أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-5-2020
3178
التاريخ: 23-10-2016
2258
التاريخ: 16-9-2016
6696
التاريخ: 1-12-2016
13111
|
لماذا المسجد أولا :
إن من الملاحظ : أن أول عمل بدأ به «صلى الله عليه وآله» في المدينة هو بناء المسجد ، وهو عمل له دلالته وأهميته البالغة.
وذلك لأن المسلمين كانوا فئتين : مهاجرين وأنصارا ، وتختلف ظروف كل من الفئتين ، وأوضاعها النفسية ، والمعنوية ، والمعيشية ، وغير ذلك عن الفئة الأخرى.
والمهاجرون أيضا كانوا من قبائل شتى ، ومستويات مختلفة : فكريا ، واجتماعيا ، ماديا ، ومعنويا ، كما ويختلفون في طموحاتهم ، وتطلعاتهم ، وفي مشاعرهم ، وفي علاقاتهم ، ثم في نظرة الناس إليهم ، ومواقفهم منهم ، وتعاملهم معهم ، إلى غير ذلك من وجوه التباين والاختلاف ، وقد ترك الجميع أوطانهم وأصبحوا بلا أموال ، وبلا مسكن ، إلى غير ذلك مما هو معلوم ، وكذلك الأنصار ؛ فإنهم أيضا كانوا فئتين متنافستين ، لم تزل الحرب بينهما قائمة على ساق وقدم إلى عهد قريب.
وقد أراد الإسلام أن ينصهر الجميع في بوتقة الإسلام ليصبحوا كالجسد الواحد ، في توادهم وفي تراحمهم وتعاونهم ، وغير ذلك ، وأن تتوحد جهودهم وأهدافهم ، وحركتهم ، ومواقفهم ، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى إعداد وتربية نفسية ، وخلقية ، وفكرية لكل هذه الفئات ، لتستطيع أن تتعايش مع بعضها البعض ، ولتكون في مستوى المسؤولية ، التي يؤهلها لها في عملية بناء للمجتمع المتكافل المتماسك الذي هو نواة الأمة الواحدة التي لها رب واحد وهدف واحد ، ومصير واحد.
وليصبح هذا المجتمع قادرا على تحمل مسؤولية حماية الرسالة ، والدفاع عنها ، حينما يفرض عليه أن يواجه تحدي اليهود في المدينة ، والعرب والمشركين ، بل والعالم بأسره ، لا بد أن تنصهر كل الطاقات والقدرات الفكرية والمادية وغيرها لهذا المجتمع في سبيل خدمة الهدف : الرسالة فقط.
والمسجد هو الذي يمكن فيه تحقيق كل ذلك ، إذ لم يكن مجرد محل للعبادة فقط ولا غير ، بل كان هو الوسيلة الفضلى للتثقيف الفكري ، إن لم نقل : إنه لا يزال حتى الآن أفضل وسيلة لوحدة الثقافة والفكر والرأي ، حينما يفترض فيها أن تكون من مصدر واحد ، وتخدم هدفا واحدا في جميع مراحل الحياة ، مع الشعور بالقدسية ، والارتباط بالله تعالى.
وهكذا فإن ذلك من شأنه أن يبعد المجتمع المسلم عن الصراعات الفكرية ، التي تنشأ عن عدم وجود وحدة موضوعية للثقافة التي يتلقاها أفراده كل على حدة ، فتتخالف المفاهيم والأفكار والمستويات ، وتزيد الفجوات اتساعا باستمرار ، حتى يظهر نتيجة لذلك عدم الانسجام في وضوح الهدف ، وفي المشاعر ، وفي الاندفاع نحوه ، مما يؤثر تأثيرا كبيرا على مسيرة الوصول إليه ، والحصول عليه.
وبهذا يتضح : أن المدرسة التي نعرفها اليوم إذا كانت لا تعطي إلا المفاهيم الجافة ، والأفكار البعيدة عن واقع الإنسان ، والتي لا تنسجم مع احتياجاته ، ولا مع تكوينه النفسي والفكري وغير ذلك ، بالإضافة إلى عدم الشعور فيها بالله سبحانه وتعالى ، أو الخضوع له ، فإن هذه المدرسة لن تكون هي الوسيلة المنشودة ، بل يكون المسجد هو الأفضل والأمثل حسبما أوضحناه ، لا سيما وأنها لن تكون قادرة على ملء الفراغ العقائدي والفكري له ، حيث يبقى عرضة للتيارات والأهواء ، وفي متناول أيدي المتاجرين بالشعوب عن طريق وسائل الإعلام الهدامة التي يملكونها.
وأما استعمال وسائل الإعلام في عملية الإعداد والتربية ، فإنها بالإضافة إلى ما تقدم ، تجعل الإنسان إنطوائيا ومحدودا يفكر تفكيرا شخصيا بشكل عام ، وتقلل فيه إحساسه بالحاجة إلى الآخرين ، وإلى الارتباط بهم ، ولا تسهل عليه محبتهم ومودتهم.
وخلاصة الأمر : أن العمل الاجتماعي عبادة ، والجهاد عبادة ، والعمل السياسي حتى استقبال الوفود ، وتدبير أمور المسلمين عبادة أيضا.
وهكذا يقال في علاقات المؤمنين بعضهم ببعض ، وتزاورهم وحضورهم مجلس الرسول «صلى الله عليه وآله» وتعلمهم الأحكام ، فإن كل ذلك وسواه عبادة أيضا.
والمسجد هو أجلى وأفضل موضع تتجلى فيه هذه العبادة ، كما أن المسجد هو الوسيلة الفضلى للتثقيف ، وللتربية النفسية ، والخلقية ، والعقائدية.
وهو من الجهة الأخرى وسيلة لشيوع الصداقات ، وبث روح المحبة والمودة بين المسلمين ، فإنه حينما يلتقي المسلمون ببعضهم البعض عدة مرات يوميا في جو من الشعور ـ عملا ـ بالمساواة والعدل ، وحينما تتساقط كل فوارق الجاه والمال ، وغيرها ، ويبتعد شبح الأنانية والغرور عن أفق هذا الإنسان ، فإنه لا بد أن تترسخ حينئذ فيما بين أفراد هذا المجتمع أواصر المحبة والتآخي والتآلف ، ويشعر كل من أفراده بأنه في مجتمع يبادله الحب والحنان ، وأن له إخوانا يهتمون به ، ويعيشون قضاياه ومشاكله ، ويمكنه أن يستند إليهم ، ويعتمد عليهم ، الأمر الذي يجعل هذا المسلم يثق بنفسه وبدينه ، وبأمته ، وليكون المثال الحي للمؤمن الصادق الواعي والواثق ، ولتكون الأمة من ثم خير أمة أخرجت للناس.
ثم إن المسجد يساعد على تبسيط العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد ، ويقلل من مشاكل التعامل الرسمي ، والتكلفات البغيضة ، التي توحي بوجود فوارق ومميزات ، بل وحدود تفصل هذا عن ذاك ، وبالعكس.
وبعد .. فإن اهتمام الإسلام بالمسجد وتأسيسه ، حتى إن ذلك كان أول أعماله «صلى الله عليه وآله» في قباء ، ثم في المدينة ، ليدلنا دلالة واضحة على أنه يريد منا أن نتعامل مع هذه الدنيا ، ونستفيد منها من منطلق ديني ، فإنما هي مزرعة الآخرة ، فلا بد أن تقاد قيادة إلهية ويستفاد منها من خلال الارتباط به تعالى.
وبعد ما تقدم ، فإننا نعرف : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أسس المسجد ليكون بمثابة مركز للقيادة والريادة ، ففيه كان «صلى الله عليه وآله» يستقبل الوفود ، ويبت في أمور الحرب والسلم ، ويفصل الخصومات ، وفيه كان يتم البحث عن كل ما يهم الدولة وشؤونها ، والناس ، ومعاملاتهم وارتباطاتهم ، وليهب المسجد الناس نفحة روحية ، وارتباطا بالله جل وعلا ، وببعضهم البعض في كل مجالات الحياة ، ومنطلقاتها ، بعيدا عن النوازع الذاتية ، وعن الحساسيات القبلية والعرقية ، وعن تأثيرات الفوارق الإجتماعية ، وفيه كان يجد الضعيف قوته ، والمهموم المغموم سلوته ، والذي لا عشيرة له ينسى بل يجد فيه عشيرته ، والمحروم من العطف والحنان يجد فيه من ذلك بغيته.
والخلاصة : لقد كان المسجد موضع عبادة وتعلم وتفهم لما يفيد في أمور الدين والدنيا ، وتربية نفسية وخلقية ، ومحلا للبحث في كل المشاكل التي تهم الفرد والمجتمع ، ومكانا مناسبا للتعارف والتآلف بين المسلمين .. إلى غير ذلك مما تقدم.
مشاركة النساء في بناء المسجد :
وبعد .. فقد ورد في بعض النصوص : أن النساء قد شاركن في بناء المسجد ، فكن يحملن الحجارة لبناء المسجد ليلا ، والرجال نهارا (١).
ونشير هنا إلى أمرين :
أحدهما : إن مشاركة المرأة في أمر كهذا ، له مساس بالحالة السياسية والاجتماعية والعبادية ، يعتبر أمرا مهما جدا ، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن المرأة لم يكن لها أي دور في الحياة وكان العربي يحتقرها ، ويمارس ضدها أبشع أنواع المعاملة ، كما تقدمت الإلماحة إلى ذلك في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
الثاني : إن هذه المشاركة قد روعي فيها عنصر الحفاظ على الجو الخاص بالمرأة ، بعيدا عن أجواء الإثارة التي لا بد وأن تترك آثارها السلبية على المجتمع ، نتيجة للاختلاط ، وعدم التحفظ ، الذي ينشأ عن عملهن نهارا في مرأى ومسمع من الرجال الأجانب.
مشاركة النبي صلى الله عليه وآله في بناء المسجد :
ولقد كان المسلمون قادرين على القيام بمهمة بناء المسجد ، ولم تكن ثمة حاجة مادية لمشاركته «صلى الله عليه وآله» ، ولكنه «صلى الله عليه وآله» قد آثر المشاركة في عملية البناء ، الأمر الذي أثار الحماس لدى المسلمين ، فاندفعوا يعملون بجد ونشاط ، وكان نشيدهم :
لئن قعدنا والنبي يعمل *** لذاك منّا العمل المضلل
كما أن هذه المشاركة قد أعطت قيمة خاصة للعمل ، وعبرت عن مدى ارتباط النبي «صلى الله عليه وآله» به وحبه له ، وفوق ذلك ، فإنه قد بين بذلك الخط العام لشخصية القائد في الإسلام ، وأنه يجب أن يكون شعوره بالمسؤولية تجاه العمل يتعدى حدود إصدار الأوامر إلى الآخرين ، ولا سيما إذا كان ذلك يرتبط بالهدف الأقصى ، والمصلحة العليا للإسلام وللمسلمين.
ثم إنه كان يريد أن يكون ذلك الإنسان المتواضع المحبب للناس ، الألوف لهم ، ويكون معهم كأحدهم ، فلا يستعلي عليهم ، ولا يحتجب عنهم ، وليكون ذلك هو الدرس العملي لمن يعاصره «صلى الله عليه وآله» من أصحاب النفوذ ، وتأديبا لمن يأتي بعده من حكام وخلفاء وغيرهم.
جماعة خاصة بالنساء :
ويقولون : إنه كان للنساء جماعة خاصة بهن ، فكان الرجال يصلون في المسجد والنساء يصلين في رحبة المسجد بإمامة سليمان بن أبي حثمة ، وحين تسلم عثمان الخلافة جمع بين الرجال والنساء (2).
والظاهر : أن الفصل بين النساء والرجال قد جاء بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» وأصل هذا الفصل قد كان في زمن عمر بن الخطاب ، وفي صلاة التراويح التي ابتدعها (3) ثم عاد عثمان فجمع بين النساء والرجال.
فلما كانت خلافة أمير المؤمنين «عليه السلام» عاد ففصل بين الرجال والنساء ، وصار يصلي بالنساء رجل اسمه عرفجة (4).
ولكن هناك إشكال في هذه الروايات وهو أنها تذكر : أن عليا «عليه السلام» قد فعل ذلك في قيام شهر رمضان ، أي في الصلاة المعروفة بصلاة التراويح.
ومن المعلوم : أن عليا «عليه السلام» كان يعتبر ذلك بدعة ، وكان يمنع عنه (5) فكيف يفعله؟
فالصحيح هو : أن ما فعله «عليه السلام» إنما كان في الصلوات اليومية لا في صلاة التراويح.
كانت تلك بعض المعاني التي نستفيدها من عملية بناء المسجد ، ولربما نجد الفرصة للتحدث عن ذلك في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) راجع : كشف الأستار عن زوائد البزار ج ١ ص ٢٠٦ و ٢٢٢ و ٢٤٩ ومجمع الزوائد.
(2) حياة الصحابة ج ٢ ص ١٧١ وطبقات ابن سعد ج ٥ ص ٢٦.
(3) راجع : التراتيب الإدارية ج ١ ص ٧٣ عن الطبقات.
(4) حياة الصحابة ج ٣ ص ١٧١ عن كنز العمال ج ٤ ص ٢٨٢ عن البيهقي.
(5) دلائل الصدق ج ٣ القسم الثاني ص ٧٩ ، ولكنهم لم يستجيبوا لمنعه «عليه السلام».
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|