إشكالات منهجية في فهم النسخ وترتيب الآيات ردّ على الشيخ معرفة
المؤلف:
الدكتور عبد الرسول الغفار
المصدر:
الميسر في علوم القرآن
الجزء والصفحة:
ص207 -210
2025-07-13
487
تعقيب لا بد منه : قال الشيخ معرفة: من الصعب جدا الوقوف على تاريخ نزول آية في تقدمها وتأخرها ولا عبرة يثبت آية قبل أخرى في المصحف إذ كثير من آيات ناسخة هي متقدمة في ثبتها على المنسوخة كما في آية العدد برقم 234 من سورة البقرة وهي ناسخة لآية الامتاع إلى الحول برقم 240 من نفس السورة وهذا إجماع [1]. أقول وفي هذا النص تهافت بين لأن المصنف قد مثل للكثرة بمثال واحد. والمثال الواحد لا يصح دليلا على ما ادعاه هذا أولا.
وثانيا: الإجماع الذي ادعاه هل إجماع كافة المسلمين أم عند فرقة وطائفة دون أخرى؟
وثالثا: لقد ثبت لك أن الذي ذكره أرباب التفسير في الآيات الناسخة المتقدمة على منسوخاتها إنما هي كانت أربع آيات وبعضهم صيرها خمسا ليس إلا فهل يصح لمثل هذه الموارد التي تعد بالأصابع أن يطلق عليها لفظة كثير ...؟ فإين الكثرة المدعاة في تقديم الناسخ على المنسوخ؟
ورابعا: هل نحن مكلفون أن نعيد ترتيب آيات القرآن الكريم من جديد كي نقف على الآيات الناسخة والمنسوخة فنقول عندئذ من الصعب جداً الوقوف على تاريخ نزول آية في تقدمها وتأخرها ...؟
وخامسا: ألم يكن ترتيب الآيات - والسور على رأي البعض - توقيفيا سواء كان ذاك الترتيب من الله سبحانه مباشرة عند نزول الآيات أم من النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بإشارة من جبرائيل عليه السلام وهو بالتالي يكون وحيا أيضا. فإذا ثبت ذلك الترتيب التوقيفي عندئذ يسهل معرفة الناسخ من المنسوخ. على أن البعض قد أنكر النسخ كأبي مسلم الأصفهاني والسيد الخوئي (قدس سره) وعلى هذا إن تقدمت آية على أخرى فلا يشكل ضررا ولا يكون قدحاً في مجمل المصحف على أننا لا ننكر وقوع النسخ كما فعله البعض. ومن المآخذ على كتاب التمهيد قول الشيخ المصنف في النسخ المشروط:
هناك من أنواع النسخ ما نصطلح عليه بالنسخ المؤقت أو النسخ المشروط وهو ما إذا كان الحكم المنسوخ رهن ظروف وأحوال تغيرت إلى حالة أخرى استدعت تشريع حكم جديد لكنها مع ذلك قابلة للعود على حالتها الأولى إما في رقعة أخرى من الأرض أو في فترة آتية من الزمان فإن من الحكمة أن يعود الحكم المنسوخ إلى الوجود. فكل من الناسخ والمنسوخ هو رهن حالة تخصه وقيد مصلحة تلتئم معه. فما دامت فالحكم يدوم معها وما زالت فالحكم يزول معها وإذا ما رجعت فإن الحكم يرجع معها. وهكذا مثاله الصدقات الواجبة في سبيل الله كان على المسلمين أن يقوموا بتجهيز بنية الدولة المالية مهما كلف الأمر وهو الوارد في القرآن كثيرا باسم الإنفاق في سبيل الله كان ذلك واجبا حتما ما دامت الحاجة باقية ... ثم لما فرضت الزكاة وأخماس الغنائم والخراج ونحو ذلك، وزالت حاجة الدولة إلى مؤونة غيرها زال ذلك التكليف ... لكن إذا ما دهمت الأمة حادثة أو كارثة تحتاج إلى مؤونة زائدة أو عرض ما يستدعي صرف مال أكثر فإن المصلحة تقتضي فرض ماليات متناسبة مع حاجة الدولة أو يكون على عهدة المسلمين القيام بوظيفتها [2].
لقد تطرف المصنف في اعتبار النسخ إذ جعله كالقانون مرنا فالنسخ عنده يبرز في ظرف دون آخر فهو يتبع ظروف المجتمع الإسلامي والمناسبات المحيطة به. في الوقت الذي يعرف المصنف نسخ (الحكم دون التلاوة) بأن تبقى الآية ثابتة في الكتاب يقرؤها المسلمون عبر العصور سوى أنها من ناحية مفادها التشريعي منسوخة لا يجوز العمل بها بعد مجيء الناسخ القاطع لحكمها [3].
فالتناقض في كلام المصنف واضح جدا كالشمس في رابعة النهار وإلا كيف يعمل بالناسخ مرة ثم يعود العمل بالمنسوخ ثانية إذا تبدلت الظروف؟ فهل من المنطق أن يعود العمل على ما كان عليه في حالته السابقة؟ وهل من الحكمة - كما ادعى صاحب التمهيد - أن يعود الحكم المنسوخ إلى الوجود. . .؟ إن ذلك ضرب من التناقض والخبط ودليل على عدم استيعاب مضمون
النسخ.. ثم هل تشريع الضرائب في يومنا الحاضر يكون ضربا من الصدقات ...؟ أم أنه ضربا من النسخ؟
التمثيل الذي جاء به - المصنف - لمن الغريب جدا أن يضعه في هذا الباب حيث أن الصدقات التي أوجبت - إذا ثبت وجوبها الشرعي في كل زمان - لم تنهض بأعباء الدولة الإسلامية لا في زمن الرسول ولا بعده. ولو فرضنا أن بعض الصدقات أو الإنفاق قد جاء بمنزلة الواجب أو كان فرضا على المسلمين فإنما ذلك بتشريع من الله سبحانه أو بأمر من النبي (صلى الله عليه واله وسلم). أما في غير زمن المعصوم فالأمر ليس كذلك ثم أمر تشريع الضرائب أمر مستحدث لا ينزل بمنزلة الصدقات أو الإنفاق فلو كان المأخوذ من الناس بعنوان الضرائب قد أخذ جبرا وقهرا فأي ثواب يلحق بالمعطي؟ بينما كانت الصدقات بكل أقسامها والإنفاق في سبيله عبارة عن تجارة مع الله سبحانه وتعالى وهي بمثابة القرض له سبحانه. فكلامنا واضح لذي عينين أما المصنف ربما أراد في مثاله ذاك محاباة البعض والله العالم بالسرائر.
نعود إلى بحثنا فنقول: ومما تسامحوا في الشروط قالوا يجوز نسخ القرآن بالسنة بشرط أن تكون السنة وحيا أو أنها متواترة.
قال الإمام الخوئي (قدس سره): إن الحكم الثابت بالقرآن ينسخ بالسنة المتواترة أو بالإجماع القطعي الكاشف عن صدور النسخ عن المعصوم عليه السلام وهذا القسم من النسخ لا إشكال فيه عقلا ونقلا.
ثم قال: فإن ثبت في مورد فهو المتبع وإلا فلا يلتزم بالنسخ وقد عرفت أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد [4]. أقول: وعلى هذا فإن السيد الخوئي يرد كل نسخ.
وقد قيل فيما يقوم مقام الشرط أن ما نزل بالمدينة ناسخ لما نزل بمكة.
الاكثر قراءة في الناسخ والمنسوخ
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة