أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-10-2015
2575
التاريخ: 1-3-2022
2455
التاريخ: 22-10-2015
2687
التاريخ: 28-12-2021
1730
|
تتباين المبررات التي تتخذ لتقييد الحقوق السياسية وتنظيمها من نظام إلى آخر إلا إنّه يمكن ردها إلى أنها تقوم لحماية قيم معينه في المجتمع , وبالرغم من أن الدول الديمقراطية تؤكد وتقدس الحقوق والحريات بوصفها أسمى القيم ، ألا أن هذه النظم لم تغفل قيماً أخرى تُعد المحافظة عليها ، ضرورة لقيام المجتمع والمحافظة عليه.
وعادة ما تشير النصوص القانونية إلى مبررات عديدة لتقييد الحقوق السياسية .فمن هذه المبررات ما يتعلق بحماية النظام العام ، ومنها ما يمس حماية الآداب العامة ، ومنها ما يتصل باحترام حقوق الأفراد الآخرين وحرياتهم .
وسنتناول بحث هذه المبررات وفق الترتيب الآتي:.
الفرع الأول :.حماية النظام العام.
الفرع الثاني :.حماية الآداب العامة.
الفرع الثالث :.احترام حقوق الأفراد وحرياتهم.
الفرع الأول / حماية النظام العام
تعد فكرة النظام العام ، فكرة مرنة غير محددة ، تختلف باختلاف الزمان والمكان ، وباختلاف المذاهب والنظريات ، وتتشكل حسب الغرض الذي من أجله يراد تحديدها .إلا أن ذلك لا يمنع الفقهاء من القيام بمحاولات عديدة لصياغة وتعريف فكرة النظام العام*، ووضعها في إطار قانوني موحد ، فمن غير المقبول منطقياً ان نرتب اثاراً قانونية على فكرة ينقصها التحديد.
فقد اكتفى الشُراح بتقريبها من الأذهان بقولهم ان النظام العام مجموعة القواعد القانونية التي يقصد بها تحقيق مصلحة عامة ، سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد(1).لان المجتمع مصدر حرية الفرد لذا يتوجب من قبل هذا الأخير الانصياع لأوامره لتحقيق دوامه واستقراره في مختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، أما أذا تم أطلاق العنان للحرية فأنها ستفقد معناها وتتحول إلى أمر فوضوي لذلك بات من المنطقي الاعتراف للمجتمع بحقه في تقييد الحرية وفقاً لدواعي النظام العام ، لأن الحرية لا تسير دون نظام كما ان النظام لا قيمة له من دون الحرية وان الذي يملك حق المنح يملك حق التقييد(2) وفي ذلك تحقيق نوع من التوازن بين الحقوق والحريات الفردية وحقوق وحريات المجتمع، أي بمعنى أن لا يكون هناك إهدار للنظام العام عند ممارسة الحريات لأنه لا حرية في ظل نظام تسوده الفوضى والاضطراب. وباختصار، فان النظام العام يجب فهمه على انه المبرر الأساسي لفرض القيود على بعض الحقوق والحريات من أجل استهداف الطمأنينة، والأمن العام ، والصحة العامة (3) .
على هذا الأساس ذهب جانب من الفقهاء إلى القول بأن فكرة النظام العام فكرة قانونية محايدة تدافع عن النظام العام بمدلوله المادي في المجتمع وبالتالي فلا يجب أن تفهم وقاية النظام العام على انه حماية لنظام سياسي معين مستقل عن نظام المجتمع ، ومع ذلك فقد اقر بعضهم وجود دول ديمقراطية ، كثيراً ما تخرج عن أصول الفكر الديمقراطي ، بوضع قيود على الحرية، بهدف حماية نظامها السياسي وتكون بالتالي منحرفة في استعمال السلطة لتفسيرها النظام العام بأنه حماية لنظام سياسي معين(4) لهذا السبب ، ومن اجل ضمان عدم إساءة استخدام النظام العام من قبل السلطة للحد أو للتقييد من ممارسة الحقوق السياسية ، يقتضي منح القاضي صلاحية تحديد وبيان ما يعد من النظام العام في إطار الأفكار والمبادئ السائدة في المجتمع ، فضلاً عن إخضاع الصلاحيات المقررة للجهات المختصة في الدولة في الحفاظ على النظام العام لرقابة لاحقة من البرلمان او المحاكم او غيرها من الهيئات المستقلة ذات الاختصاص في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية(5).
يتضح مما سبق ، إن ممارسة الحقوق السياسية ، يجب ان تتم في حدود النظام العام السائد في بلد معين وزمان معين وان اي خروج عن هذا النظام يعد ضرباً من ضروب الفوضى والتمرد.
وبالرجوع إلى دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نجد انه منح سلطة الإدارة الحق في تقييد حرية التعبير عن الرأي ، وحرية الصحافة ، والطباعة ، والإعلان ، والنشر، وحرية التجمع، والتظاهر السلمي متى ما كانت مخلة بالنظام العام(6)، وذلك للحد من أي نشاط سياسي معارض يشكل خطورة على النظام السياسي والاجتماعي الذي تُستمد منه سلطة الحكم وجودها .
وفي اعتقادنا أن هذا التقييد ، وان كان له ما يبرره ، ولكن الأولى أن تترك الحقوق من دون تقييد كما هو معمول بها في اغلب الدول مثل فرنسا ، سويسرا ، الجزائر، مصر(7) لان المحافظة على النظام العام شيء حضاري يتطلب منا جميعا الوقوف بجانبه كي لا يكون ذريعة بيد السلطة العامة للتدخل في كبح الحريات وهو أمر غير مقبول وفقاً لمبادئ الديمقراطية التي يجب على السلطة العامة التمسك بها للحفاظ على مشروعيتها. وخاصة إن هذا القيد ، يجعل من الحقوق والحريات مثقلة بعبء إضافي من القيود لا يعرف بمنتهاها ولا يمكن التنبؤ بوقت تطبيقها ، ومن هنا فإننا نشارك الفقه الدستوري بعدم قبولنا لمثل هذا القيد غير المنضبط الذي يمكن أن يخضع لتفسيرات تتقاذفها الأهواء والاعتبارات السياسية الهادفة إلى تقييد الحقوق السياسية والنيل منها.
الفرع الثاني/ حماية الآداب العامة
تعد الآداب العامة *هي الأخرى , إحدى المبررات التي تُفرض لتقييد ممارسة الحقوق. وتُعرف بأنها القيم والمبادئ الأخلاقية التي توافق الناس في مجتمع معين على احترامها والالتزام بها(8)، فهي وردت سبباً لفرض القيود على ممارسة الحقوق والحريات لحماية المرتكزات الأخلاقية للمجتمع. فإلى جانب البنى المادية المتمثلة بالنظام العام ، هناك بنى معنوية تتمثل بمجموعة العادات والتقاليد والمعتقدات المشتركة التي تفرض احترامها على الحقوق والحريات وتشكل حداً لها، لذا فإن الحريات العامة كي تكون معتبرة من قبل السلطات العامة والأفراد فأنها يجب أن تكون متسقه مع الآداب العامة للمجتمع بذات الدرجة التي تتسق فيها مع النظام العام(9)، وعلى كل دولة أن تضطلع بدورها الأساسي في الاعتماد على القوانين الوطنية كمعيار لقياس مفهوم موحد للأخلاق العامة ، وما يلزم المحافظة عليها ، وعلى تقدير القيود او الجزاءات التي تهدف من خلالها حماية الأخلاق(10).
ويرجع الأساس في عدّ الآداب العامة من مبررات تقييد الحقوق السياسية ، أن الأفراد يعيشون داخل المجتمع الذي يحتوي العديد من العادات والتقاليد والموروثات الحضارية التي قد تتعارض فيما بينها ، لذلك يقتضي من الأفراد ، وهم في صدد ممارستهم لحقوقهم احترام آداب المجتمع وأخلاقه لكي تكون تصرفاتهم في إطار الدائرة المباحة (11) .
وطبقاً لما تقدم ، حرص الدستور العراقي لسنة 2005 على عدّ الآداب العامة إلى جانب النظام العام ضمن المقاصد التي تبرر تقييد ممارسة حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة والطباعة والإعلان والنشر وحرية التجمع والتظاهر السلمي(12)، ويرجع سبب ذلك إلى كون حرية التعبير والصحافة والإعلان حريات خطيرة تؤثر على الرأي العام من خلال مقالات خطيرة الشأن او رسوم او إذاعة أو نشر إخبار لها مردود سلبي على الدولة والأفراد فضلاً عن خطورة كل خطاب صادر عن تجمع ، يرمي إلى مخالفة الآداب العامة او يشتمل على تحريض على ارتكاب الجرائم(13).
وبذلك نجد إن من المفروض عدم ذكر عبارة الآداب العامة كمبرر لتقييد حرية التعبير وحرية التجمع لأنها قيد طبيعي موجود في كل مجتمع حتى ولو لم ينص عليه القانون ، فليس من شك أنه لايخلو مجتمع من المجتمعات الإنسانية من عادات وتقاليد مرعية ومعتبرة ترجح في مكانتها وأهميتها وطبيعتها على حرية الفرد.
ولما كانت الآداب العامة شأنها شأن النظام العام ، فكرة مرنة ، غير محددة ، لذا يُخشى ان تستغل السلطة العامة هذه المرونة وانعدام التحديد لفرض قيود متتالية على ممارسة الحقوق السياسية وان حل هذا الإشكال يكون عن طريق بحث كل حالة على حدة من قبل الجهات التي تتولى حماية الحقوق السياسية للتأكد من مدى تعارض ممارسة إحدى هذه الحقوق مع الآداب العامة (14).
الفرع الثالث/ احترام حقوق الأفراد وحرياتهم
لا يوجد مفهوم موحد لما يمثله احترام حقوق الأفراد وحرياتهم ، شأنه شان النظام العام والآداب العامة، فهي مفاهيم غير محددة ، ولا يمكن تقييم مضمونها إلا عملياً على ضوء التغيرات الدائمة التي تطرأ على ظروف وأوضاع الحياة في المجتمع .
لذا يمكن القول إن احترام حقوق الغير وحرياته يشكل إحدى المبررات الرئيسية التي تفرض على ممارسة حقوق الإنسان الأساسية وتقوم على أساس أنه لايمكن النظر للفرد وحقوقه بمعزل عن الغير، وان أي حق من حقوق الفرد القانونية صالح لان يتمتع إلى حد ما بحماية قانونية فلا يجوز للفرد أن يسيء استعمال حريته في الإضرار بحقوق الآخرين وحرياتهم وهو ما يعرف بمبدأ حظر سوء استخدام الحقوق ، لان ذلك سوف يؤدي إلى فوضى مما يعرض بنيان المجتمع للخطر(15) .
فعلى سبيل المثال لا يحق لأي شخص أن يمارس حريته في التعبير عن الرأي عن طريق التعرض لأعراض الآخرين بالقذف او السب فذلك يعد اعتداء على أعراض وحريات الآخرين لا يمكن تجاوزها والقبول بالخروج عليها(16).
وعلى الرغم من عدم أشاره الدستور العراقي لسنة 2005 إلى هذا المبرر لتقييد ممارسة الحقوق السياسية، إلا أن ذلك لا يعني إفساح المجال لممارسة هذه الحقوق على نحو يضر بحقوق وحريات الأخرين ، لان احترام حقوق وحريات الأفراد ، شانها شان النظام العام ، والآداب العامة تعد من القيود الطبيعية التي يجب احترامها والالتزام بها من قبل الدولة والأفراد حتى في حال عدم وجود نص قانوني يحتويها.
من خلال ما تقدم ، يتضح إن التسليم بوجود مبررات لفرض قيود على ممارسة الحقوق السياسية ، يوضح لنا بأن هذه الحقوق لا تتعلق بالإنسان فقط كانسان ولكنها تتعلق به كشخص يعيش في مجتمع معين يتنازعه مبدآن ، أحدهما حرية الفرد ونموه ، والأخر أمن النظام اجتماعي ولأيمكن تغليب احدهما على حساب الآخر، وهو ما يقتضي وجود مبررات وأهداف تعمل على تنظيم ممارسة حقوق الإنسان السياسية على أن يكون هذا التنظيم في إطار المشروعية وفي الحدود التي يسمح بها في مجتمع ديمقراطي وعلى نحو يكفل حقوق الفرد ولا يعصف بها.
______________
* ويكفي ان نذكر هنا بعض ما وضع للنظام العام من تعريفات للتدليل على تباين وجهات النظر في شانه :. فقد عرفها جودو ليوري لامرد اندير بانه ( مجموعة الشروط اللازمة للأمن والآداب العامة التي لاغنى عنها لقيام علاقات سليمة بين المواطنين ، بما يناسب علاقاتهم الاقتصادية) .عامر احمد مختار، تنظيم سلطة الضبط الاداري في العراق ، رسالة ماجستير ، جامعة بغداد ،1957 ، ص52.
اما الفقيه ايسمان فقد عرفه بانه ( مجموعة القواعد الراسخة لحماية مصالح الافراد انفسهم بوصفها ضرورية لسلام وازدهار الجماعة التي ينتمون اليها).ادريس حسن محمد الجبوري ، الحرية الدينية في الشريعة الاسلامية والنظم القانونية ، اطروحة دكتوراه ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2008، ص177.
واذا صرفنا ابصارنا تجاه الفقه العربي ، فاننا نلاحظ ان الدكتور جمال الدين محمد محمود عرف النظام العام بانه (مجموعة النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة في مجتمع معين) .د. جمال الدين محمد محمود ، اصول المجتمع الاسلامي ، الطبعة الاولى ، دار الكتاب المصري ، القاهرة ، 1992، ص 96 .
1- د. سليمان مرقس ، المدخل للعلوم القانونية ، بدون طبعة ، بدون ذكر ناشر، بدون ذكر مكان نشر ،1967، ص101 .
2- د. ادريس حسن محمد الجبوري ، مصدر سبق ذكره ، ص179.
3- أحمد خنجر خزاعي ، قواعد القانون الدولي المتعلقة بحقوق الإنسان المدنية والسياسية وتطبيقاتها في العراق ، بدون طبعة ، مؤسسة مرتضى للكتاب العراقي ، 2011 ، ص124.
4- رضا عبد الله حجازي ، الرقابة القضائية على ركن السبب في اجراءات الضبط الإداري ، اطروحة دكتوراه، 2001، ص111،110.
5- مروج هادي الجزائري ، الحقوق المدنية والسياسية وموقف الدساتير العراقية منها ، رسالة ماجستير، كلية القانون ، جامعة بغداد ، 2003، ص60.
6- انظر المادة (38) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
7- د. فارس حامد الطعان ، مشروعية سلطة الإدارة في تقييد الحريات العامة ، بحث منشور على الموقع الاليكتروني: www.bae-co.com/twtwiss/2213.pdf))
*على الرغم من ان العديد من الفقهاء عدّو الآداب العامة من ضمن المكونات المعنوية للنظام العام ، ومن ثم فهي داخلة ضمن النظام العام وليست مستقله عنه ، الا ان ايراد نصوص الدساتير والاتفاقيات الدولية لمصطلح الآداب العامة مستقله عن النظام العام ، مما دفعنا الى بحث الاداب العامة بصفة مستقله عن النظام العام.
8- د. حمدي القبيلات ، القانون الإداري ، الجزء الاول ، الطبعة الاولى ، دار وائل ، بدون ذكر مكان النشر ، 2008 ، ص234.
9- د. ماهر صبري كاظم ، حقوق الانسان والديمقراطية والحريات العامة ، الطبعة الاولى ، بدون ذكر الناشر، بدون ذكر مكان النشر، 2010، ص136.
10- احمد خنجر الخزاعي ، مصدر سبق ذكره ، ص134.
11- ادريس حسن محمد الجبوري ، مصدر سبق ذكره ، ص183 .
12- ينظر نص المادة (38) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
13- د. الشافعي محمد بشير، قانون حقوق الإنسان مصادره وتطبيقاته الوطنية والدولية ، بدون طبعة ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2004، ص208،204.
14- ادريس حسن محمد الجبوري ، مصدر سبق ذكره ، ص148.
15- مجدي حلمي ، حرية الراي والتعبير واحترام الخصوصية وحقوق المجتمع ، بحث منشور على الموقع الاليكتروني:. www.iwffo.org/index.php?option=com...view))
16- د. محمد عبد المحسن المقاطع ، الوسيط في الحريات الاعلامية وتشريعاتها ، بدون طبعة ، جامعة الكويت ، بدون ذكر مكان النشر ، 2004، ص298.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|