المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17599 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31



دلالة السياق في تفسير الطباطبائي  
  
7341   03:18 مساءً   التاريخ: 10-11-2020
المؤلف : الشيخ عارف هنديجاني فرد
الكتاب أو المصدر : علوم القرآن عند العلامة آية الله السّيّد محمد حسين الطّباطبائيّ (قده) «دراسة...
الجزء والصفحة : ص 129 - 138 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / مقالات قرآنية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-09 730
التاريخ: 24-8-2022 1049
التاريخ: 2023-10-25 4245
التاريخ: 9-11-2014 2436

قال الزمخشري في أساس البلاغة : « . . . ومن المجاز : ساق الله إليه خيراً ، وساق إليها المهر ، وساقت الريح السحاب ، وفلان في ساقة العسكر ، في آخره ، وهو جمع سائق كقادة في قائد ، ويقال : تساوقت الإبل : تتابعت ، وهو يسوق الكلام أحسن سياق . . . وقامت الحرب على ساقها ، وكشف الأمر عن ساقه . . .» (1) .

وجاء في لسان العرب في شرح مادة (سوق) «ساق الإبل وغيرها يسوقها سوقاً وسوّق وسياقاً . . . وقال الله تعالى : ﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾ (2) ، والسياق : نزع الروح . . .» (3) . وقال في المعجم الوسيط : «ساق الله خيراً ونحوه : بعثه وأرسله . . .» (4) .

أما في الإصطلاح ، فمعنى السياق ، هو بناء كامل من فقراتٍ مترابطةٍ في علاقته بأي جزء من أجزائه ، أو تلك الأجزاء التي تسبق أو تتلو مباشرة فقرة ، أو كلمة معينة ، وهو ما يسمى بالقرينة الحالية ، إذ إنه قد يعبر عن القرينة الحالية بالسياق (5) ، نحو قول المتنبي :

فيوماً بخيلٍ تطردُ الروم عنهُمُ ويوماً بجودٍ تطرد الفقر والجَدْبا (6)

فتطرد الثانية مجاز لغوي ، والقرينة حالية ، لأن الفقر لا يطرد .

وطالما أن البحث هنا في السياق في تفسير الطباطبائي ، فيكون المحدد هو الإستفادة من سياق الآيات القرآنية ، بحيث يظهر ذلك الارتباط الحاصل بين الألفاظ ، أو العبارات ، أو الجمل الناتج بسبب الإقتران الواقع بينهما . . . والسياق له عدة أقسام : فربما يكون السياق ، سياق كلمات ، أو سياق جمل ، أو سياق آيات ، وهذا ما سنحاول التعرف إليه في تفسير الطباطبائي نظراً لتميزه في إظهار الحقائق والمعارف القرآنية من خلاله ، فنقول : لقد أثر السياق في تفسير الميزان إلى حدّ أنه اعتمد في مناقشته لكثير من الأقوال على سياق الآيات ، وقد لازمته الفكرة السياقية في تفسيره ، فكانت سمة مميزة له ، وهذا يتضح من طريقة تعامل الطباطبائي مع النصوص والروايات التي حفل بها في تفسيره ، حيث تراه يحدّد معاني الآيات ، وأين نزلت في مكة ، أو في المدينة من خلال السياق ، ويمكن ملاحظة ذلك في بحوثه الروائية . فالطباطبائي ، كمفسر ، لم يبتعد عن ظروف الآية الزمنية وعلاقتها بما بعدها من الآيات ، وهذا ما سيتضح لنا من خلال بعض النماذج ، سواء في الآيات ، أم في الروايات .

 

 أ - السياق في الآيات

 

قال الله تعالى : ﴿ قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [يونس : 16] ، قوله : أدراكم به أي أعلمكم به ، والعمر بضمتين أو بالفتح فالسكون ، هو البقاء . وإذا استعمل في القسم كقولهم لعمري ولعمرك تعين الفتح ، وهذه الآية ، كما يرى الطباطبائي ، تتضمن رد الشق الأول من سؤالهم ، وهو قولهم : «اِئت بقرآن غير هذا» ، ومعناها على ما يساعد عليه السياق ، أن الأمر فيه إلى مشيئة الله لا إلى مشيّتي ، فإنما أنا رسول الله ، ولو شاء أن ينزل قرآناً غير هذا ولم يشأ هذا القرآن ما تلوته عليكم ، ولا أدراكم به ، فإني مكثت فيكم عمراً من قبل نزول القرآن وعشت بينكم وخالطتكم وخالطتموني ، فوجدتموني لا خبر عندي من وحي القرآن ، ولو كان ذلك إلي وبيدي لبادرت إليه قبل ذلك . . . فليس إلي من الأمر شيء ، وإنما الأمر في ذلك إلى مشيئة الله ، وقد تعلقت مشيّته بهذا القرآن لا غيره أفلا تعقلون ؟

وفي تفسير قوله تعالى : ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم : 39] فظاهر السياق أن قوله ﴿ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ بيان لقوله : ﴿ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ﴾ ، ففيه إشارة إلى أن الحسرة إنما تأتيهم من ناحية قضاء الأمر ، والقضاء إنما يوجب الحسرة إذا كانت بحيث يفوت به عن المقضي عليه ما فيه قرة عينه وأمنية نفسه ، الذي كان يقدر حصوله لنفسه ، ولا يرى طيباً للعيش من دونه لتعلق قلبه به ، ومعلوم أن الإنسان لا يرضى لفوت ما هذا شأنه ، وإن احتمل في سبيل حفظه أي مكروه ، إلاّ أن تصرفه عنه الغفلة ، فيفرّط في جنبه ، ولذلك عقب الكلام بقوله : ﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ ، يقول الطباطبائي : «وفيما قدمناه كفاية عن تفاريق الوجوه التي أوردوها في تفسير الآية والله الهادي . . .» (7) .

كما استعان الطباطبائي بالسياق لتعين معاني بعض الألفاظ الواردة في قوله تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ [يونس : 37] . فهذا نفي لشأنية الإفتراء عن القرآن كما قيل وهو أبلغ من نفي فعليته ، والمعنى ليس من شأن هذا القرآن ولا في صلاحيته أن يكون افتراء من دون الله يفتريه على الله تعالى ، فهناك فرق بين أن تقول : ما كان زيد ليقوم ، وأن تقول : لم يقم أو ما قام زيد ، إذ الأول يدل على أن القيام لم يكن من شأن زيد ولا استعد له استعداداً ، والثاني ينفي القيام عنه فحسب ، وفي القرآن مثله كثير ، كقوله تعالى : ﴿ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ ﴾ [يونس : 74] وقوله : ﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ﴾ [الشورى : 53] ، وقوله تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾ [العنكبوت : 40] ، فالسياق يرشد إلى الشأنية وليس إلى الفعلية وهذا قلما التفت إليه أحد من المفسرين ، ما يجعل للطباطبائي الفرادة في استفادة المعنى الحقيقي للآية من خلال السياق ، سواء من خلال الارتباط الحاصل بين الألفاظ ، أو العبارات ، أو الجمل . . . ومن جملة ما استفاده الطباطبائي بالسياق أيضاً ما ذهب إليه في قوله تعالى : ﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء : 17] . وللمفسرين رأيان في هذه الآية :

الرأي الأول ، قال : إن معنى اللهو في هذه الآية ، هو المرأة والولد وهي إشارة إلى نفي عقائد المسيحيين ، الذين يعتقدون أن لله تعالى زوجة وولداً . أما الرأي الثاني ، فذهب إلى أن معنى اللهو هو التسلي ، أو الأهداف غير المعقولة ، وعلى هذا يكون معنى الآية أن هدف الخالق ليس التسلي ، وقد تمسك أصحاب الرأي الثاني بالسياق لرد الرأي الأول ، لأن ارتباط الآيات أعلاه سينقطع بالآيات السابقة ، فضلاً عن أن كلمة (اللهو) إذا جاءت بعد كلمة (اللعب) فتعني التسلي وليس المرأة والولد (8) ، وقد استفاد الطباطبائي من هذه الطريقة في تفسير القرآن بالقرآن ، واستدل بمفهوم السياق في كثير من الموارد في تفسير الميزان (9) .

