أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-12-2015
3160
التاريخ: 22-09-2014
3079
التاريخ: 3-12-2015
2652
التاريخ: 2024-05-03
696
|
من جملة وجوه الإعجاز الكثيرة رعاية القرآن في نظامه وتشريعه، ولا سيّما في المقايسة مع المقرّرات الرائجة في عصر نزول القرآن، وورود قوانينه وشرائعه، وتلك المقرّرات أعمّ من القوانين الشائعة بين الطائفة الوثنيّة التي تكون العمدة فيها عبادة الآلهة المصنوعة، واتّخاذها شفعاءً إلى اللَّه تعالى (1) ، وبعد ذلك شيوع النهب والغارة بينهم ، وابتهاجهم بإقامة الحروب والمعارك، وقتل الأنفس واغتنام الأموال (2) ، وشيوع الاستقسام بالأنصاب والأزلام ، واعتيادهم شرب الخمر، واللعب بالميسر، وافتخارهم بذلك (3) والتزويج بنساء الآباء (4) ودسّ البنات في التراب (5) ، كما حكاه القرآن بقوله - تعالى - : {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل : 58 ، 59] ومن القوانين الشائعة بين أهل الكتاب التابعين لكتب العهدين المحرّفة : أ نّ التوراة - مع كبر حجمها - لا يكون فيها مورد تعرّضت فيه لوجود القيامة، وعالم الجزاء على الأعمال أصلًا، مع أنّه من الواضح أنّ الغرض الأقصى والمطلوب الأوّلي في باب الأديان هو تأمين عالم الآخرة، والدعوة إلى الأعمال الحسنة التي يترتّب عليها الثواب والراحة، ودخول الجنّة.
وعليه : فكيف يمكن أن يكون كتاب الوحي خالياً عن التعرّض لمثل ذلك العالم، الذي لا تدركه الحواسّ، ويحتاج إلى التعرّض والهداية، وإراءة الطريق إليه، فضلًا عن الدعوة إلى الأعمال النافعة في ذلك العالم، الرابحة في سوقه؟! نعم، حرّضت التوراة الناس إلى الطاعة والتجنّب عن المعصية من جهة تأثير الطاعة في حصول الغنى في الدنيا، والتسلّط على الناس باستعبادهم، وتأثير المعصية في تحقّق السقوط من عين الربّ، وسلب الأموال والشؤون المادّية، ولأجل عدم دلالة التوراة على وجود عالم الآخرة والدعوة إلى ما يؤثّر فيه؛ نرى التابعين لها في مثل هذه الأزمنة غير متوجّهين إلّا إلى الجهات الراجعة إلى عالم المادّة والغنى والمكنة، ولا نظر لهم أصلًا إلى عالم الآخرة، ولهم في هذا المجال قصص مضحكة مشهورة.
وفي مقابلها : شريعة الإنجيل ناظرة إلى الآخرة فقط، ولا تعرّض فيها لصلاح حال الدنيا وشؤونها بوجه من الوجوه.
أمّا القرآن الكريم : فقد نزل في عصر كان الحاكم عليه القوانين الرائجة بين الوثنيّة من ناحية، وقوانين التوراة والإنجيل المحرّفة من ناحية اخرى، وملاحظة نظامه وتشريعه من حيث هو - ولا سيّما مع المقايسة لتلك القوانين الحاكمة في ذلك العصر - ترشد الباحث إرشاداً قطعيّاً إلى كونه نازلًا من عند اللَّه تبارك وتعالى.
أمّا من جهة اشتماله على نظام الدنيا ونظام الآخرة، وتضمّنه لما يصلح في كلا العالمين، وتكفّله لما يؤثّر في السعادتين؛ فلا موقع للارتياب في البين، ويكفي في الدعوة إلى عالم الآخرة، الذي قد عرفت أنّه الغرض الأقصى والمطلوب الأهمّ في الأديان والشرائع الإلهيّة، مثل : قوله - تعالى - : { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص : 77]
بل أنّ هذه الآية تدلّ على كلا النظامين، وعلى أهمّية النظام الاخروي ورجحانه على النظام الدنيوي (6)
وقوله - تعالى - : {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة : 7، 8]
خصوصاً مع ملاحظة ما حكي في شأن هذه الآية عن الإمام زين العابدين عليه السلام من أنّها أحكم آية في القرآن (7) ومع ظهورها في أنّ المرئي في عالم الآخرة نفس عمل الخير والشرّ، الظاهر في تصوّرهما بأنفسهما بالصور الخاصّة المرئيّة في ذلك العالم، كما يدلّ عليه بعض الآيات الاخر (8) ، وكثير من الروايات (9) ، وذلك لرجوع الضمير إلى نفس العمل كما هو ظاهر، فتدبّر! وأمّا من جهة انطباق قوانينه وشرائعه مع البراهين الواضحة، والفطرة السليمة، والأخلاق الفاضلة، بحيث لا تبقى مع رعايتها بأجمعها وتطبيق العمل عليها، والالتزام بعدم التخطّي عنها في الأعمال القلبيّة والخارجيّة، والأفعال الجانحيّة والجارحيّة، مجالٌ لشائبة النقص والقصور، وموقعٌ لاحتمال عروض الضعف والفتور، وبها يمكن التوسّل إلى السعادة المطلوبة، والوصول إلى الراحة المقصودة في النشأة المادّية والمعنويّة.
فتراه في مواضع متعدّدة يأمر الناس بسلوك العدل، الذي هي الجادّة الوسطى التي لا انحراف عنها يميناً وشمالًا؛ كما في قوله - تعالى - : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } [النحل : 90]
وكذا يأمرهم بأن يطلبوا منه الهداية إلى الصراط المستقيم ؛ كما في قوله - تعالى - : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة : 6]
وكذا ملاحظة سائر قوانينه المؤثّرة في تحصيل السعادة الدنيويّة أو الاخرويّة، والخالية عن وصفي الكلفة والحرج، بحيث أخبر اللَّه - تعالى - بأنّ ما يكون حرجيّاً لم يكن مجعولًا في الدين والشريعة، وأنّه تعلّقت إرادته باليسر ولم تتعلّق بالعسر.
وبالجملة : ملاحظة نظام القرآن وتشريعه ترشد الباحث غير المتعصّب إلى عدم كونه مصنوعاً للبشر، وأنّه كيف يمكن له الإحاطة بجميع الخصوصيّات الدخيلة في سعادة الدارين، حتّى يضع قانوناً منطبقاً عليها، فضلًا عن القوانين الكثيرة الثابتة في جميع الوقائع والحوادث المبتلى بها؟ ومن باب المثال : انظر إلى قانوني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اللذين هما من الواجبات المسلّمة في الشريعة، الدالّ عليها الكتاب العزيز والسنّة الشريفة، وقايس هذا القانون مع التشكيلات العصريّة الكاملة تدريجاً، التي يكون الغرض من تأسيسها، والغاية الباعثة على جعلها حفظ القوانين البشريّة ولزوم تطبيق العمل عليها؛ فإنّها - مع سعتها المحيّرة، وعظمتها المعجبة، واستلزامها لصرف مؤنة كثيرة - لا تقدر على تحصيل هذا الغرض كما نراه بالوجدان، فلا تكاد تقدر على الردع عن مخالفتها، وسدّ باب نقضها مع جعل عقوبات عجيبة، وتعذيبات شديدة، لفرض صورة المخالفة، والفرار عن الموافقة.
وأمّا قانون القرآن، فمضافاً إلى عدم افتقاره إلى تشكيلات مخصوصة ومؤنة زائدة، وما يتضمّن لحفظ القوانين من طريق لزوم مراقبة كلّ فرد بالإضافة إلى آخر، وكونه عيناً عليه، ناظراً له، فهو - أي كلّ واحد من المسلمين - يتّصف بأنّه مراقب - بالكسر - ومراقب - بالفتح - ولا يتصوّر فوق هذا المعنى شيء؛ ضرورة أنّ أعضاء تلك التشكيلات محدودة لا محالة، وهي لا تتّصف إلّا بعنوان المراقبة - بالكسر - بخلاف قانون القرآن.
والإنصاف أنّ التدبّر في كلّ واحد من القوانين الثابتة في القرآن - فضلًا عن جميعها - لا يبقي للمرتاب شكّ ولا للمريب وهم، ويقضي إلى الحكم الجازم، والتصديق القطعي، الذي لا ريب فيه بأنّه كتاب نازل من عند اللَّه العالم الخبير، والحكيم البصير؛ كما قال اللَّه - تعالى - : {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة : 2]
ولكنّ الاهتداء بهدايته والاستضاءة بنوره يحتاج إلى تقوى القلب، وسلامته عن مرض العناد والتعصّب واللجاج، وبقائه على الفطرة الأصليّة السليمة القابلة لنور الهداية، غير المنحرفة عن الجادّة المستقيمة، التي يكون السالك فيها مطيعاً للفعل، ومجتنباً عن الضلالة والجهل.
__________________________
(1) انظر بُلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب : 2/ 197 - 221.
(2) المصدر نفسه : 2/ 562.
(3) المصدر نفسه : 3/ 42 - 70.
(4) المصدر نفسه : 2/ 52 - 54.
(5) المصدر نفسه : 3/ 42 - 44.
(6) فاضل موحدي لنكرانى، محمد، مدخل التفسير(طبع جديد)، 1جلد، مركز فقه الائمه الاطهار (عليهم السلام) - قم، چاپ : چهارم، 1428ه.ق.
(7) ذكر في مجمع البيان 10 : 375 في تفسير الآية، أنّ عبداللَّه بن مسعود قال : أحكم آية في القرآن{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ }إلى آخر السورة.
ولم أجد فيما تيسّر أنّ هذا القول للإمام زين العابدين عليه السلام.
(8) مثل الآية 30 من سورة آل عمران : 3، والآية 160 من سورة الأنعام : 6، والآية 17 من سورة غافر : 4.
(9) توحيد المفضّل بن عمر : 92، أوّل المجلس الثاني ، الكافي 8 : 72 ح 29، تفسير القمّي 2 : 433 - 434، وعنها تفسير كنز الدقائق 11 : 479 - 480.
وفي بحار الأنوار : 3/ 90 عن توحيد المفضّل، وفي ج 6/ 223 ح 24 عن أمالي الصدوق : 593 ح 822، وفي ج 78/ 143 - 146 ح 6 عن أمالي الصدوق وتحف العقول : 249 - 259.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|