أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-7-2016
1587
التاريخ: 18-7-2016
1973
التاريخ: 2024-06-14
638
التاريخ: 18-7-2016
1536
|
التوكل على الله تعالى هو الاعتماد عليه عز وجل قلباً واطمئنان النفس به والوثوق بأنه لم يهمله ، بعد الاعتراف بعجز الإنسان أمام قدرته وعلمه واحاطته وقيموميته، والاعتقاد بأنه تعالى هو الفاعل لا غيره، وأن لا رب غيره ، فيعلم علماً قطعياً بأنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، يضع الأشياء في مواضعها بحكمته ، وهو القادر على كل شيء في السماوات والأرض.
ومن ذلك يظهر العز في ذكره عز وجل العزة والحكمة في قوله تعالى : {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [الأنفال: 49] ، لأن الاعتقاد بأنه حكيم يضع الأشياء في مواضعها ، وعزيز قادر لا يمتنع عليه شيء إذا أراد فلا محالة يذعن المؤمن بأنه تعالى ناصره ومعينه وهو حسبه وكافيه ، ويحصل له الاعتقاد بأن كل ما يسوقه إليه ربه هو طيب وكريم وحسن وخير ويعتمد عليه في جميع أموره ، وتحصل الثقة بالله العظيم فيتوكل عليه عز وجل.
فالتوكل إنما هو ارتباط عالم الشهادة المتناهية من كل جهة ، بعالم الغيب غير المتناهي كذلك ، ولذا نرى أنه والتوحيد قرينان لا يتحقق أحدهما من دون الآخر ، فمن لا توحيد له لا توكل له ، ومن لا توكل له لا إيمان له ، ويدل عليه قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]
بل يمكن أن يقال بأن التوكل طريق لمعرفة إيمان المؤمن ، بل هو محقق له ، لأنه لا يرى لغير الله تعالى أثراً ، فالجمع مسخر تحت إرادته ، وإنما جعل لها نظاماً معيناً أقام أمور العالم به ، فتجري وفق قانون الأسباب والمسببات خاضعة له لا تتخلف عنه ، إلا أنها عاجزة عن أي نفع وضرر ، لأنها لا تفعل شيئاً إلا بإرادته ومشيئته عز وجل ، والمؤمن يذعن بهذا النظام الذي أقام الله تعالى هذا العالم به ، ويطلب كل شيء عن طريق سببه ويعمل ويكافح على إيجاد الأسباب الظاهرية المنوطة بها المسببات ويطلبها وفق ما أمره الله تعالى طلباً تكوينياً أو تشريعياً ، ولكنه يعترف بالعجز أمام قدرة الله تعالى ويذعن بالجهل أمام المقادير التي قدرها عز وجل ، ويعلم بأن الأسباب الظاهرية التي عمل لأجلها شيء والمقادير والقضاء والقدر والأسباب الخفية التي يجهلها شيء آخر ، وجميعها خاضعة له عز وجل ، مسخرة أمام إرادته ومشيئته ، وهو عاجز عنها فيوكل أمره إليه معتقداً بأنه يحبه وناصره ومعينه.
ومن جمع ذلك يعلم بأن التوكل لا ينافي الأسباب الظاهرية ، بل الاعتقاد بها والعمل عليها من جملة أساسيات فضيلة التوكل .
ويدل على ذلك قوله تعالى : {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى : 36].
ويستفاد من هذه الآية الشريفة أمران :
الأول: أن الإنسان لا يمكن له التغاضي عن متاع الحياة الدنيا الذي هو من نعم الله تعالى عليه ، فهو الذي يقضي به مآربه ويحقق مقاصده ويعيش عليه في هذه الحياة الدنيا ، وأما ما عند الله فهو خير من هذا المتاع القليل في الكمية والكيفية، وإنما جعل الله هذه الدنيا وسيلة لنيل ما هو أعظم منها ، ولا يمكن تحصيل هذا المتاع إلا بأسباب خاصة معروفة يجري عليها نظام هذا العالم ، فالتوكل على الله تعالى والاعتماد على الأسباب الظاهرية قرينان ، بل هي من طرق تحصيل التوكل عليه عز وجل كما عرفت ، ويدل عليه قوله (صلى الله عليه واله) : " اعقلها ثم توكل ".
الثاني: أن التوكل من شروط الإيمان الصحيح ، بل هو من أعلى مقامات التوحيد ، فإنه التوحيد العملي الذي اعتنى به الله تعالى في كتابه الكريم واهتم به الأنبياء والمرسلون، فهو يببن الجانب العملي في الإيمان، لأن التوكل وظيفة من وظائف القلب ، فإن به تطمأن النفس ويسكن القلب، وبه يدخل المؤمن تحت الآية المباركة : {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27 - 30].
وبالجملة : لما كن هذا العالم متقوماً بالأسباب والمسببات الطولية والعرضية ، ولا بد من انتهاء تلك إلى سبب غيبي وربوبية عظمى لا يعقل فوقها ربوبية وقيمومية كبرى ليس وراءها قيم أصلا ، فيكون الجميع مسفراً تحت إرادته ومشيئته التامة ، فلا الماديات تعوق مشيئته ولا التكثرات تمنع قهاريته ، ولا ريب في تحقق ما ذكر في هذا النظام الأحسن ، وآثار عظمته وإبداعه ووحدانيته ظاهرة في كل شيء ، والتوحيد عبارة عن الاعتقاد بهذه الحقيقة ، والتوكل هو الاعتماد على مدبر هذا العالم وخالقه وصانعه ، فإن طابق الاعتقاد مع الواقع على ما هو عليه تتجلى حقيقة التوكل وإلا فلا توكل.
ومن ذلك يظهر السر في ما ورد عن الأئمة (عليهم السلام) : " أن قول القائل : لو لا أن فلاناً لهلكت ، شرك، قيل له (عليه السلام) : فكيف تقول ؟
قال (عليه السلام): تقول لو لا أن من الله علي بفلان لهلكت "، كما يظهر السر في قوله تعالى : {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [يوسف : 106] ، فالتوكل الحقيقي هو الاعتقاد باستناد الكل إليه عز وجل وانبعاث الجميع منه تعالى ، ويستلزم ذلك الاعتقاد بتسبيب الأسباب والسعي في تحصيلها ، فإن التوكل بدون ذلك لا ثمرة فيه ، بل هو لغو وباطل ، فترجع حقيقة التوكل إلي إرجاع الأمور - لا يتعلق بها عقولنا من تحصيل المقتضيات - إلى الله تعالى ، لأنه مسبب الأسباب و مسهل الأمور الصعاب.
ومن ذلك كله يظهر ان التوكل عنوان التوحيد وهو داع إليه ، فهما متلازمان ، وبه ينتظم حال الإنسان وعلمه وعمله.
وبما ذكرناه يرتفع الغموض من حيث أن ملاحظة الأسباب والاعتماد عليها شرك في التوحيد ، والتباعد عنها خلاف طريقة العقل والشرع ، والتوكل يرفع الغموض والعسر عن ذلك كله.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|