ومما يمكن أن نعرض له ونناقش في سياقه ، هو ما لم يستو لنا وجه تفسيره عند الطباطبائي في قوله تعالى : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [سورة فاطر : 28] ، حيث نرى أن الآية تتحدث في سياق واحد عن العلماء الذين حصرهم الطباطبائي بالعلماء بالله تعالى ، وهم الذين يعرفون الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله معرفة تامة . . . والمراد بالخشية حينئذ حق الخشية ، ويتبعها خشوع في باطنهم ، يقول الطباطبائي : «هذا ما يستدعيه السياق في معنى الآية» (10) . وهكذا ، فإن المفسّر يصر على أن السياق لا يفيد أكثر من هذا المعنى ، الذي يحصر العلماء بمن خشي الله في صيامه وقيامه ومعرفة صفاته وأسمائه ، رغم أن الآية ، كما سبق من القول في مبحث مناهج المفسرين ومنهج الطباطبائي ، تتحدث عن العلماء بشكل مطلق ، الذين يعرفون حقيقة الخلق ، ويكتشفون أسراره ، سواء في مجال التشريع ، أم في مجال التكوين ، فلماذا حصر الطباطبائي معنى الآية بمن يعرف الله بأسمائه وصفاته ، ويحسم الرأي في كون السياق يستدعي ذلك ، في حين أن جل العلماء يذهبون إلى القول بأن العلماء هم مطلق العلماء وليس من يعرف حق الصيام والقيام فقط ، وقد قلنا في ما سبق أنه يمكن إعادة النظر فيما ذهب إليه الطباطبائي على اعتبار أن صدر الآية يؤلف مع عجزها نسقاً جدلياً . . . ولا نرى أن سياق الآية المباركة يحصر العلماء بعلماء الشريعة ، لأن كل عالم حقيقة يخشى الله تعالى ، سواء أكان عمله في دائرة التكوين ، أم في دائرة التشريع ، فالكل يقوم باكتشاف أسرار الله في خلقه ، فعالم النبات في النبات ، وعالم الفيزياء في الطبيعة ، وعالم التشريع في القرآن ، ولعل السيد الطباطبائي لم يرد أن يخرج من دائرة السياق باستلهام معانٍ من خارج الدلالة القرآنية الظاهرة . كما يمكن القول أيضاً ، أن هناك الكثير من السياقات التي يمكن إعادة النظر فيها ، لأن الإنسان يتفاعل مع نص مطلق وهادف إلى تبيان الحقيقة ، ويمكن للإنسان أن يحيط بأسرار هذا الكتاب الكريم ، وإلا فما يكون معنى وفائدة ، أنه كتاب لكل ناس في كل زمان ، وأنه في كل زمان جديد كما روي عن الرضا (عليه السلام) ، حيث يمكن أن يكون مفاد السياق مطلق العلماء ، وليس مجرد علماء القيام والصيام وسائر التكاليف والمعارف الدينية . ولا شك في أن الطباطبائي كان متواضعاً في تفسيره ، فلم يخلط بين ما يراه دلالة سياقية ، يراها مناسبة ، وبين ما قد يصحّ أو لا يصحّ تفسير القرآن به من روايات أو آيات ، فاكتفى بدلالة السياق على النحو الذي يُظهّر رأيه وفاقاً لدلالات من آيات وروايات أخرى ، وهو يشير إلى هذا منعاً لأي التباس ، بحيث يُظنّ أن الطباطبائي يريد أن يفرض رأيه على كتاب الله تعالى ، مما قد يؤدي سهواً إلى الانضواء تحت عنوان (مدرسة الرأي) (11) . . . فالطباطبائي عالم في المعقول والمنقول ويخشى الله تعالى حق خشيته ، وقد بلغ من التقوى درجة قلما بلغها إنسان عايشه وتفاعل معه علماً وعملاً . ولهذا ، نجده دائماً يحرص على أن لا يخلط بين تفسير الآيات وما يراه بشأنها من بحوث اجتماعية ، وفلسفية ، وروائية .

كما نلاحظ أيضاً أن الطباطبائي (قده) لم يرد أن يجهد طالب الحقائق القرآنية بعروض السياقات التي تفنن فيها علماء اللغة والبلاغة والصرف ، وغير ذلك مما اصطلح عليه العلماء قديماً وحديثاً بأنماط السياق المختلفة كما اعتاد بعض المفسرين ، كالسياق النحوي واللغوي والصوتي والعرفي والمعجمي والقصصي ، أو ما اصطلح عليه بالسياق الخارجي من سياق في المقام والحال ، أو السياق الاجتماعي والتاريخي ، وسياق الموقف إلى غير ذلك مما يمكن أن يطلب من مظانه . فلم يرد الطباطبائي أن يُغرق تفسيره في هذه السياقات المتعددة والمختلفة فيما بينها ليجعل من تفسيره كتاباً وموسوعة في التفسير ، كما فعل أسلافه من المفسرين ، وإنما أراد أن يُفسر القرآن بالقرآن على النحو الذي يستطيع معه أن يبين المعاني والحقائق والمعارف القرآنية ، التي يجب أن يهتدي إليها الإنسان في طريقه إلى الله تعالى ، وكل ما احتاجته هذه الطريقة ، وهذا الهدف المقدس استعان به الطباطبائي ليكون تفسيره منسجماً مع هدفه (12) ، ولهذا ، هو اعتمد السياق واستفاد منه بما يسمح له بيان المراد من الآيات القرآنية ، سواء في مجال اللغة أو في مجال الاجتماع ، أو في مجال القصص ، فكل علم المفسّر انصب على استكشاف الكنوز والمعارف القرآنية ، وقد وفق أيما توفيق في ذلك نظراً للبراعة والمعرفة التي تميز بها في الاستفادة من السياق ، سواء في مجال الكلمات أو العبارات ، أو الجمل ، وهذا لا يعني ، كما سلف القول ، أن الطباطبائي لم يترك شيئاً إلا قدّمه في تفسيره ، فهذا مما لا يقدر عليه إلاّ مَن اصطفاه الله تعالى لتلقي كتابه ، ويسّره بلسانه ليبشر به المتقين وينذر به قوماً لُدّاً .

 

 ب - السياق في الروايات

 

لقد استعان الطباطبائي أيضاً بالسياق في قبول الروايات ورفضها ، وقد ظهر هذا الأسلوب عنده في روايات أسباب النزول ، فهو اعتمد في قبول أكثر الروايات على ما يلائم السياق كما ظهر في تعليقه على ما جاء في تفسير البرهان عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال : فينا والله أهل بدر نزلت هذه الآية : ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ﴾ [الحجر : 47] ، يقول الطباطبائي : « إن وقوع الجملة في سياق هذه الآيات وهي مكية يأبى نزولها يوم بدر ، أو في أهل بدر (13) ، وكما نلاحظ أن الجملة جاءت في قوله تعالى : ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾ ، وهي أيضاً في سياق آيات أهل الجنة ، وهي مكية ، ولا يساعد السياق على أن تكون نازلة بأحد (14) . . .

ومن نماذج استعانة المفسر بالسياق لقبول أو رد الروايات ، هو إضرابه عن بعض ما روي في أسباب النزول في قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ [الاحزاب : 1] .

يقول الطباطبائي : «إنه في سياق النهي ، وقد جمع فيه بين الكافرين والمنافقين ، كشف عن أن الكافرين كانوا يسألونه أمراً لا يرتضيه الله تعالى وكان المنافقون يؤيدونهم في مسألتهم ويلحّون . . . وبهذا يتأيد ما ورد في أسباب النزول أن عدداً من صناديد قريش بعد وقعة أحد دخلوا المدينة بأمان من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وسألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتركهم وآلهتهم فيتركوه وإلهه فنزلت الآيات ولم يجبهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ذلك وفي البحث الروائي ، يرى الطباطبائي ، أن الآيات نزلت في أبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل ، وأبي الأعور السلمي قدموا المدينة بأمان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ونزلوا على عبد الله بن أبي بعد غزوة أحد فنزلت الآية ﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ ﴾ ، من أهل مكة أبا سفيان وأبا الأعور ، وعكرمة ، والمنافقين ابن أبي وابن سعيد وطعمة ، يقول الطباطبائي : وروي إجمال القصة في الدر المنثور عن جرير عن ابن عباس ، وروي أسباب أُخر لنزول الآيات ، لكنها أجنبية غير ملائمة لسياق الآيات فأضربنا عنها» (15) .

كما استخدم الطباطبائي سياق الآيات أيضاً في الترجيح بين الآراء ، فمثلاً تراه يقدم ما ورد في روح المعاني في خصوص طلب موسى (عليه السلام) الرسالة لأخيه هارون في قوله : ﴿ فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ﴾ (16) أي أرسل ملك الوحي إلى هارون ليكون معيناً لي على تبليغ الرسالة ، حيث يقال لمن نزلت به نائبة ، أو أشكل عليه أمراً أرسل إلى فلان ، أي استمد منه واتخذه عوناً . فالجملة أعني قوله فأرسل إلى هارون ، متفرعة على قوله تعالى : ﴿ إِنِّي أَخَافُ ﴾ وذكر خوف التكذيب مع ما معه من ضيق الصدر وعدم الإنطلاق في اللسان توطئة وتقدمة لذكرها ، وسؤال موهبة الرسالة لهارون ، فهو رأي موسى (عليه السلام) ، اعتل بما اعتل به وسأل الرسالة لأخيه ليكون شريكاً له في أمره ، معيناً له في التبليغ ، لا فراراً من تحمل أعباء الرسالة واستعفاءً منها ، قال في روح المعاني : ومن الدليل على أن المعنى على ذلك لا أنه تعلل وقوع «فأرسل» بين الأوائل وبين الرابعة ، أعني قوله تعالى : ﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ ﴾ فأذن بتعلقه بها ولو كان تعللاً لأخر ، وهو حسن وأوضح منه قوله تعالى في سورة القصص في القصة : ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴾ [القصص : 34] .

هذه نماذج مختصرة وواضحة لما قدمه الطباطبائي في باب معنى السياق ودلالاته ، سواء في الآيات ، أم في الروايات ، أم في القراءات ، وهذا ما سنقدم نموذجاً عنه فيما يأتي ، لكن قبل ذلك لا بد من التركيز على مبدأ وحقيقة أن الطباطبائي جعل من السياق أساساً ومرتكزاً للتمييز بين المكي والمدني ، إذ هو يرى أن العلم بمكية السورة ومدنيتها ، ثم ترتيب نزولها له أثر هام في البحوث المتعلقة بالدعوة النبوية وسيرها الروحي والمدني والسياسي في زمنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وتحليل سيرته الشريفة . والروايات ـ كما نرى ـ لا تصلح أن تنهض حجة معتمداً عليها في إثبات شيء من ذلك على أن فيما بينها من التعارض ما يسقطها عن الاعتبار .

إن الطريق المتعين لهذا الغرض ، برأي المفسّر ، هو التدبر في سياق الآيات ، والاستمرار بما يتحصل من القرائن والإمارات الداخلية والخارجية (17) .

وإذا كان الطباطبائي قد قدم نماذج فيما يتعلق بسياق الآيات والروايات ، فإنه كذلك يقدّم انموذجاً في ما يتصل بالقراءات ، فهو يفضّل بعضها على بعض على أساس السياق ، ففي تفسير قوله تعالى : ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة : 214] .

فالمفسر في قراءته لهذه الآية يذكر أن قوله تعالى : ﴿ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ ﴾ قرىء بنصب يقول ، والجملة على هذا في محل الغاية لما سبقها ، وقرىء برفع يقول والجملة على هذا لحكاية الحال الماضية ، والمعنيان وإن كانا جميعاً صحيحين ، لكن الثاني أنسب للسياق ، فإن كون الجملة غاية يعلل بها قوله : ﴿ وَزُلْزِلُواْ ﴾ ، لا يناسب السياق كل المناسبة (18) .

لقد اهتم الطباطبائي بالسياق وجعل منه أساساً ومرتكزاً للفهم ، لكون المنهج الذي اعتمده في تفسير القرآن بالقرآن يحتم هذا الاهتمام بالسياق لأجل أن يتمكن من فهم المراد من الآيات أولاً ، ولتمحيص الروايات ثانياً ، ولمعرفة القراءات ثالثاً ، وقد قدم نماذج عن كيفية استعانته بالسياق لهذه الغاية . ولعل الدافع إلى ذلك ، هو أن الطباطبائي يرى في القرآن تبياناً لكل شيء ، ولا بد أن يكون الأصل هو المعنى المستفاد من الآية ، ومن ثم الاستفادة بالآية في إثبات حجة ما ثبت في الرواية ، والإستعانة بالرواية لتأكيد ما ثبت في الآية ، وهذا كله يحتاج إلى وعي كامل بالسياق ، سواء في الآية ، أم في الرواية ، وذلك لما يشكله السياق من قوة خفية تقف وراء المعنى ، بل هو مصنع الدلالات ، مَثلُه مثل الجاذبية في الطبيعة مع أنها غير منظورة ، إلاّ انها تقف وراء معظم الظواهر الفيزيائية فيها . . .!

_______________________________

  1.  الزمخشري ، جار الله أبو القاسم محمد بن محمد ، أساس البلاغة ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط1 ، 2001 ، ص375 .
  2. ابن منظور ، لسان العرب ، إعداد يوسف خياط ، نديم مرعشلي ، دار لسان العرب ، بيروت (د .ت) ج2 ، ص242 .
  3. المعجم الوسيط ، قام باخراجه إبراهيم مصطفى ، وأحمد حسن الزيات ، وحامد عبد القادر ، ومحمد علي النجار ، مطبعة مصر : 1960 ، ص210 .
  4. معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ، د . مجدي وهبة وكامل المهندس ، مكتبة لبنان ، بيروت ، 1984 ، ص288 .
  5. ناصيف اليازجي ، العرف الطيب في ديوان أبي الطيب ، بيروت .(د ـ ت) ، ج2 ، ص337 .
  6. انظر : ابن عاشور ، محمد الطاهر ، تفسير القرآن ، التحرير والتنوير ، ط الدار التونسية ، تونس ، 1984 ، ج11 ، ص193 .
  7. الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج14 ، ص50 .
  8. انظر : مكارم الشيرازي ، ناصر ، تفسير الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت ط1 ، 2007 ، ج13 ، ص370 ـ 371 .
  9. يقول الطباطبائي : «وحجة الآيتين ـ كما ترى ـ تعتمد على معنى اللعب واللهو ، واللعب هو الفعل المنتظم الذي له غاية خيالية غير واقعية كملاعب الصبيان . . . وإذا كان اللعب بما تنجذب النفس إليه يصرفها عن الأعمال الواقعية ، فهو من مصاديق اللهو هذا . را : الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج14 ، ص260 .
  10. الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، 17 ، ص43 .
  11. السبحاني ، جعفر ، الشمولية عند الطباطبائي ، م .س ، ص50 .
  12. لاحظ مثلاً كيف أن الطباطبائي ينشد الفائدة من تفسيره ، فهو لا يتعصب لموقف أو رأي حتى ولو كان لأهل مدرسته ، فتجده يورد لعلماء الشيعة نصوصاً ويفندها سياقياً ، فيقول فيما رواه تفسير القمي في قوله تعالى : ﴿ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾ ، حدثني أبي عن أبي عمير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : تخضع رقابهم يعني بني أمية وهي الصيحة من السماء باسم صاحب الأمر ، يقول الطباطبائي : وهذا المعنى رواه الكليني في روضة الكافي والصدوق في كمال الدين والمفيد في الارشاد ، والشيخ الطوسي في الغيبة ، والظاهر أنه من قبيل الجري دون التفسير لعدم مساعدة سياق الآية عليه . را : الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج15 ، ص253 .
  13. الطباطبائي ، الميزان ، مأخوذ بتصرف ، م ، ص ، ج12 ، ص176 .
  14. الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج12 ، ص176 .
  15. الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج16 ، ص287 .
  16. قال تعالى : ﴿ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴾ سورة الشعراء ، الآيات : 10 ـ 14 .
  17. الطباطبائي ، القرآن في الإسلام ، م .س ، ص120 .
  18. الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج2 ، ص162 .



وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .