أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-10-2014
1821
التاريخ: 5-08-2015
2903
التاريخ: 10-02-2015
1982
التاريخ: 4-12-2015
2355
|
نجح ( تشن شيه هوائج ) ( Chin Chin Huaung ) سنة 221 ق.م لأَوّل مرّة في التأريخ في جمع شمال الولايات والإمارات الصينيّة ، وبذلك تجمّعت لديه كلّ أسباب القوّة البشريّة والاقتصاديّة ، فشرع في بناء سور الصين العظيم ، وخُصّص لذلك آلاف المهندسينَ ومئات الأُلوف من العُمّال لنحت الأحجار (1) ، واستمرّ البناء (2) حتّى تمّ سدّ الحدود الشماليّة بين الصين ومنغوليا ، حيث كانت تعيش القبائل الهمجيّة الدائمة الإغارة على سُهول الصين .
ويمتدّ هذا السور من مياه البحر الأصفر (جزء من بحر الصين ) حتّى سلاسل جبال ( تاين تاغ ) ، وبلغ طوله ( 1500 ) ميل ، حوالي ( 2400 كم ) (3) في خطّ ممتدّ من الساحل المواجه لشبه جزيرة ( لياو تونج ) حتى (تشيايو كوان) آخر الحصون في وسطج آسيا عبر أقاليم ( هوبي ، وشانسي ، وشينسي ، وكانسو ) ، ومساره يَتلوّى ويَلتفّ تابعاً سلاسل الجبال ـ قِمَمها وحوافّها ـ ومُنحدراً خلال الوديان العميقة ، مغطّياً أكثر من ( 3200 كم ) ، ويتراوح ارتفاع السور في الجزء الشرقي منه بين ( 5 أمتار ) و( 10 أمتار ) ، وعرضه من ( 8 أمتار ) عند القاعدة إلى ( 5 أمتار ) عند القمّة ، حيث يوجد رصيف واسع يسمح بمرور ستّة فرسان جنباً إلى جنب ، تحميهم متاريس محصّنة ، وعند بناء السور كان له ( 25000 ) برج (4) تبلغ مساحة كلّ منها خمسة أمتار مربّعة ، وارتفاعه ( 13 متراً ) ، وتبرز هذه الأبراج قائمة حتى اليوم .
ويشتمل على عدد من البوّابات الضخمة في مناطق متباعدة يقوم على حراستها جنود أشدّاء .
أمّا خارج السور فثَمّة العديد من أبراج المراقبة فوق قِمم التلال أو على المضايق ، وهذه مع أبراج السور كانت تُستخدم للإنذار بالدخان أو الرايات نَهاراً ، وبالنيران ليلاً ، وهكذا يمكن الإبلاغ عن اقتراب الغزاة في الحال ، فتُرسل التعزيزات لأيّ جزء على الحدود .
التركيب المِعماري للسور : يتكوّن قلب السور من التراب والحجر ، تُغطّيه واجهةٌ من الطُوب ( الآجرّ ) ، وكلّ ذلك قد أُقيم على أساس من الحجر (5) .
وفي المواضع التي تمرّ فوق التلال ، حُفِر خندقان متوازيان أو نُحِتا في الصخر ، بينهما ( 8 أمتار ) ، وقد وُضِعت في الخنادق كُتَل ضخمة من الجرانيت (6) ، يصل ارتفاعها إلى عدّة أمتار ، وعلى كلّ من الجانبينِ بُنيت حوائط من الطُوب الأحمر يصل طولها إلى أقلّ من المتر قليلاً عمودية على واجهة السور ، وقد ارتبط الطوب مع بعضه بملاط أبيض ( لعلّه الصاروج ) بلغ من الصلابة بحيث لا يُمكن لأيّ مسمار أن ينفذ فيه .
وكانت المسافة بين حائطَي الطوب تُملأ بالتراب الذي يُدكّ جيّداً ، وليفرش بالرصيف من الأحجار ، ممرّاً للجنود الفرسان .
وفي شمال ( بكن ) يتبع السور قِمَم جبال (7) بالغة الانحدار ، والتي لا يمكن حتّى للجِداء أن تتسلّقها ، وبعيداً في العرب في ( شينسي وكانسو ) غالباً ما يتبع السور أسهل الدروب .
وقد بُني من الرواسب الطفليّة أو التربة الصفراء ، تغطّيها طبقة رفيعة من الطوب أو الحجر .
والسور القائم اليوم يرجع عهده كلّه تقريباً إلى أُسرة ( مينج ) ، لكنّ الكثير من أَساساته يبلغ عُمرها أكثر من ألفي عام (8) ، والخطّ الطويل من الطوب الرمادي يعود إلى تأريخ الصين القديم ، إذ يفصل بين طريقينِ للحياة ويحول بين الحياة البَدوية وبين الفلاّحين المُسالمينَ .
وبذلك يُمثّل حائطاً شاهقاً من الحجارة والطوب والطين ، من الشرق ( حيث البحر ) إلى الغرب ( حيث جبال تاين تاغ ) ، وبذلك يُحكم حصر صحراء ( جوبي ) تماماً في الشمال ، وعزلها عن سهول الصين الخِصبة الكثيرة الأمطار والأنهار والخيرات والعظيمة التحضّر بشعبها العريق ، من فجر التأريخ ، مُنذ ( 4000 ) أربعة آلاف سنة !
ولم يقتصر اهتمام الإمبراطور ( تشن شيه هوانج ) على حماية بلاده من قبائل المَغول الهمج في صحراء منغوليا ( جوبي ) وتوفير الأمن للبلاد ، بل تعدّاها إلى سنّ قوانين وتشريعات جديدة لتوحيد نُظم الحُكم والقضاء على الإقطاع .
وبذلك تبيّن أنّ هذا السور العظيم ، ليس بذلك السدّ المنيع الذي بناه ذو القَرنَينِ ، حسبما جاء في القرآن ؛ إذ هذا مبنيّ من الحجر والطوب والصاروج ، وذاك مبنيّ من زُبر الحديد المُفرَغ عليها صهير النُحاس (9) .
ويقول ( وِل ديورانت ) في وصفه عن هذا السور العظيم : ( إنّ ( شيى هونج ـ دي ) لمّا بلغ الخامسة والعشرين بدأ يفتح البلاد ويضمّ الدويلات التي كانت الصين منقسمة إليها من زمن بعيد ، فاستولى على دولة ( هان ) في عام ( 230 ) ق.م ، وعلى ( جو ) في عام ( 228 ) وعلى ( ويه ) في عام ( 225 ) ، وعلى ( تشو ) في عام ( 223 ) ، وعلى ( ين ) في عام ( 222 ) ، واستولى أخيراً على دولة ( تشي ) المهمّة في عام ( 221 ) ، وبهذا خضعت الصين لحكم رجل واحد ، لأَوّل مرّة ، منذ قرون طوال ، أو لعلّ ذلك كان لأَوّل مرّة في التأريخ كلّه . ولقَّب الفاتح نفسَه باسم ( شي هونج ـ دي ) ، ثُمّ وجّه همّه إلى وضع دستور ثابت دائم لإمبراطوريّته الجديدة .
وكان الرجل قويّ الشكيمة ، عنيداً لا يحول عن رأيه ، وكان عقد العَزم على أن يُوحّد بلاده بالدم والحديد .
ولمّا أن وحّد بلاد الصين وجلس على عرشها ، كان أَوّل عمل قام به أن حمى بلاده من الهمج البرابرة المجاورينَ لحدودها الشماليّة ، وذلك بأن أتمّ الأسوار التي كانت مُقامة من قبل عند حدودها ، ووَصَلها كلّها بعضاً ببعض ، وقد وجدَ في أعدائه المقيمينَ في داخل البلاد مُورداً سهلاً يَستمدّ منه حاجته من العُمّال لتشييد هذا البناء العظيم الذي يُعدّ رمزاً لمجد الصين ودليلاً على عظيم صبرها ، وهو أضخم بناء أقامه الإنسان في جميع عصور التأريخ .
ويقول عنه ( ولتير ) : ( إنّ أهرام مصر إذا قيست إليه لم تكن إلاّ كُتَلا حجريّة من عبث الصبيان لا نفع فيها ) (10) .
إذن فيمن غريب الأمر ما ذهب إليه بعضهم من أنّ هذا السور هو السدّ الذي بناه ذو القَرنَينِ !
قال الأستاذ محمّد خير رمضان يوسف : ما كنت أظنّ أنّ الخطأ في التحقيق يصل بالبعض إلى هذا الحدّ... فقد خلط بين السدّ والسور ، رغم أنّه يعرف الفارق الكبير بينهما ، من حيث الطول أو الهيئة أو المكان !
فيذكر الأُستاذ الطبّاخ : أنّه لا ينافي أن يكون السدّ ( سور الصين ) من آثار ذي القَرنَينِ ؛ لأنّ البنّائينَ إنّما هم صينيّون ، وهو مقتضى قوله تعالى : {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ } [الكهف: 95] أي بقوّة فَعَلَةٍ أو بما أتقوّى به من الآلات... وهذا لا ينافي أيضاً أن يُنسب بناؤه إلى مَلِك الصين الذي كان في ذلك الزمن ، حيث إنّه كان بطلب منه وعمل على مرأى منه ، إلاّ أنّه لمّا كان ضعيفاً لا يتمكّن من عمله بنفسه ورعيّته ، وكان عدوّه قويّاً ليس في الوسع مقاومته وردّ غارته ، استنجد بذي القَرنَينِ ، لمّا وصل إليه دَفْعُ ذي القَرنَينِ من الجنود مالا قِبَل لأحد بها ، فاضطرّ المغوليّون إلى السكوت وعدم الممانعة ، فتمكّن الصينيّون بمعونة ذي القَرنَينِ من القيام بعمل هذا السدّ الهائل... (11) .
وأغرب منه ما كتبه الأُستاذ محمّد جميل بيهم مقالاً ـ في مجلّة الإخاء التي كانت تصدر في طهران في عدد ( 32 ) من السنة الثالثة في 1/ج2/ 1382هـ ـ تشرين الأوّل سنة 1962 م ـ ردّاً على مقال الأُستاذ أبو الكلام آزاد ، الذي نُشر في نفس المجلّة ـ أَوّل آب سنة 1962 م ـ !
قال صاحب المقال ( مُحمّد جميل بيهم ) : كنتُ كتبتُ مقالاً نشرته مجلّة العرفان في أيار سنة 1955م برهنت فيه على أنّ السور الصيني الكبير إنّما هو سدّ يأجوج ومأجوج الذي وردَ ذكره في القرآن الكريم ، وحاك القصّاصون حوله الخرافات والخزعبلات... ولمّا أُتيح لي الوصول إلى الصين ، وزرت هذا السور ، ازددت وثوقاً بما ذهبت إليه في ذلك المقال ، خصوصاً وإنّي بأُمّ عيني الصدفينِ (!) أي رأسي الجبلينِ المتقابلين الذين ساوى بينهما ذو القرنين... ورأيت أيضاً زُبر الحديد في الأنقاض ، (12) حيث يقوم عُمّال الحكومة ـ اليوم ـ بترميم البناء... !(13) .
يقول الأستاذ محمّد خير رمضان تعقيباً عليه : وأنا لا أزيد أن أقول : إنّ هذا من أعجب ما قرأت في مغالطة التحقيق... (14) فيا للّه وللأوهام... !
لمحة عن الإسكندر المقدوني !
ولعلّك تتساءل : ما هو السبب في شيوع القول بأنّ ذا القرنين المذكور في القرآن ، هو الإسكندر المقدوني ( اليوناني ) ، وقد شاع وصف سدّ ذي القرنين بالسدّ الإسكندري ؟!
قد تكرّرت آراء مَن يرى ـ من المفسّرين وبعض أهل التأريخ ـ أنّه الإسكندر في عدّة مراجع .
_______________________
(1) يقال : استخدم المَلِك لإنجاز هذا المشروع كلّ إنسان كانت له صلاحية العمل ، فمِن كلّ ثلاث نفرات من الصينيّنَ اضطرّ للعمل منهم واحد ، ولم يقتصر على الأفراد العاديّينَ بل وحتّى الكُتّاب وأصحاب المِهن ، قاموا بقلع الأحجار ونحتها وما إلى ذلك ، فرهنك عميد قسم الأعلام ، ص552 .
(2) يقال : استغرق إنجاز المشروع حوالي (18) عاماً ، المصدر : ص553 .
(3) في الموسوعة الأثريّة العالميّة ـ إشراف ( ليونارد كوتريل ) تأليف (48) عالِماً أثريّاً ، ترجمة الدكتور مُحمّد عبد القادر مُحمّد ، الدكتور زكي اسكندر ، مراجعة الدكتور عبد المنعم ، الهيئة المصرية العامّة للكتاب ، 1977م : ( أصبح طوله النهائي 1400 ميل ، حوالي 2250 كم ) . راجع : ذو القَرنَينِ ، مُحمّد خير رمضان ، ص349 ، الهامش .
(4) كان يَفصل كلّ برجٍ عن آخر بـ ( 1600 ) متر . وكان الجنود الذين يحرسون في تلك الأبراج يبلغ عددهم ( 000/900 ) جنديّاً . فرهنك عميد ، قسم الأعلام ، ص553 .
(5) بناية السور تتألّف من جدارينِ بارتفاع ستّة أمتار ، وبفاصل ( 8 أمتار ) على امتداد السور ، وقد حُشي بينهما بالتراب ؛ ليكون السطح الأعلى رصيفاً في خمسة أمتار ، وعلى طرفَي الرصيف حائطانِ بارتفاع مترٍ ونصف ؛ ليكون مجموع ارتفاع الجدار سبعة أمتار ونصف . المصدر : ص552 .
(6) الجرانيت : حجر صُلب ذو ألوان مختلفة ، يُتّخذ منه العُمُد والأساطين .
(7) بارتفاع ( 1600 ) متر .
(8) بُني السور بعد سنة 221 ق.م ، على يد ( تشن شيه هوائج ) الذي قام بإعادة الأمن إلى بلاده منذ تلك السنة .
(9) راجع : مفاهيم جغرافية ، ص128 ـ 130 ، وذو القَرنَينِ لمُحمّد خير رمضان ، ص349 ـ 351 .
(10) قصّة الحضارة ، ج4 ، ص97 ـ 98 .
(11) راجع ما كتبه بهذا الشأن في كتابه ( ذو القرنين ) ص55 ( محمّد خير رمضان ، ص347 ) .
(12) ولعلّ زُبر الحديد التي شاهدها هناك كانت بقايا من معاول ومساحي العمّال الذين كانوا يشتغلون في الحفر عن الأنقاض ، فحسبها من بقايا الردم ؟!
(13) انظر : كتاب (أغاليط المؤرّخين ) للدكتور أبو اليسر عابدين ، ص317 ، دمشق 1391هـ / 1972 م .
(14) ذو القرنين القائد الفاتح والحاكم الصالح ، ص349 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|