أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-12-2016
2507
التاريخ: 14-6-2021
2383
التاريخ: 1-12-2016
2141
التاريخ: 1-12-2016
2240
|
النحت:
يعتبر النحت من الفنون المميزة لحضارة وادي الرافدين، فن تطور عبر عصور تاريخية طويلة، ويمكن القول أن الدمى التي عثر عليها في القرى الزراعية الأولى مثل جرمو وحسونة وحلف وتل الصوان تمثل أقدم المحاولات في هذا المجال، وقد حاول فنان هذه العصور القديمة التأكيد على أهمية المعتقدات الخاصة بالخصب والإنماء، من خلال صنع دمى تمثل نسوة حبالى لهن أثدية كبيرة وأجسام كبيرة ممتلئة وأرداف كبيرة (1)، ومع التطور الحاصل ظهر نوع ثان من النحت هو النحت البارز الذي تأثر هو الآخر بالمعتقدات الدينية.
أ. النحت المجسم:
ارتبطت أغلب المنحوتات منذ عصر فجر السلالات السومرية بالآلهة وتمثيل مشاهد الآلهة من قبل الكاهن المتعبد(2)، وترينا الكتابات التي نقشت على التماثيل أن أكثرها يمثل عابدي الإله الذي في معبده، ويوضع في المعبد لتذكير الإله بعابده(3)، ويؤكد صبحي الشاروني هذا الرأي عند مقارنته بين مواضيع التماثيل في وادي الرافدين ومصر وذلك في قوله: "أن عقيدة البعث كانت محور عقائد المصريين القدماء وهي الدافع الرئيسي إلى ظهور فنونهم الجميلة، بينما انشغل سكان وادي الرافدين بفكرة الخلود في الأرض، فهذا الاختلاف الواضح في الفكر الديني كان له أثره الفعال على الشكل الفني. بالإضافة إلى اتخاذ تماثيل الفراعنة القوة والجبروت كما هو الحال في تمثال الملك خفرع نتيجة لتقديس المصريين لملوكهم باعتبارهم أبناء الآلهة، بينما اتخذت تماثيل ملوك ما بين النهرين وضع المتعبد الخاشع الذي يلتمس عون الإله"(4).
ونظرا لأن التماثيل كانت تقام من أجل غرض ديني فقد غالى الفنان في سومر وبابل في إبراز الاهتمام الشديد في ملامح التمثال وبالغ في حجم العيون, ولذا اضطر إلى جعل نسبة الوجه إلى الرأس أكبر بما ينبغي، ولم يلجأ الفنان إلى ما لجأ إليه الفنان المصري من عمل دعامة يستند إليها التمثال أو عدم تفريغ ما بين الساقين حتى تحتملان ثقله ولا تتعرض للكسر بل لجأ إلى جعل هذين الساقين على درجة من الضخامة لا تتناسب مع حجم التمثال وخاصة عند العقبين، كذلك لم يوفق في إبراز تقاطيع الجسم كالمصري، ولم يهتم بالزي الذي يلبس للتمثال، غير أنه بلغ مرتبة عالية في إتقان تماثيل الحيوانات(5)عكس تماثيل الآلهة التي كان مقيدا في نحتها(6).
نفهم من ذلك أن أجزاء الجسم المنحوت كان للعوامل الدينية فيه أثر بالغ، ويتضح هذا الطرح جليا عند نعمت إسماعيل علام في معرض حديثه عن النحت المجسم عند السومريين بقوله: "وبما أن الإله كان يعتبر سيد المدينة الحقيقي، وتأخذ معابده المكان الرئيسي في المدينة لذا يرجح أن الغرض من نحت هذه التماثيل كان دينيا فقط. وأنها صنعت لتوضع في ساحة المعبد مع تمثال الإله لتؤدي فروض العبادة في حالة تغيب صاحبها عن المعبد، لذلك يلاحظ أن الجسم مشدود لا حركة فيه، كما تشترك الوجوه كلها في نظرة ساذجة بها بساطة وابتهال للإله بأعين مستديرة واسعة الحدقة مبالغ في حجمها. ومما ساعد على التعبير عن شدة الانتباه امتلاء الأعين بالأحجار الملونة.."(7)، إضافة إلى ذلك فقد عمد السومريون إلى نحت تماثيل صغيرة بهدف دفنها مع الموتى، ويمكن اعتبارها تعاويذ تساعد على حماية الميت من الأذى(8).
وقد استخدم فنانو سومر وبابل مختلف المواد في النحت بنوعيه المجسم والبارز، غير أن الحجارة كانت المادة الأكثر استعمال بالرغم من افتقار المناطق الجنوبية لها، وهو ما أثر سلبا على النحت في بعض الأحيان. يقول صبحي الشاروني: "أما سومر فالكتل الصغيرة التي تحمل تكون أغلالا تعوق الفنان وتمنعه من ممارسة حريته الفنية على الوجه الذي يرجوه"(9).
ويبدو أن استخدام الحجارة دون غيرها من المواد كان ذا بعد ديني، ويتحدث أنطوان مورتكات عن سبب تفضيل الملك جوديا لحجر الديورايت في صنع أحد تماثيله: "فهذا التمثال لم يصنع من الفضة، ولا من حجر اللازورد ولا من النحاس، ولا من الرصاص، ولا من البرونز أيضا، ولكنه صنع من الديورايت. ذلك أن الديورايت بالنسبة إلى جوديا يختلف عنه بالنسبة إلى مانشتوسو، أي أنه وسيلة لكي يظهر بها أنه حتى أقسى هذه المواد يمكن أن تستخدم للتعبير عن الحركة، وذلك هو المفهوم الذي هيمن على الفن بأجمعه في ذلك الوقت أي أنه أصبح الآن رمزا توفره الطبيعة ليمثل كل شيء ثابت، وليكون مثال الأزل في الخلق ورمزا للروح السومرية منذ عهد سلالة أور الأولى, والذي كان أمراء لكش في أعقاب سقوط الإمبراطورية الأكدية يرغبون في أن يتبنوه..."(10).
ولما كان الفن في خدمة المعتقد الديني فقد خلفت معابد السومريين والبابليين مئات التماثيل، منها تماثيل حجرية من عهد ميسيليم، وهي تماثيل تمثل التدرج الكهنوتي-تماثيل نذرية- الذي يبدأ من صغار الكهنة حتى يصل إلى الكاهن الأكبر فالأمراء (أنظر الملحق رقم 19 ص 193 )، ولقد وجدت هذه التماثيل الشخصية في عديد من المناطق السومرية ولكن لم يحدث أن عثر عليها بمثل هذه الكميات التي وجدت بمنطقة ديالى وتل أسمر وخفاجي وتل أجرب، وهناك أيضا تمثالان حسب ثروت عكاشة لملك أشنوناك وزوجته واقفان في وضع صلاة وابتهال إلى الإله كي يهب الأرض الخصب..(11).