أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-8-2020
20667
التاريخ: 25-8-2020
14337
التاريخ: 28-8-2020
8864
التاريخ: 27-8-2020
17079
|
قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُو بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا } [الكهف: 50 - 53]
تفسير مجمع البيان
أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يذكر هؤلاء المتكبرين عن مجالسة الفقراء قصة إبليس وما أورثه الكبر فقال { وَإِذْ قُلْنَا} أي: واذكر يا محمد إذ قلنا { لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} قد مر تفسيره فيما تقدم وإنما تقرر هذا القول في القرآن لأجل ما بعده مما يحتاج اتصاله به فهو كالمعنى الذي يفيد أمرا في مواضع كثيرة للإخبار عنه بأخبار مختلفة وقوله { كَانَ مِنَ الْجِنِّ} من قال إن إبليس لم يكن من الملائكة استدل بهذا لأن الجن غير الملائكة كما أنهم غير الإنس ومن قال إنه كان من الملائكة قال إن المعنى كان من الذين يستترون عن الأبصار مأخوذ من الجن وهو الستر وقيل: كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن كانوا خزان الجنان فأضيفوا إليها كقولك كوفي بصري وضعف الأولون هذين الوجهين لأن لفظ الجن إذا أطلق فالمفهوم منه هذا الجنس المعروف لا الملائكة { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} أي: خرج عن طاعة ربه.
ثم خاطب الله سبحانه المشركين فقال { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} معناه: أ فتتبعون أمر إبليس وأمر ذريته وتتخذونهم أولياء تتولونهم بالطاعة من دوني وهم جميعا أعداء لكم والعاقل حقيق بأن يتهم عدوه على نفسه وهذا استفهام بمعنى الإنكار والتوبيخ قال مجاهد : ذريته الشياطين وقال الحسن : الجن من ذريته { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} تقديره بئس البدل للظالمين بدلا ومعناه بئس ما استبدلوا بعبادة ربهم إذا أطاعوا إبليس عن الحسن وقيل بئس البدل طاعة الشيطان عن طاعة الرحمن عن قتادة.
{ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} أي: ما أحضرت إبليس وذريته خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم مستعينا بهم على ذلك ولا استعنت ببعضهم على خلق بعض وهذا إخبار عن كمال قدرته واستغنائه عن الأنصار والأعوان ويدل عليه قوله { وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} أي: الشياطين الذين يضلون الناس أعوانا يعضدونني عليه وكثيرا ما يستعمل العضد بمعنى العون وإنما وحده هنا لوفاق الفواصل وقيل إن معنى الآية أنكم اتبعتم الشيطان كما يتبع من يكون عنده علم لا ينال إلا من جهته وإنا ما أطلعتهم على خلق السماوات والأرض ولا على خلق أنفسهم ولم أعطهم العلم بأنه كيف تخلق الأشياء فمن أين تتبعونهم وقيل معناه ما أحضرت مشركي العرب وهؤلاء الكفار خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم أي وما أحضرت بعضهم خلق بعض بل لم يكونوا موجودين فخلقتهم فمن أين قالوا إن الملائكة بنات الله ومن أين ادعوا ذلك.
{ وَيَوْمَ يَقُولُ} يريد يوم القيامة يقول الله للمشركين وعبدة الأصنام { نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} في الدنيا أنهم شركائي ليدفعوا عنكم العذاب { فَدَعَوْهُمْ} يعني المشركين يدعون أولئك الشركاء الذين عبدوهم مع الله { فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} أي: فلا يستجيبون لهم ولا ينفعونهم شيئا { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ} أي: بين المؤمنين والكافرين { مَوْبِقًا} وهو اسم واد عميق فرق الله به سبحانه بين أهل الهدى وأهل الضلالة عن مجاهد وقتادة وقيل: بين المعبودين وعبدتهم موبقا أي حاجزا عن ابن الأعرابي أي فأدخلنا من كانوا يزعمون أنهم معبودهم مثل الملائكة والمسيح والجنة وأدخلنا الكفار النار وقيل: معناه جعلنا تواصلهم في الدنيا موبقا أي مهلكا لهم في الآخرة عن الفراء وروي ذلك عن قتادة وابن عباس فالبين على هذا القول معناه التواصل والمعنى أن تواصلهم وتوادهم في الكفر صار سبب هلاكهم في الآخرة وقيل: موبقا عداوة عن الحسن فكأنه قال عداوة مهلكة وروي عن أنس بن مالك أنه قال الموبق واد في جهنم من قيح ودم .
ثم بين سبحانه حال المجرمين فقال { وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ} يعني المشركين رأوا النار وهي تتلظى حنقا عليهم عن ابن عباس وقيل: هو عام في أصحاب الكبائر { فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} أي: علموا أنهم داخلون فيها واقعون في عذابها { وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} أي: معدلا وموضعا ينصرفون إليه ليتخلصوا منها.
___________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص354-357.
{وإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} تقدم في الآية 34 من سورة البقرة و11 من سورة الأعراف و61 من سورة الإسراء {كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} أي خرج عن طاعة اللَّه ، وقلنا أكثر من مرة :
اننا نؤمن بوجود الجن لأن الوحي يثبته ، والعقل لا ينفيه ، واننا ندع التفاصيل لعلام الغيوب {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي} . القرآن ينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض : وقد عبّر عن الذين يلبسون الحق بالباطل بأنهم جنود إبليس وأولياؤه في العديد من الآيات . وقال هنا عز من قائل : {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ} فجاز لنا - وهذه هي الحال - ان نفسر ذرية إبليس بجنوده وأعوانه ، وان ذرية إبليس وجنوده وأولياءه هم الذين يلتمسون الباطل بالكذب والافتراء على الحق . . وليس ببعيد أن يكون التعبير عن هؤلاء بذرية إبليس للإشارة إلى قوة الشبه بين أعمالهم وأعماله .
ومن الطريف قول من قال : ان لإبليس ذكرا في فخذه الأيمن ، وفرجا في فخذه الأيسر ، فيدخل ذاك بهذا فيأتي النسل والذرية .
{قَوْمٍ عَدُولَكُمْ} . وكل من يموه عليك ، ويغريك بالباطل ، أويثني عليك بما ليس فيك فهوعدولك ، شعر بذلك أم لم يشعر ، أما من يبتدع الأساطير حول إبليس وغيره فهو عدو اللَّه ورسوله والانسانية {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} . والظالمون هم الذين يستبدلون طاعة الشيطان بطاعة الرحمن ، ومنهم الذين يختارون المفسدين لمنصب من المناصب ، ويفضلونهم على الصالحين .
{ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ والأَرْضِ ولا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} . ضمير أشهدتهم راجع إلى إبليس وذريته . وما أشهدتهم أي ما أحضرتهم حين خلقت الكون وخلقتهم ، والعضد النصير والمعين ، والمقصود بالكلام العاصون الذين فسقوا عن أمر اللَّه ، والمعنى ان اللَّه سبحانه إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون ، لا يستشير أحدا ، ولا يستعين بأحد لأنه غني عن العالمين ، وحين خلق الكائنات لم يحضر واحدا منها ، حتى ولو كان أتقى الأتقياء ، فكيف إذا كان ضالا مضلا كإبليس وجنوده ، وما دام الأمر كذلك فكيف يعصى خالق السماوات والأرض ، ويطاع من لا يملك لنفسه نفعا ، ولا يدفع عنها ضرا ؟ .
{ويَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً} أي مهلكا ، والمعنى ان اللَّه يقول غدا لمن يشرك في طاعته : أين الذي أطعته وزعمت أنه يجديك نفعا في هذا اليوم العصيب ؟ . ادعه وانظر هل يستجيب لك ؟ . كلا ، انه في شغل شاغل عنك وعن غيرك . . انه في عذاب الحريق . . وقوله تعالى : نادوا شركائي . . فدعوهم فلم يستجيبوا هو كناية عن يأس المجرمين وانقطاع آمالهم ممن كانوا يرجون ويأملون {ورَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ولَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً} . المراد بالظن هنا العلم واليقين ، وبالمصرف المكان الذي ينصرفون ويهربون إليه من النار . . والهروب غدا من عذاب اللَّه تماما كالهروب من الموت في هذه الحياة .
____________
1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 136-138.
قوله تعالى:{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} تذكير ثان لهم بما جرى بينه تعالى وبين إبليس حين أمر الملائكة بالسجود لأبيهم آدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن فتمرد عن أمر ربه.
أي واذكر هذه الواقعة حتى يظهر لهم أن إبليس – وهو من الجن - وذريته عدولهم لا يريدون لهم الخير فلا ينبغي لهم أن يفتتنوا بما يزينه لهم هو وذريته من ملاذ الدنيا وشهواتها والإعراض عن ذكر الله ولا أن يطيعوهم فيما يدعونهم إليه من الباطل.
وقوله:{ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} تفريع على محصل الواقعة والاستفهام للإنكار أي ويتفرع على الواقعة أن لا تتخذوه وذريته أولياء والحال أنهم أعداء لكم معشر البشر، وعلى هذا فالمراد بالولاية ولاية الطاعة حيث يطيعونه وذريته فيما يدعونهم فقد اتخذوهم مطاعين من دون الله، وهكذا فسرها المفسرون.
