المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

hash (adj./n.)
2023-09-16
ما هي أهمية البحث في موضوع الأمامة ؟
9-1-2021
إنفلونزا الطيور - أسبابها وطرق الوقاية منها
17-4-2016
البرنامج الوقائي لحقول الدجاج البياض
11-9-2021
الانكسارات (الفوالق أو الصدوع)
10-5-2016
فائدة الطرق وحكم الانتفاعات الخاصة بها
23-12-2016


نظرية السبب في القانون الألماني القانون الألماني نزعته موضوعية لا ذاتية  
  
3257   01:13 صباحاً   التاريخ: 29-8-2020
المؤلف : عبد الرزاق السنهوري
الكتاب أو المصدر : مصادر الحق في الفقه الاسلامي
الجزء والصفحة : ص24-36
القسم : القانون / القانون الخاص / القانون المدني /

يتميز القانون الألماني عن القوانين اللاتينية بأن نزعته موضوعية لا ذاتية  فهو يقف عند التعبير المادي للإرادة ، ولا يجاوزه إلى الإرادة ذاتها وهي تختلج في الضمير، ومن باب أولى لا يتقصى الإرادة بما صدرت عنه من دوافع نفسية وبواعث ذاتية ، فالباعث على التعاقد ما لم يكن جزءا من التعبير عن الإرادة لا يعتد به، ومن ثم لا يعرف القانون الألماني نظرية السبب تضارع النظرية الذاتية التي رأيناها في القوانين اللاتينية. فالإرادة وطرق الكشف عنها والعيوب التي تشوبها والبواعث التي تدفعها، كل ذلك ينحصر في شيء واحد هو التعبير عن الإرادة، ففي هذا التعبير - لا في غيره . يجب أن نتلمس كل شيء.

والتعبير عن الإرادة هو الإرادة الظاهرة، إذا وضعت إلى جانب الإرادة الباطنة. ويمكن القول أن السبب في القانون الألماني يتلخص في مسألتين :

1- العبرة بالإرادة الظاهرة أي بالتعبير عن الإرادة .

2- والسبب جزء من التعبير عن الإرادة .

المطلب الأول العبرة في القانون الألماني بالإرادة الظاهرة

أي بالتعبير عن الإرادة

الإرادة الباطنة والإرادة الظاهرة:

يجب التمييز بين الإرادة الكامنة في النفس والمظهر الخارجي للتعبير عنها. أما الإرادة الكامنة في النفس فهي عمل نفسي ينعقد به العزم على شيء معين، وما دامت الإرادة عملا نفسيا،

فإنه لا يعلم بها من الناس إلا صاحبها، ولا يعلم بها غيره إلا إذا عبر عنها بأحد مظاهر التعبير ، فالإرادة الكامنة في النفس هي الإرادة الباطنة، ومظهر التعبير عن هذه الإرادة هو الإرادة الظاهرة .

وإذا لم تختلف الإرادة الداخلية عن مظهرها الخارجي، نسيان الأخذ بالإرادة الباطنة أو بالإرادة الظاهرة ما دامت الاثنتان متطابقتين. أما إذا اختلفتا . كما إذا أمضى شخص عقدة مطبوعة يتضمن شرطة كان لا يقبله لو فطن له، وكشخص ينزل في فندق على شروط لا يعلمها ولكنها مكتوبة معلقة في غرفته، وكمن يوصي على أثاث منزلي بطريق التأشير على بيان مطبوع فإذا به يؤشر على أثاث غرفة نوم وهو يريد أثاث غرفة استقبال - فالقاعدة المعروفة في القوانين اللاتينية أن الإرادة الباطنة هي التي يؤخذ بها. ولكن الفقه الجرماني يأخذ بالإرادة الظاهرة. ومن هنا اختلفت المدرسة الألمانية مع المدرسة الفرنسية في العقد، كما اختلفتا في الالتزام، كما اختلفتا في نظرتهما العامة للعلاقات القانونية، فالأولى تقف أمام المظاهر المادية المحسوسة فنظرتها موضوعية ، والأخرى تنفذ إلى البواطن النفسية فنظرتها ذاتية . فإذا اقتصرنا على العقد، رأينا المدرسة الفرنسية تأخذ بالإرادة الباطنة، وتأخذ المدرسة الألمانية بالإرادة الظاهرة.

ونظرية الإرادة الباطنة تبحث عن الإرادة فيما تنطوي عليه النفس، أما مظهر التعبير عن الإرادة فليس إلا قرينة عليها تقبل إثبات العكس. فإذا قام دليل من جهة أخرى على أن المظهر المادي لا يتفق مع الإرادة النفسية، فالعبرة بهذه لا بذاك. وإذا تعذر الوصول إلى معرفة الإرادة النفسية عن طريق الجزم، فما على القاضي إلا أن يتعرفها عن طريق الافتراض. فالإرادة الحقيقية أولا، وإلا فالإرادة المفترضة. ولكنها . حقيقية كانت أو مفترضة . هي الإرادة الباطنة لا الإرادة الظاهرة : الإرادة الحرة المختارة في معدنها الحقيقي، غير متأثرة لا بغش ولا بإكراه ولا بغلط.

وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر بحث فقهاء الألمان نظرية الإرادة الباطنة بحث المدقق، وخلصوا من بحثهم إلى أن هذه الإرادة النفسية لا يجوز أن يكون لها أثر في القانون . فهي شيء كامن في النفس، والإرادة التي تنتج أثرة هي الإرادة في مظهرها الاجتماعي، لا في مكمنها وهي تختلج في الضمير . ولا تأخذ الإرادة مظهرة اجتماعية إلا عند الإفصاح عنها. فالعبرة بهذا الإفصاح، إذ هو الشيء المادي الذي يستطيع القانون أن يحيط به وأن يرتب أحكامه، دون حاجة إلى تحسس ما تنطوي عليه النفس من نبات ؛ فإن القانون ظاهرة اجتماعية لا ظاهرة نفسية، والإرادة الباطنة لا وجود لها إلا في العالم النفسي. فإذا أريد أن يكون لها وجود في العالم الاجتماعي، وجب أن تتجسم في مظهرها المادي، وهو ما يستطاع إدراكه. وفي هذا استقرار التعامل، وطمأنينة لمن يسكن بحق إلى ما يظهر أمامه من إرادة لا يستطيع التعرف عليها إلا من طريق التعبير عنها، فلا يحتج عليه بعد ذلك بأن من تعاقد معه كان ينطوي على نية أخرى غير التي تستخلص من الطريق الذي اختاره للتعبير عن هذه النية . ولا يشترط أصحاب نظرية الإرادة الظاهرة

