المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



سلامة القرآن من التناقض والإختلاف  
  
2680   02:48 صباحاً   التاريخ: 25-7-2021
المؤلف : محمد علي أسدي نسب
الكتاب أو المصدر : جامع البيان في الاحاديث المشتركة حول القران.
الجزء والصفحة : 61- 80.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / تاريخ القرآن / التحريف ونفيه عن القرآن /

عن طريق أهل السنة:

1- المعجم الكبير: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جاء رجل إليه فقال: يابن عباس، إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، فقد وقع ي صدري، فقال ابن عباس: تكذيب؟ فقال الرجل: ما هو بتكذيب، ولكن اختلاف، قال ابن عباس: فهلم ما وقع في نفسك، فقال له الرجل: أسمع ألله يقول:{وفلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون}( المؤمنون: 101) وقال في آية أخرى:{وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} ( الصافات: 27).

وقال في آية:{لا يكتمون ألله حديثاً)(النساء:42). وقال في آية أخرى:{والله ربنا ما كنا مشركين}(الأنعام:23). فقد كتموا في هذه الآية.

وفي قوله:{أم السماء بنا ها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها}(النازعات: 27-30). فذكر في هذه الآية خلق السماوات قبل خلق الأرض، ثم قال في هذه الآية الأخرى:{ءإنكم لتكفرون بالذي خلق ألأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض آئتيا طؤعاً أو كرهاً قالتا أتيتا طائعين}(فصلت :9-11). فذكر في هذه الآية خلق الأرض قبل خلق السماء.

{وكان الله غفوراً رحيماً}{وكان آلله عزيزاً حكيماً} {وكان الله سميعاً بصيراً}

فكأنه كان ثم مضى.

فقال ابن عباس: قوله:{فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون} فهذا في النفخة الأولى ينفخ في الصور، فصعق من في السماوات ومن في الأرض، إلا من شاء الله، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون، ثم إذا كان في النفخة الأخرى قاموا فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون.

فأما قوله:{والله ربنا ما كنا مشركين وقوله:{ولا يكتمون الله حديثاً} فإن الله عز وجل يغفر يوم القيامة لأهل الإخلاص ذنوبهم، ولا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره، ولا يغفر شركاً، فلما رأى المشركون ذلك قالوا: إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك، فقالوا: نقول: إنما كنا أهل ذنوب، ولم نكن مشركين، فقال اله عز وجل: أما إذ كتمتم الشرك فاختموا على أفواههم، فختم على أفواههم، فتنطق أيدبهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون، فعند ذلك عرف المشركون أن اله لا يكتم حديثاً، فعند ذلك في{يؤمئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون آلة حد يثاً}.

وأما قوله:{أم الشماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بغد ذلك دحاها} فإنه خلق الأرض في بومين قبل خلق السماء، ثم استوى إلى ألماء فسواهن في يومين آخرين، ثم نزل إلى الأرض فدحاها، ودحاها أن أخرج فيها الماء والمرعى، وشق فيها الأنهار، فجعل فيها السبل، وخلق الجبال والرمال والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله:{وآلأرض بعد ذلك دحاها}وقوله:{ءإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يؤمين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين} فجعلت الأرض وما فها من شيء في أربعة أيام. وجعلت السماوات في يومين.

وأما قوله:{و كان الله غفوراً رحيماً} {وكان الله عزيزاً حكيماً}{وكان الله سميعاً بصيراً} فإن الله عز وجل سمى نفسه ذلك، ولم ينحله غيره، و{كان الله} أي: لم يزل كذلك.

ثم قال للرجل: احفظ عني ما حدثتك، واعلم أن الله عز وجل لم ينزل شيئاً إلا قد أصاب به الذي أراد، ولكن الناس لا يعلمون، فلا يختلفن عليك، فإن كلأ من عند الله١.

وأورده السيوطي بطوله في الدر المنثور عن سعيد عن ابن عباس 2 و 3.

2- الإتقان: عن ابن ابي مليكة، قال: سال رجل ابن عباس عن{في يوم كان مقداره الف سنة}(السجدة:5) وقوله:{في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)(المعارج:4)، فقال أبن عباس: هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه، الله أعلم بهما.

واخرجه ابن ابي حاتم من هذا الوجه، وزاد:{ما ادري ماهما، واكره ان اقول فيهما ما لا أعلم» قال ابن ابي مليكة: فضربت البعير حتى دخلت على سعيد بن المسيب، فسئل عن ذلك، فلم يدر ما يقول، فقلت له: ألا أخبرك بما حضرت من ابن عباس؟ فأخبرته، فقال ابن المسيب للسائل: هذا ابن عباس قد اتقى أن يقول فيهما، وهو ألم مني!

وروي عن ابن عباس أيضاً أن يوم الألف هو مقدار سير الأمر وعوجه إليه، ويوم الألف في سورة الحج هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات، ويوم الخمسين ألفاً هو يوم القيامة.

فأخرج ابن أبي حاتم من طريق سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رجلاً قال له: حدثني ما هؤلاء الآيات:{في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة){ويدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة و{وإن يوماً عند ربك كألف سنة)؟( الحج: 47).

 فقال: يوم القيامة حساب خمسين ألف سنة، والسماوات في ستة أيام كل يوم يكون ألف سنة،{ويدبر الأمر من آلسماءإلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة} قال: ذلك مقدار المسير.

وذهب بعضهم إلى أن المراد بهما يوم القيامة، وأنه باعتبار حال المؤمن والكافر، بدليل قوله : {(يوم عسيرعلى الكافرين غير يسير} (المدثر:9و10)(4)

3- الدر المنثور: عن الضحاك بن مزاحم: أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس، فقال: يا بن عباس، قول اله:{يومئذ يود ألذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولاً يكتمون الله حديثاً وقوله:{والله ربنا ما كنا مشركين} فقال له ابن عباس: إني أحسبك قمت من عند أصحابك، فقلت: ألقي على ابن عباس متشابه القرآن، فإذا رجعت إليهم فأخبرهم: أن الله جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد،

 

 

فيقول المشركون: إن الله لا يقبل من أحد شيئاً إلا ممن وحده، فيقولون: تعالوا نجحد، فيسألهم فيقولون:{والله ربنا ما كنا مشركين» فيختم على أفواههم، وتستنطق به جوارحهم، فتشهد عليهم أنهم كانوا مشركين، فعند ذلك تمنوا لو أن الأرض سويت بهم ولا يكتمون الله حديثاً (5).

4- المعجم الكبير: عن عبدالله بن مسعود: أنه أتاه ناس من أهل الكوفة، فقرأ عليهم السلام، وأمرهم بتقوى الله، وأن لا يختلفوا في القرآن، ولا يتنازعوا فيه، فإنه لا يختلف ولا يتساقط ولاينفذ لكثرة الرد، ألا ترون أن شريعة الإسلام فيه واحدة، حدودها وقراءتها وأمر الله فيها، ولو كان من الحرفين، يأمر بشيء ينهى عنه الآخر، كان ذلك الاختلاف، ولكنه جامع ذلك كله، وإني لأرجو أن يكون قد أصبح فيكم من الفقه والعلم من خير ما في الناس، ولو أعلم أحداً يبلغنيه الإبل أعلم بما أنزل الله على محمد (صلى الله عليه واله) مني لطلبته حتى أزاد علمه الى علمي، قد علمت أن رسول الله (صلى الله عليه واله) كان يعرض عليه القرآن كل عام مرة، فعرض عليه عام قبض مرتين، كنت إذا قرأت عليه القرآن أخبرني أني محسن، فمن قرأ على قراءتى فلا يدعها رغبة عنها، فإنه من جحد بحرف منه جحد به كله(6)

عن طريق الإمامية:

5- توحيد الصدوق: عن أبي معمر السعداني: أن رجلاً أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد شككت في كتاب الله المنزل، قال له (عليه السلام) ثكلتك أمك، وكيف شككت في كتاب الله المنزل؟! قال: لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً، فكيف لا أشك فيه؟

فقال علي بن أبي طالب تايبا: إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضاً، ولا يكذب بعضه بعضاً، ولكنك لم ترزق عقلاً تنتفع به، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل،

قال له الرجل: إني وجدت الله يقول:{فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وقال أيضاً: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [التوبة: 67] وقال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } [مريم: 64] فمرة يخبر أنه نسى ومرة يخبر أنه لا ينسى، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين؟

قال: هات ما شككت فيه أيضاً، قال: وأحد الله يقول: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 38] .وقال: {فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23] .وقال: {يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ } [العنكبوت: 25] .وقال: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} [ص: 64] .وقال: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق: 28] .وقال: {نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65] .فمرة يخبر أنهم يتكلمون ومرة يخبر أنهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً، ومرة يخبر أن الخلق لا ينطقون ويقول عن مقالتهم:{وآلله ربنا ما كنا مشركين} ومرة يخبر أنه يختصمون، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين، وكيف لا أشك فيما تسمع؟

قال: هات - ويحك - ما شككت فيه، قال: وأجد الله عر وجل يقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] . ويقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الأنعام: 103]. ويقول {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى } [النجم: 13، 14]

ويقول: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } [طه: 109، 110] . ومن أدركه الأبصار فقد أحاط به العلم، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين، وكيف لا أشك فيما تسمع؟

قال: هات أيضاً - ويحك - ما شككت فيه، قال: وأجد الله تبارك وتعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51] ، وقال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } [النساء: 164] ، وقال: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} [الأعراف: 22]، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} [الأحزاب: 59] ، وقال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } [المائدة: 67] فأنى ذلك يا أمير المؤمنين، وكيف لا أشك فيما تسمع؟

قال: هات - ويحك - ما شككت فيه، قال: وأجد اله جل ثناؤه يقول: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [مريم: 65] ، وقد يستي الإنسان سميعاً بصيراً وملكاً ورباً، فمرة يخبر بأن له أسامي كثيرة مشتركة، ومرة يقول:{هل تعلم له سمياً» فأنى ذلك يا أمير المؤمنين، وكيف لاأشك فيما تسمع ؟

قال: هات - ويحك.- ما شككت فيه، قال: وجدت الله تبارك وتعالى يقول{وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ } [يونس: 61] ، ويقول: {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ} [آل عمران: 77] ، ويقول: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } [المطففين: 15] ، كيف ينظر إليهم من يحجب عنهم؟! وأنى ذلك ياأميرالمؤمنين، وكيف لا أشك فيما تسمع؟

قال: هات أيضاً - ويحك -ما شككت فيه، قال: وأجد الله عز وجل يقول: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } [الملك: 16] ، وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه: 5]، وقال: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ } [الأنعام: 3] ، وقال: { وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] ، وقال :{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد: 4] ، وقال:  {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين، وكيف لا أشك فيما أسمع؟

قال هات أيضاً - ويحك - ما شككت فيه، قال: وأجد الله جل ثناؤه يقول: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } [الفجر: 22] ، وقال: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام: 94]،   وقال: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ } [البقرة: 210] ، وقال: . {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] ، فمرة يقول: يوم ويأتي ربك ومرة يقول:{يوم يأتي بعض آيات ربك» فأنى ذلك يا أمير المؤمنين، وكيف لاأشك فيما تسمع؟

قال : هات - ويحك -ما شككت فيه، قال: وأجد الله جل جلاله يقول: {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} [السجدة: 10] ، وذكر المؤمنين فقال: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 46] ، وقال: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [الأحزاب: 44]، وقال: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ } [العنكبوت: 5] ، وقال: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110] ، فمرة يخبر أنهم يلقونه، ومرة أنه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، ومرة يقول:{ولا يحيطون به علماً}فأنى ذلك يا أمير المؤمنين، وكيف لاأشك فيما تسمع؟

قال: هات - ويحك - ما شككت فيه، قال: وأجد الته تبارك وتعالى يقول: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف: 53] ، وقال: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25] ، وقال: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] ، فمرة يخبر أنهم يظنون، ومرة يخبر أنهم يعلمون، والظن شك، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين، وكيف لا أشك فيما تسمع؟

قال: هات ما شككت فيه، قال: وأجد الله تعالى يقول: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47]،  وقال : {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] ، وقال: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } [غافر: 40] ، وقال: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ } [الأعراف: 8، 9] ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين، وكيف لا أشك فيما تسمع ؟

قال: هات - ويحك - ما شككت فيه، قال: وأجد الله تعالى يقول: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [السجدة: 11] ، وقال: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } [الزمر: 42] ، وقال: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } [الأنعام: 61] ، وقال: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ } [النحل: 32] ، وقال: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النحل: 28]، : فأنى ذلك يا أمير مؤمنين، وكيف لا أشك فيما تسمع؟ وقد هلكت إن لم ترحمني وتشرح لي صدري فما عسى أن يجري ذلك على يديك، فإن كان الرب تبارك وتعالى حقا، والكتاب حقا والري حقاً، فقد هلكت وخسرت وان تكن الرسل باطلا فما علي بأس وقد نجوت.

 فقال علي (عليه السلام) قدوس ربنا قدوس، تبارك وتعالى علواً كبيرا، نشهد انه هو الدائم - الذي لا يزول، ولا نشك فيه، وليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، وأن الكتاب حق والرسل حق، وأن الثواب والعقاب حق، فإن رزقت زيادة إمان أو حرمته فإنها بيد الله . إن شاء رزقك وإن شاء حرمك ذلك، ولكن سأعلمك ما شككت فيه، ولا قوة إلا بالله، فإن أراد الله بك خيراً أعلمك بعلمه وثبتك، وإن يكن شراً ضللت وهلكت.

ما قوله:{نسوا آلله فنسيهم} إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا، لم يعملوا بطاعته، فنسيهم في الآخرة، أي: لم يجعل لهم في ثوابه شيئاً، فصاروا منسيين من خير. وكذلك تفسير قوله عزوجل:{فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا} يعني بالنسيان: أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب. وأما قوله:{وما كان ربك نسياً } فإن ربنا تبارك وتعالى علواً كبيراً ليس بالذي ينسى ولا يغفل بل هو الحفيظ العليم، وقد تقول العرب في باب النسيان: قد نسينا فلان فلا يذكرنا، أي: أنه لا يأمر لنا بخير ولا يذكرنا به، فهل فهمت ما ذكر الله عز وجل؟

قال: نعم، فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة، فعظم الله أجرك.

فقال (عليه السلام ): وأما قوله: {يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون الا من اذن له الرحمن وقال صوابا} وقوله:{والله ربنا ما كنا مشركين}وقوله:{يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً}وقوله:{إن ذلك لحق تخاصم أهل النار} وقوله:{لا تختصموا لدي وقد قدمت الحكم بالوعيد} وقوله:{نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بماً كانوا يكسبون} فإن ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة، يجمع خز وجل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون، ويكلم بعضهم بعضاً، ويستغفر بعضهم لبعض، أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا للرؤساء والاتباع، ولعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء، وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا، المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضاً، والكفر في هذه الآية البراءة، يقول: يبرء بعضهم من بعض، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان:{إني كفرت بما أشركتمون من قبل} (إبراهيم:23)، وقول ابراهيم خليل الرحمان:{ كفرنا بكم}) (الممتحنة:4) يعني: تبرأنا منكم.

ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه، فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا، لأذهلت جميع الخلق عن معائشهم، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله، فلايزالون يبكون الدم.

ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه، فيقولون:{والله ربنا ما كنا مشركين} فيختم الله تبارك وتعالى على أفواههم، ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكل معصية كانت منهم، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون  لجلودهم:{لم شهد تم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء}(فصلت:21)، ثم يجتمعون في موطن آخر، فيستنطقون فيفر بعضهم من بعض، فذلك قوله عز وجل: {و يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه} (عبس : 34-36)، فيستنطقون فلايتكلمون إلا من أذن له لرحمان وقال صواباً، فيقوم الرسل صلى الله عليهم فيشهدون في هذا الموطن، فذلك قوله: {فكيف إذاً جثنا من كل أمة بشهيد وجثنا بك على هؤلاء شهيداً} (النساء: 41).

ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد (صلى الله عليه واله)، وهو المقام المحمود، فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله، ثم يثني على الملائكة كلهم، فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد (صلى الله عليه واله)، ثم يثني على الرسل بما لم يثن عليهم أحد قبله، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة، يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين، فيحمده أهل السماوات والأرض، فذلك قوله:{عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً)(الأسراء: 79)، فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ، وويل لمن لم يكن له في ذلك مقام حظ ولا نصيب.

ثم يجتمعون في موطن آخر. ويدال بعضهم من بعض. وهذا كله قبل الحساب، فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه، نسأل الله بركة ذلك اليوم.

قال: فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين، وحللت عني عقدة، فعظم الله جرك.

فقال (عليه السلام): وأما قوله عر وجل:{وجوه يومئذ ناضرة إلى ريها ناظرة}وقوله:{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وقوله:{ولقد رآه تزلة أخرى عند درة المنتهى} وقوله:{يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً} .

فأما قوله:{وجوه يومئذ ناضرة إلى ريها ناظرة}فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عزوجل بعدما يفرغ من الحساب الى نهر يسمى الحيوان، فيغتسلون فيه ويشربون منه، فتنضر وجوههم إشراقاً، فيذهب عنهم كل قذى ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنة، فمن هذا المقام ينظرون الى ربهم كيف يثيبهم، ومنه يدخلون الجنة، فذلك قوله عزوجل من تسليم الملائكة عليهم: {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} (الزمر:73)،  فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة، والنظر الى ما وعدهم ربهم، فذلك قوله: {إلى ربها ناظرة} وإنما يعني بالنظر إليه: النظر الى ثوابه تبارك وتعالى.

وأما قوله: ولاتدركه الأبصار وهو يدركا لأبصار فهو كما قال:{لاتدركه الأبصار} يعني: لا تحيط به الأوهام{وهو يدرك الأبصار} يعني: يحيط بها، وهو اللطيف الخبير، وذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك وتعالى وتقدس علواً كبيراً، وقد سأل موسى (عليه السلام} وجرى على لسانه من حمد الله عزوجل: ورب أرني أنظر إليك)(الأعراف: 143)،  فكانت مسألته تلك أمراً عظيماً، وسأل أمراً جسيماً، فعوقب، فقال الله تبارك وتعالى: لن تراني في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة، ولكن إن أردت أن تراني في الدنيا فانظر وإلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني} فأبدى الله سبحان بعض آياته وتجلى ربنا للجبل، فتقطع الجبل فصار رميماً{وخر موسى صعقاً} يعني: ميتاً، فكان عقوبته الموت، ثم أحياه الله وبعثه وتاب عليه، فقال:{سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} يعني: أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك.

وأما قوله:{ولقد راه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى} يعني: محمدأ (صلى الله عليه واله) كان عند سدرة المنتهى، حيث لا يتجاوزها خلق من خلق الله، وقوله في آخر الآية:{ما زاغ البصر وما طغى لقد راى من ايات ربه الكبرى} رأى جبرئيل (عليه السلام) في صورته مرتين: هذه المرة ومرة أخرى، وذلك أن خلق جبرئيل عظيم، فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلا الله رب العالمين.

وما قوله: {ويومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً يعلم ما ين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما} لا يحيط الخلائق بالله عزوجل علماً، إنه هو تبارك وتعالى جعل على أبصار القلوب الغطاء، فلا فهم يناله بالكيف، ولا قلب ثبته بالحدود، فلا يصفه إلا كما وصف نفسه: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، الأول والآخر، والظاهر والباطن، الخالق البارئ المصور، خلق الأشياء، فليس من ياء شيء مثله تبارك وتعالى.

فقال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة، فأعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.

فقال (عليه السلام): وأما قوله:{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو ليرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء} وقوله:{وكلم الله موسى تكليما} وقوله: ...و ناداهما ربهما} وقوله: ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة}.

فأما قوله:{وما كان لبشر أن يكلمه آله إلا وحياً أو من وراء حجاب} فإنه ما ينبغي لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً، وليس بكائن إلا من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء، كذلك قال الله تبارك وتعالى علواً كبيراً، قد كان رسول يوحى إليه من رسل السماء، فيبلغ رسل السماء رسل الارض، وقد كان كلام بين رسل أهل الارض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله): يا جبرئيل هل رأيت ربك؟ فقال جبرئيل: إن ربي لا يرى، فعن رسول الله (صلى الله عليه واله): فمن أين تأخذ الوحي؟ فقال: آخذه من إسرافيل، فقال: ومن  يأخذه إسرافيل؟ قال: يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين، قال: فمن أين - خذه ذك الملك؟ قال: يقذف في قلبه قذفاً، فهذا وحي، وهو كلام الله عزوجل، وكلام: الله ليس بنحو واحد، منه ما كلم الله به الرسل، ومنه ما قذفه في قلوبهم، ومنه رؤياً يريها الرسل، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ، فهو كلام الله، فاكتف ما وصفت ذلك من كلام الله، فإن معنى كلام الله ليس بنحو واحد، فإن منه ما يبلغ به رسل السماء ورسل الأرض.

قال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة، فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.

فقال (عليه السلام): وأما قوله:{هل تعلم له سمياً} فإن تأويله: هل تعلم أحداً اسمه الله غير الله تبارك وتعالى؟ فإياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء، فإنه رب تنزيل يشبه كلام البشر وهو كلام الله، وتأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شيء من خلقه يشبهه، كذلك لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئاً من أفعال البشر، ولا يشبه شيء من كلامه البشر، فكلام الله تبارك وتعالى صفته، وكلام البشر أفعالهم، فلا تشبه كلام الله بكلام البشر فتهلك وتضل.

قال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة، فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.

فقال (عليه السلام): وأما قوله: ووما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء كذلك ربنا لا يعزب عنه شيء، وكيف يكون من خلق الأشياء لايعلم ما خلق وهو الخلاق العليم؟! وأما قوله:{لا ينظر إليهم يوم القيامة} يخبر أنه لا يصيبهم بخير، وقد تقول العرب: والله ما ينظر إلينا فلان، وإنما يعنون بذلك: أنه لا يصيبنا منه بخير، فذلك النظر ها هنا من الله تعالى الى خلقه، فنظره إليهم رحمة منه لهم، وأما قوله:{كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} فإنما يعني بذلك: يوم القيامة أنهم عن ثواب ربهم محجوبون.

قال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة، فعظم الله أجرك.

فقال (عليه السلام): وأما قوله:{ ء أمنتم من في السماء أن يخيف بكم الأرض فإذاً هي تمور} وقوله : {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } و قو له : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وقوله:{وهو معكم أينما كنتم} وقوله:{ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} فكذلك الله تبارك وتعالى سبوحاً قدوساً، تعالى أن يجري منه ما يجري من المخلوقين وهو اللطيف الخبير، وأجل وأكبر أن ينزل به شيء مما ينزل بخلقه، وهو على العرش استوى علمه، شاهد لكل نجوى، وهو الوكيل على كل شيء، والميسر لكل شيء، والمدبر للاشياء كلها، تعالى الله عن ان يكون على عرشه علوا كبيرا.

ففال (عليه السلام): وأما قوله:{وجاء ربك والملك صفا صفا} وقوله:{ولقد جئتمونا فرادى كما خلقنا كم أول مرة} وقوله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ضلل من الغمام والملائكة} وقوله:{هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض ايات ربك} فإن ذلك حق كما قال الله عز وجل، وليس له جيئة كجيئة الخلق، وقد أعلمتك أن رب شيء من كتاب اله تأويله على غير تنزيله، ولا يشبه كلام البشر، وسأنبئك بطرف منه فتكتفي إن شاء الله: من ذلك قول إبراهيم (عليه السلام ):{إني ذاهب الى ربي سيهدين} (الصافات : 99)،  فذهابه إلى ربه توجهه إليه عبادة واجتهاداً وقربة الى الله جل وعلا، ألا ترى أن تأويله غير تنزيله؟ وقال: {وأنرلنا الحديد فيه بأس شديد} (الحديد: 25)،  عني: السلاح وغير ذلك. وقوله:{هل ينظرون إلا ن تأتيهم الملائكة} يخبر محمداً (صلى الله عليه واله) عن المشركين والمنافقين الذين لم يستجيبوا لله وللرسول، فقال:{هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة» حيث لم يستجيبوا له ولرسوله {أؤ يأتي ربك أؤ يأتي بعض آيات ربك} يعني بذلك: العذاب يأتيهم في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى، فهذا خبر يخبر به النبي (صلى الله عليه واله ) عنهم، ثم قال: و يؤم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها ل تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً} يعني: من قبل أن تجيء هذه الآية، وهذه الآية طلوع الشمس من مغربها، وإنما يكتفي أولوا الألباب والحجى وأولوا النهى أن يعلموا أنه إذا انكشف الغطاء رأوا ما يوعدون، وقال في آية أخرى:{فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا}(الحشر: 2)،  يعني: أرسل عليهم عذاباً، وكذلك إتيانه بنيانهم. قال الله عز وجل:{فأتى الله بنيانهم من القواعد}(النحل: 26)،  فإتيانه بنيانهم من القواعد: إرسال العذاب عليهم، وكذلك ما وصف من أمر الآخرة تبارك   علوا كبيرأ: انه يجري اموره في ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين الف سنة كما يجري أموره في الدنيا، لا يغيب ولا يأفل مع الآفلين، فاكتف بما وصفت لك من ذلك، مما جال في صدرك مما وصف الله عز وجل في كتابه، ولا تجعل كلامه ككلام البشر، هو أعظم وأجل وأكرم وأعز، تبارك وتعالى من أن يصفه الواصفون، إلا بما وصف به نفسه في قوله عزوجل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(الشورى:11).

قال: فرجت عني يا أمير المؤمنين، فرج الله عنك، وحللت عني عقدة.

فقال تلجؤ: وأما قوله:{بل هم بلقاء ربهم كافرون} وذكر الله المؤمنين {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} وقوله لغيرهم:{إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه} (التوبة: 77)  وقوله:{فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحا}.

فأما قوله:{بل هم بلقاء ربهم كافرون} يعني: البعث، فسقاه الله عز وجل لقاءه، وكذلك ذكر المؤمنين{الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } يعني: يوقنون أنهم يبعثون ويحشرون، ويحاسبون ويجزون بالثواب والعقاب، فالظن هاهنا اليقين خاصة، وكذلك قوله:{فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً} وقوله:{من كان يرجوا لقاء آلله فإن أجل آلله لآت يعني: من كان يؤمن بأنه مبعوث فإن وعد الله لآت من الثواب والعقاب، فاللقاء هاهنا ليس بالرؤية، واللقاء هو البعث. فافهم جميع ما في كتاب الله من لقائه فإنه يعني بذلك البعث، وكذلك قوله: {تحيتهم يؤم يلقونه سلام} يعني: أنه لا يزول الإيمان عن قلوبهم يوم يبعثون.

قال: فرجت عني يا أمير المؤمنين، فرج الله عنك، فقد حللت عني عقدة.

فقال (عليه السلام): وأما قوله:{ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها}يعني: أيقنوا أنهم داخلوها، وكذلك قوله:{إني ظننت أني ملاق حسابيه} يقول: إني أيقنت أنى أبعث فأحاسب، وكذلك قوله:{يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين). وأما قوله للمنافقين:{وتظنون بالله الظنونا} فهذا الظن ظن شك وليس ظن يقين، والظن ظنان: ظن شك وظن يقين، فما كان من امر معاد من الظن فهو ظن يقين، وما كان من أمر الدنيا فهو ظن شك، فافهم ما فسرت لك.

قال: فرجت عني يا أمير المؤمنين، فرج الله عنك.

فقال (عليه السلام): وأما قوله تبارك وتعالى:{ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً} فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم القيامة، بدين الله تبارك وتعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين، وفي غير هذا الحديث الموازين هم الانبياء والأوصياء (عليه السلام).

وأما قوله عز وجل:{فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} فإن ذلك خاصة.

واما قوله:{فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب} فإن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: قال الله عز وجل: لقد حقت كرامتي - أوقال: مودتي - لمن يراقبني ويتحاب بجلالي، إن وجوههم يوم القيامة من نور، على منابر من نور، عليهم ثياب حضر . قيل: من هم يا رسول الله ؟ قال: قوم ليسوا بأنبياء ولا شهداء، ولكنهم تحابوا بجلال الله ويدخلون الجنة بغير حساب، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم برحمته.

وما قوله:{فمن ثقلت موازينه}و{خفت موازينه} ، فإنما يعني الحساب، بوزن الحسنات والسيئات، والحسنات ثقل الميزان، والسيئات خفة الميزان.

فقال (عليه السلام ): وأما قوله:{قل يتوفاكم ملك المؤت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون}وقوله:{الله يتوفى الأنفس حين موتها}وقوله:( تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} وقوله:{الذين تتوافهم الملائكة ظالمي انفسهم} وقوله:{تتوفاهم ملائكة طيبين يقولون سلام عليكم}فإن الله تبارك وتعالى يدبر الأمور كيف يشاء و يوكل من خلقه من يشاء بما يشاء، أما ملك الموت فإن الله يوكله بخاصة من يشاء من خلقه، ويوكل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه، والملائكة الذين سماهم الله عز ذكره وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه، إنه تبارك وتعالى يدبر الامور كيف يشاء، وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس؛ لأن القوي والضعيف، ولأن منه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطاق حمله، إلا من يسهل الله له حمله، وأعانه عليه من خاصة أوليائه، وإنما يكفيك أن تعلم أن الله هو المحيي المميت، وأنه يتوفى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه، من ملائكته وغيرهم.

قال: فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين، ونفع الله المسلمين بك.

فقال علي (عليه السلام} للرجل: إن كنت قد شرح الله صدرك بما قد تبينت لك فأنت والذي فلق الحبة وبرأ النسمة من المؤمنين حقاً.

فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، كيف لي أن أعلم بأني من المؤمنين حقاً؟

قال (عليه السلام): لا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله على لسان نبيه (صلى الله عليه واله) وشهد له رسول الله (صلى الله عليه واله}بالجنة، أو شرح الله صدره ليعلم ما في الكتب التي أنزلها الله عز وجل على رسله وأنبيائه.

قال: يا أمير المؤمنين، ومن يطيق ذلك؟

قال: من شرح الله صدره ووفقه له، فعليك بالعمل لله في سر أمرك وعلانيتك، فلاشيء يعدل العمل (7)

ــــــــــــــــ

١. المعجم الكبير ٢٥:١٠ حديث ١٠٥٩٤.

٢ .الدر المنثور ٥٤٢:٢-٥٤٤ذيل تفسير آية: ٤١ من سورة النساء المباركة.

٣. قال السيوطي في الإتقان: قال ابن حجر في شرحه: حاصل ما فيه السؤال عن أربعة مواضع:

الأول: نفي المسألة يوم القيامة وإثباتها.

الثاني: كتمان المشركين حالهم وإفشاؤه.

الثالث: خلق الأرض أو السماء: أيهما تقدم.

الرابع: الإتيان بحرف «كان» الدالة على المضي مع أن الصفة لازمة.

وحاصل جواب ابن عباس عن الأول: أن نفي المساءلة فيما قبل النفخة الثانية، وإثباتها فيما بعد ذلك. وعن الثاني: انهم يكتمون بألسنتهم، فتنطق أيديهم وجوارحهم. وعن الثالث: أنه بدأ خلق الأرض في يومين غير مدحوة. ثم خلق السماوات فسوا هن في يومين. ثم دحا الأرض بعد ذلك: وجعل فيها الرواسي وغيرها في يومين. فتلك أربعة للأرض. وعن الرابع: بأن «كان» وإن كانت للماضي لكنها لا تتلزم الانقطاع, بل المراد: أنه لم يزل كذلك.

فاما الأول فقد جاء فيه تفسير آخر: أن نفي المساءلة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط، وثباتها فيما عدا ذلك. وهذا منقول عن السدي. أخرجه ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ان نفي العاطة عند النفخة الأولى وإثباتها بعد النفخة الثانية.

وقد تأول أبن مسعود نفي المساءلة على معنى آخر، وهو طلب بعضهم من بعض العفو، فأخرج ابن جرير من طريق زاذان قال: أتيت ابن مسعود فقال: يؤخذ بيد العبد يوم القيامة فينادن: ألا إن هذا فلان بن فلان، فمن كان له حق قبله فليأت، قال: فتود المرأة يومئذ أن يثبت لها حق على أبيها أو ابنها أو أخيها أو زوجها، فلا أنساب بينهم دومئذ لا يتساءلون.

ومن طريق أخرى قال: لا يسأل أحد يومئذ بنسب شيئاً، ولا يتساءلون به، ولا يمت برحم.

وأما الثاني. فقد ورد بأبسط منه فيما أخرجه ابنجرير عن الضحاك بن مزاحم: أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس. فقال: قول الله:{ولا يكتمون الله حديثاً. وقوله:{والله ربنا ما كنا مشركين)! فقال: إني أحسبك قمت من عند أصحابك، فقلت لهم: آتي ابن عباس، ألقي عليه متشابه القرآن. فأخبرهم: أن الله إذا جمع الناس يوم القيامة قال المشركون: إن الله لايقبل إلا متن وحده، فيسألهم فيقولون:{والله ربنا ما كنا مشركين)، قال: فيختم على أفواههم، وتستنطق جوارحهم.

ويؤيده ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة في أثناء حديث، وفيه: «ثم يلقى الثالث فيقول: يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك. ويثني ما استطاع. فيقول: الآن نبعث شاهدأ عليك، فيذكر في نفسه: من الذي يشهد علي؟! فيختم على فيه، وتنطق جوارحه».

أما الثالث ففيه أجوبة أخرى، منها: أن (ثم) بمعنى الواو، فلا إيراد. وقيل: المراد ترتيب الخبر لا المخبر به: كقوله:{ثم كان من الذين آمنوا}وقيل: على باها وهي لتفاوت ما بين الخلقين. لا للتراخي في الزمان، وقيل: «خلق» بمعنى «قدر».

وأما الرابع. وجواب ابن عباس عنه، فيحتمل كلامه أنه أراد: أنه سمى نفسه «غفوراً رحيماً» وهذه التسمية مضت: لأن التعلق انقضى، وأما الصفتان فلا تزالان كذلك لا ينقطعان؛ لأنه تعالى إذا أراد المغفرة أو الرحمة في الحال أو الاستقبال وقع مراده. قاله الشمس الكرماني.

قال: ويحتمل أن يكون ابن عباس أجاب بجوابين: أحدهما: أن التسمية هي التي كانت وانتهت، والصفة لا نهاية لها. والآخر: أن معنى «كان» الدوام، فإنه لايزال كذلك.

ويحتمل أن يحمل السؤال عن مسلكين، والجواب على دفعهما، كأن يقال: هذا اللفظ مشعر بأنه في الزمان الماضي كان غفوراً رحيماً، مع أنه لم يكن هناك من يغفرله أو يرحم، وبانه ليس في الحال كذلك لما يشعر به لفظ «(كان».

والجواب عن الأول: بأن «كان» في الماضي تسمى به، وعن الثاني: بأن «كان» تعطي معنى الدوام، وقد قال النحاة: «كان» لثبوت خبرها ماضياً دائماً أو منقطعاً.

وقد أخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس: أن يهودياً قال له: إنكم تزعمون أن الله كان عزيزاً حكيماً، فكيف هو اليوم؟ فقال: إنه كان في نفسه عزيزاً حكيماً. (الإتقان في علوم القرآن ٣: ٨٩-٩٢ النوع الثامن والأربعون).

4- الاتقان في علوم القران 3: 93 (النوع الثامن والاربعون).

5- الدر المنثور ٢: ٠٥٤٤ ذيل آية: ٤٢ من اشاع وانظر -نفير الطبري ذيل تلك الآية.

6- المعجم الكبير ٩٧:١٠ حديث ١٠٠٧٦.

7- التوحيد: 254 – 269 حديث 5.

 

 

 

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .