أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-03
851
التاريخ: 2024-03-20
760
التاريخ: 5-05-2015
2611
التاريخ: 22-12-2014
2586
|
كانت العناية بالقرآن ورعايته ولا زالت واجبا وفرضا أدبيا ودينيا على كل مسلم ومسلمة لأنه كتاب اللّه العظيم الذي لا يشوبه الباطل أو يأتيه الضلال وهو أيضا معجزة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأساس الذي يقوم عليه الاسلام، اضافة إلى ما يضم من علوم وفنون وآداب وتشريعات وافكار تضمن البشرية- عند العمل بها- التقدم والرقي والإزدهار ..
لذا فقد اولاه المسلمون ما يستحقه من المكانة الرفيعة والدرجة السامية واسبغوا عليه كل أسباب التكريم والتعظيم بما في ذلك حفظه وكتابته وطبعه وتحسينه واستخراج فرائده .. الخ.
فبصدد حفظه وتعلمه فقد كان المسلمون- قديما وحديثا- لا يألون جهدا في حفظ واستظهار شيء من القرآن قل أو كثر طلبا للثواب (1) والعظة والتماسا للعبرة والتبرك وتقويما للغة واللسان تأكيدا واستجابة لما ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله : «خيركم من تعلم القرآن وعلّمه» وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «حملة القرآن في ظل اللّه يوم لا ظل إلا ظله» وقوله أيضا (صلى الله عليه وآله وسلم) : «القرآن خير دواء» وقوله: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللّه يتلون كتاب اللّه ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم اللّه فيمن عنده» وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «اعربوا القرآن والتمسوا غرائبه» ..
ومن أجل تعميم ونشر القرآن الكريم فقد ورد في الأخبار كراهية أخذ الأجرة على تعليم شيء منه وكذلك على نسخه ذهب البعض إلى إباحته لأن فيه منفعة بتعليم القرآن وتعميمه وحيث انه يجوز جعله مهرا فإنه يجوز أخذ الأجرة عليه- اذ لو حرمت الأجرة لحرم جعله مهرا ..
لذا كان المسلمون يتنافسون ويتسابقون فيما بينهم في عدد المرات التي انهوا (ختموا) بها قراءة القرآن كله، كما وكانت تقام في المكاتب والمدارس وإلى عهد قريب مسيرات وحفلات خاصة على شرف الطالب الذي فرغ لتوه من ختم القرآن، حيث تطوف المسيرة طرقات البلدة وهي تضم كافة الطلبة ويتقدمها الطالب الفائز بشرف الختم وتوزع عليه وعليهم الهدايا والأموال والتي ترد من أهل الطالب ومعلميه واصدقائه وأهل الخير.
و لغرض الحرص على حفظ القرآن الكريم ودراسته فقد تم تقسيم القرآن إلى احزاب وأجزاء وارباع حيث الأحزاب ستون والأجزاء ثلاثون والأرباع (240) وتم تقسيم كل سورة إلى خمسيات (خمس آيات) وعشرات (عشر آيات) اضافة إلى تقسيم القرآن إلى :
1- الطوال وهي سبع.
2- المئين وهي التي تزيد على المائة.
3- المثاني وهي التي تزيد تليها في عدد الآيات.
4- المفصّل لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة وتبدأ من سورة (ق) أو الحجرات إلى نهاية القرآن ..
هذا وقد اصطلح الناس الآن على ان يسمّوا من يقرأ القرآن عن ظهر قلب ووفق قواعد التجويد ب «الحافظ» ولمن يقرأ من المصحف وفق تلك القواعد ب «القارئ» أو «المقرئ» ..
علما بان «القراءة في المصحف تعتبر اكثر أجرا واجزل ثوابا من القراءة عن ظهر قلب» (2) لأن الأولى تجمع بالاضافة إلى القراءة النظر إلى القرآن، بينما تفتقر الثانية على القراءة فقط (3) , لأن النظر إلى القرآن أو (في القرآن) عبادة ..
وطبيعي ان مجرد النظر الى القرآن ليس هو فقط سبب الثواب وعلة الأجر وانما هو وسيلة وطريقة للاحتفاظ بالمصحف والاعتناء به وربما نسخه، بينما القراءة عن ظهر قلب قد تؤدي إلى قلة الحاجة إلى نسخ القرآن وبالتالي ندرتها وفقدانها بمرور الزمن ..
ويذكر هنا ان الصحابة كانوا يقرءون في المصحف ويكرهون ان يمر يوم ولم يمتّعوا انظارهم برؤية المصحف الشريف (4)..
كما وكانوا يقرءون الآيات تجويدا والتجويد هو «اعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ورد الحرف إلى مخرجه واصله وتلطيف النطق به على كمال هيئة من غير اسراف ولا تعسف ولا افراط ولا تكلف» (5).
وقد تطورت طريقة تلاوة القرآن بمرور الزمن واتجهت نحو التحسين والكمال، وقد امكن بذلك جمع القواعد والضوابط والمحسنات لهذه القراءة الكاملة في باب خاص دعي ب «علم التجويد» ..
ان هذا العلم وان كان غير واجب الالمام بتفاصيله ودقائقه لمن يقرأ في القرآن أو يقرأ بعض سوره في الصلوات، إلا ان معرفة ودراسة قواعده العامة واوّلياته- أي مراعاة الوقف التام والحسن والاتيان بالحروف على الهيئات المعتبرة ... الخ- واجب وضروري لكل هؤلاء ..
وقد ذهب البعض إلى انه يجب الامتناع عن قراءة القرآن الكريم دون العلم المسبق بالف باء وقواعد التجويد العامة، لأن الالمام بذلك سيجنّب القارئ الأخطاء والمزالق عند القراءة والتجويد حيث سيقف في محلات الوقوف ويعطي كل حرف حقه فضلا عن الادغام في حروف «يرملون» (6)... الخ وفي الحقيقة فان خير قراءة للقرآن تلك التي تكون اشد تأثيرا في النفس وخشوعا في الفكر والبصيرة وهذه لا تتم إلا بحضور القلب وتدبر لمعاني الكلمات والتفكر في مقاصدها واهدافها والانفصال في مضامينها بعد الكون على الطهارة والاستعاذة من الشيطان الرجيم ..
علما بان «الاستعاذة عند التلاوة مستحبة غير واجبة بلا خلاف في الصلاة وخارج الصلاة» (7). وان «لا يقرأ العبد القرآن اذا كان على غير طهور حتى يتطهر» (8)..
و نشير إلى ان القراءة المثلى للقرآن وسبيلها الصحيح ينبغي ان تكون وفقا لما قاله الشاعر الباكستاني المسلم الدكتور محمد اقبال (9) وهو «اذا اردت ان تفقه القرآن، عليك ان تقرأه كأنه نزل عليك وكأنك أنت الخاطب الرئيسي فيه والمعني به» ..
أو كما قال الامام محمد عبده (10) حاكيا عن نفسه :
«اني عند ما أسمع القرآن أو اتلوه أحسب اني في زمن الوحي وان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ينطق به كما انزل عليه- أو نزل به عليه» ....
أما بصدد كتابة وطبع المصاحف فقد تطوّرت وتدرّجت منذ القدم- حيث يحتاج الكاتب حينئذاك الى مدة طويلة لكتابة مصحف واحد- حتى هذا الوقت والذي يمكن فيه طبع آلاف النسخ كل يوم وهذا التطور والتدرج قد تم على الوجه التالي :
لقد كانت المصاحف في صدر الاسلام لا تباع بالمرة (11) وانما يأتي الرجل بورقة بيضاء عند المنبر في المسجد فيقوم المحتسب فيكتب له من أول سورة البقرة حتى يأتي غيره لإكمال ما ابتدأه الأول وهكذا حتى يتم تدوين المصحف (12)..
وعلى هذه الطريقة سار الحال لفترة قصيرة حتى تطلب الوضع الجديد وجود كثيرين من المؤمنين والصالحين يتفرغون للكتابة المصاحف نظرا لعدم اختراع المصاحف بعد .. وقد كان البعض من هؤلاء يكتب مصحفا واحدا أو خمسة أو عشرة في العمر، كما وتمكن قلائل من كتابة مائة مصحف في حياتهم ، حيث كان الواحد منهم يحتفظ لنفسه بنسخة من هذه المصاحف ويقدم البقية كهدية إلى المساجد والتكايا ودور العلم ومعاهد التدريس طلبا للأجر والتماسا للثواب من عند اللّه تعالى ..
وطبيعي ان هذا العمل- الكتابة- كان يحتاج إلى صبر طويل ومجهود شاق فضلا عن الأموال والامكانيات المطلوبة لتغطية نفقات الصرف طيلة سنوات الكتابة والتدوين ..
ولو لا ان قلوب هؤلاء الكتاب كانت عامرة بالتقوى والأمل برحمة اللّه تعالى ورضوانه لما كان في مكنة الواحد منهم خط أو كتابة هذا القدر من المصاحف الكريمة ومراجعتها من بعد ذلك من أجل تصحيح كل ما قد يقع فيها من أغلاط كتابية والتباسات وردت سهوا عند الكتابة ..
كما وقد اسهم الخطاطون المسلمون بدورهم في تجويد القرآن وتحسين خطه وكتابته، فقد ظهر جملة من هؤلاء الخطاطين ممن اشتهر بجمال الخط وبديع الرسم وبراعة التصوير، مما اكسب الخط القرآني جمالا وروعة ..
ولا يخفى هنا ان الخط هو من الصنائع المدنية والتقدمية وانه يتطور بتطور المجتمع وعمرانه وثقافته وفنونه، لذا كان امرا طبيعيا ان يتطور الخط والكتابة بتطور المجتمع العربي والاسلامي وان يواكب مسيره وتقدمه ..
لقد كان العرب قبيل الاسلام يكتبون بالخط الحيري- نسبة إلى الحيرة- وهو الخط السرياني ثم سمّي هذا الخط أو نشأ عنه بعد الاسلام ما يسمى بالخط الكوفي (13) (أو النبطي)، وقد ظل الخطاطون يكتبون المصاحف بالخط الكوفي هذا حتى مطلع القرن الخامس الهجري، ثم صاروا يكتبونها بخط الثلث حتى القرن الثامن أو التاسع الهجريين على الأكثر، ولما ظهر خط النسخ الذي هو أجمل الخطوط وهو اساس الخط العربي إلى اليوم صاروا يكتبونها به إلى عصرنا الحاضر ..
وكان القرآن يضم حينئذ كافة النقط والحركات التي لا نزال نستعملها حتى الآن في كتاباتنا من دونما زيادة أو نقصان (14)..
هذا وقد كان الملوك والسلاطين وارباب المال في السابق ينفقون المبالغ بسخاء وكرم في سبيل اقتناء أندر المصاحف الخطية والتي كتبها عظماء الخطاطين ومشهوريهم، كما وكانوا يوعزون اليهم أو لغيرهم بتذهيب المسافات والمساحات التي تفصل ما بين السطور أو التي تقع ما بين الكتابة واطراف الورقة ..
كما وحرص هؤلاء وغيرهم من المسلمين على تجليد هذه المصاحف تجليدا فنيا ودقيقا محافظة على الأوراق داخلها من ان تسقط أو تتمزق، فضلا عن اعطاء المصاحف منظرا جميلا وجذابا ..
وكان هؤلاء ينفقون على هذا التجليد- أو التفسير كما يعرف في بلاد المغرب- وخصوصا في رسم اللوحات والتقاسيم الهندسية والفنية على اغلفة المصاحف الخارجية هذه والتي لا تقل روعة وجمالا عن تلك اللوحات التي نجدها الآن على واجهة السجاد الكاشاني والكرماني، كانوا ينفقون على كل هذه مبالغ جسيمة من المال ..
كما وادى تبرّك المسلمين بتلاوة المصحف إلى ابتكار وسيلة تتفق مع جلستهم الشرقية وتجعل المصحف في وضع مكرم له ومريح لهم إلى صنع الرحلة- كرسي المصحف- وذلك من لوحين من الخشب متداخلين بطريقة التعشيق من الوسط كأنهما كفان قد شبكت اصابعهما وتفننوا في زخرفة هاتين اللوحتين بالزخاريف النباتية والكتابات المختلفة (15)..
ولأجل حفظ المصحف في مكان أمين ونظيف عند عدم الحاجة إلى قراءته- اي بعد الفراغ من قراءته- صنع المسلمون صناديق من الخشب المطعم بالنحاس أو الفضة أو بالزخاريف المختلفة حتى اصبحت تحفة فنية يشار لها بالبنان (16)..
