المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



التطور التاريخي للحقوق  
  
4142   11:44 صباحاً   التاريخ: 3-6-2021
المؤلف : ارتقاء محمد باقر غيدان الطائي
الكتاب أو المصدر : التنظيم الدستوري للحقوق السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة : ص14-25
القسم : القانون / القانون العام / القانون الدستوري و النظم السياسية /

واجه موضوع الحقوق تطوراً تاريخياً طويلاً ، فهو ليس وليد العصر بل يمتد في جذوره الى تاريخ الحضارات القديمة ، لذا سنتناول في هذا الموضوع تطور الحقوق في الحضارات القديمة مروراً بالشريعة الاسلامية وحتى العصر الحديث .

الفرع الاول/ الحقوق في الحضارات القديمة

اولاً- الحقوق في حضارة وادي الرافدين

تعد حضارة وادي الرافدين مهداً لأقدم الحضارات والشرائع ، إذ تمثلت بظهور اول المجتمعات القروية في جنوب العراق , وبفعل عوامل التطور تحولت الى مدن صغيرة ذات طابع ديني ترتكز بوجود معبد يدار من قبل الكاهن ، ومع تطور المدينة أصبح في المجتمع طبقة مسيطرة من الملوك والزعماء مدّعين أنهم يستمدون سلطاتهم من مصادر إلهية ، مما ترتب على ذلك امتزاج السلطتين الدينية والزمنية بيد الحاكم ، ومن ثم الانفراد بالسلطة , واسترقاق الأخرين, اي لم يكن هناك حق إنساني الاّ في حدود ما يقره الحاكم فقط(1).

ويلاحظ من خلال دراسة الوثائق التاريخية للعصور المختلفة لمجتمع بلاد وادي الرافدين، ان نظام الحكم فيها كان يتسم بالأوتوقراطية ، وتركيز السلطة ، إلا ان ذلك لا ينفي وجود بعض المظاهر الديمقراطية في تلك البلاد وان كانت في شكلها البدائي ، إذ كان في سومر في الالف الثالث قبل الميلاد برلماناً يتالف من مجلسين هما مجلس الشيوخ والمجلس الادنى الذي يضم القادرين على حمل السلاح (2)، وفي القرن الثامن عشر قبل الميلاد اي في عهد حمورابي ، كانت توجد الى جانب الملك هيئات كمجلس الحكم والجمعيات الوطنية التي باشرت دوراً هاماً في تسيير شؤون الدولة الا ان وجودها لا يعني مباشرة الافراد للحقوق السياسية كالانتخاب ، والترشيح كما هو سائد في الوقت الحاضر، لان الباحثين في تاريخ العراق القديم لم يذكروا اعتماد العراقيين القدماء لأسلوب الانتخاب في اختيار اعضاء المجلس ، (3).

وعلى الرغم من ان مبدأ تركيز السلطة كان سائداً في ذلك الوقت ، الا ان المدونات القانونية التي عثر عليها في بلاد مابين النهرين  عملت على تنظيم العلاقة بين الملك والمجتمع، وعلى اقرار العدالة وحماية حقوق الافراد ، وهذا ما يمكن ان نستنتجه من اقوال بعض الملوك ومن النصوص الدينية , فالملك مكلف بتحقيق العدالة ، وبنصرة المظلومين ، والاقتصاص من الظالمين , وهذا ما اشار اليه قانون حمورابي اذ ورد على لسان هذا الملك ما نصه : (انتدبني آنذاك انو وانليل ، انا حمورابي الامير الكريم عابد الالهة لانشر العدل في البلاد واقضي على الشر والغش وامنع القوي من اضطهاد الضعيف) (4).

تأسيسا على ذلك فقد مثل قانون حمورابي قمة ماوصلت اليه القوانين في تلك الفترة من حيث اقرارها للعدالة ، والانصاف ، وتحقيقها للوحدة التشريعية التي بقي معمول بيها طيلة تلك الفترة.

إضافة الى ما تقدم ، فقد برزت ملامح اخرى لحقوق الإنسان تمثلت في اصلاحات اوروكاجينا فقد قام اوروكاجينا حاكم مدينة لجش بعمل وثيقه ، وتُعدَ الوثيقة الاولى في تاريخ البشرية التي اكدت على بعض المبادئ المهمة كفكرة الحرية في حدود القانون (5).

بالإضافة الى وجود قوانين اخرى سبقت شريعة حمورابي تناولت مختلف جوانب حياة الانسان الاجتماعية ، والاقتصادية ، منها قانون لبت عشتار، وقانون أشنونا  (6).

بناء على ماتقدم فإن الأصول القديمة لفكرة حقوق الإنسان في حضارة وادي الرافدين يمكن ان تلاحظ مع ظهور التشريعات العراقية القديمة والإصلاحات المالية والاجتماعية التي شهدها العراق في ذلك الوقت ، فهي وان كانت تتسم بطابعها البدائي الا انها كانت اكثر تطوراً من التشريعات الاخرى المطبقة في مجتمعات اخرى في ذلك الوقت.

ثانياً- الحقوق في الحضارتين اليونانية والرومانية

تمثلت حقوق الإنسان في الحضارة  اليونانية بظهور قانون صولون عام594 ق.م إذ منح الشعب اليوناني حق المشاركة في السلطة التشريعية ، كما اطلق سراح العبيد ، وفي عهد بركليس (429-444) تمتع جميع المواطنين بحرية الكلام، والمساواة أمام القانون حيث شهد هذا العهد ظهور الديمقراطية المباشرة التي اعترفت بالحقوق السياسية فقط لطبقة معينة من الناس وقصرتها على الذكور الأحرار دون الأناث(7) وعَدّت الانتخاب وسيلة غير ديمقراطية لاختيار الحاكم , إذ كان الاختيار يتم بالقرعة ، فهي تعد الوسيلة الديمقراطية الصحيحة لكونها تحقق مبدأ المساواة في اشغال الوظائف العامة خاصة وان  المجتمع اليوناني كان مبنياً على السلطة والقوة والعنف ومنقسم الى طبقات عديدة، وبظهور الرواقية*التي نادت بالأخوة الإنسانية والمساواة بين البشر وتحرر الافراد من القوانين الوضعية ادت الى ان برزت الى الوجود نواة المدرسة الطبيعية التي تمتع بها البشر بحقوق طبيعية تسمو على القوانين الوضعية (8).

وبخلاف ما نادت به المدرسة السابقة ، اتجه بعض الفلاسفة اليونانيين الى ضرورة اخضاع الفرد بصورة تامة لسلطة الدولة ، فقد نادى افلاطون بسيادة الدولة المطلقة على حقوق وحريات الافراد.

اما أرسطو ، فقد بّرر ظاهرة انتشار الرق بانه يعود بالنفع على المجتمع ويمكن الافراد من الانصراف للمهام السياسية وهو يرى بان العبد الرقيق حيوان اعدته الطبيعة لمنفعة ما (9).

ولم تكن المرأة أوفر حظاً من الرقيق حيث تم تجريدها من الحقوق المدنية والسياسية وكانت تُعدّ من ممتلكات ولي امرها ثم زوجها من بعد الزواج وتم حرمانها من التعليم الذي كان مقصوراً على الأحرار من الذكور كما ليس من حقها ان تعمل واذا ما اضطرتها الظروف للعمل سقطت من نظر المجتمع (10).

مّما سبق يبدو لنا ان فكرة حقوق الإنسان لم تكن معروفة ولا مألوفة في المجتمع اليوناني، وان النظام السياسي الذي كان يقوم فيها لا يتفق مع مبادئ الديمقراطية ، اذ ان الديمقراطية تقوم على اساس العدل والمساواة ، ولاوجود لهذين المبدأين في مجتمع تكون فيه الأغلبية عبيداً حيث لم يكن الفرد سوى اداة بيد الدولة التي كانت تملك سلطات مطلقة في  ذاك الوقت.

اما في الحضارة الرومانية ، عرف الرومان الحرية الدينية التي كانت معرضة للانتهاك باستمرار خاصة بعد ظهور المسيحية وانتشارها ودعوتها للمحبة والتسامح والإخاء ، وفيما يتعلق بالحقوق السياسية الاخرى , فقد كان حق الانتخاب هو السائد إذ كان يتم انتخاب الحكام من قبل المجالس الشعبية التي كانت تتكون من الاحرار الأثرياء، ولم يعترف للطبقة العامة بحق المواطنة، ولم يشاركوا في المجالس الشعبية بل كانت تطبق عليهم قواعد قانونية خاصة (11).

اما حقوق المرأة فقد كانت مسلوبة ، فلم يتقرر لها حق الانتخاب او الترشيح ، كما تم حرمانها من تولي الوظائف العامة ومن التمتع بالحقوق المدنية مثل حقها في الحياة او الموت فمنذ ولادتها تكون تحت سيطرة ربّ الاسرة سيطرة مطلقة فهي لم تشهد اي تقدم فيما يتعلق بممارسة حقوقها في هذا المجال، إضافةً الى ذلك عرف الرومان الرق و كانت معاملتهم له اسوا بكثير منه عند اليونان فكانوا يعملون نهاراً في الاقطاعيات ، وفي الليل يكبلون بالسلاسل ويتعرضون لأشد العقوبات(12).

من خلال ما تقدم يتضح لنا ان واقع المجتمع والدولة في روما يتناقض تماماً مع الأفكار الحقيقية لحقوق الإنسان حتى في مفهومها البدائي ، فما كان يدور من قتل لحقوق الانسان واهدار لكرامته يمثل جانباً من مظاهر تلك الدولة ، وعلامة بارزه تعكس طبيعة المجتمع الروماني ، وهذا ما يمكن مشاهدته من خلال التفرقة ، والتمييز، والتفاوت الطبقي في المعاملة ، وانعدام مبدأ المساواة ، وهي بهذا لا تختلف كثيراً عما هو سائد في الحضارة اليونانية.

الفرع الثاني/ الحقوق في الشريعة الاسلامية

شرع الاسلام حقوق الإنسان منذ أربعة عشر قرناً قبل صدور الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 وأحاطها بضمانات كافية لحمايتها ، فهي ليست وليدة منظمة اقليمية او وطنية او عالمية ، انما هي حقوق أزلية فرضتها الإرادة الربانية بوصفها جزءاً لا يتجزأ من نعم الله, ولو نظرنا اليها منذ ظهورها على يد الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لوجدنا ان هذا الدين يكرم الإنسان ويفضله على جميع مخلوقاته(13) كما في قوله تعالى ﴿وَلَقَد كَرَّمنَا بَنِىٓءَادَمَ وَحَمَلَنٰهُم فِى ٱلبَرّ وَٱلبَحرِ وَرَزَقنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيّبٰتِ وَفَضَّلنَٰهُمـ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقنَا تَفضِيلاً﴾(14)، فساوت الشريعة الاسلامية بين جميع البشر في التمتع بالحقوق دون تمييز بسبب اللون، واللغة ، والجنس خاصة أن مبدأ المساواة من المبادئ الاساسية التي أقام عليها الاسلام دولته الجديدة(15).

ومن الحقوق التي اكد عليها الاسلام وحرص على صيانتها هو حق الإنسان في الحياة إذ انه دعا الى احترامها والمحافظة عليها وحرم تعريضها للأذى او الاعتداء عليها دون حق ، كما في قوله تعالى ﴿ومَن قَتَلَ نَفسَاً بِغَيرِ نَفسٍ أَوفَسَادٍ فىِ ٱلأَرضِ فكَأَنَّمَآ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَن أَحيَاهَا فَكَأَنَّمَآ ٱحَيا ٱلنَّاسَ جَمِيعاً﴾ (16).

وقد تناول ايضاً حق الإنسان في التنقل واختيار محل اقامته داخل البلاد او خارجها تبعاً  لحاجته او مصلحته ﴿هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرضَ ذَلُولاً فَٱمشُواْ فىِ مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزقِهِ وَالَيهِ ٱلنُّشُورُ﴾ (17)

اما فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، فقد اكد على حق الإنسان في التملك، والعمل ، وحقه في الزواج ، وبناء الاسرة ، واحترام حق الجار(18).

وعلى صعيد الحقوق السياسية أقر الاسلام حرية الرأي والتعبير حيث اعطى للإنسان القدرة على ابداء وجهه نظره بخصوص المسائل المتعلقة بسياسة الحكم مثل البيعة ، والانتساب ، وتولي المسؤوليات ، وكان الخلفاء يطلبون نصيحة الناس وآراءهم في المسائل المختلفة فضلاً على ان حرية الرأي تُعدّ واجباً من واجبات الامة طالما ان القصد منها رضا الله تعالى ، والتذكير بطريق العدل ، والحق الا ان هذا الحق مقيد بعدم الاساءة الى حقوق الآخرين وأن يكون مفيداً بما يخدم الصالح العام (19)

ويرتبط بحرية الرأي والتعبير حق الشورى و يقصد به المشاركة المباشرة في الشؤون العامة من قبل كل فرد من المسلمين ، اذ يُعدّ الدعامة الأساسية التي يقوم عليها اي نظام ديمقراطي في العالم ، كما انه واجب على الحاكم والمحكومين الالتزام بها(20), وخير دليل على ذلك ان الله تعالى الزم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتشاور مع جماعته ﴿ وَشَاوِرهُم فىِ ٱلأَمرِ﴾ (21) كما امر المؤمنين الإلتزام بهذا المبدأ في كل شؤونهم ﴿ وَأَمرُهُم شُورَىٰ بَينَهُم ﴾ (22).

كذلك نظمت الشريعة الاسلامية حرية العقيدة بوصفها حقاً اساسياً من حقوق الإنسان ، فالإسلام ينطلق من قاعدة عدم الاكراه في الدين ، او اجبار الناس على الايمان رغماً عنهم كما في قوله تعالى ﴿لَآإِكرَاهَ فىِ ٱلدِّينِ ﴾ (23).

كما انه أكد على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, وعدّه حقاً سياسياً ، وواجباً على المسلمين أفراداً وجماعات ، وأوجب على الدولة تمكينهم من مزاولتها ، ومنع التقصير، وقد جاء في الحديث النبوي الشريف (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان), لان السكوت عن الجور والظلم هو مشاركة به ، فالعدل في الرعية اساس الحكم والسلطة ، وهو يتم عن طريق مشاركة كل الافراد بتحمل مسؤولية الحكم الى جانب الحاكم ، ومنعه من الانحراف عن طريق الصواب (24).

من خلال ماتقدم نجد أن هذه الحقوق التي اقرتها الشريعة الإسلامية تعد ملزمة للجميع لأنها ليست هدية او اقراراً صادراً من سلطة محلية او دولية ، وانما هي حقوق ملزمة كون مصدرها الهياً من الله سبحانه وتعالى ، لذلك لا يسمح بالاعتداء عليها ، ولا يجوز التنازل عنها، وعلى الجميع احترامها حكاماً ومحكومين ، وبناءً على ذلك تُعدّ حقوق الإنسان في الشريعة الاسلامية الأساس الذي سارت عليه الشرائع والدساتير والإعلانات المنظمة لحقوق وحريات المواطنين.

الفرع الثالث / الحقوق في العصر الحديث

شهد العصر الحديث نهضة كبيرة في مجال حقوق الإنسان ، إذ شهدت اوربا منذ القرن الثاني عشر ظهور بعض الاتجاهات الفكرية التي تدعو الى الإقرار بالحريات السياسية ، والى تحرير الفرد من السلطات المستبدة ، إذ كانت السبب المباشر وراء اندلاع الكثير من الثورات الشعبية الإصلاحية للحد من السيطرة المطلقة للحكام للمطالبة بالحقوق والحريات ، نذكر منها ثورة الشعب الانكليزي ضد الملك جون التي كانت من نتائجها اصدار الملك وثيقة العهد الأعظم (المكناكارتا)*عام 1215، التي تناولت ضمان حرية الافراد الشخصية وإلغاء الضرائب ، وفي  مجال الحقوق السياسية اعطت للكنيسة الحق في منح الشعب مطلق الحرية فيما يتعلق باختيار الرؤساء وانتخابهم (25)، تلتها صدور (وثيقة الحقوق)**لعام1628 اكدت على مبدأين سبق وأن تناولهما المكناكارتا وهما احترام الحرية الشخصية ، ومنع التوقيف من دون محاكمة ، وعدم فرض ضرائب دون موافقة البرلمان عليها (26).

 وفي عهد الملك شارل الثاني صدر( قانون الحرية الشخصية اوالهابياس كوربوس)* لسنة1679 التي اكدت على حماية المواطنين من الاعتقال ، واتباع الإجراءات القانونية في المحاكمة ، ويُعدّ هذا القانون المحور الاساسي للحريات الشخصية التي مازال يعتد بها في بريطانيا، اخيراً صدور اعلان الحقوق اوقائمة الحقوق لسنة1689، ويعد الوثيقة الرابعة التي انهت السيطرة المطلقة للملوك من قبل البرلمان ، ونادت بالانتخابات الحرة للبرلمان ، ووجوب مراعاة العدالة ، وعدم عرقلة حرية الرأي والمناقشة (27).

إلإ إن الاهتمام الحقيقي بالتشريع الوضعي لحقوق الإنسان لم يأت إلا بعد حدثيين: الأول إعلان الاستقلال الأمريكي لعام  1776 إذ اعترف هذا الإعلان للشعب بالحقوق السياسية منها حقه في اختيار الحكومة وفي تبديلها والغائها واقامة حكم جديد في كل مرة تصبح فيها سياسة الحكومة مدمرة ، وسبق هذا الإعلان إعلان فيرجينيا للحقوق في12 حزيران عام 1776 الذي اكد على سيادة الشعب ، وحرية الانتخابات، والمساواة في الحقوق السياسية ، وحرية الصحافة والحرية الشخصية ، وحرية الاعتقاد الديني التي يكون للناس ممارستها وفق ضمائرهم(28).

اما الحدث الثاني تمثل بإعلان حقوق الانسان والمواطن الفرنسي في عام 1789 على اثر قيام الثورة الفرنسية ، ويُعدّ من أهم الوثائق التاريخية التي عالجت حقوق الإنسان فهو لم يطرح بصورة إعلان لحقوق الفرنسيين وحدهم , بل جاء بمثابة اعتراف بوجود حقوق أساسية لصالح جميع البشر، وقد عُدّ المصدر الأساسي لحقوق الإنسان في الكثير من الدساتير والمواثيق والإعلانات الدولية ، إذ ارتكز على مبادئ أساسية كمبدأ الحرية والمساواة والاخاء ، وتضمن مجموعة من الحقوق السياسية تمثلت بحق مقاومة الطغيان ، وحرية الإنسان في ايصال افكاره وآرائه ، وحقه في ممارسة الحرية الدينية من دون ازعاج ، متاثراً بالكتابات التي تندد بالنظام الاستبدادي التي سادت في القرن السابع العشر و تدعو الى الحد من السلطة الملكية وتنادي بسيادة الشعب  والمساواة والحرية الفكرية (29).

اما من الناحية الدولية فان تنظيم حقوق الإنسان  لم يظهر الابعد الحرب العالمية الاولى وظهور عصبة الأمم سنه 1919 كأول تجمع دولي منظم , اما قبل ذلك كان اهتمام المجتمع الدولي بحقوق الإنسان ضعيف ومقصور على حالات محددة ، وحتى في عهد عصبة الامم فلم تتضمن نصوصاً دولية لحماية حقوق الإنسان فقط اذ ما استثنينا ما جاء فيه من التزام أعضاء العصبة من ان يعاملوا بصورة عادلة الشعوب التي تقطن الاقاليم الخاضعة لإدارتهم ، وكذلك فيما يتعلق بحماية حقوق الاقليات فقط (30).

إذ برز الاهتمام الكبير بحقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية مع قيام منظمة الأمم المتحدة وصدور ميثاق الامم المتحدة عام 1945 الذي تناول معظم حقوق الإنسان دون الارتكاز على حق محدد، فقد ورد في ديباجته  تأكيد الشعوب بالايمان بالحقوق الاساسية للإنسان وبكرامة الكائن البشري وبقيمته ، والمساواة بين الرجال والنساء والامم كبيرها وصغيرها في التمتع بالحقوق ونص على تحديد مقاصد الامم المتحدة وعُدَ حقوق الإنسان أحد هذه المقاصد ، كما عهد الى الجمعية العامة بمهمة تقديم توصيات لتحقيق هذه الاهداف ، والزم الامم المتحدة ان تشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الاساسية للجميع ، كما الزم الدول الاعضاء بالتعاون مع المنظمة لتحقيق المقاصد المنصوص عليها (31).

مع ذلك فإن حقوق الإنسان لم تكتسب الطابع الدولي الا بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 الذي كان خطوة مهمة في تطبيق وتدوين حقوق الإنسان تعبيراً عن عصر التنظيم الدولي ويتكون هذا الإعلان من ديباجة و30 مادة تحدد حقوق الإنسان وحرياته الاساسية حيث تضمنت المادة الأولى المبادئ الفلسفية التي يقوم عليها الإعلان والتي تنص (يولد جميع الناس أحرار ومتساويين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا العقل والوجدان وعليهم ان يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الاخاء) , اما المادة الثانية تنص على مبدأ المساواة وعدم التمييز في التمتع بالحقوق والحريات الاساسية , وتعلن المادة الثالثة عن ثلاثة حقوق مترابطة أساسية , وهي ضرورية للتمتع بسائر الحقوق الاخرى , وهي الحق في الحياة ، والحق في الحرية ، والحق في السلامة الشخصية, وفي مجال الحقوق السياسية نصت على حرية الفكر، والوجدان ، والدين، وحرية الرأي والتعبير، وحق تكوين الجمعيات ، وعقد الاجتماعات ، وحق كل شخص في المشاركة في الشؤون العامة لبلده ، وحق كل شخص بالتساوي مع الأخرين في تقلد الوظائف العامة لبلده (32).

مما تقدم وعلى الرغم من كون هذا الإعلان من اكثر قرارات الامم المتحدة شهرة الا انه ليس له قوة قانونية ملزمة وانما له قيمة ادبية فقط.

وقد لحق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ظهور اتفاقيتين دوليتين لتدوين الحقوق والحريات الأساسية عام 1976 وهما: العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي نصت على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية , و العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي نصت على الحقوق المدنية بالإضافة الى مجموعة من الحقوق السياسية , منها حق حرية الرأي ، وحق الاشتراك في إدارة الشؤون العامة للدولة مباشرة او من خلال ممثلين ، وحق تقلد المناصب العامة، وحق التفكير والدين والضمير ، وحق التجمع السلمي وتشكيل النقابات. حيث شكل هذا العهد الى جانب الإعلان العالمي الشرعة الدولية لحقوق الانسان (33).

بالإضافة الى ذلك عمدت منظمات اقليمية الى حماية حقوق الإنسان مما اسفرت عن ظهور العديد من الاتفاقيات الاقليمية مثل الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان عام 1950، والاتفاقية الامريكية لحقوق الإنسان عام 1969 والميثاق الافريقي لحقوق الإنسان لعام1981(34).

مما تقدم يمكن القول أنه على الرغم من وجود مواثيق واعلانات تقر حقوق الإنسان ، الا ان واقع حقوق الإنسان على المستوى العملي في اغلب البلدان العربية هو واقع مرير، إذ ان الاسس القانونية والفكرية لاحترام هذه الحقوق موجودة , لكنها تصدم بغياب الديمقراطية وسيطرة الحزب الواحد والأنظمة الشمولية ، مما يفرغ النصوص الدستورية المنظمة لهذه الحقوق من أي قيمة فعلية ، وقد كان هذا السبب الحقيقي والفعلي في نشوب العديد من الثورات في الكثير من الدول العربية لما عانته شعوبها من انتهاك كبير لجملة من حقوقها وحرياتها ومن ضمنها الحقوق السياسية .

فالحقوق السياسية في ظل النظم الاستبدادية تكون مقيده وشكلية لأن النظام السياسي قائم على الاستبداد والظلم ، ولايعنيه الا الاستمرار في السلطة والمحافظة عليها بكل الوسائل، وهو بذلك يستعين بأصحاب المصالح التي تتحالف معه وتدعمه بما تمتلك من امتيازات متعددة على حساب فئات الشعب المختلفة .

ولأهمية الحقوق السياسية في احترام الافراد، وحمايتهم في مواجه السلطة ، ومن اجل تحقيق التوازن بين السلطة والحرية يتطلب منا معرفة انواعها ، ومدى تطبيقها على ارض الواقع في العراق وبقية الدول الاخرى.

____________

1-  د. خضر خضر، مدخل الى الحريات العامة وحقوق الإنسان ، الطبعة الثانية ، المؤسسة الحديثة للكتاب ، طرابلس ، 2004 ، ص34.

2-  د. حميد حنون خالد ، نظام الحكم في مجتمع وادي الرافدين ، بحث منشور في مجلة الحقوق ، كلية الحقوق، الجامعة المستنصرية ، العدد الثاني ، 2006 ، ص4.

3- د. عبد الرضا الطعان ، المدخل الى علم السياسة ، بدون ذكر الناشر، بغداد ،1986 ، ص160 : كذلك انظر حميد حنون خالد ، المصدر السابق ، ص43.

4- د. مازن ليلو راضي ، د. حيدر ادهم عبد الهادي ، مدخل لدراسة حقوق الإنسان ، الطبعة الاولى ، بدون ذكر الناشر ، بدون ذكر مكان النشر ، 2010 ، ص7.

5- د. مازن ليلو راضي ، د. حيدر ادهم عبد الهادي ، المصدر السابق ، ص9،8.

6-  جبار صابر طه ، النظرية العامة لحقوق الانسان ، الطبعة الاولى ، منشورات الحلبي الحقوقية ، 2009 ، ص123.

7-  د. اماني غازي جرار ، الاتجاهات الفكرية لحقوق الإنسان وحرياته العامة ، الطبعة الاولى ، دار وائل للنشر، 2009، ص33،23.

*وهي احدى المدارس الفلسفية التي اسسها زينو الفينيقي والتي اكدت على الاخوة الإنسانية فهي ترى الافراد كمخلوقات متشابهون ومتماثلون ويخضع جميعهم للقانون الطبيعي ولهم حقوق متساوية فهم يؤمنون بمبدأ المساواة في المستوى الاخلاقي وهم لا يرون وجود تباين بين الافراد بسبب الجنس او المواطنة ، فالعبد من وجهة نظرهم انسان وهو عامل مستأجر مدى الحياة. للمزيد من المعلومات راجع . د. مازن ليلو راضي ، د. حيدر ادهم عبد الهادي ، مصدر سبق ذكره ، ص20 : كذلك انظر  د. محمد غانم صالح ، الفكر السياسي الوسيط ، جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية ،1992 ، ص86

 8-  د. فيصل شطناوي ، حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ، الطبعة الثانية ، دار حامد ، بدون ذكر مكان النشر، 2001، ص22،21.

9- د. اماني غازي جرار ، مصدر سبق ذكره ، ص22.

10- علي محمد صالح الدباس ، علي عيان محمد ابو زيد ، حقوق الإنسان وحرياته ودور شرعية الأجراءات الشرطية في تعزيزها ، بدون طبعة ، دار الثقافة ، بدون ذكر مكان النشر ،2005 ، ص33.

11- د. فيصل شطناوي ، مصدر سبق ذكره ، ص22.

12- علي محمد صالح الدباس ، علي عيان محمد ابو زيد ، مصدر سبق ذكره ، ص34.

13-  د. صلاح عبد الرحمن الحديثي ، سلافة طارق شعلان ، حقوق الإنسان بين الامتثال والاكراه في منظمة الامم المتحدة ، بدون طبعة ، مؤسسة النبراس ، بدون ذكر مكان النشر ، 2008، ص28.

14-  سورة الاسراء ، الآية ، 70.

15-  طارق عزت رخا ، قانون حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق في الفكر الوضعي والشريعة الاسلامية ، بدون طبعة ، دار الحامد ، بغداد ،2001 ، ص52،51.

16- سورة المائدة ، الآية ، 32.

17- سورة الملك ، الآية ،15 .

18- د. فيصل شنطاوي ، مصدر سبق ذكره ، ص35،32،31.

19- د. مازن ليلو راضي ، د. حيدر ادهم عبد الهادي ، مصدر سبق ذكره ، ص51،50.

20- د. خضر خضر ، مصدر سبق ذكره ، ص56.

21-  سورة آل عمران ، الآية ، 59.

22- سورة الشورى ، الآية ، 38.

23- سورة البقرة ، الآية ، 256.

24- د. خضر حضر ، مصدر سبق ذكره ، ص56.

*يعد العهد الاعظم او(المكناكارتا) من اقدم الوثائق التي ثبتت مجموعة من الحريات وارتبطت بالنزاع الذي نشب بين الملك جون والاشراف نتيجة قيام الملك بفرض الضرائب التعسفية وزج خصومه في السجن دون سبب مشروع، مما ادى الى ثوره الاشراف والقبض عليه حيث الزم بتوقيع هذه الوثيقة المكتوبة . للمزيد من المعلومات راجع د. مازن ليلو راضي ، د.حيدر ادهم عبد الهادي ، مصدر سبق ذكره ، ص96.

25- د. احسان حميد المفرجي ، د. كطران زغير نعمة ، د. رعد ناجي الجدة ، النظرية العامة في القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق ، الطبعة الثالثة ، شركة العاتك ، القاهرة ، 2009 ، ص233.

**صدرت وثيقة الحقوق بتاريخ 7 حزيران 1628 بعد صراع بين الملك شارل الاول والبرلمان ، اذ اشترط البرلمان لقاء موافقته على المال الذي طلب من جانب شارل الاول لتمويل حربه ضد اسبانيا ان يوافق على مضمون عريضة الحقوق التي تضمنت مجموعة من الحقوق والحريات الخاصة بالمواطنين وقد قبل الملك بهذا العرض ، غير النزاع مالبث الى ان عاد بين الطرفين على اثر قيام الملك بفرض الضرائب ، مما ادى الى اتهامه بجريمة خيانه حقوق الشعب وانتهى الامر بالقاء القبض عليه ومحاكمته امام البرلمان الذي قضي بإعدامه. للمزيد من المعلومات ، راجع د. خضر خضر ، مصدر سبق ذكره ، ص102.

26- Louis Henkin ,The International Bill ,Colombia Universty , 1981 , P.5                                       

*ويطلق عليه ايضاً قانون (السلامة الجسدية) وهو في الاصل قانون صدر في عهد الملك ادوار الاول عام 1302 كوسيلة اجرائية لزيادة صلاحيات المحاكم الملكية على حساب المحاكم المحلية ، الا ان بروزه لم يظهر بشكل قوي الا عام 1679 بضغط من الشعب ، وبتصويت من البرلمان لوضع حد لتصرفات الملك شارل الثاني، ولبعض وزراءه في الانتقام من خصومهم ، وخاصة اولئك الذين شاركوا في الثورة على الملك شارل الاول وهو بذلك ضمن الحرية الشخصية للمواطنين وحمايتها من تعسف السلطة . للمزيد من المعلومات. راجع د. خضر خضر ، مصدر سبق ذكره ، ص103،102.

27- د. خضر خضر ، المصدر السابق ، ص102،100،97.

28- د. علي عبد الرزاق الزبيدي ، د. حسان محمد شفيق ، حقوق الإنسان ، بدون طبعة ، دار اليازوري العلمية، الاردن، 2009، ص28،27.

29- د. خضر خضر ، مصدر سبق ذكره ، ص106،105.

30- علي محمد صالح الدباس ، علي عيان محمد ابو زيد ، حقوق الإنسان وحرياته ودور شرعية الإجراءات الشرطية في تعزيزها ، بدون طبعة ، دار الثقافة ، بدون ذكر مكان النشر ،2005 ، ص51.

31- جبار صابر طه ، مصدر سبق ذكره ، ص224،223.

32- د. صلاح عبد الرحمن الحديثي ، سلافة طارق شعلان ، حقوق الإنسان بين الامتثال والاكراه في منظمة الامم المتحدة ، بدون طبعة ، مؤسسة النبراس ، بدون ذكر مكان النشر ، 2008 ، ص54.

33- د. فيصل شنطاوي ، مصدر سبق ذكره ، ص132،127.

34-  د. مازن ليلو راضي ، د. حيدر ادهم عبد الهادي ، مصدر سبق ذكره ، ص297 الى304.

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .