أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-9-2016
2001
التاريخ:
1331
التاريخ: 27-12-2020
1911
التاريخ: 18-10-2016
2813
|
1. علاقة التدوين التأريخي والجغرافي بالدين:
أ. التدوين التأريخي:
كان الاعتقاد أن بدايات التأريخ والتدوين التأريخي كانت في بلاد اليونان على يد المؤرخ هيرودوت - القرن الرابع ق.م - غير أن المكتشفات الحديثة في العراق وقراءة النصوص المسمارية السومرية البابلية الكثيرة أظهرت بشكل واضح بأن لسكان وادي الرافدين القدماء قصب السبق في هذا المجال كغيره من مجالات العلم والمعرفة، ومع أن المفاهيم والقواعد العلمية في تدوين التأريخ كالنقد والتفسير والتحليل لم تكن معروفة آنذاك، إلا أنه برز عند القوم أهم الأهداف التي تميز التأريخ بوجه عام "الحس التأريخي"، أي الاهتمام بتسجيل تجارب الأجيال الماضية وخبراتها ومنها أعمال الملوك والحكام، ومحاولة تفسير التأريخ البشري العام بالرموز الأسطورية مثل خلق الإنسان ومكانته في نظام الكون والحياة وظهور المجتمع وأنظمة الحكم (1).
وما يظهر أسبقية السومريين والبابليين في التدوين ما ورد في ملحمة جلجامش:
هو الذي رأى كل شئ فغنى بذكره يا بلادي
وهو الذي عرف جميع الأشياء وأفاد من عبرها
وهو الحكيم العارف بكل شيء
لقد أبصر الأسرار وعرف الخفايا المكتومة
وجاء بأنباء أزمات ما قبل الطوفان
فنقش في نصب من الحجر كل ما عاناه وخبره (2)
وقد ألف الكتبة إثباتا بالحوادث المؤرخ بها، حيث جمعوا حوادث كل ملك أو أكثر من ملك في ثبت خاص متسلسل ابتداء من ثبوته العرش (3) عرفت بجداول أول سلالات الملوك التي حكمت البلاد، وأوسعها ما يسمى بجداول الملوك السومرية، وهي أوسع جداول بأسماء الملوك والسلالات التي حكمت وادي الرافدين منذ أزمان ما قبل الطوفان إلى سلالة أيسن أولى سلالة العصر البابلي القديم، وهناك جداول مختصرة من السلالات الحاكمة مثل جداول الملوك البابليين وأشهرها الجدول المتضمن سلالة بابل الأولى التي اشتهرت بملكها السادس حمورابي(4).
وقد احتلت قائمة الملوك السومرية مكانة استثنائية، ذلك أنها تميزت بالطابع الأسطوري إذ تتميز بطول فترة حكم ملك من الملوك الذي حكم قبل الطوفان، فبعد أن نزل الحكم من السماء أصبحت أريدو مركزا للحكم، وحكم "ألوليم" في أريدو 28800 سنة، وامتد حكم "ألالجار" 26000 سنة، وحكم البلاد ملكان آخران مدة 64800 سنة، وبعد أن هجرت أريدو وانتقل الحكم إلى مدينة بادتيبرا، حيث حكم "انيمين لوانا" مدة 43200 سنة، وتنص قائمة قديمة أن عدد الملوك الذين حكموا في عهد ما قبل الطوفان بلغ ثمانية حكموا في خمس مدن لمدة 241200 سنة، وقد تقلصت مدة الحكم بعد الطوفان، فابتداء من السلالة الثامنة بعد الطوفان أصبحت فترة الحكم مقاربة للحقيقة عدا بعض الحالات (5).
ويستند التدوين التأريخي إلى الاعتقاد بأن أسباب التحولات التاريخية تعود إلى إرادة الآلهة التي تعاقب على الذنوب(6)، والتي أمرت الإنسان بالحفاظ على تاريخه وهو ما ينعكس في رواية بيرسوس(7) الخاصة بالطوفان, والتي مفادها أن رجل الطوفان أوتنابيشتم (زيوسودرا في النسخة السومرية) تلقى إشعار من الإله بقرب حلول الفيضان وأمر بحفر حفر يدفن فيها أول ووسط ونهاية الكتابات، أي كل ما بحوزته من ألواح مكتوبة، وأن رجل الطوفان نفذ الأمر الإلهي ودفن كل الكتابات في مدينة سبار(اليوسفية) ويذكر بيرسوس أيضا أنه بعد انتهاء الطوفان سمع الناس هاتفا يأمرهم بأن يتوجهوا إلى أرض بابل ليستعيدوا الكتابات المدفونة وينشروها بين الناس.
وقد كان هذا الأمر الإلهي بدفن الألواح المكتوبة بالذات دون غيرها دليلا واضحا على أهمية تلك الألواح، فلو قدر لها أن تضيع أو تتلف بسبب كارثة الطوفان لفقد الإنسان أغلى ما عنده وهو تاريخه وبالتالي نتاجه العلمي والأدبي(8).
وقد حرص النساخ (الكهنة) دائما على أن يتركوا في نهاية معظم النصوص المسمارية هامشا أو تذييلا كان الهدف منه الحفاظ على إرثهم التاريخي، فقد كانوا يثبتون في هذه الهوامش ديباجة تنص في معظم الأحيان على أنه نقل من النسخة الأصلية مع ذكر اسم الناسخ وتاريخ الاستنساخ ولأمر من تم ذلك، ثم استنزال لعنة الآلهة على كل من يحاول تحريف النص أو أخذه وإتلافه، ونقرأ في قصة مكائد جميل يسين في نفر التذييل التالي:
كتب ودقق وفق النسخة الأصلية
الناسخ بنو-رختو-أصر
الناسخ المساعد، عضو مجمع
أمين القصر لأمر تدري-زكال
كل من يأخذ الرقيم عسى أن يأخذه أيا
بأمر من بنو الذي يسكن معبد ايزيدا
وعسى أن لا يكون له نسل أو خلق
في شهر آذار اليوم الحادي والعشرين من سنة...
فذلك محرم عند أيا ملك مياه العمق(9)
ومن النصوص التي توضح اهتمام السومريين والبابليين بالتأريخ الذي ارتبط بالمعتقد الديني هي الرسائل، خاصة منها الرسائل الملكية المقدمة للآلهة، وعادة ما يتحدث فيها الملوك عن الأعمال التي قاموا بها سواء كانت أعمال حرب وانتصارات... ومن هذه الرسائل رسالة من ماري قدمها إلى الإله الأمير يسمخ- أدد وفيها يذكر لنا هذا الأمير والأجيال الثلاثة التي سبقته على حكم ماري، ويعتقد الباحثون أن ذلك كان تقليدا يمارسه في تقديم الشكر أو طلب لمغفرة الذنوب وتلبية الرغبات، وقد انتقلت هذه العادة إلى الأشوريين بواسطة أشمي-داكان وشمشي أدد (10).
وفي هذا السياق أيضا يذكر نبونائيد عن تجديده لبناء معبد الإله سين في حران بأنه استظهر أسس ذلك المعبد التي كان قد أرساها الملك الأكدي نرام- سين والتي تعود إلى1500 سنة مرت (11)، وفضلا عن ذلك كله فقد وجد نوع آخر من النصوص التي أمدتنا بمعارف سكان وادي الرافدين عن التأريخ وهي نصوص العرافة والتي ارتبطت مباشرة بالأمور الدينية والسحرية (12).
وبالرغم من الصبغة الدينية التي تحاط بها مثل هذه النصوص إلا أنها تخبرنا بأحداث تاريخية كاملة مثلها مثل نصوص الحوليات التي تذكر الحوادث عاما بعد عام عند تدوين الأخبار والتي يعود أقدمها إلى زمن حكم الملك السومري أنتمينا وتخبرنا عن المعارك التي دارت بين دولة لكش وأوما، ويستعرض فيها الملك الأحداث التي سبقت عهده... وما خلفه البابليون من المدونات التاريخية التي تعرف بكتب الأخبار(13).
ب. الجغرافيا:
لم يقتصر اهتمام السومريين والبابليين على المعارف التاريخية وحدها، بل فكروا في مختلف النواحي العلمية، ومن أهم ما عنوا به محاولة التعرف على الكون، ومكان بلادهم منه وما حواه من بلاد أخرى (14)، فقد تصور البابليون أن الأرض وما فيها صورة أو نسخة لما في السماء، فالفرات ودجلة وجميع الأرض والبلدان وحتى المعابد صور ثانية لما هو في السماء، وتصوروا الأرض بهيئة نصف كرة مقلوبة أو قبة طافية في المحيط (أو قفة مقلوبة)، وتعلو الأرض السماء وهي بثلاث طبقات أو سبع طبقات وهي كذلك بهيئة القبة، وتقوم السماء كالبيت فوق أساس موضعه في هذا الأفق الذي نراه، وسموا القسم العلوي من السماء بالمركز أو"كبد السماء", وأعلى نقطة فيه هو السمت ويحيط بالسماء البحر أو المحيط السماوي، وقسموا الأرض إلى ثلاث مناطق: المنطقة العليا هي الظاهرة التي يسكن فيها البشر والوسطى موضع المياه ومنطقة إله المياه "أيا" ثم الأرض السفلى وفيها أرواح الموتى، وقد ورد في بعض المواضيع تقسيم السماء والأرض إلى سبع مناطق، وقسموا الأرض إلى جهات أصلية تقابل كل جهة قطرا عظيما من الأقطار وتسمى باسمه، فالجنوب بلاد عيلام، والشمال بلاد أكد والشرق بلاد السوباريين والكوتيين (الآشوريين) والغرب بلاد الأموريين (سوريا)(15).
ولعل أحسن ما يرينا مقدرتهم الجغرافية ما جاءنا عنهم من الخرائط المختلفة، فقد وجدت أقدم خريطة معروفة وهي خارطة مدينة نفر التي يرجع عهدها إلى الألف الثاني ق.م(16)، وتمثل هذه الخريطة الجزء الشرقي من مدينة نفر، ويظهر عليها اسم المدينة واسم نهر الفرات وأسماء قنوات الجداول التي تمر بها إضافة إلى بعض المعالم الرئيسية مثل معبد أي-كور والمخازن والسور والبوابات والخنادق المحيطة بالسور... (17) (انظر الملحق رقم 05 ص 179 )، وهناك أيضا خارطة بابل وسبار.
وقد تعدى البابليون رسم الخرائط ذات المساحات المحدودة إلى رسم خرائط الإقليم ومنها خارطة العالم المعروف لديهم آنذاك، وتصور هذه الخريطة الأرض وهي مدورة مسطحة وفي وسطها نهر الفرات، وقرب المركز وضعت بابل وفي جانب منها بلاد أشور وقد علت المدن والمواضيع على الخارطة بواسطة دوائر صغيرة ووضعت أسماؤها إلى جانبها، ويحيط بالقارة التي تمثلها هذه الخارطة النهر أو البحر المالح (18). (انظر الملحق رقم 06 ص 180).
____________
(1) فاضل عبد الواحد علي وآخرون، (العراق في التاريخ)، المرجع السابق، ص 225 .
(2) فاروق ناصر الراوي وآخرون، العلوم والمعارف، (حضارة العراق)، ج 2، المرجع السابق، ص 271 .
(3) طه باقر، (مقدمة في تاريخ الحضارات)، المرجع السابق، ص 320 .
(4) فاضل عبد الواحد علي، عامر سليمان، المرجع السابق، ص 167-168.
(5) كلكشوف، الحياة الروحية في بابل- الإنسان، المصير، الزمن- تر: عدنان عاكف حمودي، منشورات المدى، دمشق، 1995 ، ص 25 . أنظر كذلك: فاضل عبد الواحد علي, (الطوفان في المراجع المسمارية)، المرجع السابق، ص 18-19.
(6) نعيم فرح، المرجع السابق، ص 56 .
(7) بيرسوس: Berosous)) أحد كهنة مدينة بابل ويحتمل أنه كان كبير آلهتها (مردوخ) في القرن الثالث ق.م ولعل اسمه بالبابلية (برعوشا أو بروخوشا)، ويروى أنه عاصر الإسكندر الكبير، وقد ألف باليونانية كتابا ضخما ضمنه تاريخ بابل منذ الخليقة وحتى حكم الاسكندر بعنوان Babyloniaca أو بلاد بابل،Chaldaica لكن هذا الكتاب ضاع وبقيت شذرات منه في المصادر الكلاسيكية اليونانية. أنظر: خزعل الماجدي، بخور الآلهة- دراسة في الطب والسحر والأسطورة والدين- دار الأهلية، لبنان، 1998، ص 147، الهامش رقم 30.
8) سعيد إسماعيل علي، المرجع السابق، ص 141 .
(9) فاضل عبد الواحد علي، (من سومر إلى التوراة)، المرجع السابق، ص 113-114.
(10) فاروق ناصر الراوي وآخرون، المرجع السابق، ص 286.
(11) فاضل عبد الواحد علي، (من سومر إلى التوراة)، المرجع السابق، ص 112.
(12) فاروق ناصر الراوي وآخرون، المرجع السابق، ص 275 .
(13) نفسه، ص 277-278 .
(14) أبو المحاسن عصفور، المرجع السابق، ص 247-248 .
(15) طه باقر، (مقدمة في تاريخ الحضارات)، المرجع السابق، ص 325 . أنظر كذلك: جورج سارتون، المرجع السابق، ص 185.
(16) فاضل عبد الواحد علي وآخرون، (العراق في التاريخ)، المرجع السابق، ص 228 .
(17) فاروق ناصر الراوي وآخرون، المرجع السابق، ص 285 .
(18) فاصل عبد الواحد علي وآخرون، (العراق في التاريخ)، المرجع السابق، ص 228-229.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|