أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-10-2014
1502
التاريخ: 7-12-2015
1278
التاريخ: 8-10-2014
1590
التاريخ: 13-11-2015
1835
|
قال تعالى : {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ } [التوبة: 91، 92] .
هذه الآيات قسمت المسلمين في مجال المشاركة في الجهاد لتوضيح حال سائر المجاميع من ناحية القدرة على الجهاد، أو العجز عنه، وأشارت إِلى خمس مجموعات: أربع منها معذورة حقيقة وواقعاً، والخامسة هم المنافقون.
الآية الأُولى تقول: إنّ الضعفاء، والعاجزين لكبر أو عمى أو نقص في الأعضاء، والذين لا وسيلة لهم يتنقلون بها ويستفيدون منها في المشاركة في الجهاد، لا حرج عليهم إِذا تخلفوا عن هذا الواجب الإِسلامي المهم : (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج). هذه الأقسام الثلاث تعذر في كل قانون إِذا لم تشارك، والعقل والمنطق يمضي هذا التسامح، ومن المسلم أنّ القوانين الإِسلامية لا تنفصل عن المنطق والعقل في أي مورد.
كلمة «الحرج» في الأصل تعني مركز اجتماع الشيء، ولما كان اجتماع الناس وكثرتهم في مكان ومركز ما ملازم لضيق ذلك المكان، فقد استعملت هذه الكلمة بمعنى الضيق والإِزعاج والمسؤولية والتكليف، ويكون معناها في هذه الآية هو المعنى الأخير، أي المسؤولية والتكليف.
ثمّ بيّنت الآية شرطاً مهماً في السماح لهؤلاء بالإِنصراف ، وهو إخلاصهم وحبّهم لله ورسوله، ورجاؤهم وعملهم كل خير لهذا الدين الحنيف، لذا قالت: (إذا نصحوا لله ورسوله) أي إنّ هؤلاء إذا لم يكونوا قادرين على حمل السلاح والمشاركة في القتال، فإنّهم قادرون على استعمال سلاح الكلمة والسلوك الإِسلامي الأمثل، وبهذا يستطيعون ترغيب المجاهدين، ويثيرون الحماس في نفوس المقاتلين، ويرفعون معنوياتهم بذكرهم الثمرات المترتبة على الجهاد وثوابه العظيم.
وكذلك يجب أن لا يقصروا في هدم وتضعيف معنويات العدو، وتهيئة أرضية الهزيمة في نفوس أفراده قدر المستطاع لأنّ كلمة (نصح) في الأصل بمعنى (الإخلاص) وهي كلمة جامعة شاملة لكل شكل من أشكال طلب الخير والإِقدام المخلص في هذا السبيل، ولما كان الكلام عن الجهاد، فإنّها تنظر إِلى كل جهد وسعي يبذل في هذا المجال.
ثمّ تذكر الآية الدليل على هذا الموضوع، فتذكر أن مثل هؤلاء الأفراد الذين لا يألون جهداً في عمل الخير، لا يمكن أن يعاتبوا أو يُوبَّخوا أو يُعاقبوا، إذ (ما على المحسنين من سبيل).
بعد ذلك اختتمت الآية بذكر صفتين عظيمتين من صفات الله عزّ وجلّ ـ وكل صفاته عظيمة ـ كدليل آخر على جواز تخلف هؤلاء المندرجين ضمن المجموعات الثلاث فقالت: (والله غفور رحيم).
(غفور) مأخوذة من مادة الغفران، أي الستر والإخفاء، أي إن الله سبحانه وتعالى سيلقي الستار على أعمال هؤلاء المعذورين ويقبل أعذارهم، وكون الله «رحيماً» يقتضي أن لا يكلف أحداً فوق طاقته، بل يعفيه من ذلك، وإذا أُجبر هؤلاء على الحضور في ميدان القتال، فإنّ ذلك لا يناسب غفران الله ورحمته، وهذا يعني أنّ الله الغفور الرحيم سيعفي هؤلاء عن الحضور حتماً، ويعفو عنهم.
ويستفاد من جملة من الرّوايات التي نقلها المفسّرون في ذيل هذه الآية، أنّ هذه المجموعات المعذورة لا يقتصر الأمر فيهم على السماح لهم في التخلف وعدم مؤاخذتهم فحسب، بل إنّ أفرادها لهم من الجزاء والثواب كثواب المجاهدين الذين حضروا وقاتلوا، كل على قدر اشتياقه وتحرقه للمشاركة، فنحن نقف على حديث عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونقرأ: إِنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قفل من غزوة تبوك فأشرف على المدينة قال: «لقد تركتم بالمدينة رجالا ما سرتم في مسير، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم وادياً إِلاّ كانوا معكم فيه قالوا: «وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال: حبسهم العذر»(1).
ثمّ تشير الآية إِلى الفئة الرّابعة من المعفو عنهم وهؤلاء هم الذين حضروا ـ بشوق ـ عند النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلبوا منه أن يحملهم على الدواب للمشاركة في الجهاد، فاعتذر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بأنّه لا يملك ما يحملهم عليه، فخرجوا من عنده وعيونهم تفيض من الدمع حزناً وأسفاً على ما فاتهم، وعلى أنّهم لا يملكون ما ينفقونه في سبيل الله: (ولا على الذين إِذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون).
«تفيض» من مادة الفيضان، أي الإِنسكاب والتساقط بعد الإِمتلاء، فإنّ الإنسان إِذا أهمه أمر أو دهمته مصيبة، فإذا لم تكن شديدة اغرورقت عيناه بالدموع وامتلأت دون أن تجري، أمّا إذا وصلت إِلى مرحلة يضعف الإِنسان عن تحملها سالت دموعه.
إنّ في هذه دلالة على أنّ هؤلاء النفر من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا عشاقاً ومولهين بالجهاد إِلى درجة أنّهم لما رُخص لهم في البقاء لم يكتفوا بالتأسف والهمّ لهذه الرخصة، بل إنّهم جرت دموعهم كما لو فقد إنسان أعز أصدقائه وأحبائه، وبكوا بكاءً مرّاً لهذا الحرمان.
لا شك أن الفئة الرّابعة لا تفترق عن الفئة الثّالثة المذكورة في الآية ولكنّهم لهذه الحالة الخاصّة من العشق، ولإمتيازهم بها عن السابقين، ولتكريمهم جسمت الآية وضعهم بصورة مستقلة ضمن نفس الآية، وكانت خصائصهم هي:
أوّلا: إنّهم لم يقتنعوا بعدم ملكهم لمستلزمات الجهاد، فحضروا عند النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طمعاً في الحصول عليها، وأصروا عليه إصرارا شديداً في تهيئتها إِنّ أمكنه ذلك.
ثانياً: إنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما اعتذر عن تلبية طلبهم لم يكتفوا بعدم الفرحة بذلك، بل انقلبوا بهمّ وحزن فاضت دموعهم بسببه، ولهاتين الخصلتين ذكرهم الله سبحانه وتعالى مستقلا في الآية.
أمّا آخر الآية فتبين وضع الفئة الخامسة، وهم الذين لم يعذروا، ولن يُعذروا عند الله تعالى، فإنّهم قد توفرت فيهم كل الشروط، ويملكون كل مستلزمات الجهاد، فوجب عليهم حتماً، لكنّهم رغم ذلك يحاولون التملّص من أداء هذا الواجب الإِلهي الخطير، فجاؤوا إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يطلبون الإِذن في الانصراف عن الحرب، فبيّنت الآية أنّهم سيؤاخذون بتهربهم ويعاقبون عليه: (إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء).
وتضيف الآية بأنّ هؤلاء يكفيهم عاراً وخزياً أن يرضوا بالبقاء مع العاجزين والمرضى رغم سلامتهم وقدرتهم، ولم يهتموا بأنّهم سيحرمون من فخر الاشتراك في الجهاد: (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف). وكفى به عقاباً أن يسلبهم الله القدرة على التفكر والإِدراك نتيجة أعمالهم السيئة هذه، ولذلك أبغضهم الله (وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون).
_________________
1- تفسير الدر المنثور ,طبقا لنقل تفسير الميزان ,ج9,ص386.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|