طريقة خاصا لمظهر التعبير، فأي مظهر من هذه المظاهر يصح عندهم. وقد يكون هذا المظهر تعبيرا صريحا أو تعبيرا ضمنيا، وقد يكون مجرد السكوت في أحوال خاصة مظهرا من مظاهر التعبير، والمهم عندهم ألا تقتصر الإرادة على عمل نفسي، بل تبرز إلى العالم المادي في علامة ظاهرة، هي التي تقف عندها، وتقدر الإرادة بقدرها. وهم لا يكتفون من المظهر الخارجي للإرادة بأن يكون مجرد دليل عليها . دليل يقبل إثبات العكس إذا تبين من الظروف أن التعبير الخارجي لا يتفق مع الإرادة الداخلية . ولو اكتفوا بذلك المظهر لاتفقوا مع أصحاب نظرية الإرادة الباطنة. ولكنهم يذهبون إلى مدى أبعد، ويعتبرون هذا المظهر الخارجي هو العنصر الأصلي للإرادة ، فيجب الوقوف عنده. وإذا كان لا بد من اعتباره دليلا على الإرادة الداخلية، فهو دليل لا يقبل إثبات العكس، فلا يسمع لشخص يدعي أنه أضمر غير ما أظهر ، ما دام قد أراد هذا التعبير الذي اختاره مظهرا لإرادته .

 التعبير عن الإرادة:

وما دمنا في صدد القانون الألماني، فليس لنا أن نتكلم في الإرادة»، بل يجب الكلام في التعبير عن الإرادة، فالإرادة لا تكون ظاهرة قانونية إلا إذا لبست لباس التعبير، ولا يعرف القانون الإرادة ذاتها، بل يعرف التعبير عن الإرادة.

وإذا كان يجب أن يكون وراء مظهر التعبير إرادة كامنة، فهذه الإرادة إنما تكون مقصورة على أن يقصد بالإرادة الظاهرة أن تتخذ مظهرها الخارجي لتحدث أثرها القانوني. فمن يعبر عن إرادته بالكتابة لا يقصد بهذه الإرادة المكتوبة أن تتخذ مظهرها الخارجي في الكتابة لتحدث أثرها القانوني إلا وقت أن يوقع على هذه الكتابة، بل هو في الغالب لا يقصد ذلك إلا بعد أن يسلم الورقة المكتوبة أو بعد أن يقوم بتصديرها. ويترتب على ذلك أن أفعال الطفل أو المجنون لا يصح أن تؤخذ مظهرا ماديا يعتد به في التعبير عن الإرادة ليس لأن إرادة الطفل أو المجنون معدومة في ذاتها فهذا أمر يتعلق بالإرادة الباطنة، بل لأنه لا يصح أن يقال إن أيا من الطفل أو المجنون قد قصد أن تتخذ إرادته هذا المظهر الخارجي لتحدث أثرها القانوني، وهذا هو الأمر الذي يتعلق بالإرادة الظاهرة.

ولا بد من وجود الإرادة الظاهرة وجودة حقيقيا. فالإرادة المكتوبة لا وجود لها إذا كانت مزورة، أما إذا لم تكن مزورة فهي موجودة، حتى لو وجهت إلى غير الشخص المقصود بأن وجهت خطأ إلى شخص آخر يحمل اسم الشخص المقصود

ومني وجدت الإرادة الظاهرة، وجب الاعتداد بها دون الإرادة الباطنة لسببين:

(۱) لأن الإرادة لا يكون لها قوام قانوني إلا إذا اتخذت مظهرا خارجيا، أما إذا بقيت إرادة باطنة كامنة في خفايا النفس، فهي ظاهرة نفسية وليست ظاهرة اجتماعية كما قدمنا، والقانون إنما يعني بالظواهر الاجتماعية ولا شأن له بالظواهر النفسية.

 (۲) ولأن من صدرت منه الإرادة يلتزم حتما بما ولدت هذه الإرادة من مظاهر اطمأنت إليها الناس في التعامل، وهذا هو الأثر المتولد عن التعبير عن الإرادة لا عن الإرادة نفسها، فوجب إذن الاعتداد بالتعبير أي بالإرادة الظاهرة دون الإرادة الباطنة .

هذا وقد تكون النتائج العملية للتمييز بين مبدأي الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنة نتائج محدودة، وهي لا تظهر على كل حال إلا إذا أمكن تقديم دليل على أن الإرادة الباطنة تختلف عن الإرادة الظاهرة، وفي الأحوال غير الكثيرة التي يمكن فيها تقديم هذا الدليل يتقارب المبدآن من ناحية أخرى. ذلك أن مبدأ الإرادة الباطنة لا يترك المظهر الخارجي الخاطئ دون جزاء ، بل يترتب عليه الحق في التعويض، على أساس المسؤولية التقصيرية، لمن اطمأن لهذا المظهر، حماية للثقة المشروعة. ومهما يكن من أمر، فلا يزال هناك فرق بين المبدأين لا يجوز إغفاله، فنظرية الإرادة الظاهرة تنظر إلى الإرادة باعتبارها ظاهرة اجتماعية، أما نظرية الإرادة الباطنة فننظر إلى الإرادة باعتبارها ظاهرة نفسية. وهذا الفارق تترتب عليه نتيجتان عمليتان :

(۱) عند تفسير العقد، إذا أخذ القاضي بمبدأ الإرادة الظاهرة فهو لا يكون ملزمة أن يتحسس الإرادة الداخلية فيما تجنه سريرة المتعاقدين، بل هو يقف عند المظهر الخارجي للتعبير عن الإرادة، فيفسره تفسيرا اجتماعيا لا نفسيا، مستندة في ذلك إلى العرف الجاري وإلى المألوف في التعامل، وسنفصل ذلك فيما يلي .

(۲) إذا أخذ القاضي بمبدا الإرادة الظاهرة، فإن مسألة تفسير العقد تصبح مسألة قانون تخضع لرقابة محكمة النقض، ما دام الغرض ليس هو تفسير نية المتعاقدين بل تفسير نص العقد، فيكون حكم ذلك هو حكم تفسير نص القانون. أما إذا كان التفسير يتجه إلى بحث الإرادة الباطنة ، فهذه مسألة واقع، لقاضي الموضوع فيها الرأي الأعلى. كيف يكون تفسير التعبير عن الإرادة:

بعد التعبير عن الإرادة ذا وجود مستقل عن الإرادة ذاتها وعن الشخص الذي صدر منه التعبير، فلا نتلمس في تفسير التعبير الإرادة الباطنة التي انطوى عليها هذا الشخص، بل ننظر إلى التعبير ذاته في الصورة التي ظهر بها، فهو بمثابة قانون ينظم مصالح الطرفين، فيفسر على النحو الذي يفسر به القانون، ويعتد تفسيره بالعرف وقواعد العدالة ومقتضيات استقرار التعامل.

ويقول سالي في كتابه المعروف التعبير عن الإرادة» (فقرة 55 - فقرة 95) إن هناك قواعد ثلاثة تجب مراعاتها عند تفسير التعبير عن الإرادة :

اولا: يعتد بالتعبير ذاته الذي أراده من أصدر هذا التعبير، لا بالتعبير الذي كان ينوي أن يصدره ولم يصدر فعلا. فإذا ثبت أن صاحب التعبير أراد التعبير الذي صدر منه، ولكن ثبت من جهة أخرى أنه إنما كان ينوي أن يصدر تعبيرا آخر، فالعبرة بالتعبير الذي صدر منه فعلا لا بالتعبير الذي كان ينويه، وليس أمامه في هذه الحالة إلا أن يطعن في التعبير الذي صدر منه فعلا بالغلط . ومعنى ذلك أن التعبير الذي صدر منه فعلا هو الذي يعتد به، ولكنه يكون قابلا للإبطال لعيب شابه ، فإذا زال الحق في طلب الإبطال لأي سبب، بقي التعبير الذي صدر فعلا قائمة وأنتج أثره. أما في نظرية الإرادة الباطنة، فالتعبير الذي يصدر مخالفة للتعبير الذي كان في النية صدوره يعتبر تعبيرا باطلا أصلا، فلا ينتج أي أثر .

ويلاحظ أن هناك نوعين من الغلط : غلطة في الإرادة وغلطة في التعبير . فالغلط في الإرادة هو مغايرة التعبير الذي صدر فعلا عن التعبير الذي كان منويا صدوره، أما الغلط في التعبير فهو مغايرة التعبير الذي صدر فعلا عن التعبير الذي أريد فعلا صدوره ولكنه لم يصدر لسهو من صاحبه. فلو كان عند شخص داران، إحداهما في القاهرة والأخرى في الإسكندرية، وكان مقيمة في الخارج، وبلغه أن إحدى الدارين قد نزل إيرادها فأراد بيعها، ولكنه ظن خطأ أن الدار التي نزل إيرادها مي دار الإسكندرية بينما مي دار القاهرة، فباع دار الإسكندرية، كان هناك غلط في الإرادة لا غلط في التعبير، فإنه أراد التعبير الذي صدر منه ولم يقع غلط فيه، ولكن الغلط وقع في الإرادة إذا كان يريد بيع الدار التي نزل إيرادها فباع الأخرى، أما إذا كان يعرف الحقيقة وأن الدار التي نزل إيرادها هي دار القاهرة وأراد بيعها، فسها في التعبير وذكر دار الإسكندرية بدلا من أن يذكر دار القاهرة، كان الغلط هنا غلطة في التعبير، إذ أنه وهو يذكر دار الإسكندرية لم يرد أن يصدر منه هذا التعبير، وشرط التعبير أن يريده صاحبه كما قدمناه . وفي الحالة الأولى - حالة الغلط في الإرادة . يطعن في التعبير بالغلط ويكون قابلا للإبطال كما سبق القول. أما في الحالة الثانية . حالة الغلط في التعبير . فينبغي أن يعتبر التعبير باطلا ولا يعتد به لأن صاحبه لم يرد أن يصدر منه . والفرق واضح بين تعبير قابل للإبطال في الحالة الأولى وتعبير باطل في الحالة الثانية. ومع ذلك فإن التقنين المدني الألماني (م ۱۱۹) بعد التعبير قابلا للإبطال في الحالتين.

ثانيا: لا يقتصر في التفسير على العبارات التي تضمنت التعبير عن الإرادة أو أي مظهر خارجي تضمن هذا التعبير، بل يعتمد في التفسير بما أحاط التعبير عن الإرادة من ظروف خارجية ، كوقائع مادية ومكاتبات سابقة على صدور التعبير وعلاقات عمل سابقة بين الطرفين والمألوف في التعامل بينهما، على أن يكون المعنى المستخلص من كل هذا هو المعنى الذي يستخلصه الشخص عادة وفقا للعرف الجاري في المعاملات، ولا يعند من هذه الظروف الخارجية إلا بما أحاط منها بالتعبير ذاته وبما يمكن اعتباره بمثابة الجو الذي قام فيه التعبير، أما الظروف التي لا علاقة تربطها بالتعبير فلا يعتد بها. فلو أن بائع الدار في المثل المتقدم قال : إنه يبيع داره. ثم انزلق لسانه فذكر دار الإسكندرية بدلا من دار القاهرة، وأمكن بالرجوع إلى الظروف الخارجية والمكاتبات السابقة استخلاص أن المشتري فهم، أو كان ينبغي أن يفهم، الأمر على حقيقته، وأدرك، أو كان ينبغي أن بدرك، سهر البائع وأنه إنما أراد أن يقول دار القاهرة لا دار الإسكندرية ، جاز تفسير التعبير عن الإرادة على هذا النحو فتصحح الظروف الخارجية ما ورد خطأ في التعبير، ويكون التعبير المعتد به هو التعبير الذي أراد صاحبه صدوره منه لا التعبير الذي صدر فعلا. ولا نقتصر كما فعلنا من قبل على اعتبار التعبير الذي صدر فعلا باطلا ، بل نجاوز ذلك إلى تصحيحه وإحلال التعبير الذي أراد صاحبه صدوره منه محله، ويترتب على ذلك أن المشتري إذا قبل شراء الدار التي في الإسكندرية يكون قبوله غير مطابق حكمة للإيجاب، وإن كان مطابقة له في الظاهر، فلا ينكون العقد لأن الإيجاب والقبول لم يتوافقا على محل واحد. فإذا لم يمكن أن يستخلص من الظروف الخارجية ما يصحح التعبير عن الإرادة على هذا الوجه، فبقي التعبير قائمة وقبله المشتري فانعقد العقد، فهل يجوز للبائع أن يطالب بإبطال العقد للغلط؟ الظاهر أنه لا يجوز له ذلك ما دام المشتري كان على حق في فهم الإيجاب على أنه متعلق بالدار التي في الإسكندرية، لأن استقرار التعامل يقتضي قيام العقد صحيحة في هذه الحالة كما سيأتي (انظر سالي في التعبير عن الإرادة فقرة( ۸۱).

ثالثا : إذا أدى التعبير عن الإرادة إلى انعقاد العقد، فإن التعبير . وقد كان مجرد إيجاب من قبل ثم انصب عليه القبول بعد ذلك . يصبح تعبيرا مشتركة بين الطرفين لا يستقل به احدهما، ومن ثم وجب استخلاص نية المتعاقدين المشتركة وفقا لما تفتضيه النزاهة في التعامل  والنية المشتركة ليست بالنية الذاتية لكل من المتعاقدين، فقد يتعذر تطابق هاتين النيتين، وإنما هي نية موضوعية مشتركة متجهة إلى ما ينبغي أن يكون لا إلى ما كان فعلا، فلا تستخلص كل نية على حدة، بل تستخلص نية مشتركة هي التي يتوقعها الطرفان معا كل منهما من الآخر، وقد أدخلها كل منهما في حسابه واستقر تعاملهما عليها.

فإذا وقع خلاف بين النبتين الذاتيتين للمتعاقدين. وجب على القاضي التوفيق بينهما الاستخلاص نية مشتركة منهما جميعا، يسترشد في استخلاصها بما ينبغي أن يسود التعامل من النزاهة وحسن النية وبالعرف المستقر، فإن كلا من المتعاقدين من حقه أن يتوقع ذلك من المتعاقد الآخر. فيرسم القاضي للعقد غاية اجتماعية ، موضوعية لا ذاتية، يستخلصها من ظروف التعاقد وملابساته، وهي الغاية التي ينتظر كل متعاقد من صاحبه أن يهدف إليها من وراء تعاقده، وعلى هذه الغاية الموضوعية يركز القاضي نية كل من المتعاقدين، فتتلاقى النبتان عندها وتنقلبان من نيتين ذاتيتين متفرقتين إلى إرادة موضوعية مشتركة. فلا ينبغي إذن أخذ إرادة كل من المتعاقدين بمفردها وعزلها عن إرادة المتعاقد الآخر، بل يجب أخذ الإرادتين معا منتظمتين في إرادة واحدة على نحو من التفسير هو المألوف بين الناس، فليس يقوم العقد على إرادتين منفصلتين بل يقوم على إرادة مشتركة، ولا يمكن القاضي إلا أن يفعل ذلك، وإلا أن يتلمس إرادة موضوعية مشتركة من الجمع بين الإرادتين الذاتيتين للمتعاقدين، فإنه إن لم يفعل، وأخذ بإرادة دون أخرى، أو اقترب من إرادة وابتعد عن أخرى كان في هذا إيثار لأحد المتعاقدين وتضحية للمتعاقد الآخر.

فالإرادة المشتركة للمتعاقدين ليست هي حتما نية من صدر منه الإيجاب، وليست هي حتما نية من صدر منه القبول، بل هي نية تعاقدية مشتركة استخلصت عن طريق تحوير كل من الإيجاب والقبول، ونقلهما من نطاق ذاتي إلى نطاق موضوعي، حتى يتم التطابق بينهما. وقد يقال : إن هذه الإرادة المشتركة ليست هي الإرادة الحقيقية لأي من المتعاقدين، بل هي إرادة مصطنعة موهومة خلقناها خلقا حتى يقوم عليها العقد. ولكن أليس ذلك خيرا من الأخذ بالإرادة الحقيقية لأحد المتعاقدين وإغفال الإرادة الحقيقية للمتعاقد الآخر! فليس العقد هو سيطرة الإرادة الفردية في ذاتها، وإنما هو أداة التوفيق ما بين الإرادات الفردية للوفاء بمصالح متقابلة والوصول إلى غاية مشتركة. ومن ثم إذا صدر إيجاب. فإن استقرار التعامل وضروريات الائتمان تقتضي أن يلتزم الموجب بالمعنى الظاهر من إيجابه ، ذلك المعنى الذي يستطيع المتعاقد الآخر أن يستخلصه، وهو المعنى الذي يجب الأخذ به، فعنده يتلاقي كل من الإيجاب والقبول(1) .

المطلب الثاني السبب جزء من التعبير عن الإرادة في القانون الألماني ليس للسبب وجود مستقل عن العبير:

قدمنا أن القانون الألماني لا يعتد في الإرادة إلا بالتعبير عنها؛ فالتعبير عنده هو الإرادة ذاتها . ولكنه، من جهة أخرى، يجعل للمتعاقدين الحرية في إصدار هذا التعبير على النحو الذي يريان ، وبالمدى الذي يقدران. فلهما أن يضمنا التعبير ما يريدان من دوافع وبواعث، فتصبح هذه جزءا من التعبير عن الإرادة ، ويعتد بها بالقدر الذي يعتد بالتعبير . وعلى النقيض من ذلك إن شاء المتعاقدان أن يجردا التعبير من سببه ، فلهما أن يقتصرا  على تضمين التعبير الالتزام في ذاته دون ذكر لسببه أو للدافع إليه، فيكون الالتزام على هذا النحو التزامه مجردة.

فلم يعد إذن للسبب، في القانون الألماني، وجود مستقل عن التعبير، فما شاء المتعاقدان أن يضمناه التعبير من سبب يصبح جزءأ منه، وما شاءا أن يغفلاه يجب استبعاده من دائرة التعاقد ولا يعتد به. ومن ثم لا يوجد في القانون الألماني . كما وجد في القوانين اللاتينية - نظرية للسبب.

وهنا أيضا نجد القانون الألماني يطاوع نزعته الموضوعية، ابتغاء استقرار التعامل. فالسبب لا يلتمس خارج التعبير عن الإرادة ، بل يجب أن يتضمنه هذا التعبير، وبذلك يكون السبب شيئا موضوعيا لا أمرأ نفسيا فيستقر التعامل.

مشروعية السبب في القانون الألماني:

وأيا كان السبب الذي ضمنه المتعاقدان التعبير - سببه بالمعنى الضيق المعروف في النظرية التقليدية أو سببة بمعنى الباعث الجوهري في التعاقد أو سببه بمعنى الباعث ولو لم يكن جوهريا . فإنه يجب أن يكون سببا مشروعة، لأن التعبير تضمنه فأصبح جزءا منه كما قدمنا، ولا يجوز أن يكون التعبير غير مشروع. وقد نصت المادة ( 1/138) من التقنين المدني الألماني على هذا الحكم إذ تقول : "يكون باطلا كل تصرف قانوني يخل بالآداب".

على أن المقصود بالتعبير الذي يتضمن السبب ليس هو التعبير بالمعنى الضيق، أي التعبير ذاته محصورة في العبارات التي ورد فيها، بل التعبير بالمعنى الواسع، مفسرة بالظروف الخارجية التي تلابسه وتحيط به، من مكاتبات بين الطرفين، وعلاقات سابقة ولاحقة بينهما، وما ألفاه في التعامل أحدهما مع الآخر، ونحو ذلك مما تقدم بيانه .

ففي التصرفات الملزمة للجانبين، ولا يقتصر القاضي كما في النظرية التقليدية على الاعتداد بالالتزامين المتقابلين فيكون أحدهما سببه للآخر، بل إذا تضمن التعبير . بالمعنى الواسع الذي أسلفناه . إلى جانب ما تقدم الباعث على التعاقد، اعتد به القاضي وقدر مشروعيته وفقا للآداب المتواضع عليها. ولكن القاضي، لا يستطيع أن يجاوز ما تضمنه التعبير إلى النبات الداخلية الذاتية لكل من المتعاقدين فإن هذا يهدد استقرار التعامل تهديده بليغة فتتزعزع العلاقات بين الناس، فلا بصح إذن الاعتداد بالباعث إذا لم يتضمنه التعبير؛ حتى لو كان هذا الباعث معروفة من المتعاقد

الآخر. والواجب إذا أريد الاعتداد بالباعث ان يندرج في التعبير، فيصبح جزءا منه، فإن كان غير مشروع، كان التعبير باطلا. وليس على القاضي وقد رأى التعبير يشتمل على أمر غير مشروع، إلا أن يبطل هذا التعبير، دون أن يكلف نفسه عناء البحث فيما إذا كان هذا الأمر غير المشروع هو السبب أو الباعث، فأمامه تصرف غير مشروع لا تقره الآداب العامة، وهو كحارس لهذه الآداب لا يملك إلا أن يبطل هذا التصرف(2).

عدم المشروعية في القانون الألماني هو الإخلال بالآداب العامة:

ما هي الآداب العامة؟

وقد اقتصر التقنين الألماني (م ۱ / ۱۳۸) على جعل عدم المشروعية هو الإخلال بالآداب العامة ، ولم يذكر النظام العام فالنظام العام يفهم عادة على أنه المبادئ العامة الأساسية التي يقوم عليها النظام الاجتماعي والسياسي والصناعي، وهل تشبه في هذا النظام روح الفردية أو روح الاشتراكية، وإلى أي مدى تتدخل الدولة في نشاط الفرد، فهي إذن مبادئ تنطوي على تقدير ذاتي يتعارض مع التقدير الموضوعي للآداب العامة. إذ الآداب العامة هي ما تواضع الناس في وقت معين على أن يكون أساسا لتقدير التصرفات والأعمال من الناحية الأدبية، فليس المعيار فيها ذاتيا، بل هو معيار موضوعي، لأن القاضي لا يطبق معياره الذاتي وفهمه الشخصي لما هي الآداب العامة، بل يطبق معيارا موضوعيا هو ما تواضعت عليه الناس واصطلحت على أن يكون معيارا للتقدير . ثم إن الآداب العامة هي ما أراد الشعور العام أن يجعل له جزاء قانونيا، فلا تدخل الآداب الاجتماعية  في هذا النطاق .

وكان المشروع الأول للتقنين الألماني بذكر النظام العام إلى جانب الآداب العامة ، ولكن المشروع الثاني حذف النظام العام ولم يستبق إلا الآداب العامة. ذلك أن واضعي المشروع الثاني حسبوا أن النظام العام إنما هو سلاح خطر يوضع في يد القاضي، فمبادئ النظام العام لا تنطوي ، كما قدمنا، على قدر من الانضباط والموضوعية بحيث تأمن الناس من تحكم القاضي. أما الآداب العامة فقد أسلفنا أن معيارها موضوعي لا سبيل فيه إلى التحكم، فما تواضعت عليه الناس على أنه من الآداب العامة وجب اعتباره كذلك، ولا شأن في هذا الأمر لما يعتنقه القاضي من معتقدات سياسية أو اجتماعية ، فلا خوف إذن من تحكمه

ولهذا السبب أيضا رفض اقتراح يقضي باستبدال عبارة «الآداب العامة»  بكلمة الأخلاق» ، إذ الأخلاق تفسح المجال للمعايير الذاتية ، فما يراه قاض متفقة مع الأخلاق قد يراه قاض آخر متعارضة معها، أما الآداب العامة فلا سبيل إلى الاختلاف فيها، إذ العبرة هنا بما تواضعت عليه الناس لا بما يراه القاضي، وما تواضع عليه جمهور الناس لا فئة ممتازة منهم، وما تواضع عليه جمهور الناس فعلا لا المثل العليا التي تتطلع إليها الناس .

على أنه ينبغي التمييز بين «الآداب العامة، والعرف المتواضع عليه» ، فالقاضي   يلتزم الآداب العامة دون أن يلتزم العرف المتواضع عليه، فقد تتواضع الناس على عرف قبيح، وبالرغم من تواضع الناس على ذلك يستقر في ضمير المجتمع أن هذا العرف قبيح وأنه بخل بالآداب العامة(3)

وغني عن البيان أن الآداب العامة بهذا التحديد ليست شيئة ثابتة لا يتغير على مدى الأجيال والدهور، بل هي تتطور من جيل إلى جيل تبعا لتطور الشعور العام.

 تطبيقات مختلفة للتصرفات المخلة بالآداب العامة في القانون الألماني:

وفي القضاء الألماني تطبيقات كثيرة لتصرفات باطلة لإخلالها بالآداب العامة . من ذلك الاتفاقات التي تخل بمبدأ عدم جواز التصرف في الحرية الشخصية كالاتفاقات التي تمنع من المنافسة المشروعة أو تقيد من حرية العمل. وكذلك الاتفاقات التي يعقدها المنتجون فيما بينهم الغرض الاحتكار، والمناورات الخفية لرفع الأسعار، وكثير من الشروط التعسفية التي تسقط حق المؤمن عليه في عقود التأمين، ومن ذلك أيضا تصرف الشخص في جسمه بعد موته لأغراض طبية وإن كان الشعور العام أخذ يتطور نحو إباحة هذا التصرف، والاتفاقات المفيدة من حرية الزواج، وعقد الوساطة في الزواج وقد صدر في ألمانيا تشريع خاص بتحريمه.

ومن أهم التطبيقات للاتفاقات المخلة بالآداب العامة ما أوردته الفقرة الثانية من المادة (۱۳۸) من التقنين المدني الألماني في خصوص الاستغلال. وهي تنص على ما يأتي : «يكون باطلا بنوع

خاص كل تصرف قانوني يستغل بموجبه أحد المتعاقدين حاجة المتعاقد الآخر أو طيشه أو عدم تجربته ليحمله على أن يتعهد له أو للغير. أو أن يكفل بأي طريق آخر، في مقابل ما حصل عليه ، منافع ذات قيمة مالية تزيد على قيمة هذا المقابل، بحيث تختل النسبة بين القيمتين اختلالا فادحة نظرا لظروف الحال»(4) .

ويلاحظ حتى يكون الاستغلال مخة بالآداب العامة أن هناك عنصرين يجب توافرهما . الأول: عنصر موضوعي، وهو الاختلال الفادح بين القيمتين، قيمة ما أخذه أحد المتعاقدين وقيمة ما أعطى، وهذا هو الغبن الفاحش. ولا بد من استظهار هذا الغبن الفاحش، فإن لم يوجد، ولم يكن الاختلال بين القيمتين فادحة، فلا استغلال، حتى لو تبين أن العاقد الذي استغلت حاجته أو طيشه أو عدم تجربته كانت إرادته في الواقع من الأمر مشوبة بغلط أو تدليس أو إكراه، وفي هذه الحالة يكون التصرف قابلا للإبطال لعيب في الإرادة ، وليس باطلا لإخلاله بالآداب العامة. وعلى العكس من ذلك، إذا وجد هذا الاختلال الفادح، فهناك استغلال ويكون التصرف باطلا لإخلاله بالآداب العامة، ولو لم يؤد الضغط على العاقد الذي استغلت حاجته أو طيشه أو عدم تجربته إلى أن تكون إرادته مشوبة بعيب. أما إذا صحب الاستغلال عيب في الإرادة، كان التصرف من ناحية قابلا للإبطال بسبب العيب، وكان من ناحية أخرى بسبب الاستغلال، ويرجح بطبيعة الحال أن يكون التصرف باطلا لا قابلا للإبطال. الثاني: عنصر ذاتي، وهو استغلال أحد المتعاقدين في المتعاقد الآخر حاجته أو طيشه أو عدم تجربته. وهذا العنصر الذاتي هو العنصر الهام في الاستغلال، وهو الذي يحدد مصير التصرف. فالقانون الألماني وقف عنده ليستخلص أن الاستغلال مخل بالآداب العامة، ومن ثم يكون التصرف باطلا. أما القوانين اللاتينية التي أوردت نضا مقابلا للنص الألماني . ومعها التقنينات المدنية العربية المصري والسوري والليبي والعراقي . فقد وقفت هي أيضا عند هذا العنصر الذاتي لتستخلص منه أن الاستغلال أحدث في الإرادة عيبا قريبا إلى أن يكون غلط أو تدليسا أو إكراها، ومن ثم يكون التصرف قابلا للإبطال، فالقانون الألماني اعتد بإرادة العاقد الذي صدر الاستغلال من جهنه واعتبرها إرادة مخلة بالآداب العامة، ومن ثم جعل التصرف باطلا. أما القوانين اللاتينية فقد اعتدت بإرادة العائد الذي وقع عليه الاستغلال واعتبرتها إرادة معيبة ومن ثم جعلت التصرف قابلا للإبطال .

التصرف المجرد في القانون الألماني (5)  :

الإرادة، مجردة من الشكل ومن السبب معا، لا يمكن أن يسلم بها كقاعدة في قوانين تأخذ بالإرادة الباطنة كالقوانين اللاتينية فإن الأخذ بالإرادة الباطنة معناه أن تتحرر الإرادة من عيوبها وأن تقترن بسببها، ولكن الأخذ بالإرادة الظاهرة يجعل من اليسير أن يباعد ما بينها وبين الإرادة الباطنة ، فتتجرد الإرادة الظاهرة من عيوب الإرادة الباطنة كما تتجرد من السبب الذي حرك هذه الإرادة، ولا يبقى في مجال التعامل إلا هذه الإرادة الظاهرة المجردة، وهذا ما يسمى بالتصرف المجرد acte) (abstrait . وهناك فائدة كبيرة من تجريد الإرادة الظاهرة على هذا النحو، إذ بهذا التجريد يصبح التصرف غير معرض للبطلان لا من طريق عيوب الإرادة ولا من طريق عيوب السبب. وكل ما يستطيع المدين أن يفعل هو أن يرجع بدعوى الإثراء على دائنه، فيدفع دعواه إذا لم يكن قد دفع الدين، أو يسترد ما دفع إذا كان قد وفي . فإذا كان الدائن قد حول حقه إلى الغير، فإن هذا الغير لا يحتج عليه شيء من ذلك ، بل يستخلص الحق من المدين، وللمدين بعد ذلك أن يرجع على الدائن بما دفعه إلى الغير ، ومن ثم يكون من التصرف المجرد أداة قوية من أدوات الائتمان ، تشتد حاجة التعامل إليها كلما اشتدت الحاجة إلى الاستقرار.

وإذا كان التعامل يتنازعه عاملان ؛ عامل احترام الإرادة وعامل الاستقرار، فإن التصرف  المسبب يستجيب للعامل الأول، ويستجيب التصرف المجرد للعامل الثاني . ومنذ انتكست الشكلية في العقود وساد مذهب الرضائية، انتصر عامل الإرادة على عامل الاستقرار، ولم يستطع عامل الاستقرار أن يسترد ما نقد إلا بظهور التصرف المجرد، ففيه ينتصر على الإرادة كما رأينا. ومن هنا كان تطور العقد من تصرف شكلي إلى تصرف رضائي، ثم من تصرف رضائي إلى تصرف مجرد، تطوره تعاقب فيه عاملا الاستقرار والإرادة على مراحل متتابعة، كان الظفر في كل مرحلة منها لأحد العاملين على الآخر، ومن هنا أيضا كان التصرف المجرد رجوع إلى التصرف الشكلي المهذب ، كلاهما يستجيب لعامل الاستقرار، ولكن التصرف الشكلي يستجيب إليه في جمعية بدائية ، ويستجيب إليه التصرف المجرد في جمعية متحضرة.

على أن التصرف المجرد . على شدة الحاجة إليه في استقرار التعامل وبخاصة إذا تقدمت التجارة وتشعبت سبلها وظهرت الحاجة إلى أدوات ائتمان ثابتة . لم يظفر من القوانين اللاتينية ، وهي التي تأخذ بالإرادة الباطنة، إلا بمكان ضيق محدود. وعلى النقيض من ذلك، ظهر التصرف المجرد في القوانين الجرمانية ، وهي التي تأخذ بالإرادة الظاهرة، بمكان رحب سما فيه إلى مرتبة القاعدة. ولا غرابة في ذلك، فقد بينا أن التصرف المجرد يتمشى مع الإرادة الظاهرة التي تأخذ بها القوانين الجرمانية ويتعارض مع الإرادة الباطنة التي تأخذ بها القوانين اللاتينية .

وفي القانون الألماني نوعان من التصرفات:

١. التصرفات المسببة، وهي أغلب التصرفات المدنية، وفيها السبب ركن يجب أن يكون صحيحة مشروعة. ولا يراد بالسبب هنا الباعث الذي يتضمنه التعبير عن الإرادة على النحو الذي بسطناه فيما تقدم، وإنما للسبب معني خاص، يقرب من المعنى المعروف في النظرية التقليدية . ولتحديد هذا المعنى يبدأ الألمان بتعريف ما يسمونه «الإضافة إلى الذمة، وهي عبارة عن منفعة مالية أو إثراء يتحقق لصالح شخص بموجب عمل إرادي مشروع - تصرف قانوني أو عمل مادي ۔ يصدر من المفتقر . وسبب الإضافة إلى الذمة هو عبارة عن الغرض المباشر الذي يرمي إلى تحقيقه المضيف للذمة. ويحدد هذا السبب، وفقا للفقه الألماني، على أساس تقسيم ثلاثي للسبب موروث من دعاوى الإثراء في القانون الروماني، يكون السبب بمقتضاه إما الوفاء أو الإدانة أو التبرع . ومعنى كل من الوفاء والتبرع معروف، أما الإدانة فهي التصرف بمقابل، وهذا المقابل إما أن يكون موضوعه استرداد ما أعطاه المضيف أو استرداد قيمته كما في القرض، وإما أن يكون موضوعه شيئا آخر يحدد بالاتفاق كما في العقد الملزم للجانبين، فالبائع بحصل على دين بالثمن في مقابل التزامه بنقل ملكية البيع. فإذا كان التصرف مسببا وجب أن يكون له سبب مشروع هو الوفاء أو الإدانة أو التبرع على النحو الذي أسلفنا، وهذا يقرب كثيرة من النظرية التقليدية في القوانين اللاتينية. أما الباعث فلا يعتد به، كما قدمنا، إلا إذا تضمنه التعبير عن الإرادة

٢. التصرفات المجردة ، وهي طائفتان : عقود انتقال الملكية والعقود المجردة المنشئة للالتزام. فالطائفة الأولى تنتقل بها الملكية دون اعتبار السبب. ذلك أن الملكية في القانون الألماني لا تنتقل بمجرد نشوء الالتزام بنقلها، بل لا بد من تنفيذ هذا الالتزام بطريق عقد آخر هو عقد انتقال

الملكية، فيذهب المتعاقدان إلى المكتب العقاري، ويعلنان اتفاقهما، ويسجلان هذا الاتفاق في السجل العقاري، فتنتقل الملكية، سواء كان العقد المنشئ للالتزام بنقلها صحيحة أو معيبا، وإذا اتضح بعد ذلك أن العقد كان معيبة، وأن الملكية انتقلت دون سبب، فليس لمن خرج عنها إلا الرجوع بدعوى شخصية على من تلقاها مي دعوى الإثراء بلا سبب، وبذلك يتوافر لعقد انتقال الملكية مزية الاستقرار والثبات . فما على الغير حتى يتثبت أنه يتعامل مع مالك العقار إلا أن يرجع إلى السجل العقاري، فمن كان اسمه مسجلا فيه كان هو المالك، ولو كان في ذلك تضحية للمالك الحقيقي، والطائفة الأخرى من التصرفات المجردة عقود منشئة للالتزام وتشمل:

اولا : حالات معينة بذواتها، منصوص عليها، وهي . عدا الأوراق التجارية والسندات . حوالة الحق وحوالة الدين والتنازل عن الحق الشخصي والإنابة في الوفاء، وفي هذه الحالات يكون العقد مجردا على النحو الذي رأيناه في عقود انتقال الملكية. فيتم نقل الحق أو الدين، ويتحقق التنازل عن الحق الشخصي، دون اعتبار للسبب في هذه الحوالة أو في هذا التنازل، فإذا تبين أن السبب غير موجود أو غير مشروع فليس ثمة إلا الرجوع بدعوى الإثراء. كذلك التزام المناب للمناب لديه بالوفاء التزام مجرد عن السبب، فلا يستطيع المناب أن يحتج على المناب لديه بما كان له أن يحتج به من دفوع ضد المنيب (6)  .

ثانيا: التعهد المجرد بالوفاء والاعتراف المجرد بالدين، وهما الصورتان العامتان للتصرف المجرد. فيضع التقنين المدني الألماني هنا قاعدة عامة للتصرف المجرد، ويجيز أن يتفق الدائن مع مدينه على أن يكون التزام المدين أو اعترافه بالدين مجرد فيوجد الالتزام في ذمته منفصلا عن السبب . سواء كان هذا السبب هو الوفاء أو الإدانة أو التبرع . ويقوم الالتزام حتى لو كان السبب غير موجود. وليس للمدين إلا دعوى الإثراء بلا سبب إزاء الدائن إذا تبين أن التزامه لم يكن مبنيا على سبب صحيح، فيتخلص بذلك من الالتزام إذا لم يكن قد وفاه، أو يسترد ما دفعه إذا كان قد وفي الالتزام. وقد اشترطت المادة (۷۸۰) من التقنين المدني الألماني في الالتزام المجرد أن يكون في ورقة مكتوبة ، إلا إذا كان هذا الالتزام تصفية الحساب أو مستندة إلى صلح، فلا تشترط الكتابة .

أما القوانين اللاتينية . وهي مشبعة بنظرية السبب . فلا تسلم بالتصرف المجرد، أو هي على الأقل لا تضع له قاعدة عامة كما فعلت التقنيات الجرمانية . فالالتزام في القوانين اللاتينية هو التزام مسبب. على أن هذه القوانين تفر الالتزام المجرد في حالات معينة منصوص عليها، وهي حالات قليلة العدد. وقد نص التقنين التجاري . حيث تشتد الحاجة للالتزام المجرد لاستقرار التعامل وسرعته . على عدد منها، هي الكمبيالات والسندات تحت الإذن والسندات لحاملها، أما التقنين المدني فقد نص على حالتين : التزام المناب في الوفاء نحو المناب لديه والتزام الكفيل نحو الدائن. فنصت المادة (361) من التقنين المدني المصري على أن: «يكون التزام المناب قبل المناب لديه صحيحة ولو كان التزامه نبل المنيب باطلا أو كان هذا الالتزام خاضعة لدفع من الدفوع، ولا يبقى للمناب إلا حق الرجوع على المنيب، كل هذا ما لم يوجد اتفاق يقضي بغيرها. أما في الكفالة ، فللكفيل أن يتمسك بجميع الأوجه التي يحتج بها المدين (م ۷۸۲ مصري)، ولكن التزام الكفيل نحو الدائن هو مع ذلك التزام مجرد لا يتأثر بالعلاقة ما بين الكفيل والمدين، ولا يجوز للكفيل أن يتمسك ضد الدائن بالدفوع التي له أن يتمسك بها ضد المدين . فإذا كفل الكفيل المدين في نظير أن يوفي المدين دينا آخر عليه مضمونة برهن يثقل عقار الكفيل، ولم يوف المدين بهذا الدين الآخر، فإن التزام الكفيل نحو الدائن يبقى قائمة، ولا يجوز للكفيل أن يدفع دعوي الدائن بأن المدين لم يوف بما تعهد به من تخليص عقار الكفيل من الرهن .

ويتبين مما قدمناه أن التقنين المدني المصري . والتقنيات المدنية العربية الأخرى . قد انحازت إلى القوانين اللاتينية، فاشترطت في التصرفات أن تكون مسببة، ولم تسلم بالتصرف المجرد إلا في حالات معينة بذواتها.

________________

1- انظر في كل ذلك سالي في التعبير عن الإرادة» فقرة (86- 88- 92) .

2-  سالي في التعبير عن الإرادة فقرة (35-36-38-39)

3- سالي في التعبير عن الإرادة» فقرة (44-45-53-54)

4-  وهذا هو النص مترجمة إلى اللغة الفرنسية بواسطة لجنة رسمية من كبار رجال القانون الفرنسيين:

Est nul, en particulier, un acte juridique par lequel quelqu'un, en exploitant le besoin, la légèrété d'esprit ou l'inexpérience d'un autre, tire profit de la situation, en ce que celui-ci lui promette ou lui assure de toute autre façon, à lui ou à un tiers, pour une prestation par lui faite des avantages de valeur patrimoniale, qui excèdent la valeur de la prestation fournie, de telle façon qu'en tenant compte des circonistances, les avantages qui en forment l'équivalent soit par rapport à cette prestation dans une disproportion choquante.

5- انظر الوسيط، للمؤلف الجزء الأول فقرة ( 285- 287).

6- انظر : التقنين الألماني المادتين (۳۹۸ و ٤۱۳) لحوالة الحق، والمواد (414) وما بعدها لحوالة الدين ،والمادة (۳۹۷) للتنازل عن الحق الشخصي، والمادة (784) للإنابة في الوفاء .




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .