المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الادارة و الاقتصاد
عدد المواضيع في هذا القسم 7246 موضوعاً
المحاسبة
ادارة الاعمال
علوم مالية و مصرفية
الاقتصاد
الأحصاء

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27
{كل نفس ذائقة الموت}
2024-11-27

الكحولات
17-1-2016
الحسين مع وحدة أخيه
7-5-2019
ديناميكية المقاومة في النبات للأمراض المختلفة
30-6-2016
ايزويثرمات الامتزاز Adsorption Isotherms
2024-07-10
لاحسة اوراق القمح
4-4-2018
فيروس تلون بذور الفول
19-6-2018


سياسات الانتقـاء والاستهـداف في مقابل السياسـات الوظيفيـة  
  
2418   11:10 صباحاً   التاريخ: 6-9-2021
المؤلف : طاهـر حمدي كنعان ، حـازم تيسيـر رحاحلـة
الكتاب أو المصدر : الدولـة واقتصاد السوق ( قراءات في سياسات الخصخصـة وتجاربها العالمية والعربيـة)
الجزء والصفحة : ص358 - 368
القسم : الادارة و الاقتصاد / علوم مالية و مصرفية / السياسات و الاسواق المالية /

رابعاً : سياسات الانتقاء والاستهداف في مقابل السياسات الوظيفية

تميز النظرية الاقتصادية في العادة بين السياسات الوظيفية، واسياسات الانتقاء أو الاستهداف. تهدف السياسات الوظيفية إلى تحسين البيئة والأطر التي تعمل ضمنها المنشآت والصناعات النشاطات الإنتاجية)، والتي تبقى فيها آليات السوق هي الحكم في نجاح تلك النشاطات أو فشلها. تشمل هذه الأطر مصادر الطاقة وخدمات الموانئ والبيئة القانونية التي تحكم علاقات الأعمال والحوافز الدافعة للبحث العلمي والتطور التقاني ... إلخ. في المقابل، تتضمن "سياسات الانتقاء أو الاستهداف"، تفضيل نشاطات على نشاطات أخرى في ما يتعلق بإجراءات الحماية التجارية والمعونات والحوافز الضريبية والقروض الميسرة التي تستهدف منشآت أو قطاعات أو أقاليم بصورة إنتقائية. وفي هذا الصدد، تركز النظرية الاقتصادية النيوكلاسيكية على انتقاد السياسات الانتقائية، بحجة أن المعونة التمييزية لنشاطات اقتصادية دون غيرها تشوه قدرة وفاعلية قوى السوق على التخصيص الكفؤ للموارد، وأن لا بديل لمناخ التنافس الحر دافعاً لتحسين الإنتاجية وتقریر مواطن المزايا المقارنة في المنشآت والأقاليم والبلدان، وأنه لا يتوقع أن يكون الموظفون الحكوميون أكثر كفاءة من قوى السوق في تحقيق النتائج الإيجابية لنشاطات الإنتاج. 

في المقابل، هناك من الاقتصاديين من يحاجج أن سياسات الانتقاء والاستهداف مطلوبة عند انتشار عوامل الفشل في السوق، إذ يجعل وجود هذه العوامل من الإشارات التي تطلقها آلية الأسعار غير صالحة للتوجيه الأكفا للموارد نحو استعمالاتها الفضلى. لهذا، يتعين على السياسة الصناعية أن تصوّب قوى السوق في الاتجاه الذي يعاكس عوامل الفشل، ويصحح الأثر السلبي لهذه العوامل على نمط تخصيص الموارد الاقتصادية. يبيّن عالم الاقتصاد داني رودريك أن المقاربة لهذا التصحيح يجب أن تأخذ في الاعتبار أن مواقع فشل السوق وأحجام عواملها ليست دائماً مؤكدة أو واضحة المعالم بالنسبة إلى صانع السياسة الحكومية، بل يتطلب التيقن منها معلومات ليست في متناول المؤسسات الحكومية، وتدخل في كثير من الأحيان ضمن خبرة منشآت القطاع الخاص، ولا غنى للتعاون مع هذه المنشآت للحصول على هذه المعلومات أو التيقن منها، حتى يتبين صانع السياسة العقبات والعوامل التي تؤدي إلى فشل السوق موضع البحث، وتتضح بالتالي أساليب التدخل الحكومي الأكثر فاعلية في التغلب على هذا الفشل، يبیّن رودريك أيضاً أن لا جدوى من انشغال صانع السياسة بمعرفة "نتائج" تطبيق سياسات معينة ، لأن من المستحيل معرفة " النتائج" سلفاً قبل قبل النفاذ الفعلي الى هذه السياسات ؛ وانما الاجدى هو الانشغال بصوابية عملية صوغ هذه السايسات وسلامة "سيرورتها" ، ولا سيما من حيث وضع أطر للتعاون الفاعل بين المعنيين بالموضوع من جهة الحكومة ومن جهة القطاع الخاص ، ومن حيث حيث استعداد كل من الطرفين للتعلّم والاستفادة من خبرة الآخر في ما يخص المشكلات والفرص في السوق موضع البحث والتعاون والتنسيق فيما يشبـه عمليـة "استكشاف" مشتركة (17).

يمثل نقصان أو غياب المعلومات عن الفرص الاستثمارية وتكاليفها وعوائدها المحتملة، أي جدواها بصورة عامة، ظاهرة تعانيها المؤسسات الحكومية، كما تعانيها منشآت القطاع الخاص. لذلك، لابد من جهد تعاوني بين الطرفين للتعويض عن مثل ذلك النقصان، لكن شرط ألا تؤثر المصالح الخاصة في القطاع الخاص في استقلالية السياسة الحكومية أو تخل بحصانتها ضد فساد القطاع الخاص وسعيه إلى الربح الريعي على حساب المصلحة العامة. والهدف الرئيس لذلك الجهد التعاوني هو حفز الإبداع (Innovation)، وهو المكوّن الأساس لتنمية القدرات الإنتاجية في الاقتصاد. وفي رأي رودريك، ما يحد قابلية الإبداع (الابتكار) ليس جانب العرض بل جانب الطلب، بمعنى أن تراجع المبتكرات لا يعود بالضرورة إلى نقص في العلماء أو المهندسين القادرين على الابتكار أو إلى تدني مستوى البحث والتطوير العلمي أو إلى نقص في حماية الملكية الفكرية، بل يعود إلى عدم اقتناع روّاد الاستثمار من رجال الأعمال بوجود فرص حقيقية لجني الأرباح من مبتكرات معينة، إذ تشير هذه المبتكرات في العادة إلى منتوجات جديدة غير تقليدية. لكن في أغلب الأحيان، لا يحقق الاستثمار في صناعة هذه المنتوجات ربحاً إلا إذا توافرت له بنى تحتية أساسية أو تزامنت معه استثمارات في منتوجات مكملة له ومسببة لربحيته لجهة المدخلات أو التسويق. ويكون الاستثمار في البنى التحتية أو في المنتوجات المكملة في الأغلب واسع المدى، يتطلب عناقيد من القرارات الاستثمارية المتكاملة والمتزامنة التي تتجاوز إمكانات روّاد الاستثمار الخواص، مما لا يتصور تحققه إلا بمداخلات حكومية مقصودة عمداً وعن إصرار مُسبق.

ويعطي رودريك مثالاً على ذلك من واقع السياسة الاقتصادية التنموية في الصين وتایوان، إذ حدث في عام 2004 أن انخفضت أسعار السكر العالمية، ما أدى إلى کساد صادرات السكر من تایوان، وتسبب بالتالي في إحباط الجدوى الاقتصادية من زراعة قصب السكر في حقول الريف التايواني. لذلك، قررت الحكومة العمل على زراعة محصول آخر مريح بدلا من قصب السكر، ولأمر ما وجدت أن المحصول الأكثر جدوى اقتصادية هو ثمرة الأوركيديا. لكن كانت ربحية هذه الزراعة مشروطة بمجموعة من الاستثمارات المتكاملة التي تتجاوز إمكانات رواد الاستثمار الخواص، لذلك بادرت الحكومة إلى القيام بالاستثمارات المطلوبة، وشملت إنشاء مختبرات لهندسة الجينات الزراعية، ومستوصفات للحجر الصحي الزراعي، ومراكز للتوضيب والتغليف والتحميل على متن السفن، وطرق زراعية جديدة، ووصلات لإمدادات الكهرباء والمياه، وغير ذلك من البنى التحتية، وهي مكرسة كلها لخدمة الزراعة المحمية في «مستنبتات خضراء» (Greenhouses) التي أصبحت ضمن المشروعات المربحة بفضل ذلك المدى من التدخل الحكومي، واعتبر الاستثمار فيها من مسؤولية القطاع الخاص. يستثمر فيها لأنها أصبحت ضمن المشروعات المربحة بفضل التدخل الحكومي .

بالتوافق مع التحليل المبين أعلاه، تعتبر سياسات الانتقاء والاستهداف ضرورية بصورة خاصة، كي يتاح المجال لإضفاء المزايا الآتية على الأنشطة المنتقاة والمستهدفة(18):

أولاً، اقتصادات التنسيق والتكامل بين النشاطات الإنتاجية. كي يصبح مشروع إنتاجي ما مجدیاً ، ينبغي أن يتزامن تنفيذه مع تنفيذ مشروعات إنتاجية أخرى مكملة، ولا بدّ من درجة عالية من التنسيق بين المستثمرين وقرارات الاستثمار لتحقيق هذا التزامن والتكامل.

ثانياً، اقتصادات الحجم الكبير وفرص اكتساب المعارف، إذ تفيد الإشارات الصادرة عن آلية الأسعار رواد الاستثمار في معرفة فرص الربح في مزاولة نشاط إنتاجي ما ضمن معطيات التقنيات السائدة. لكن هذه الإشارات لا تفيد في استشراف الفرص التي تنشأ عن ممارسة نشاط غير مربح حالياً ، لكنه يتيح المجال في المستقبل لتكوين المهارات والمعارف الناشئة عن الممارسة الفعلية للنشاط ،التي تعمل على تحويل النشاط إلى نشاط مربح ومجدي، سواء بصورة مباشرة ضمن النشاط ذاته، ام غير مباشرة حين يتسبب النشاط في إفاضة التقدم التقاني الآتي منه إلى نشاطات آخری مرتبطة به، سواء لجهة المدخلات إليه من نتاج هذه النشاطات أم مخرجاته القابلة للاستخدام في النشاطات الأخرى. فعلى سبيل المثال، يتيح الاستثمار في الصناعة الإلكترونية المجال لطيف من المهارات والمعارف کي يفيض على العدد الكبير من النشاطات المرتبطة مباشرة وغير مباشرة بهذه الصناعة. وفي حين ربما يبدو المستثمر المنفرد أن الاستثمار في هذه الصناعة له جدوى ربحية، فإن تمكينه من اقتحام هذا المجال من مجالات الاستثمار سيقود في غالب الأحتمال إلى الكثير من فرص الاستثمار في نشاطات مرتبطة بهذا النشاط الرائد، وهذه فرص لم تكن مؤشرات آلية السعر لتفصح عنها قبل اجتياز النشاط المبادر بمرحلة التأسيس للتغيير المعرفي والتكنولوجي التي تتطلبها الفرص المذكورة. بعبارات أخرى، إن استهداف مجالات رائدة والاستثمار فيها من شأنه حصاد كمية كبيرة من الاقتصادات المعرفية التي تتحقق نتيجة الانخراط في هذه المجالات، وتحويل هذا الاستثمار من نشاط مكلف وعالي المخاطرة إلى نشاط مربح ومؤسس لبيئة تكنولوجية محفزة لنشاطات مكملة له.

ثالثاً ، دعم المبادرات الجديدة المنطوية على إبداع بضمانات ضد ارتفاع التكاليف وغير ذلك من المخاطر غير المتوقعة التي ربما تلازم نجاح المشروع المبدع، إذ من المشاهد أنه ما إن ينجح المشروع المبدع حتى تصبح فكرته معروفة ومجربة وجاذبة لمستثمرين آخرين يحاكونها دون تكبد تكاليف التأسيس واكتساب الخبرة كما كانت الحال في المشروع المُبادر الأول. وهذا يستدعي أن تعمل الحكومة على حماية المشروع المبادر ودعمه بما يعوضه عن تكلفة استكشاف فرص الاستثمار المجدية أو عن تدني أرباحه نتيجة المنافسة القائمة على محاكاة ميزات المشروع المبادر.

رابعاً، تعويض التكاليف السلبية الناشئة عن النشاطات الإنتاجية التي تستتبع ممارستها آثاراً سلبية في البيئة كتلويث الهواء والمياه وإتلاف الغابات الحرشية والإضرار بالتنوع النباتي. في مثل هذه الحالات، تعمل السياسة الصناعية على دمج التكاليف البيئية غير المباشرة ضمن تكاليف المشروع المباشرة بوضع أنظمة لحماية البيئة توقع الغرامات على مخالفة هذه الأنظمة، أو تكافئ السلوك الإيجابي تجاهها .

ليس ثمة خلاف في شأن التشوهات المختلفة التي يتعرض لها نشاط السوق من قبيل ما تقدم ذكره، مع ذلك يحتدم الخلاف حين يتعلق الأمر بمدى كفاءة الحكومة وقدرتها على معالجة هذه التشوهات وبالمدى الذي يمكن أن تذهب إليه الحكومة في تدخلها بعمل السوق. فهناك من الاقتصاديين من ينادي بمستويات محدودة من التدخل لا تتجاوز تقديم مقادير من الدعم للمشروعات الريادية والإبداعية بالدرجة التي تتطلبها تكاليف استكشاف الفرص الاستثمارية المتاحة ودراسة جدواها. لكن الذهاب في التدخل الحكومي إلى أبعد من ذلك يزيد حدة الخلاف بين الاقتصاديين، إذ تعارض کثرتهم التدخل العميق من قبيل وضع أنظمة حماية المنشآت إنتاجية معينة على مدى مديد من الزمن، بحجة الوصول بها إلى مرحلة النضوج، إذ ربما ينطوي هذا على المخاطرة بدعم نشاطات غير قادرة على الاستمرار بإمكاناتها الذاتية، أو المساهمة في تحقيق أرباح ريعية لمالكي هذه النشاطات على حساب جمهور المستهلكين، بعبارة أخرى، هناك توافق بین الاقتصاديين على أن حالات فشل السوق مثل التي تقدم بيانها هي حالات واقعية كثيراً ما يعانيها الاقتصاد وتنطوي على مبرر قوي للتدخل الحكومي لمعالجة هذا الفشل أو التعويض عن تبعاته. لكن السؤال هو هل أن الحكومة وفي جميع الأحوال تملك الإرادة والقدرة على القيام بتلك المعالجة بأساليب ناجعة؟ وإذا كان الجواب سلبياً، فسيكون مصير تدخلها الفشل أو ربما يزيد من التشويه الذي يعانيه السوق. وهناك تنويعات على هذا السؤال تتعلق بكثافة التدخل الحكومي ومداه وأمده الزمني. فقد يكون المطلوب والكافي لعلاج تشوّه معین هو مقدار من التدخل خفيف ومحدود الأجل. في المقابل، هناك حالات يتعين فيها أن يكون التدخل عميقاً وطويل الأمد كي يكون ناجحاً ، ومن الأمثلة الواقعية على ذلك حالة صناعة الطائرات في البرازيل ، وحالة صناعة السيارات في كوريا الجنوبية . ففي الحالتين ، لم يكن من المُتصوَر نجاح تأسيس الصناعتين المذكورتين من دون التزام حكومي داعم للاستثمار في طيف عريف من النشاطات الإنتاجية الضرورية والمكملة للصناعتين. ومن الأمثلة التي تُعطى على السياسة الناجحة لدعم الصناعة سياسة حكومة تايوان في وضع العقبات في وجه قيام بعض المنشآت الصناعية باستيراد لمدخلاتها من الخارج لحفزها على استخدام المدخلات المنتجة محليّاً (19)، وسياسة حكومة كوريا بتشجيع "الهندسة العكسية للمنتوجات التقنية"، للحصول على أسرارها وتقليدها متجاهلة بذلك حقوق الملكية الفكرية الخاصة بتلك المنتوجات (20). لكن شرط استمرار هذا النجاح هو انسحاب الدعم الحكومي بعد اجتياز المناعة المدعومة مرحلة الطفولة، حتى لا تتعرض سياسة الدعم لمخاطر الاستدامة نحو مرحلة يصبح فيها مبلغ الدعم دخلاً ريعياً غير مبرر للمصالح الخاصة التي تسيطر على الصناعة المدعومة.

يتعين أن تتوخى سياسات الدعم الصناعي الحرص والدقة حتى لا تنتهي بهدر المال العام في دعم نشاطات إنتاجية لا تملك الكفاءة وفرص النجاح وقابلية الاستمرار إلى مرحلة النضوج. إضافة إلى ذلك، من شأن افتراض توافر الدعم في الأحوال كلها أن يثبّط حوافز المستثمرين على التحرّي الجدي للفرص الواعدة بالنجاح ويشجعهم على السلوك الساعي للربح الريعي بدلاً عن الربح المبرر بالإنتاج الناجح في المنافسة. من هنا يمكن  الاستنتاج أن سياسات الدعم الحكومي الانتقائية لا تخلو من مخاطر تفشل مقاصدها.

السياسات الصناعية التدخلية مطلوبة، لكن بدرجات متفاوتة طبقاً لمقتضی الحال. فهناك حالات تُحتم العزوف عن التدخل وتوجب الاعتماد على قوى السوق مصحوبة بسياسات وظيفية، مثل استخدام سعر صرف العملة المحلية تجاه العملات الأجنبية بهدف دعم النشاطات التصديرية مثلاً. وهناك حالات توجب التدخل العميق بالدعم الانتقائي لنشاطات أو صناعات معينة. ولا شك في أن نجاح السياسات الوظيفية أو سياسات الانتقاء والاستهداف أو أي مزيج بينها، إنما يعتمد على كفاءة نسق الحكم السائد (الحكمانية) وما إذا كان يوفر للحكومة الإرادة والكفاءة لاجتراح قرارات حكيمة وصائبة.

ليس من المسلّم به أن نسق الحكم السائد والمؤسسات الحكومية المعبرة عنه مؤهلة دائماً لتشخيص عناصر الفشل أو نقص الكفاءة في عمل السوق ومن ثم وضع السياسات والإجراءات الصائبة للتعويض عن هذا الفشل. فكثيراً ما يؤدي اختلال الحكمانية (نقصان كفاءة نسق الحكم) السائد إلى إيجاد حوافز مصطنعة لدى المستثمرين تدفعهم إلى الاستثمار في نشاطات مدرة للأرباح الريعية، وبالتالي إلى هدر الموارد بعيداً عن الاستثمارات الرافعة للرفاه الاجتماعي، وليس ثمة ضمانات تجعل قرارات الموظفين الحكوميين مؤدية إلى تخصيص الموارد بطريقة تتفوق في الكفاءة على تخصيصها من طريق السوق حتى لو كانت قوى السوق تعاني نقصاً في الكفاءة. وفي حين يشتمل سجل تجارب الدول على حالات نجاح في السياسات الانتقائية للمشروعات الواعدة، فإن هذا السجل يحتوي أيضاً على حالات فشل غير قليلة. ولذلك فإن الاتجاه الحديث والعصري في السياسة الصناعية يركز على البيئة الاستثمارية الحاثة على التعلّم من التجارب، وعلى التعاون والشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في التعرف إلى النشاطات الإنتاجية عالية الجدوى والقائمة على الإبداع والتكامل العابر للمعارف. 

لكن حتى التدخلات المخففة التي تقوم بها الحكومة تحتاج هي أيضاً إلى إدارة كفؤة كي تكون فاعلة ومؤدية لغرضها. وحتى حين يبدو الموظفون الحكوميون أو أصحاب القرار السياسي راغبين في التدخل بحجة تعظيم حصيلة الرفاه الاجتماعي، فإن علينا سبر الحوافز التي تحرك هؤلاء السياسيين وقراراتهم. من هذه الحوافز رغبتهم في الظهور بمظهر أصحاب النشاط والفاعلية، فيدفعهم هذا إلى المبالغة في تقدير منافع المشروعات التي يتبنونها، والبخس في تقدير تكلفتها، فينتهي الأمر بقرارات خاطئة بسبب استنادها إلى معلومات غير واقعية. 

من منطلق الوعي على الاعتبارات المتقدمة الذكر، يمكن التعميم بضرورة الحد من تعقيدات الإجراءات الوظيفية خصوصاً حين يتعلق الأمر بإجراءات الحماية الجمركية التي يتعين أن تبقى عند مستويات دنيا، وألا تكون هذه الإجراءات عرضة للتغير الكبير المتكرر. إضافة إلى ذلك، يتعين تبني الإجراءات التي تشجع التنافس، وتجنب الإجراءات التي تعادي التصدير، من قبيل وضع رسوم على الصادرات (على سبيل المثال، عمل بعض البلدان في أوضاع معينة على رفع المستوى العلمي والمؤهلات الإدارية لرواد الاستثمار، وعلى تسهيل حصول الصناعات التصديرية المستهدفة بالتشجيع على المدخلات الملائمة ،سواء بإعفاء هذه المدخلات من الرسوم الجمركية أم بتشجيع صناعتها محلياً).

تدل بحوث قام بها فاغربرغ وسرهولك بتكليف من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية على أن الأداء الاستثماري الجيد لا يرتبط بدرجة الانفتاح التجاري أو حجم الاستثمار الأجنبي المباشر بقدر ما يعتمد على سياسات تجعل نتائج هذا الانفتاح التجاري والاستثمار الأجنبي ذات مردود اقتصادي إيجابي في صورة اكتساب المعارف العلمية وتوطين المبتكرات التكنولوجية (21) .

إن تصمیم ونجاح السياسات التي توفي بتلك المتطلبات وأمثالها يتطلب أنماطاً فاعلة من الحكمانية (نسق الحكم) تقوم على مفهوم أن معالجة حالات "فشل السوق"، والتوصل إلى التخصيص الأمثل للموارد، وهو المبرر الأساس "للسياسة الصناعية"، يتطلب معرفة طبيعة اقتصادات التكنولوجيا وغيرها من الاقتصادات الخارجية التي تفرزها الأنشطة الإنتاجية (External Economies)، ذلك لأن حسن استغلال هذه الاقتصادات الخارجية هو من أفضل الوسائل لعلاج حالات الاختلال والفشل في السوق . لكن ليست منظومة المعارف باقتصادات التكنولوجيا وغيرها من الاقتصادات الخارجية في متناول الجهات الحكومية إلا بصورة جزئية وغير شاملة لجميع الأحوال، حتى حين تمتاز هذه الجهات بالكفاءة العالية؛ بل كثيراً ما يكون القطاع الخاص الأكثر تمكناً من جوانب مهمة في منظومة المعارف المذكورة، الأمر الذي يوحي بأن من الضروري أن يكون التعاون وتبادل المعارف بين الحكومة والقطاع الخاص مكوّناً رئيساً من مكونات النجاح للسياسة الصناعية .

على تلك الخلفية، لا يتردد عالم الاقتصاد داني رودريك في تزكية "أنموذج للسياسات الصناعية"، قائم على التعاون الاستراتيجي بين الحكومة والقطاع الخاص بهدف تحري طبيعة العقبات التي تعرقل الإصلاح والتجديد البنيوي في الاقتصاد، ومن ثم حشد القوى المؤثرة لحل المشكلات المختلفة التي تعترض حسن سير النشاط الإنتاجي، وحيث يتعلم كل من الشريكين ذلك التعاون، أي الحكومة والخواص، من الفرص التي يتيحها والتحديات التي يواجهها الشريك الأخر، وعلى ذلك، يكون المنهج السليم في تصميم السياسة الصناعية هو منهج" الاستكشاف "، وبموجب هذا المنهج، تقوم الجهات الحكومية المسؤولة في القطاع العام وإدارات المنشآت في القطاع الخاص ببذل الجهد الحثيث للتعلّم واستجلاء الحقائق عن طبيعة التكاليف والفرص التي تستتبعها بدائل السياسات المختلفة، وعن طبيعة التنسيق اللازم لنجاح السياسات التي يجري اعتمادها(22) .

يری رودريك أن المفاهيم التي يعبر عنها ذلك الأنموذج يساعد في دحض بعض الاعتراضات المهمة على السياسة الصناعية. فهناك، مثلاً ؛ الاعتراض بأن الحكومات غير مؤهلة لمعرفة وانتقاء النشاطات الواعدة فعلاً بالنجاح لأنها، أي الحكومات، تفتقر إلى المعلومات الضرورية لهذا الغرض. يُرد على هذا الاعتراض بأن من المرجّح أن القطاع الخاص لا يقل فقراً إلى المعلومات المطلوبة. لذلك، لا بد من التعاون بين القطاعين لتعويض النقص في المعلومات بالتكامل بين الموارد المعرفية لدى الطرفين.

لكن، للتعاون المقترح بين الحكومات والخواص محاذيره، إذ من الضروري أن يحافظ القطاع العام على مستوى رفيع من الاستقلالية عن المصالح الخاصة. لكن يجب ألا تعني هذه الاستقلالية الضرورية العزلة عن التواصل المنضبط مع القطاع الخاص للحصول على المعلومات المتاحة له دون غيره. لذلك، تقتضي الحنكة السياسية أن يكون ثمة "انسياب مستمر" من المعلومات من القطاع الخاص إلى المسؤولين الحكوميين، وأن تحتوي هذه المعلومات على المحددات والتحديات التي تعانيها السوق، وأن تحتوي أيضاً على الفرص الإنتاجية المتاحة في القطاع، وكي يحافظ انسياب المعلومات هذا على استمراريته، لا يليق بالمسؤولين الحكوميين ممارسة الاستعلاء والإصرار على إصدار الأوامر والتوجيهات في اتجاه واحد. ولا بد من علاقات وصلات شفافة ومتوازنة مُصاغة بصورة تمنع استغلال القطاع الخاص لهذه الصلات لأغراض کسب الريع وغير ذلك من ضروب الفساد. ولا بد من صيغة «وسطية» بين استقلالية القرار الحكومي الكاملة من جهة، وضرورة التواصل المنتج مع القطاع الخاص من جهة أخرى، إذ يشكل التطرف في مراعاة الاستقلالية الحكومية ضماناً وحصانة ضد الفساد، لكنه ربما يقود إلى الفشل في منح القطاع الخاص الحوافز الضرورية للمبادرة بنشاطات إنتاجية ناجحة. في الوقت ذاته، ربما يؤدي التشجيع غير المنضبط للموظفين الحكوميين إلى التقارب والتواصل مع رجال الأعمال الخواص إلى أن يعلق هؤلاء الموظفين في براثن المصالح الخاصة. إن الآلية المؤسسية التي تساعد في الحيلولة دون تشكل هذه الظاهرة هي ترسيخ تقاليد المساءلة الديمقراطية والشفافية وحكم القانون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(17)Dani Rodrik, One Economics, Many Recipes: Globalization, Institutions, and Economic  Growth (Princeton: Princeton University Press, 2007), chap. 4.

(18) Pack and Saul. pp. 268 ff. and Ha-Joon Chang. . Can We Go Beyond an Unproductive Confrontation?

Paper Presented at: Annual World Bank Conference  on Development , Seoul, South Korea, 22-24 June 2009. pp. 7 , ff   Cited in: Altenburg, Industrial Policy in developing countries . 

(19) R. H. Wade, «Rethinking Industrial Policy for Low Income Countries, Paper Presented at (Opportunities and Challenges of Development for Africa in the Global Arena)

(African Economic Conference, United Nations Conference Centre, Addis Ababa, 15-17 November 2007). Cited in: Altenburg, Industrial Policy in Developing countries

(20). Linsu Kim, Imitation to Innovation: The Dynamics of Korea's Technological Learning. Management of Innovation and Change Series (Boston: Harvard Business School Press, 1997). Cited in: Altenburg. Industrial Policy in Developing countries. 

(21) Jan Fagerberg and Martin Srholec, Catching Up: What Are the Critical Factors for  Success? (Background Paper for the UNIDO World Industrial Development Report 2005, Vienna, April 2005). Cited in: Altenburg. Industrial Policy in Developing countries.. 

(22) 112- 110 Rodrik , pp .




علم قديم كقدم المجتمع البشري حيث ارتبط منذ نشأته بعمليات العد التي كانت تجريها الدولة في العصور الوسطى لحساب أعداد جيوشها والضرائب التي تجبى من المزارعين وجمع المعلومات عن الأراضي التي تسيطر عليها الدولة وغيرها. ثم تطور علم الإحصاء منذ القرن السابع عشر حيث شهد ولادة الإحصاء الحيوي vital statistic وكذلك تكونت أساسيات نظرية الاحتمالات probability theory والتي تعتبر العمود الفقري لعلم الإحصاء ثم نظرية المباريات game theory. فأصبح يهتم بالمعلومات والبيانات – ويهدف إلى تجميعها وتبويبها وتنظيمها وتحليلها واستخلاص النتائج منها بل وتعميم نتائجها – واستخدامها في اتخاذ القرارات ، وأدى التقدم المذهل في تكنولوجيا المعلومات واستخدام الحاسبات الآلية إلى مساعدة الدارسين والباحثين ومتخذي القرارات في الوصول إلى درجات عالية ومستويات متقدمة من التحليل ووصف الواقع ومتابعته ثم إلى التنبؤ بالمستقبل .





علم قديم كقدم المجتمع البشري حيث ارتبط منذ نشأته بعمليات العد التي كانت تجريها الدولة في العصور الوسطى لحساب أعداد جيوشها والضرائب التي تجبى من المزارعين وجمع المعلومات عن الأراضي التي تسيطر عليها الدولة وغيرها. ثم تطور علم الإحصاء منذ القرن السابع عشر حيث شهد ولادة الإحصاء الحيوي vital statistic وكذلك تكونت أساسيات نظرية الاحتمالات probability theory والتي تعتبر العمود الفقري لعلم الإحصاء ثم نظرية المباريات game theory. فأصبح يهتم بالمعلومات والبيانات – ويهدف إلى تجميعها وتبويبها وتنظيمها وتحليلها واستخلاص النتائج منها بل وتعميم نتائجها – واستخدامها في اتخاذ القرارات ، وأدى التقدم المذهل في تكنولوجيا المعلومات واستخدام الحاسبات الآلية إلى مساعدة الدارسين والباحثين ومتخذي القرارات في الوصول إلى درجات عالية ومستويات متقدمة من التحليل ووصف الواقع ومتابعته ثم إلى التنبؤ بالمستقبل .





لقد مرت الإدارة المالية بعدة تطورات حيث انتقلت من الدراسات الوصفية إلى الدراسات العملية التي تخضع لمعايير علمية دقيقة، ومن حقل كان يهتم بالبحث عن مصادر التمويل فقط إلى حقل يهتم بإدارة الأصول وتوجيه المصادر المالية المتاحة إلى مجالات الاستخدام الأفضل، ومن التحليل الخارجي للمؤسسة إلى التركيز على عملية اتخاذ القرار داخل المؤسسة ، فأصبح علم يدرس النفقات العامة والإيرادات العامة وتوجيهها من خلال برنامج معين يوضع لفترة محددة، بهدف تحقيق أغراض الدولة الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية و تكمن أهمية المالية العامة في أنها تعد المرآة العاكسة لحالة الاقتصاد وظروفه في دولة ما .و اقامة المشاريع حيث يعتمد نجاح المشاريع الاقتصادية على إتباع الطرق العلمية في إدارتها. و تعد الإدارة المالية بمثابة وظيفة مالية مهمتها إدارة رأس المال المستثمر لتحقيق أقصى ربحية ممكنة، أي الاستخدام الأمثل للموارد المالية و إدارتها بغية تحقيق أهداف المشروع.