أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-6-2016
3900
التاريخ: 2023-02-16
1029
التاريخ: 10-1-2019
6271
التاريخ: 9-8-2021
5266
|
اذا كانت القاعدة هي اشتراط وجود السبب كركن في العقد ، فان القانون قد نص على حالات استثنائية يكون التصرف فيها مجرداً ، اذ لا يدخل السبب كركن لازم لتكوينه ، ويصح بالتالي العقد بصرف النظر عن وجود السبب او انعدامه (1). وتتميز الحالات الاستثنائية بان سبب الالتزام فيها لا يتصل بعلاقة المدين بدائنه ، بل هو يتصل بعلاقة بين المدين وشخص ثالث (2). ويبدو ان السبب في التصرف المجرد يكون بسبب علاقة قانونية سابقة تربط المدين بغيره وعلى اثرها يلتزم المدين تجاه الدائن ، اذ يقبل المدين الالتزام بدلاً عن المدين الاصلي ( الغير ) ، اذا لم يوفي للدائن .
وتفسر حالات تقرير التجريد هي الحاجة الى وقاية الدائن من ان يفاجأ ببطلان التزام المدين قبله ، لعيوب قد تشوب علاقة المدين بشخص ثالث ، وعلى الرغم من الفوائد التي يحققها التصرف المجرد ، فان القوانين اللاتينية والعربية ومنها القانون المدني العراقي لم تهتم بنظرية التصرف المجرد من السبب ، فالقاعدة في هذه القوانين هي ان يكون الالتزام مسبباً ، ولذلك فهي لا تسلم بفكرة التصرف المجرد الا في حدود ضيقة (3).
فالتصرف المجرد او الارادة الظاهرة المجردة هي اداة من ادوات الائتمان التي تشتد الحاجة اليها كلما اشتدت الحاجة الى الاستقرار (4).
واذا كانت القاعدة العامة هي ارتباط التراضي بسببه ، الا انها ليست مطلقة ، اذ هناك حالات استثنائية يتجرد فيها التصرف من الآمرين ، ولا يكون لهما اثر على انعقاد العقد ، وهذا بسبب ما يقتضيه استقرار المعاملات وسرعتها (5) .
وهناك فائدة كبيرة في تجريد الارادة الظاهرة من سببها على هذا النحو ، اذ بهذا التجريد يصبح التصرف غير قابل للأبطال لا من طريق عيوب الارادة ولا من طريق عيوب السبب ، فالدائن في التصرف المجرد يستطيع ان يتمسك بحقه دون ان يستطيع المدين الدفع بنقض التصرف لعيب في الارادة ، او ابطاله لعيب في السبب ، وكل ما يستطيع المدين هو ان يرجع بدعوى الاثراء على دائنه ، فيدفع دعواه اذا لم يكن قد وفى الدين او يسترد ما دفع اذا كان قد وفى (6) .
وتأخذ القوانين الجرمانية بالتصرف المجرد بغية ضمان استقرار المعاملات ، وتؤسسه على الارادة الظاهرة ، والتصرف المجرد تصرف جردت الارادة فيه من سببها ومن عيوبها ، بحيث يستحيل الطعن فيه بالبطلان على اساس انعدام السبب ، او بالابطال على اساس عيوب الارادة ، ولا يكون امام المدين اذا اثبت انتفاء السبب او عيب الارادة ، الا الرجوع على الدائن بدعوى الاثراء بلا سبب ، وتكثر تطبيقات التصرف المجرد في القانون التجاري ، اذ تدعو لذلك الحاجة الى استقرار التعامل وسرعته ، ومنها الاوراق التجارية والسندات لحاملها (7) .
ويؤدي الاخذ بالتصرف المجرد الى تقوية مركز الدائن وتدعيم الائتمان ، اذ لا يخشى الدائن المستفيد ان يطعن المدين قبله في الورقة استناداً على فكرة السبب (8) .
ومن ثم يكون التصرف المجرد اداة قوية من ادوات الائتمان ، تشتد حاجة التعامل اليها كلما اشتدت الحاجة الى الاستقرار ، واذا كان التعامل بصورة عامة يتنازعه عاملان ، هما عامل احترام الارادة وعامل الاستقرار ، فان التصرف المسبب يستجيب للعامل الاول ، ويستجيب التصرف المجرد للعمل الثاني ، ومنذ تراجع دور الشكلية في العقود وتقدم مذهب الرضائية ، تسيًد عامل الارادة على عامل الاستقرار ، ولم يستطع عامل الاستقرار ان يسترد ما فقد الا بظهور التصرف المجرد ، فبه يعلو على الارادة ، ومن هنا كان تطور العقد من تصرف شكلي الى تصرف رضائي ، ثم من تصرف رضائي الى تصرف مجرد ، تطوراً تعاقب فيه عاملا الاستقرار والارادة على مراحل متتابعة ، كان الظفر في كل مرحلة منها لاحد العاملين على الاخر ، ومن هنا ايضاً كان التصرف المجرد رجوعاً مهذباً الى التصرف الشكلي ، اذ كلاهما يستجيب لعامل الاستقرار ، الا انها استجابة متفاوتة ، اذ تكون استجابة طبيعية في التصرف الشكلي ، ومتطورة في التصرف المجرد (9) .
ويترتب على التصرف المجرد نتائج ، انه عادة ملزم لجانب واحد ، اي انه لا يولد اعباء الا على احد طرفيه لصالح الطرف الاخر دون ان يلتزم هذا الاخير ، ويترتب على ذلك تحصين التصرف المجرد ضد الاسباب التي تعرض في فترة تنفيذه ، فتؤدي الى حله او وقف اثره كالفسخ والدفع بعدم التنفيذ ، ولايحمل التصرف المجرد عادة ذكراً لسببه ، ويترتب على ذلك ان اثره ينفذ دون التقيد بالاغراض الشخصية التي يرمي اليها صاحب اعلان الارادة ، فضلاً عن انه عادة ما يصدر التصرف المجرد منجزاً اي غير معلق على شرط ، فلا يعترض اثره شرط واقف او فاسخ (10) .
________________
1- ينظر د. احمد شوقي محمد عبد الرحمن ، النظرية العامة للالتزام ، العقد والارادة المنفردة ، منشأة المعارف ، الاسكندرية – مصر ، 2005 ، ص 129 .
2- ينظر د. اسماعيل غانم ، في النظرية العامة للالتزام ، مصادر الالتزام ، مكتبة عبد الله وهبه للنشر ، عابدين – مصر ، 1966 ، ص 267 .
3- ينظر د. اسماعيل غانم ، المصدر السابق ، ص 268 . وينظر كذلك في المعنى نفسه د. عصمت عبد المجيد بكر ، النظرية العامة للالتزامات – مصادر الالتزام ، الطبعة الاولى ، الذاكرة للنشر والتوزيع ، بغداد ، 2011 ، 291 – 292 ..
4- ينظر د. عصمت عبد المجيد بكر ، المصدر السابق ، 291 – 292 .
5- ينظر د. جلال علي العدوي ، اصول الالتزامات – مصادر الالتزام ، منشأة المعارف ، الاسكندرية – مصر ، 1997 ، ص 141 – 142 .
6- ينظر د. عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، نظرية الالتزام بوجه عام ، الاوصاف – الحوالة – الانقضاء ، الطبعة الثالثة الجديدة ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت – لبنان ، 2011 .، ص 505 .
7- ينظر د. انور سلطان ، الموجز في النظرية العامة للالتزامات ، احكام الالتزام ، دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية – مصر ، 2005 ، ص 59 – 60 .
8- ينظر د. توفيق حسن فرج ، النظرية العامة للالتزام ، مصادر الالتزام ، بدون دار نشر ، 1978، ص 178 .
9- ينظر د. عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، نظرية الالتزام بوجه عام ، مصادر الالتزام ، مصدر سابق ، ص 505 – 506 .
10- ينظر د. محمود ابو عافية ، التصرف القانوني المجرد – النظرية العامة والتطبيقات في القانون المصري المقارن ، دار النشر للجامعات المصرية ، القاهرة – مصر ، 1947 ، ص 287 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|