أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-1-2016
7728
التاريخ: 12-11-2020
3280
التاريخ: 4-1-2016
4561
التاريخ: 27-04-2015
3140
|
بعد تبينت معاني النسخ وشروطه وأين يتحقق وأين لا يتحقق، نشرع الآن بعرض الصور التي يمكن أن يتصور فيها النسخ ، وأي من هذه الصور والأصناف تجوز وأي منها لاتجوز ، حيث إن بعض أنواع النسخ تكون مرفوضة ويلزم منها توالي فاسدة ، وتتمحور هذه الأصناف حول الحكم والتلاوة، فتارة يكون المنسوخ هو التلاوة،واُخرى الحكم، وثالثة الاثنان معاً، فهذه ثلاث صور نشرحها تباعاً بشيء من التفصيل والبيان.
النسخ في القرآن يتصور على أقسام
الأول: نسخ الحكم والتلاوة معاً : بأن تسقط من القرآن آية كانت ذات حكم تشريعي وكان المسلمون يقرؤونها ويتعاطون حكمها ، ثم نسخت وبطل حكمها ومحيت عن صفحة الوجود رأساً وهذا النوع من النسخ مرفوض عندنا: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42].
والقائلون بهذا القول أستدلوا الى حديث عائشة ، قالت :
كان فيما اٌنزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرّمن ، ثم نسخن بـ(خمس معلومات ) قالت: وتوقي رسول الله (صلى الله عليه واله) وهن فيما يقرأ من القرآن.(1)
وكانت الصحيفة تحت السرير فاشتغلنا بدفن رسول الله (صلى الله عليه واله) فدخل داجن البيت فأكله(2). وهذا حديث واحد يرجع إلى التلاعب بالقرآن الكريم مضافة إلى أن هذا القول يرجع إلى القول بالتحريف ونسيان آية تتلى حتى وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله)، الأمر الذي ينكره جماعة المسلمين. ومعلوم أن بما ذكرته عائشة لا ينعدم حفظه من القلوب ولا يتعذر عليهم إثبانه في صحيفة أخرى، فعرفنا أنه لا أصل لهذا الحديث.
الثاني: نسخ التلاوة دون الحكم: بأن تسقط آية من القرآن الحكيم، كانت تقرأ، وكانت ذات حكم تشريعي، ثم نسیت و محبت عن صفحة الوجود لكن كان حكمها بقي مستمر غير منسوخ. وهذا النوع من النسخ أيضا مرفوض عندنا؛ لأن القائل بذلك إنما يتمسك بأخبار آحاد زعمها صحيحة الإسناد، وغفل عن أن نسخ آية محكمة شيء لا يمكن إثباته بأخبار آحاد لا تفيد سوى الظن و {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}.
هذا فضلا عن منافاته لمصحلة نزول نفس الآية أو الآيات، إذ لو كانت المصلحة التي كانت تقتضي نزولها هي اشتمالها على حکم تشریعی ثابت فلماذا ترفع الآية وحدها، في حين اقتضاء المصلحة بقاء الآية لتكون سنداً للحكم الشرعي المذكور. والالتزام بذلك التزام صريج بتحريف القرآن وحاشاه من كتاب إلهي خالد مصون.
قال السرخسي:
إن صوم كفارة اليمين ثلاثة أيام متتابعة، بقراءة ابن مسعود: (فصيام ثلاثة أيام متابعات). وقد كانت هذه قراءة مشهورة إلى زمن أبي حنيفة، ولكن لم يوجد فيها النقل المتواتر الذي يثبت بمثله القرآن، و ابن مسعود لا يشك في عدالته وإتقانه، فلا وجه لذلك إلا أن نقول: كان ذلك مما لي في القرآن - كما حفظه ابن مسعود - ثم انسخت تلاوته في حياة رسول الله (صلى الله عليه واله) بصرف القلوب عن حفظها إلا قلب ابن مسعود ليكون الحكم باقيا بنقله، فإن خبر الواحد موجب للعمل به، وقراءته لا تكون دون روايته، فكان بقاء هذا الحكم بعد نسخ التلاوة بهذا الطريق
(3).
ولا يخفي سخافة هذا الاستدلال.
الثالث: نسخ الحكم دون التلاوة: وذلك بأن تبقى الآية ثابتة في الكتاب يقرؤها المسلمون عبر العصور سوی آنها من ناحية مفادها التشريعي منسوخة، لا يجوز العمل بها بعد مجيء الناسخ القاطع لحكمها.
وهذا النوع من النسخ هو المعروف بين العلماء والمفسرين واتفق الجميع على جوازه إمكانا وعلى تحققه بالفعل أيضا، حيث توجد في القرآن الحاضر آیات منسوخة و آیات ناسخة.
وكانت لهذا النوع من النسخ أنحاء ثلاثة، وقع الكلام في إمكان بعضها
الأول: أن ينسخ مفاد آية كريمة بسنة قطعية أو إجماع محقق، كقوله تعالی: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] ، فإنه - بظاهره - لا يتنافى مع قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وقوله: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ} [النساء: 12]، غير أن السنة القطعية وإجماع المسلمين أثبتا نسخ الأول بالأخيرين.
الثاني: أن ينسخ مفاد آية بآية أخرى، بحيث تكون الثانية ناظرة إلى مفاد الأولی ورافعة لحكمها بالتنصيص، ولولا ذلك لم يكن موقع لنزول الثانية وكانت لغوأ. مثلاً قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] أوجب التصدق بين يدي مناجاة الرسول (صلى الله عليه واله)، و نسخته قوله تعالي: { أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} [المجادلة: 13] وهذا النحو من النسخ لم يختلف فيه أحد.
الثالث: أن تنسخ آية بأخرى من غير أن تكون إحداهما ناظرة إلى الأخرى سوى أنهم وجدوا التنافي بين الآيتين، بحيث لم يمكن الجمع بينهما تشريعياً، ومن ثم أخذوا
الثانية المتأخرة نزولا ناسخا للأولى.
ويجب أن يكون التنافي بين الآيتين كلياً - على وجه التباين الكلي لا جزئيا وفي بعض الوجوه، ويشترط في هذا القسم الثالث، وجود نص صحيح وأثر قطعي صريح، يدعمه إجماع القدامى، إذ من الصعب جدا الوقوف على تاريخ نزول آية في تقدمها و تأخرها، ولا عبرة بثبت آية قبل أخرى في المصحف، إذ كثير من آیات ناسخة هي متقدمة في ثبتها على المنسوخة، كما في آية العدد برقم: 234 من البقرة وهي ناسخة لآية الإمتاع إلى الحول برقم: 240 من نفس هذه السورة، وهذا إجماع.
كما أن التنافي على الوجه الكلي لا يمكن القطع به بين آيتين قرآنتين سوی عن نص معصوم (عليه السلام)؛ لأن للقرآن ظاهرا وباطنا ومحکماً و متشابهاً وليس من السهل الوقوف على کنه آية مهما كانت محكمة.
إشكال:
إن الالتزام بوجود آیات ناسخة وآیات منسوخة في القرآن يستدعي وجود تناف ، بين آياته الكريمة، الأمر الذي يناقضه قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]
الجواب: إن الاختلاف الذي تنفيه الآية الكريمة هو ما إذا كان حقيقيا في ظرف الواقع، أما إذا كان شكليا وفي ظاهر الأمر - كما بين الناسخ والمنسوخ . فلا تناقضه الآية، مثلا يشترط في الاختلاف الحقيقي (التناقض) أمور ثمانية(4)، منها: وحدة الزمان ووحدة الملاك والشرط، وإذا تخلف أحدها فلا تنافي ولا اختلاف، كما في الناسخ، ظرفه متأخر وملاکه مصلحة أخرى، تبدلت عن مصلحة سابقة كانت مستدعية لذلك الحكم المنسوخ.
إشكال: ما هي الفائدة وراء ثبت الآية المنسوخة في القرآن؟
الجواب: لا تنحصر فائدة آية قرآنية في الحكم التشريعي فقط، بل للآية أهداف كثيرة، منها - مضافة إلى الإعجاز والتحدي العام - الدلالة على مراحل الدعوة الإسلامية.
الخلاصة
1- أنواع النسخ هو نسخ الحكم والتلاوة معا، وهذا النوع لم يقع وهو باطل عندنا، والذين صححوا هذا النوع من النسخ استندوالأحاديث لا أصل لها.
2- ثاني أنواع النسخ هو أن تنسخ التلاوة دون الحكم ، وهو مرفوض عندنا أيضاً، لأن الأحاديث التي دلت على ذلك هي أحاديث آحاد.
3- الثالث: هو نسخ الحكم دون التلاوة، وهذا النوع من النسخ هو المعروف بين العلماء والمفسرين وأتفق الجميع على جوازه إمكاناً وعلى تحققه بالفعل أيضاً، حيث توجد في القرآن الحاضر آيات منسوخة وآيات ناسخة.
4- إن نسخ الحكم دون التلاوة تارة يكون بواسطة سنة قطعية ، واُخرى يكون بآية ناظرة الى الآية المنسوخة، وثالثة بآية غير ناظرة الى الآية المنسوخة.
5- اُشكل على نسخ الحكم دون التلاوة بأنه مالفائدة من بقاء الآية في المصحف إذا كان جكمها منسوخ؟ والجواب: إن الآية لاتنحصر فائدتها في التشريع فقط ، بل إن بقاءها فيه دلالة على مراحل الدعوة الإسلامية .
_____________
1- صحيح مسلم : 4، 167.
2- أصول السرخسي: 2، 78-80.
3- نفس المصدر:2، 81.
4- راجع:المنطق، العلامة المظفر:2، 42.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|