وكان الملوك والسلاطين وارباب المال المشار اليهم وغيرهم من رجال المسلمين حين كانت المصاحف خطية ولم تطبع بعد يحرصون على مراجعة مصاحفهم بأنفسهم أو عن طريق الآخرين لأجل تصحيح أو التثبت من عدم وجود أية غلطة نحوية قد ترد فيها أو نتيجة سهو أو غفلة قد يقع فيه الكاتب أو الخطاط عند كتابته لهذه المصاحف ..
ونذكر بهذه المناسبة هنا ان أحد الملوك السالفين كان قد وضع جائزة ثمينة تدفع على الفور لكل شخص يعثر على غلطة كتبت في مصحفه الخطي سهوا، وكان قد وضع هذا المصحف في متناول كل شخص يطلبه لقراءته وملاحظته للفوز بالجائزة الموعودة ..
وقد تعب جمع كبير من الناس في تصفّحه وتلاوته من دونما طائل، حتى تمكن أحد المخطوطين من العثور- بعد جهد جهيد- على التباس بسيط كان قد جرى عند كتابة الآية التالية من قبل الكاتب، والآية الكريمة كاملة هي : {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص : 23]..
والالتباس هذا قد ورد عن طريق تقديم الجيم على العين في لفظة «النعجة» الثانية فكانت «نجعة» فنال بسببها صاحب الحظ السعيد هذا على الجائزة كاملة مع تقدير الملك واعجاب المسلمين به ..و لم يكتفي هذا المحظوظ بجائزته بل اعاد الكرة لعل طموحه يوصله إلى نيل جائزة أخرى، إلا ان جهوده مع جهود غيره بائت بالفشل والخسران ..
وقد كان هؤلاء الملوك والسلاطين والأمراء يحتفظون بمثل هذه المصاحف الثمينة لديهم لتبقى اثرا خالدا وذكرا حميدا، وقليل منهم من كان يبغي القربة- من وراء ذلك- أو الفوز برضوان اللّه. بينما البقية كانت تفعل ذلك ليقال بان الملك الفلاني يحتفظ بأثمن واندر مصحف في العالم وان الأمير الفلاني عنده أجمل وابدع مصحف في البلد من دون ان يقوم هذا أو ذاك بقراءته يوميا (17) أو تطبيق احكامه عليه وعلى رعيته.
علما بان اختراع المطابع- كما سيرد تفصيله بعد قليل- وضبط طباعة المصاحف عند الطبع قد أراحت المسلمين والحكام من الاحتفاظ بالمصاحف الخطية إلا ما ندر، فضلا عن انتفاء الجهد والعناء لمراجعتها وتحسين خطها وتذهيبها ..
وبصدد لمس القرآن وحروفه فالوارد انه لا يجوز لغير المتطهر أن يلمس كتابة القرآن ولو كانت هذه الكتابة حرفا واحدا فقط، ولا ضير عليه هنا من لمس جلد القرآن واطراف صفحاته دون حروفه، كما وله القراءة فيه أو عن ظهر قلب وان كان يستحسن له ويفضل ان يكون على طهارة ..
وبصدد المجنب- سواء من الحلال أو الحرام- فيكره له القراءة في القرآن مطلقا حتى يتطهّر بالغسل وذهب كثيرا إلى حرمة ذلك (18)..
كما ويكره له قراءة اكثر من سبع آيات عن ظهر قلب وكلما زاد في القراءة على ذلك تضاعفت هذه الكراهة ..
اما آيات السجدة فلا يجوز للمجنب قراءة أي شيء منها بتاتا، وعند قراءتها من قبل غير المجنب فعليه ان يسجد على الأرض أو الفراش وعلى كل من يسمع هذه الآيات تتلى ان يقوم بدوره بالسجود على الأرض، حيث ان حكم القارئ والمستمع لها في السجود سواء (19)..
وقيل هنا ان حكم آيات السجدة تسري حتى على اولئك الذين يسمعون تلاوتها من المذياع أو مكبرة الصوت ونحوهما.
اما عن طباعة المصحف الشريف فنشير إلى ان اختراع المطابع تم في المانية عام 1431 م (20) ، وكانت حينئذ بصورتها البدائية والأولية، وقد مضى عليها فترة طويلة حتى تطورت وتحسنت، ثم دخلت بعد ذلك إلى ايطالية وفرنسة وبريطانية وبعد ذلك بفترة طويلة انتشرت في سائر انحاء العالم ..
وأول ما طبع القرآن الكريم كان في مدينة البندقية (فينيسية) بإيطالية عام 1530 م ولكن السلطات الكنسية التي كانت تتمتع حينئذ بسلطات ونفوذ مطلق اصدرت حكما قاسيا وشديدا يقضي بإعدام نسخه واتلافها وهي لا تزال في المهد ولم ير النور بعد، لذا لم تتسرب منه أية نسخة إلى اي بقعة من اطراف العالم (21)..
وبعد ذلك بحوالي قرن ونصف اي في سنة 1694 الموافق لسنة 1113 هجرية تمكنت احدى مطابع هامبورغ بالمانية من طبع المصحف الشريف، ثم بعد ذلك بأربع سنوات طبع المصحف في مدينة باردو في فرنسة ..
ويقال بصدد نسخ المصحفين الانفين انه لم يعد لهما ذكر ولا وجود في كافة انحاء العالم الاسلامي وغير الاسلامي أيضا عدا نسخة واحدة منهما قيل انها موجودة الآن في دواليب دار الكتب المصرية بالقاهرة، ولا نعلم على وجه اليقين كيف تسربت هذه النسخة إلى هناك ولم تصل إلى هناك ولم تصل إلى أية مكتبة اخرى في العالم ..
والظاهر هنا مما تقدم ان الطبعات الأولى للقرآن كانت في محيط اوروبا وفي نطاق محدود بسبب عدم وصول المطابع وانتشارها في العالم الاسلامي، فضلا عن ان طبعه هناك لم يكن لهدف أو غرض روحي أو ديني وانما كانت تطبع هناك نسخ محدودة بقصد الاحتفاظ بقسم منها كأثر تاريخي ثمين أو تقديم بعضها إلى أحد سلاطين وملوك المسلمين في ذلك الوقت بقصد ضمان امتيازات خاصة في بلادهم أو أمل الحصول على مبالغ طائلة من المال ..
لذا نرى انقراض أو ندرة هذه الطبعات من القرآن الكريم من الوجود ..
اما عن طباعة المصاحف في العالم الاسلامي أو بقول آخر عن الطباعة التي تولاها المسلمون فنشير إلى ان أول طبعة اسلامية خالصة للقرآن قد قام بها مولاي عثمان في مدينة لينغراد في روسيا القيصرية عام 1787 م، وظهرت اثرها طبعة تماثلها في مدينة قزان بجنوب روسيا، ثم طبع القرآن بعد ذلك طبعة هجرية في طهران عام 1828 م وذلك في عهد الملك فتح علي شاه القاجاري (22)..
ثم ظهرت اثر ذلك طبعات عديدة للقرآن الكريم في مدينة حيدرآباد بالهند، وبعد ذلك طبع المصحف في مدينة الآستانة (اسطنبول) حاضرة الخلافة العثمانية عام 1877 م (23) وبعدها انتشرت طباعة المصاحف في مصر وبقية اطراف العالم الاسلامي وبشكل موسّع ومتقن ..
و لعل اجمل الطبعات الحديثة للقرآن الكريم وادقها هي التي ظهرت عام 1342 هـ المصادف لعام 1923 م بمصر وبأشراف مشيخة الأزهر واقرار اللجنة المؤلفة من قبل الملك فؤاد الأول (24) (ملك مصر السابق) وقد كتب وضبط على ما يوافق رواية حفص لقراءة عاصم، حيث تلقى المسلمون هذه الطبعة بالقبول والاستحسان واوشكت النسخ التي تطبع وتصوّر من عليها ان تكون اكثر واوسع من اي طبعة اخرى متداولة بين المسلمين، لأجماع العلماء والفقهاء في مشارق الأرض ومغاربها على الدقة والضبط الذي يتحلى بها في رسمه وكتابته ..
كما وهناك طبعات دقيقة وانيقة لمصاحف تم طبعها في بغداد ودمشق وبيروت وطرابلس وطهران وكراجي وحيدرآباد بالهند ...
وغيرها.
واحدثها هو «مصحف المدينة النبوية» والذي طبع في المملكة العربية السعودية بتوجيه وايعاز من خادم الحرمين فهد بن عبد العزيز آل سعود ...
__________________________
(1) دوّن بعض المؤرخين في كتبهم اسماء كافة السور القرآنية ووضعوا أمام كل سورة مقدار الثواب والجزاء الذي سيناله المرء عند إتمام قراءتها مثل مائة حجة مقبولة أو صيام مائة شهر أو قيام ألف ليلة أو وزن كل سحاب مضى وكل سحاب أتى أو عشر حسنات بعدد المؤمنين والمنافقين أو عشر حسنات بعدد كل رملة على وجه الأرض أو كمن بايع تحت الشجرة مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو حاسبه اللّه حسابا يسيرا أو سقاه اللّه من الرحيق المختوم أو لم يكتب من الغافلين .. الخ (مقدمتان في علوم القرآن- آرثر جفري) والحقيقة إن كل هذا هو مبالغة قبل أن يكون واقعا، فلكل سورة أجر وثواب عظيمين ولكن ليس كما هو مدوّن عند هؤلاء الناس .. والظاهر هنا انها وضعت حسبة من قبل واحد أو أكثر(بعد ان انقطع الناس إلى صحيح البخاري وصحيح مسلم وتركوا القرآن) لأجل حث وترغيب الأفراد على قراءة القرآن وتفضيله على ما عداه فأخذها المؤرخون كحقيقة مسلم بها.
(2) البيان في تفسير القرآن- السيد ابو القاسم الخوئي، التبيان في آداب حملة القرآن - يحيى شرف الدين النووي.
(3) البرهان في علوم القرآن- بدر الدين الزركشي.
(4) يروى عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الصدد قوله:« فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرؤه ظهرا كفضل الفريضة على النافلة».
ويروى أن إسحاق بن عمار سأل الإمام الصادق(عليه السلام)و قال له: جعلت فداك إني أحفظ القرآن عن ظهر قلبي، فأقرؤه عن ظهر قلبي أفضل أو أنظر في المصحف، فأجابه الإمام : لا بل أقرأه وانظر في المصحف فهو أفضل أما علمت أن النظر في المصحف عبادة ..
(5) مباحث في علوم القرآن- مناع القطان.
(6) من الأمثلة التي تعم فيها البلوى في القراءة نورد بعض النقاط التي ينبغي الالتزام بها والتقيد بمضمونها ..
على القارئ الكريم عند القراءة أن يسكن الحرف الذي يقع في نهاية كل لفظ أو جملة يقف عندها، كما وعليه أيضا إذا التقى لديه حرفان من حروف(يرملون) الستة أن يدغم الحرف الأول (فلا يقرءوه) في الحرف الثاني الذي عليه أن يقرأه ويظهر صوته، وكمثل بسيط على ذلك هو أنه قد قرأ الآية { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} أن يدغم النون باللام لتقرأ الآية هكذا « ولم يكل له كفوا أحد» ... وهكذا في بقية الحالات المماثلة ..
(7) مجمع البيان في تفسير القرآن- أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي.
(8) وسائل الشيعة - الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي.
(9) العلامة محمد إقبال علم من أعلام الإسلام في هذا القرن وقائد من قادة الفكر النيّر في الشرق ورائد من رواد الإنسانية أوقف عقله وقلبه للمسلمين وللناس جميعا ..
ولد في مدينة سيالكوت عام 1876 م، ويرجع نسبه إلى سلالة وثنية أسلم أحد أجداده قبل 3 قرون، وبعد إنهائه للدراسة الثانوية في 1895 م انتقل إلى لاهور ليدخل في جامعتها (جامعة البنجاب) ثم التحق بجامعة كمبردج عام 1905 فنال منها شهادة الفلسفة الاخلاقية. ثم تابع دراسته في جامعة ميونيخ حيث نال فيها شهادة الدكتوراة عام 1908 م وكانت رسالته« تطور الميتافيزيقيا- ما وراء الطبيعة- في بلاد فارس» ..
وكان إقبال من الدعاة الأوائل لقيام الباكستان من الولايات والأقاليم التي تقطنها الأكثرية المسلمة سواء في شعره أو نثره أو خطبه، وكان أول ما صرّح به بصدد قيام الباكستان هو ما جاء في الخطاب المسهب الذي ألقاه عام 1930 م في اجتماع الرابطة الإسلامية الذي انعقد في مدينة اللّهآباد، إلّا أن هذه الفكرة لم تؤيدها الرابطة ولم تتبناها إلّا بعد عشر سنوات أي في عام 1940 وفي خلال اجتماع الرابطة في لاهور وصدور البيان الختامي في 23/ 3/ 1940 م بضرورة إيجاد حكومة ديموقراطية إسلامية تجمع بين الولايات والأقاليم التي للمسلمين فيها أكثرية ..
اشترك إقبال في مؤتمر الطاولة المستديرة الذي عقد في لندن عامي 1931 و1932 لتقرير مستقبل الهند.
توفي في 21/ 4/ 1938 وكان آخر ما قاله قبل رحيله« إن المسلم يلقى الموت مسرورا وإن المسلم لا يرهب الموت وإذا جاءه لقيه مسرورا» .. ودفن في مقبرة ضخمة تقع قرب مسجد البادشاهي في لاهور ..
توفي إقبال دون أن يرى الباكستان الذي كان أول من دعا إليها وحرص على قيامها ..
ولقد تم الإشارة إلى حياة هذا المفكر الإسلامي بصورة مفصلة في كتابنا« أضواء على شبه القارة الهندية» ..
(10) ولد محمد عبده في مصر عام 1848 ويرجع نسبه إلى الترك، تعلم القراءة في منزله ثم دخل في المسجد الأحمدي بطنطا لتعلم تجويد القرآن ثم انتقل إلى مجالس العلم بنفس المسجد، ثم انقطع عن طلب العلم لتردي طريقة التعليم وعاد إلى مدينته ليمارس الزراعة فيها، ويلتقي به أحد أقاربه فيحبّب له العودة لطلب العلم فيعود إلى طنطا لتلقي العلم فيها حيث اشتهر بين الطلاب بذكائه، ثم التحق بالأزهر من عام 1865 إلى 1877 ليصبح بعد ذلك مدرسا فيه وقد قال عن نفسه - فيما بعد- يصف تلك المرحلة« أنه قضى أثني عشر عاما في الأزهر ولكنه قضى حياته كلها بعد ذلك يحاول تنظيف عقله مما حفظه في هذه السنوات الاثني عشرة» وكان خلال وجوده في الأزهر يطالب بإصلاحه وتجديد مناهج التعليم فيه والخروج على طرق التدريس العقيمة السائدة، ثم عمل على إيقاظ الأمة وتوعيتها ودعا لتكوين نشء جديد يصارع الطغيان والاستبداد ويعمل لاقرار العدل والسلام، واثرها حكم عليه وفي عام 1882 بالنفي من مصر ثلاث سنوات فرحل إلى بيروت ثم إلى باريس حيث التقى في باريس بجمال الدين الافغاني وأسس معه جمعية العروة الوثقى ومجلتها، ثم رحل إلى بيروت ليتعد عن العمل السياسي إلى التأليف حيث كتب شرح نهج البلاغة ومقامات بديع الزمان وبدأ في شرح القرآن إلّا أنه تركه لحصوله على السماح بالعودة إلى مصر، فعاد إليها عام 1888، وتقلّد فيها مناصب مختلفة كمستشار في محكمة الاستئناف ثم عضوا في مجلس الشورى ثم مفتيا للديار المصرية وعضوا في مجلس إدارة الأزهر، فقام بإصلاح المحاكم الشرعية والأزهر بإدخال العلوم الحديثة في مناهج التعليم فيه، إلّا أنه جوبه بمعارضة الخديوي عباس حلمي والمشايخ وخصومه التقليديين، فحورب محاربة شعواء، وقد قاوم الشيخ ذلك إلى أن تحطمت أعصابه وأصبح نهبا لليأس والقنوط، ثم أخذت قواه تتحطم شيئا فشيئا حتى اعترضه المرض ثم ما لبث أن رحل إلى جوار ربه في 21/ 7/ 1905 كشهيد الإصلاح والحرية وكثائر ومجاهد ضد الاستبداد والتسلط والاستعمار ..
وعلى فراش الموت نظم هذين البيتين:
ولست أبالي أن يقال محمد |
ابلّ ام اكتظت عليه المآتم |
|
ولكن دنيا قد أردت صلاحه |
مخافة أن تقضي عليه العمائم |
|
(11) بصدد بيع وشراء المصاحف ورد في الخبر أنه إذا أردت أن تشتري مصحفا فقل اشتري منك ورقه وأديمه والدفتين وعمل يدك بكذا وكذا ..
(12) تاريخ القرآن - محمد طاهر الكردي.
(13) الفهرست - ابن النديم.
(14) تاريخ القرآن - أبي عبد اللّه الزنجاني.
(15) المصحف الشريف - الدكتور محمد عبد العزيز مرزوق.
(16) المصحف الشريف - الدكتور محمد عبد العزيز مرزوق.
(17) في الأثر : هناك ثلاثة يشكون إلى اللّه تعالى:
1- مسجد خراب لا يصلي فيه أهله.
2- عالم بين جهال.
3- مصحف معلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه.
(18) علوم القرآن - أحمد عادل كمال، آداب حملة القرآن - يحيى شرف الدين
(19) هناك دعاء خاص يقرأ عند السجود استحبابا وهو« لا إله إلّا اللّه حقا حقا، لا إله إلّا اللّه إيمانا وتصديقا، لا إله إلّا اللّه عبودية ورقا، سجدت لك ربي تعبدا ورقا لا مستكبرا ولا مستنكفا، وها أنا ذا عبد ذليل فقير مسكين بك مستجير» كما وهناك أدعية أخرى يخيّر المرء بقراءة أحدها ..
(20) كان فن الطباعة معروفا في شرق آسيا قبل مدة طويلة من اختراع المطابع خلال القرن الخامس عشر في اوربا، وقد كان أهل الصين في القرن الحادي عشر يستخدمون مطبعة مصنوعة من الخزف الصيني، كما أنهم طبعوا كتابا للصلاة في سنة 898 م ..
(21) تاريخ القرآن- محمد طاهر الكردي.
(22) القاجاريون هي العائلة التي حكمت إيران للفترة من (1795- 1924) ومن أشهر ملوكها هو فتح على شاه (1797- 1834) ومحمد شاه وناصر الدين شاه (1847- 1896) ومظفر الدين شاه (1896- 1907) ومحمد علي شاه (1907- 1908) وأحمد شاه والذي أطاح به رضا شاه الكبير (والد الشاه محمد رضا بهلوي) سنة 1923 وتوّج نفسه ملكا على ايران عام 1926، وقد اتخذوا جميعا طهران عاصمة لملكهم، علما بأن عائلة الزنديون هم الذين كانوا يحكمون إيران قبل القاجاريين وللفترة من (1750- 1794) ورئيسها هو كريم خان زند الذي اتخذ مدينة شيراز حاضرة لملكه ..
وقبل الزنديين حكم الأفشاريون إيران وللفترة من (1736- 1747) برئاسة مؤسسها نادر شاه الذي فتح غزنة وكابل ودلهي واستولى على كنوز الأخيرة ومن غنائمه هناك عرش الطاوس الموجود حاليا في قصر كلستان بطهران وكثير من مخلفات العائلة المغولية الحاكمة في الهند، وقد اتخذ مدينة مشهد عاصمة له، ولنادرشاه قلي قبر ونصب جميل في عاصمة ملكه مشهد ..
وقبل الافشاريين كان الصفويون هم الحاكم لإيران وللفترة (1502- 1736) ومؤسس هذه العائلة هو الشاه إسماعيل الصفوي (1502- 1524) والشاه عباس الكبير (1587) وقد اتخذوا أصفهان عاصمة لهم بعد أن كانت قزوين وقبلها تبريز هي العاصمة ..
أما غالبية قبورهم فتضمها مدينة أردبيل لأنها مسقط رأسهم ..
(23) دخلت المطابع إلى تركية في عهد السلطان أحمد الثالث، وقد منع الأخير طبع المصاحف بالمطبعة لأسباب لا نعرف حقيقتها على الرغم من إفتاء مشيخة الإسلام بجواز استعمال المطابع للطبع .. وفي عهد خلفه السلطان عبد الحميد الأول أجيز طبع المصاحف بالمطبعة، وفي عهد خلفه السلطان محمود الأول زاد الاهتمام والعناية الكبيرة بطبعها ..
(24) توفي الملك فؤاد الأول عام 1936 وخلفه على العرش ولده الملك فاروق الذي أطاح به الجيش المصري صبيحة يوم 23 تموز 1952 ..
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
قسم التربية والتعليم يكرّم الطلبة الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|