أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-8-2020
![]()
التاريخ: 28-8-2020
![]()
التاريخ: 31-8-2020
![]()
التاريخ: 27-8-2020
![]() |
قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُومِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوالْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَو اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا } [الكهف: 13 - 18]
بين سبحانه قصة أصحاب الكهف فقال { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} أي: نتلوعليك يا محمد { نبأهم } أي: خبرهم { بالحق } أي: بالصدق والصحة { إنهم فتية } أي: أحداث وشباب { آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} أي: بصيرة في الدين ورغبة في الثبات عليه بالألطاف المقوية لدواعيهم إلى الإيمان وحكم لهم سبحانه بالفتوة لأن رأس الفتوة الإيمان وقيل الفتوة بذل الندى وترك الأذى وترك الشكوى عن مجاهد وقيل هي اجتناب المحارم واستعمال المكارم { وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي: شددنا عليها بالألطاف والخواطر القوية للإيمان حتى وطنوا أنفسهم على إظهار الحق والثبات على الدين والصبر على المشاق ومفارقة الوطن.
{ إذ قاموا } أي: حين قاموا بين يدي ملكهم الجبار دقيانوس الذي كان يفتن أهل الإيمان عن دينهم { فقالوا } بين يديه { رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: ربنا الذي نعبده خالق السماوات والأرض { لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا} أي: لن نعبد إلها سواه معه { لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} معناه إن دعونا مع الله إلها آخر فلقد قلنا إذا قولا مجاوزا للحق غاية في البطلان { هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا} أي: أهل بلدنا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ} أي: من دون الله { آلهة } يعبدونها { لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} أي: هلا يأتون على عبادتهم غير الله بحجة ظاهرة وفي هذا ذم زجر للتقليد وإشارة إلى أنه لا يجوز أن يقبل دين إلا بحجة واضحة.
{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} فزعم أن له شريكا في العبادة { وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} قال ابن عباس وهذا من قول تمليخا وهو رئيس أصحاب الكهف قال لهم فإذا فارقتموهم وتنحيتم عنهم جانبا يعني عبدة الأصنام وفارقتم ما يعبدون أي أصنامهم إلا الله فإنكم لن تتركوا عبادته وذلك إن أولئك كانوا يشركون بالله ويجوز أنه كان فيهم من يعبد الله مع عبادة الأصنام فقال: إذا اعتزلتم الأصنام ولم تعتزلوا الله ولا عبادته فيكون الاستثناء متصلا ويجوز أن يكون جميعهم كانوا يعبدون الأوثان من دون الله فيكون الاستثناء منقطعا { فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} أي: صيروا إليه واجعلوه مأواكم { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} أي: يبسط عليكم ربكم من نعمته { وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا} أي: ويسهل عليكم ما تخافون من الملك وظلمه ويأتيكم باليسر والرفق واللطف عن ابن عباس وكلما ارتفقت فهومرفق وقيل: معناه ويصلح لكم من أمر معاشركم ما ترتفقون به وفي هذا دلالة على عظم منزلة الهجرة في الدين وعلى قبح المقام في دار الكفر إذا كان لا يمكن المقام فيها إلا بإظهار كلمة الكفر وبالله التوفيق .
ثم بين سبحانه حالهم في الكهف فقال { وترى الشمس } أي: لو رأيتها لرأيت { إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} أي: تميل وقت طلوعها عن كهفهم إلى جهة اليمين { وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ} أي: تعدل عنهم وتتركهم { ذات الشمال } إلى جهة الشمال شمال الكهف أي لا تدخل كهفهم وقيل: تقرضهم أي تجاوزهم منحرفة عنهم عن ابن عباس { وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} أي: في متسع من الكهف وقيل: في فضاء منه عن قتادة وقيل: كان متسعا داخل الكهف بحيث لا يراه من كان ببابه وينالهم نسيم الريح.
ثم أخبر سبحانه عن لطفه بهم وحفظه إياهم في مضجعهم واختياره لهم أصلح المواضع لرقادهم فبوأهم مكانا من الكهف مستقبلا بنات النعش تميل الشمس عنهم طالعة وغاربة كيلا يؤذيهم حرها أوتغير ألوانهم أوتبلي ثيابهم وهم في متسع ينالهم فيه روح الريح وكان باب الغار مقابل القطب الشمالي { ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} أي: من أدلته وبرهانه { مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} مثل أصحاب الكهف { وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} مثل قوم أصحاب الكهف { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا} أي: لورأيتهم لحسبتهم منتبهين { وهم رقود } أي: نائمون في الحقيقة قال الجبائي وجماعة لأنهم مفتحوالعيون يتنفسون كأنهم يريدون أن يتكلموا ولا يتكلمون وقيل: إنهم ينقلبون كما ينقلب اليقظان { وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} معناه ونقلبهم تارة عن اليمين إلى الشمال وتارة عن الشمال إلى اليمين كما يتقلب النائم لأنهم لولم يتقلبوا لأكلتهم الأرض ولبليت ثيابهم لطول مكثهم على جانب واحد وقيل كانوا يقلبون كل عام تقلبتين عن أبي هريرة وقيل: كان تقلبهم كل عام مرة عن ابن عباس وقوله: { وكلبهم } قال ابن عباس وأكثر المفسرين إنهم هربوا من ملكهم ليلا فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم وتبعه كلبه وقيل: إنهم مروا بكلب فتبعهم فطردوه فعاد ففعلوا ذلك مرارا فقال لهم الكلب ما تريدون مني لا تخشوا خيانة فأنا أحب أولياء الله فناموا حتى أحرسكم عن كعب وقيل: كان ذلك كلب صيدهم وقيل: كان ذلك الكلب أصفر اللون عن مقاتل وقيل: كان أنمر واسمه قطمير عن ابن عباس وفي تفسير الحسن أن ذلك الكلب مكث هناك ثلاث مائة وتسع سنين بغير طعام ولا شراب ولا نوم ولا قيام.
{ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} هو أن يلقيهما على الأرض مبسوطتين كافتراش السبع { بالوصيد } أي: بفناء الكهف عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وقيل: بالباب وقيل: بباب الفجوة أوفناء الفجوة لا باب الكهف لأن الكفار خرجوا إلى باب الكهف في طلبهم ثم انصرفوا ولو رأوا الكلب على باب الغار لدخلوه وكذلك لو كان بالقرب من الباب ولما انصرفوا آيسين عنهم فإنهم سدوا باب الغار بالحجارة فجاء رجل بماشيته إلى باب الغار وأخرج الحجارة واتخذ لماشيته كنا عند باب الغار وهم كانوا في فجوة من الغار عن الجبائي وقيل: الوصيد عتبة الباب عن عطا.
{ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} معناه: لو أشرفت عليهم ورأيتهم في كهفهم على حالتهم لفررت عنهم وأعرضت عنهم هربا لاستيحاشك الموضع { وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} أي: ولمليء قلبك خوفا وفزعا وذلك إن الله منعهم بالرعب لئلا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله فيهم وقيل: كانوا في مكان موحش من رآه فزع ولا يمتنع أن الكفار لما أتوا باب الكهف فزعوا من وحشة المكان فسدوا باب الكهف ليهلكوا فيه وجعل سبحانه ذلك لطفا لئلا ينالهم مكروه من سبع وغيره وليكونوا محروسين من كل سوء وقيل: إنهم كانت أظفارهم قد طالت وكذلك شعورهم ولذلك يأخذ الرعب منهم وهذا لا يصح لقوله تعالى حكاية عنهم {لبثنا يوما أوبعض يوم}.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال غزوت مع معاوية نحوالروم فمروا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف فقال معاوية لوكشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقلت له ليس هذا لك فقد منع ذلك من هو خير منك قال الله تعالى { لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا } فقال معاوية لا أنتهي حتى أعلم علمهم فبعث رجالا فلما دخلوا الكهف أرسل الله عليهم ريحا أخرجتهم .
______________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص317-322.
{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ } . كان الناس قبل رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) يتداولون قصة أهل الكهف ، وقد دونت في بعض الكتب ، وجاء ذكر أهل الكهف في الشعر ، فمن قصيدة لأمية بن أبي الصلت :
وليس بها الا الرقيم مجاورا * وصيدهم والقوم في الكهف هجد
وبالمناسبة كان رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) يسأل رواة الشعر ان يقرؤا له من شعر ابن أبي الصلت هذا ، فيستمع إليه ويقول : هذا رجل آمن لسانه وكفر قلبه .
وقد أنشأ الناس الأساطير حول أصحاب الكهف ، كما أنشأوها حول كثير من الغابرين ، ولذا قال تعالى لنبيه الكريم : « نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ » الذي لا رَيْبَ فِيهِ . . ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً . وبعد ان أجمل سبحانه قصتهم في الآيات السابقة بدأ بالتفصيل ، وتنقسم قصة أهل الكهف - كما جاءت في الآيات - إلى أربعة فصول : الأول اهتداء أهل الكهف إلى اللَّه . الثاني حالهم مع قومهم وفرارهم إلى الكهف . الثالث إيقاظهم من النوم الطويل . الرابع موتهم والبناء عليهم . . والآيات التي نحن الآن بصددها تتضمن الفصل الأول والثاني ، والمقطع الآتي من الآيات يتضمن الفصلين الآخرين .
الفصل الأول
{ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وزِدْناهُمْ هُدىً ورَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ } . من الشباب من هوتام وكامل في عقله وتفكيره ، تماما كما هو قوي وتام في جسمه ونشاطه ، وهذا النوع وان كان قليلا نادرا ، ولكنه موجود ، ومنه أهل الكهف ، فقد كانوا فتية يعيشون في مجتمع وثني فاسد ، ومع هذا رفضوه ولم يهضموه ، واهتدوا بصفاء فطرتهم إلى أن قومهم على ضلال ، وقالوا : كيف تكون الأحجار آلهة ، وهي لا تغني شيئا ؟ . وكيف تمنح المترفين القوة والغنى ، وتسلطهم على الضعفاء والمعدمين - كما يزعم الأقوياء - وهي لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا ؟ . .
وانتهى الفتية من هذا الشك والتساؤل إلى عقيدة التوحيد والبعث ، ولما علم اللَّه منهم الصدق في النية ، والإخلاص للحق ثبتهم على ايمانهم ، وزادهم بصيرة في أمرهم .
{ إِذْ قامُوا }. لم يبين سبحانه أين قاموا ، ولذا اختلف المفسرون ، فمن قائل : انهم قاموا بين يدي ملك زمانهم دقيانوس الجبار ، وهويحاكمهم على ايمانهم باللَّه ، ومن قائل : انهم قاموا من النوم . . وغير بعيد ان يكون المراد بقيامهم خروجهم على عادات قومهم ، وتمردهم على ما هم فيه من الشرك والفساد . .
وهذا هوشعار ثورتهم وتمردهم على عادات قومهم : { فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ والأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً ، هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَولا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً } .
آمن الفتية باللَّه الواحد الأحد ، وأعلنوا ايمانهم على الملأ ، وقالوا : ان الطغاة من قومهم يفترون الكذب على اللَّه وعلى عقولهم أيضا ، لأنهم أضافوا على الأصنام صفة الآلهة ، وهم يعلمون انها لا تضر ولا تنفع . . ولكنهم يموهون على البسطاء بأن هذه الآلهة هي التي اختارتهم ، ومنحتهم الامتياز والتفوق على الناس ، وان من خالفها في ذلك فلا جزاء له إلا القتل والتعذيب . . بهذا الزعم أراد الطغاة أن يقتلوا الفتية ، لا لشيء إلا لأنهم آمنوا باللَّه ، وكفروا بالأصنام أي بامتياز الطغاة وتفوقهم على المستضعفين .
تنبهت ، وانا اكتب هذه الكلمات ، إلى تفسير ظاهرة غريبة برزت في أيامنا ، وهي هذا الجيش العرموم من المعممين الذين لا يمتون بسبب قريب أوبعيد إلى الدين وأهله . . تنبهت إلى أن هناك يدا خبيثة تعمل في الخفاء ، وتضع التصاميم ، وتخصص الأموال لتجنيد المزيفين عن طريق المأجورين والعملاء ، وحشدهم أوحشرهم في صفوف أهل العلم ، فيلبسونهم العمائم ، لا لشيء إلا ليحموا مصالح الطغاة والمستعمرين باسم الدين ، تماما كما أضفى عتاة الشرك صفة الآلهة على الأصنام ليقولوا للبسطاء انها هي التي اختارتهم ، وأعطتهم السلطان والأموال ، وحرمت البؤساء والمستضعفين .
الفصل الثاني
{ وإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهً فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ويُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً } . ضاق بالفتية المؤمنين الطغاة من قومهم ، وحاولوا أن يفتنوهم عن دينهم . . فقال بعض الفتية لبعض : لا نجاة لنا من القوم الظالمين إلا بالفرار منهم ومما يعبدون ويفعلون . وبعد التداول والتشاور اتفقوا على اللجوء إلى الكهف ، حيث لا يملكون مقرا سواه . . فدخلوه وأوكلوا أمرهم إلى اللَّه راضين بما يختاره لهم ، حتى ولوأماتهم جوعا وعطشا . . وهكذا المؤمن الصادق يبقى مع إيمانه وفيا له ، ولا يبالي بما يحدث ويواجه الصعاب بثقة وأمل وحماسة ، ومتى بلغ الإنسان من الايمان هذا المبلغ كان اللَّه معه أينما يكون ، وجعل له فرجا عاجلا ، حتى ولوتظاهر عليه أهل السماء والأرض كما فعل مع أصحاب الكهف بعد ان انسدت امامهم جميع المسالك والمذاهب ، فاختار لهم الراحة والأمن والتحرر من هم الحياة وآلامها ، فأنامهم نومة لا ينبههم معها شيء ، ولا يخافون من شيء .
{ وتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ » - أي تنحرف - « عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ » - أي تعدل عنهم - « ذاتَ الشِّمالِ وهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ } أي في مكان واسع من الكهف ، فقد كان كبيرا ، وله كوة ينفذ منها الهواء الطيب ونور الشمس ، وكانت الشمس لا تصل إلى أجسامهم ، لا عند طلوعها ، ولا عند غروبها ، لأنهم كانوا في مكان من الكهف لا يصل إليه نور الشمس ، أولأن اللَّه كان يصرفها عنهم بقدرته { ذلك من آياته } ذلك إشارة إلى انحراف الشمس عنهم كأنها متعمدة ، والى وضعهم لا إيقاظ يحسون بمرور الزمن وما فيه ، ولا أموات بغير حراك وأنفاس . . ولا تفسير لهذا إلا قدرة اللَّه وحكمته .
{ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُو الْمُهْتَدِ ومَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً } . المراد بمن يهد اللَّه هنا أهل الكهف ، وبمن يضلل من أراد التنكيل بهم . انظر تفسير 178 من الأعراف ج 3 ص 423 .
{ وتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وهُمْ رُقُودٌ ونُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وذاتَ الشِّمالِ وكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ } . كانت عيونهم مفتوحة كأنها تنظر إلى الإمام ، وأجسادهم طرية يجري الدم في عروقها ، يتقلبون من جنب إلى جنب ، وكلبهم بفناء الكهف أوببابه باسط ذراعيه يحرسهم كالبواب الأمين { لَو اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً ولَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } لأنهم في وضع عجيب وغريب لا عهد لأحد بمثله .
_________________
1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية، ج 5، ص 108-111.
قوله تعالى:{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} إلى آخر الآية. شروع في ذكر ما يهم من خصوصيات قصتهم تفصيلا، وقوله:{ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ } أي آمنوا إيمانا مرضيا لربهم ولولا ذلك لم ينسبه إليهم قطعا.
وقوله:{ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} الهدى بعد أصل الإيمان ملازم لارتقاء درجة الإيمان الذي فيه اهتداء الإنسان إلى كل ما ينتهي إلى رضوان الله قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ}: الحديد: 28.
قوله تعالى:{ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا} إلى آخر الآيات الثلاث الربط هو الشد، والربط على القلوب كناية عن سلب القلق والاضطراب عنها، والشطط الخروج عن الحد والتجاوز عن الحق، والسلطان الحجة والبرهان.
والآيات الثلاث تحكي الشطر الأول من محاورتهم حين انتهضوا لمخالفة الوثنية ومخاصمتهم{ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}.
وقد أتوا بكلام مملوء حكمة وفهما راموا به إبطال ربوبية أرباب الأصنام من الملائكة والجن والمصلحين من البشر الذين رامت الفلسفة الوثنية إثبات ألوهيتهم وربوبيتهم دون نفس الأصنام التي هي تماثيل وصور لأولئك الأرباب تدعوها عامتهم آلهة وأربابا، ومن الشاهد على ذلك قوله:{عليهم} حيث أرجع إليهم ضمير{هم} المختص بأولى العقل.
فبدءوا بإثبات توحيده بقولهم:{ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فأسندوا ربوبية الكل إلى واحد لا شريك له، والوثنية تثبت لكل نوع من أنواع الخلقية إلها وربا كرب السماء ورب الأرض ورب الإنسان.
ثم أكدوا ذلك بقولهم:{ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا } ومن فائدته نفي الآلهة الذين تثبتهم الوثنية فوق أرباب الأنواع كالعقول الكلية التي تعبده الصابئة وبرهما وسيوا ووشنوالذين تعبدهم البراهمة والبوذية وأكدوه ثانيا بقولهم:{ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} فدلوا على أن دعوة غيره من التجاوز عن الحد بالغلوفي حق المخلوق برفعه إلى درجة الخالق.
ثم كروا على القوم في عبادتهم غير الله سبحانه باتخاذهم آلهة فقالوا:{ هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} فردوا قولهم بأنهم لا برهان لهم على ما يدعونه يدل عليه دلالة بينة.
وما استدلوا به من قولهم: إن الله سبحانه أجل من أن يحيط به إدراك خلقه فلا يمكن التوجه إليه بالعبادة ولا التقرب إليه بالعبودية فلا يبقى لنا إلا أن نعبد بعض الموجودات الشريفة من عباده المقربين ليقربونا إليه زلفى مردود إليهم أما عدم إحاطة الإدراك به تعالى فهو مشترك بيننا معاشر البشر وبين من يعبدونه من العباد المقربين، والجميع منا ومنهم يعرفونه بأسمائه وصفاته وآثاره كل على قدر طاقته فله أن يتوجه إليه بالعبادة على قدر معرفته.
على أن جميع الصفات الموجبة لاستحقاق العبادة من الخلق والرزق والملك والتدبير له وحده ولا يملك غيره شيئا من ذلك فله أن يعبد وليس لغيره ذلك.
ثم أردفوا قولهم:{ لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ } بقولهم{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} وهو من تمام الحجة الرادة لقولهم، ومعناه أن عليهم أن يقيموا برهانا قاطعا على قولهم فلولم يقيموه كان قولهم من القول بغير علم في الله وهو افتراء الكذب عليه تعالى، والافتراء ظلم والظلم على الله أعظم الظلم.
هذا فقد دلوا بكلامهم هذا أنهم كانوا علماء بالله أولي بصيرة في دينهم، وصدقوا قوله تعالى{وزدناهم هدى} وفي الكلام على ما به من الإيجاز قيود تكشف عن تفصيل نهضتهم في بادئها فقوله تعالى:{وربطنا على قلوبهم} يدل على أن قولهم:{ربنا رب السماوات والأرض} إلخ لم يكن بإسرار النجوى وفي خلإ من عبدة الأوثان بل كان بإعلان القول والإجهار به في ظرف تذوب منه القلوب وترتاع النفوس وتقشعر الجلود في ملإ معاند يسفك الدماء ويعذب ويفتن.
وقوله:{لن ندعوا من دونه إلها} بعد قوله{ربنا رب السماوات والأرض} - وهو جحد وإنكار - فيه إشعار وتلويح إلى أنه كان هناك تكليف إجباري بعبادة الأوثان ودعاء غير الله.
وقوله:{إذ قاموا فقالوا} إلخ يشير إلى أنهم في بادىء قولهم كانوا في مجلس يصدر عنه الأمر بعبادة الأوثان والإجبار عليها والنهي عن عبادة الله والسياسة المنتحلية بالقتل والعذاب كمجلس الملك أوملئه أوملإ عام كذلك فقاموا وأعلنوا مخالفتهم وخرجوا واعتزلوا القوم وهم في خطر عظيم يهددهم ويهجم عليهم من كل جانب كما يدل عليه قولهم:{وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف.
وهذا يؤيد ما وردت به الرواية - وسيجيء الخبر - أن ستة منهم كانوا من خواص الملك يستشيرهم في أموره فقاموا من مجلس وأعلنوا التوحيد ونفي الشريك عنه تعالى.
ولا ينافي ذلك ما سيأتي من الروايات أنهم كانوا يسرون إيمانهم ويعملون بالتقية لجواز أن يكونوا سائرين عليها ثم يفاجئوا القوم بإعلان الإيمان ثم يعتزلوهم من غير مهل فلم تكن تسعهم إدامة التظاهر بالإيمان وإلا قتلوا بلا شك.
وربما احتمل أن يكون المراد بقيامهم قيامهم لله نصرة منهم للحق وقولهم:{ربنا رب السماوات والأرض} إلخ قولا منهم في أنفسهم وقولهم:{وإذ اعتزلتموهم} إلخ قولا منهم بعد ما خرجوا من المدينة، أويكون المراد قيامهم لله، وجميع ما نقل من أقوالهم إنما قالوها فيما بين أنفسهم بعد ما خرجوا من المدينة وتنحوا عن القوم وعلى الوجهين يكون المراد بالربط على قلوبهم أنهم لم يخافوا عاقبة الخروج والهرب من المدينة وهجرة القوم لكن الأظهر هو الوجه الأول.
قوله تعالى:{ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} إلى آخر الآية الاعتزال والتعزل التنحي عن أمر، والنشر البسط، والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس وبفتحهما المعاملة بلطف.
هذا هو الشطر الثاني من محاورتهم جرت بينهم بعد خروجهم من بين الناس واعتزالهم إياهم وما يعبدون من دون الله وتنحيهم عن الجميع يشير به بعضهم عليهم أن يدخلوا الكهف ويتستروا فيه من أعداء الدين.
وقد تفرسوا بهدى إلهي أنهم لوفعلوا ذلك عاملهم الله من لطفه ورحمته بما فيه نجاتهم من تحكم القوم وظلمهم والدليل على ذلك قولهم بالجزم:{ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} إلخ ولم يقولوا: عسى أن ينشر أولعل.
وهذان اللذان تفرسوا بهما من نشر الرحمة وتهيئة المرفق هما اللذان سألوهما بعد دخول الكهف إذ قالوا - كما حكى الله -{ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}.
والاستثناء في قوله:{ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} استثناء منقطع فإن الوثنيين لم يكونوا يعبدون الله مع سائر آلهتهم حتى يفيد الاستثناء إخراج بعض ما دخل أولا في المستثنى منه فيكون متصلا فقول بعضهم: إنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون الأصنام كسائر المشركين.
وكذا قول بعض آخر: يجوز أنه كان فيهم من يعبد الله مع عبادة الأصنام فيكون الاستثناء متصلا في غير محله، إذ لم يعهد من الوثنيين عبادة الله سبحانه مع عبادة الأصنام، وفلسفتهم لا تجيز ذلك، وقد أشرنا إلى حجتهم في ذلك آنفا.
قوله تعالى:{ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} إلى آخر الآيتين التزاور هو التمايل مأخوذ من الزور بمعنى الميل والقرض القطع، والفجوة المتسع من الأرض وساحة الدار والمراد بذات اليمين وذات الشمال الجهة التي تلي اليمين أوالشمال أوالجهة ذات اسم اليمين أوالشمال وهما جهتا اليمين والشمال.
وهاتان الآيتان تمثلان الكهف ومستقرهم منه ومنظرهم وما يتقلب عليهم من الحال أيام لبثهم فيه وهم رقود والخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أنه سامع لا بما أنه هو، وهذا شائع في الكلام، والخطاب على هذا النمط يعم كل سامع من غير أن يختص بمخاطب خاص.
فقوله:{ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} يصف موقع الكهف وموقعهم فيه وهم نائمون وأما إنامتهم فيه بعد الأوي إليه ومدة لبثهم فيه فقد اكتفي في ذلك بما أشير إليه في الآيات السابقة من إنامتهم ولبثهم وما سيأتي من قوله:{ولبثوا في كهفهم}{إلخ} إيثارا للإيجاز.
والمعنى: وترى أنت وكل راء يفرض اطلاعه عليهم وهم في الكهف يرى الشمس إذا طلعت تتزاور وتتمايل عن كهفهم جانب اليمين فيقع نورها عليه، وإذا غربت تقطع جانب الشمال فيقع شعاعها عليه وهم في متسع من الكهف لا تناله الشمس.
وقد أشار سبحانه بذلك إلى أن الكهف لم يكن شرقيا ولا غربيا لا يقع عليه شعاع الشمس إلا في أحد الوقتين بل كان قطبيا يحاذي ببابه القطب فيقع شعاع الشمس على أحد جانبيه من داخل طلوعا وغروبا، ولا يقع عليهم لأنهم كانوا في متسع منه فوقاهم الله بذلك من أن يؤذيهم حر الشمس أويغير ألوانهم أويبلي ثيابهم بل كانوا مرتاحين في نومتهم مستفيدين من روح الهواء المتحول عليهم بالشروق والغروب وهم في فجوة منه، ولعل تنكير فجوة للدلالة على وصف محذوف والتقدير وهم في فجوة منه لا يصيبهم فيه شعاعها.
وقد ذكر المفسرون أن الكهف كان بابه مقابلا للقطب الشمالي يسامت بنات النعش، والجانب الأيمن منه ما يلي المغرب ويقع عليه شعاع الشمس عند طلوعها والجانب الأيسر منه ما يلي المشرق وتناله الشمس عند غروبها، وهذا مبني على أخذ جهتي اليمين والشمال للكهف باعتبار الداخل فيه، وكأن ذلك منهم تعويلا على ما هو المشهور أن هذا الكهف واقع في بلدة إفسوس من بلاد الروم الشرقي فإن الكهف الذي هناك قطبي يقابل بابه القطب الشمالي متمايلا قليلا إلى المشرق على ما يقال.
والمعمول في اعتبار اليمين واليسار لمثل الكهف والبيت والفسطاط وكل ما له باب أن يؤخذا باعتبار الخارج منه دون الداخل فيه فإن الإنسان أول ما أحس الحاجة إلى اعتبار الجهات أخذها لنفسه فسمى ما يلي رأسه وقدمه علوا وسفلا وفوق وتحت، وسمى ما يلي وجهه قدام وما يقابله خلف، وسمى الجانب القوي منه وهو الذي فيه يده القوية يمينا، والذي يخالفه شمالا ويسارا ثم إذا مست الحاجة إلى اعتبار الجهات في شيء فرض الإنسان نفسه مكانه فما كان من أطراف ذلك الشيء ينطبق عليه الوجه وهو الطرف الذي يستقبل به الشيء غيره تعين به قدامه وبما يقاطره خلفه، وبما ينطبق عليه يمين الإنسان من أطرافه يمينه وكذا بيسار الإنسان يساره.
وإذ كان الوجه في مثل البيت والدار والفسطاط وكل ما له باب طرفه الذي فيه الباب كان تعين يمينه ويساره باعتبار الخارج من الباب دون الداخل منه، وعلى هذا يكون الكهف الذي وصفته الآية بما وصفت جنوبيا يقابل بابه القطب الجنوبي لا كما ذكروه، وللكلام تتمة ستوافيك إن شاء الله.
وعلى أي حال كان وضعهم هذا من عناية الله ولطفه بهم ليستبقيهم بذلك حتى يبلغ الكتاب أجله، وإليه الإشارة بقوله عقيبه:{ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا}.
وقوله:{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} الأيقاظ جمع يقظ ويقظان والرقود جمع راقد وهو النائم، وفي الكلام تلويح إلى أنهم كانوا مفتوحي الأعين حال نومهم كالأيقاظ.
وقوله:{ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} أي ونقلبهم جهة اليمين وجهة الشمال، والمراد نقلبهم تارة من اليمين إلى الشمال وتارة من الشمال إلى اليمين لئلا تأكلهم الأرض، ولا تبلى ثيابهم، ولا تبطل قواهم البدنية بالركود والخمود طول المكث.
وقوله:{ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} الوصيد فناء البيت وقيل: عتبة الدار والمعنى كانوا على ما وصف من الحال والحال أن كلبهم مفترش بذراعيه باسط لهما بفناء الكهف وفيه إخبار بأنهم كان لهم كلب يلازمهم وكان ماكثا معهم طول مكثهم في الكهف.
وقوله:{ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} بيان أنهم وحالهم هذا الحال كان لهم منظر موحش هائل لوأشرف عليهم الإنسان فر منهم خوفا من خطرهم تبعدا من المكروه المتوقع من ناحيتهم وملأ قلبه الروع والفزع رعبا وسرى إلى جميع الجوارح فملأ الجميع رعبا، والكلام في الخطاب الذي في قوله:{لوليت} وقوله:{ولملئت} كالكلام في الخطاب الذي في قوله:{وترى الشمس}.
وقد بان بما تقدم من التوضيح أولا: الوجه في قوله:{ولملئت منهم رعبا} ولم يقل: ولملىء قلبك رعبا.
وثانيا: الوجه في ترتيب الجملتين:{ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} وذلك أن الفرار وهو التبعد من المكروه معلول لتوقع وصول المكروه تحذرا منه، وليس بمعلول للرعب الذي هو الخشية وتأثر القلب، والمكروه المترقب يجب أن يتحذر منه سواء كان هناك رعب أولم يكن.
فتقديم الفرار على الرعب ليس من قبيل تقديم المسبب على سببه بل من تقديم حكم الخوف على الرعب وهما حالان متغايران قلبيان، ولو كان بدل الخوف من الرعب لكان من حق الكلام تقديم الجملة الثانية وتأخير الأولى وأما بناء على ما ذكرناه فتقديم حكم الخوف على حصول الرعب وهما جميعا أثران للاطلاع على منظرهم الهائل الموحش أحسن وأبلغ لأن الفرار أظهر دلالة على ذلك من الامتلاء بالرعب.
_____________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص202-208.
القصّة المفصَّلة لأصحاب الكهف:
بعد أن ذكرت الآيات بشكل مُختصر قصّة أصحاب الكهف، بدأت الآن مرحلة الشرح المفصَّل لها ضمن (14) آية وكان المنطلق في ذلك قوله تعالى: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} كلامٌ خال مِن أي شكل مِن أشكال الخرافة والتزوير. { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}. وكما قُلنا فإِنَّ (فتية) جمع (فتى) وهي تعني الشاب الحدث. وبما أنَّ الجسم يكون قوياً في مرحلة الشباب، فهو على استعداد لقبول نور الحق، ومنبع للحب والسخاء والعفة. ولذا كثيراً ما تُستخدم كلمة (الفتى والفتوة) للتدليل على مجموع هذه الصفات حتى لو كانَ أصحابها من المسنيّن.
وتشير الآيات القرآنية ـ وما هو ثابت في التأريخ ـ إِلى أنَّ أصحاب الكهف كانوا يعيشون في بيئة فاسدة وزمانَ شاعت فيه عبادة الأصنام والكفر، وكانت هُناك حكومة ظالمة تحتمي مظاهر الشرك والكفر والإِنحراف.
مجموعة أهل الكهف ـ الذين كانوا على مستوى مِن العقل والصدق ـ أحسّوا بالفساد وقرروا القيام ضدَّ هذا المجتمع، وفي حال عدم تمكنهم مِن المواجهة والتغيير فإِنّهم سيهجرون هذا المجتمع والمحيط الفاسد.
لذا يقول القرآن بعد البحث السابق: { وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا }.
فإِذا عبدنا غيره: { لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}.
نستفيد مِن تعبير {ربطنا على قلوبهم} أنَّ بذرة التوحيد وفكرته كانت مُنذ البداية مرتكزة في قلوبهم، إِلاَّ أنّهم لم تكن لديهم القدرة على إِظهارها والتجاهر بها. ولكن الله بتقوية قلوبهم أعطاهم القدرة على أن ينهضوا ويعلنوا علانية نداء التوحيد.
وليس مِن الواضح فيما إِذا كانَ هذا الإِعلان قد تمَّ أوّلا أمام ملك زمانهم الظالم (دقيانوس) أو أنَّهُ تمَّ أمام الناس، أو أمام الاثنين معاً (الحاكم الظالم والناس) أو أنّهم تجاهروا به فيما بينهم أنفسهم؟
لكن يظهر مِن كلمة (قاموا) أنَّ إِعلانهم كان وسط الناس، أو أمام السلطان الظالم.
(شطط) على وزن (وسط) تعني الخروج عن الحد والإِفراط في الإِبتعاد لذا فإِنَّ (شطط) تُقال للكلام البعيد عن الحق، و يقال لحواشي وضفاف الأنهار الكبيرة (شط) لكونها بعيدة عن الماء، وكونها ذات جدران مُرتفعة.
وفي الواقع، إِنَّ هؤلاء الفتية المؤمنين ذكروا دليلا واضحاً لإِثبات التوحيد ونفي الآلهة. وهو قولهم: إِنّنا نرى وبوضوح أنَّ لهذه السماوات والأرض خالقاً واحداً، وأنَّ نظام الخلق دليل على وجوده، وما نحنُ إِلاَّ جزء مِن هذا الوجود، لذا فإِنَّ ربّنا هو نفسهُ ربّ السماوات والأرض.
ثمّ ذكروا دليلا آخر وهو: { هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً}.
فهل يُمكن الإِعتقاد بشيء بدون دليل وبرهان؟: { لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ}.
وهل يمكن أن يكون الظن أو التقليد الأعمى دليلا على مثل هذا الإِعتقاد؟ ما هذا الظلم الفاحش والإِنحراف الكبير: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}.
وهذا الإِفتراء هو ظلم للنفس، لأنَّ الإِنسان يستسلم حينئذ لأسباب السقوط والشقاء، وهو أيضاً ظلم بحق المجتمع الذي تسري فيه هذه الإِنحرافات، وأخيراً هو ظلم لله وتعرض لمقامه العظيم سبحانهُ وتعالى.
هؤلاء الفتية الموحدون قاموا بما يستطيعون لإِزالة صدأ الشرك عن قلوب الناس، وزرع غرسة التوحيد في مكانها، إِلاَّ أنَّ ضجة عبادة الأصنام في ذلك المحيط الفاسد، وظلم الحاكم الجبار كانتا مِن الشدّة بحيث حبستا أنفاس عبادة الله في صدورهم وانكمشت همهمات التوحيد في حناجرهم.
وهكذا اضطروا للهجره لانقاذ أنفسهم والحصول على محيط أكثر استعداداً وقد تشاوروا فيما بينهم عن المكان الذي سيذهبون إِليه ثمّ كان قرارهم: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ}. حتى: { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا}.
«يُهيَّىء» مُشتقة مِن «تهيئة» بمعنى الإِعداد.
«مرفق» تعني الوسيلة التي تكون سبباً للطف والرفق والراحة، وبذا يكون معنى الجملة { وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا} أنَّ الخالق سبحانهُ وتعالى سيرتب لكم وسيلة للرفق والراحة.
وليس مِن المستبعد أن يكون (نشر الرحمة) الوارد في الجملة الأُولى إِشارة إِلى الألطاف المعنوية لله تبارك وتعالى، في حين أنَّ الجملة الثّانية تشير إِلى الجوانب المادية التي تؤدي إِلى خلاصهم ونجاتهم.
مكان أصحاب الكهف:
يُشير القرآن في الآيتين أعلاه إِلى التفاصيل الدقيقة المتعلِّقة بالحياة العجيبة لأصحاب الكهف في الغار، وكأنّها تحكى على لسان شخص جالس في مقابل الغار ينظر إِليهم.
في هاتين الآيتين إِشارة إِلى ست خصوصيات هي:
أوّلا: فتحة الغار كانت باتجاه الشمال، ولكونه في الجزء الشمالي مِن الكرة الأرضية، فإِنَّ ضوء الشمس كانَ لا يدخل الغار بشكل مُباشر، فالقرآن يقول إنّك اذا رأيت الشمس حين طلوعها لرأيت أنّها تطلع من جهة يمين الغار، وتغرب من جهة الشمال: { وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ}.
وعلى هذا الأساس لم يكن ضوءِ الشمس يصل إِلى أجسادهم بشكل مِباشر، وهو أمر لو حصل فقد يؤدي إِلى تلف أجسادهم، ولكن الأشعة غير المباشرة كانت تدخل الغار بمقدار كاف.
إِنَّ عبارة (تزاور) التي تعني (التمايل) تؤكّد على هذا المعنى، وكأنَّ الشمس كانت مأمورة بأن تمرّ مِن اليمين (يمين الغار). وكلمة (تقرض) التي تعني (القطع) تؤكّد نفس مفهوم السابق، وإِضافة إِلى هذا فإِنَّ كلمة «تزاور» المشتقّة مِن كلمة (الزيارة) المقارنة لبداية الشيء تُناسب مفهوم طلوع الشمس. (وتقرض) تعني القطع والنهاية وهو معنى يتجلى في غروب الشمس.
ولأنَّ فتحة الغار كانت إِلى الشمال فإِنَّ الرياح اللطيفة والمعتدلة كانت تهب مِن طرف الشمال وكانت تدخل بسهولة إِلى داخل الغار، وتؤدي الى تلطيف الهواء في جميع زوايا الغار.
ثانياً: { وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ}
لقد كان أُولئك في مكان واسع مِن الغار، وهذا يدل على أنّهم لم يأخذوا مُستَقَرَّهم في فتحة الغار التي تتسم بالضيق عادة، بل إِنّهم انتخبوا وسط الغار مستقراً لهم كي يكونوا بعيدين عن الأنظار، وبعيدين أيضاً عن الأشعة المباشر لضوء الشمس.
وهُنا يقطع القرآن تسلسل الكلام ويستنتج نتيجة معنوية، حيثُ يبيّن أنَّ الهدف مِن ذكر هذه القصة هو لتحقيق هذا الغرض: { ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا}.
نعم، إِنَّ الذين يضعون أقدامهم في طريق الله، ويُجاهدون لأجله فإِنَّ الله سيشملهم بلطفه في كل خطوة وليسَ في بداية العمل فقط. إِنَّ الله يرعى هؤلاء حتى في أدق التفاصيل.
ثالثاً: إِنَّ نوم أصحاب الكهف لم يكن نوماً عادياً: { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ}. وهذا يدل على أنَّ أجفانهم كانت مفتوحة بالضبط مِثل الإِنسان اليقظ، وقد تكون هذه الحالة الإِستثنائية لكي لا تقترب منهم الحيوانات المؤذية التي تخاف الإِنسان اليقظ. أو لكي يكون شكلهم مُرعباً كي لا يتجرأ إِنسان على الإِقتراب منهم. وهذا بنفسه أُسلوب للحفاظ عليهم.
رابعاً: وحتى لا تتهرأ أجسامهم بسبب السنين الطويلة التي مكثوا فيها نياماً في الكهف، فإِنَّ الله تبارك وتعالى يقول: { وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ}.
حتى لا يتركز الدم في مكان معين، ولا تكون هُناك آثار سيئة على العضلات الملاصقة للأرض بسبب الضغط عليها لمدّة طويلة.
خامساً: في وصف جديد يقول تعالى: { وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ}.
كلمة «وصيد» وكما يقول الراغب في المفردات تعني في الأصل الغرفة أو المخزن الذي يتمّ إِيجاده في الجبال لأجل خزن الأموال، إِلاَّ أنَّ المقصود بهِ هنا هو فتحة الغار.
برغم أنَّ الآيات القرآنية لم تتحدث حتى الآن عن كلب أصحاب الكهف، إِلاَّ أنّ القرآن يذكر هُنا تعابير خاصّة تتضح مِن خلالها بعض المسائل، فمثلا ذكر حالة كلب أصحاب الكهف يفيد أنّه كان معهم كلب يتبعهم أينما ذهبوا ويقوم بحراستهم.
أمّا متى التحق هذا الكلب بهم، وهل كان كلب صيدهم، أو أنَّهُ كلب ذلك الراعي الذي التقى بهم في مُنتصف الطريق، وعندما عرف حقيقتهم أرسل حيواناته إِلى القرية والتحق بهم، لأنَّهُ كان يبحث عن الحقيقة مثلهم وقد رفض هذا الكلب أن يتركهم واستمرَّ معهم.
ألا يعني هذا الكلام أنَّ جميع المحبّين ـ لأجل الوصول إِلى الحق ـ يستطيعون سلوك هذا الطريق، وأنَّ الأبواب غير مغلقة أمام أحد سواء كانوا وزراء عند الملك الظالم ثمّ تابوا، أو كان راعياً، بل وحتى كلبه؟!
ألم يؤكّد القرآن أن جميع ذرات الوجود في الأرض والسماء، وجميع الأشجار والأحياء تذكر الله، وتحبّ الله في قلوبها وصميم وجودها؟ (راجع سورة الإِسراء ـ الآية 44).
سادساً: قوله تعالى: { لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا}.
إِنّها ليست المرّة الأُولى ولا الأخيرة التي يحفظ فيها الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بالرعب والخوف، فقد واجهتنا في الآية (151) مِن سورة آل عمران صورة مُماثلة جسّدها قول الله تبارك وتعالى: { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ }(2).
وفي دعاء الندبة نقرأ كلاماً حول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «ثمّ نصرتهُ بالرعب».
أو ما هو سبب الرعب في مشاهدة أهل الكهف، وهل يعود ذلك لظاهرهم الجسماني، أو بسبب قوّة معنوية سرية؟
الآيات القرآنية لم تتحدَّث عن ذلك، ولكن المفسّرين ذكروا بحوثاً مُفصَّلة في هذا المجال، ولعدم قيام الدليل عليها صرفنا النظر عن ذكرها.
كما أنّ قوله تعالى: { وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} في الحقيقة عِلَّة لقوله تعالى: {لوليت مِنهم فراراً} يعني لكُنت تهرب بسبب الخوف الذي يملأ قلبك، وكأنَّ قلبك مملوء بالخوف، وينفذ إلى ذرّات وجودك بحيث أنَّ جميع وجود الإِنسان يُصاب بالوحشة والخوف. على أي حال، إِذا أراد الله شيئاً فإِنَّهُ يُحقق أهم النتائج مِن خلال أبسط الطرق.
______________
1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص461-468.
2ـ لأجل التوضيح أكثر يمكن مراجعة ما جاء في ذيل الآية (148) مِن سورة آل عمران والآية (12) مِن سورة الأنفال من تفسيرنا هذا.
|
|
ليس التفاح.. أطباء يكشفون فاكهة تبقيك بعيدا عن الاكتئاب
|
|
|
|
|
إيلون ماسك يعلن تعرض منصة "إكس" لهجوم سيبراني "ضخم"
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تنشر لافتات احتفائية بذكرى ولادة الإمام الحسن (عليه السلام)
|
|
|