان ، بحيث يفضّل الإمام الصلح عليه ، وتجد هذا المعنى من الروايات في كتاب علل الشرائع (10).
2 ـ في الصنف الآخر من الروايات ، يتحدّث عليه السلام عن السبب بما حاصله : « ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلاّ قُتل ».
وهذا القسم يعطينا صورة أوضح وأدقّ من الأوّل ، ويمكن أن يكون شرحاً للأمر العظيم ، الذي عبّرت به الروايات في الصنف الأوّل (11).
3 ـ في الصنف الثالث يصرّح عليه السلام بالقول : « ويحكم ما تدرون ما عملت؟
والله الذي عملت خير لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت ... » (12).
4 ـ في الصنف الرابع من الروايات يقول عليه السلام : « والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتّى يدفعوني إليه سلماً ، والله لإن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير ، أو يمنّ عليّ فيكون سنّة على بني هاشم إلى آخر الدهر ، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحيّ منّا والميت » (13).
وهذا الصنف من الروايات يشير إشارة واضحة إلى ما أثبتناه في بداية النقطة الثالثة من الوضعية الحسّاسة والحرجة في جيش الإمام ، والقلوب المريضة والضعيفة التي كانت تحكم الوضع آنذاك.
5 ـ خطب الإمام الحسن عليه السلام بعد وفاة أبيه : « وكنتم تتوجّهون معنا ، ودينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم ، وكنّا لكم وكنتم لنا ، وقد صرتم اليوم علينا ... » (14).
6 ـ قال الإمام الحسن عليه السلام لخارجي عاتبه على صلحه : « فإنّ الذي أحوجني إلى ما فعلت : قتلكم أبي ، وطعنكم إيّاي ، وانتهابكم متاعي ... » (15).
7 ـ قول الإمام عليه السلام لحجر بن عدي : « وإنّما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم » (16).
8 ـ قول الإمام عليه السلام حينما عذلوه على الصلح : « لا تعذلوني فإنّ فيها مصلحة » (17).
ولو لاحظنا التشبيه الذي يستعمله الإمام عليه السلام في بيان الهدف من صلحه لحصلنا على المزيد من القناعة ، بأنّ صلحه لم يكن إلاّ لمصلحةٍ كبرى يقتضيها الإسلام ، ولا تعني على الإطلاق أهلية معاوية للخلافة :
1 ـ في كلام يخاطب به أبا سعيد فيقول له : « علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع ، ولأهل مكّة حين انصرف من الحديبية ، أُولئك كفّار بالتنزيل ، ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل ... » (18).
2 ـ يشبّه جهلنا بالحكمة الداعية للصلح بقضية الخضر وموسى عليهما السلام.
فقال عليه السلام : « ألا ترى الخضر عليه السلام لمّا خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وأقام الجدار ، سخط موسى عليه السلام فعله ، لاشتباه وجه الحكمة عليه ، حتّى أخبره فرضي ، هكذا أنا ... » (19).
3 ـ وقوله عليه السلام : « وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه ، وكادوا يقتلونه ... كذلك أنا » (20).
النقطة الرابعة : قبل بيان وفاء معاوية للإمام الحسن عليه السلام بالشروط لابدّ من ذكر البنود التي اشترطها الإمام على معاوية ، وإن كان من المؤسف جدّاً ، أنّ التاريخ أجحف مرّة أُخرى بعدم ذكره التفصيلي لجميع البنود ، وإنّما حصلنا على شذرات من هنا وهناك ، ومن هذه البنود :
1 ـ أن لا يسمّيه أمير المؤمنين (21).
2 ـ أن لا يقيم عنده شهادة للمؤمنين (22).
3 ـ أن لا يتعقّب على شيعة علي عليه السلام شيئاً (23).
4 ـ أن يفرّق في أولاد من قُتل مع أبيه يوم الجمل ، وأولاد من قُتل مع أبيه بصفّين ألف ألف درهم ، وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد (24).
5 ـ أن لا يشتم علياً عليه السلام (25).
ولو تأمّلنا في هذه البنود لوجدناها بنفسها تنفي الخلافة عن معاوية ، وهذا من تدبير الإمام عليه السلام ، فمن المسلّم به أنّ الإمام عليه السلام من المؤمنين ، بل على رأسهم ، فإذا كان معاوية ليس أميراً للمؤمنين عملاً بالبند الأوّل فهذا يعني أنّه ليس أميراً على الإمام الحسن ، بل على سائر المؤمنين ، وكذلك البند الثاني ، فكيف يكون الإنسان خليفة ولا تجاز عنده الشهادات؟!
مضافاً إلى هذا وذاك ، فإنّ التاريخ يصرّح بأنّ معاوية لم يف للحسن بن علي عليهما السلام بشيء عاهده عليه (26).
وأخيراً ، فقد بات من الواضح عند الجميع ، أنّ الصلح لا يمثّل إعطاء شرعية لخلافة معاوية ، ولا تنازلاً عنها ، ولا أيّ شيء من هذا القبيل ، وعذراً للتطويل ، فإنّ الأمر يستحقّ ذلك.
______________________________
1 ـ علل الشرائع 1 / 212.
2 ـ الاحتجاج 2 / 10.
3 ـ الإرشاد 2 / 14.
4 ـ مناقب آل أبي طالب 3 / 196.
5 ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : 559.
6 ـ الفصول المختارة : 303 ، الإرشاد 2 / 30.
7 ـ بحار الأنوار 44 / 4.
8 ـ بحار الأنوار 44 / 45.
9 ـ الإرشاد 2 / 12.
10 ـ علل الشرائع 1 / 211.
11 ـ نفس المصدر السابق.
12 ـ كمال الدين : 316 ، إعلام الورى 2 / 230 ، كشف الغمّة 3 / 328.
13 ـ الاحتجاج 2 / 10.
14 ـ تاريخ مدينة دمشق 13 / 268 ، أُسد الغابة 2 / 13 ، جواهر المطالب 2 / 207 ، الكامل في التاريخ 3 / 406.
15 ـ تاريخ مدينة دمشق 13 / 263 ، المعجم الكبير 1 / 105 ، تهذيب الكمال 6 / 245 ، جواهر المطالب 2 / 197 ، الكامل في التاريخ 3 / 405.
16 ـ تنزيه الأنبياء : 223.
17 ـ مناقب آل أبي طالب 3 / 197.
18 ـ علل الشرائع 1 / 211.
19 ـ نفس المصدر السابق.
20 ـ الاحتجاج 2 / 8.
21 ـ علل الشرائع 1 / 212.
22 ـ نفس المصدر السابق.
23 ـ نفس المصدر السابق.
24 ـ علل الشرائع 1 / 212.
25 ـ الغدير 10 / 262 ، تاريخ مدينة دمشق 13 / 266 ، الإمامة والسياسة 1 / 185 ، الكامل في التاريخ 4 / 405.
26 ـ الغدير 10 / 262 ، الكامل في التاريخ 3 / 405.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|