وليس من البعيد أن يكون المراد بالولاية ولاية الملك والتدبير وهو الربوبية فإن الوثنية كما يعبدون الملائكة طمعا في خيرهم كذلك يعبدون الجن اتقاء من شرهم، وهو سبحانه يصرح بأن إبليس من الجن وله ذرية وأن ضلال الإنسان في صراط سعادته وما يلجمه من أنواع الشقاء إنما هو بإغواء الشيطان فالمعنى أ فتتخذونه وذريته آلهة وأربابا من دوني تعبدونهم وتتقربون إليهم وهم لكم عدو؟.
ويؤيده الآية التالية فإن عدم إشهادهم الخلقة إنما يناسب انتفاء ولاية التدبير عنهم لا انتفاء ولاية الطاعة وهو ظاهر.
وقد ختم الآية بتقبيح اتخاذهم إياهم أولياء من دون الله الذي معناه اتخاذهم إبليس بدلا منه سبحانه فقال:{ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} وما أقبح ذلك فلا يقدم عليه ذومسكة، وهو السر في الالتفات الذي في قوله:{من دوني} فلم يقل: من دوننا على سياق قوله:{ وَإِذْ قُلْنَا} ليزيد في وضوح القبح كما أنه السر أيضا في الالتفات السابق في قوله:{ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} ولم يقل: عن أمرنا.
وللمفسرين هاهنا أبحاث في معنى شمول أمر الملائكة لإبليس، وفي معنى كونه من الجن وفي معنى، وقد قدمنا بعض القول في ذلك في تفسير سورة الأعراف.
قوله تعالى:{ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} ظاهر السياق كون ضميري الجمع لإبليس وذريته والمراد بالإشهاد الإحضار والإعلام عيانا كما أن الشهود هو المعاينة حضورا، والعضد ما بين المرفق والكتف من الإنسان ويستعار للمعين كاليد وهو المراد هاهنا.
وقد اشتملت الآية في نفي ولاية التدبير عن إبليس وذريته على حجتين إحداهما: أن ولاية تدبير أمور شيء من الأشياء تتوقف على الإحاطة العلمية - بتمام معنى الكلمة - بتلك الأمور من الجهة التي تدبر فيها وبما لذلك الشيء وتلك الأمور من الروابط الداخلية والخارجية بما يبتدىء منه وما يقارنه وما ينتهي إليه والارتباط الوجودي سار بين أجزاء الكون وهؤلاء وهم إبليس وذريته لم يشهدهم الله سبحانه خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم فلا كانوا شاهدين إذ قال للسماوات والأرض: كن فكانت ولا إذ قال لهم: كونوا فكانوا فهم جاهلون بحقيقة السماوات والأرض وما في أوعية وجوداتها من أسرار الخلقة حتى بحقيقة صنع أنفسهم فكيف يسعهم أن يلوا تدبير أمرها أو تدبير أمر شطر منها فيكونوا آلهة وأربابا من دون الله وهم جاهلون بحقيقة خلقتها وخلقة أنفسهم.
وأما أنهم لم يشهدوا خلقها فلأن كلا منهم شيء محدود لا سبيل له إلى ما وراء نفسه فغيره في غيب منه مضروب عليه الحجاب، وهذا بين وقد أنبأ الله سبحانه عنه في مواضع من كلامه وكذا كل منهم مستور عنه شأن الأسباب التي تسبق وجوده واللواحق التي ستلحق وجوده.
وهذه حجة برهانية غير جدلية عند من أجاد النظر وأمعن في التدبر حتى لا يختلط عنده هذه الألعوبة الكاذبة التي نسميها تدبيرا بالتدبير الكوني الذي لا يلحقه خطأ ولا ضلال، وكذا الظنون والمزاعم الواهية التي نتداولها ونركن إليها بالعلم العياني الذي هو حقيقة العلم وكذا العلم بالأمور الغائبة بالظفر على أماراتها الأغلبية بالعلم بالغيب الذي يتبدل به الغيب شهادة.
والثانية أن كل نوع من أنواع المخلوقات متوجه بفطرته نحوكماله المختص بنوعه وهذا ضروري عند من تتبعها وأمعن النظر في حالها فالهداية الإلهية عامة للجميع كما قال:{ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}: طه: 50 والشياطين أشرار مفسدون مضلون فتصديهم تدبير شيء من السماوات والأرض أوالإنسان - ولن يكون إلا بإذن من الله سبحانه - مؤد إلى نقضه السنة الإلهية من الهداية العامة أي توسله تعالى إلى الإصلاح بما ليس شأنه إلا الإفساد وإلى الهداية بما خاصته الإضلال وهو محال.
وهذا معنى قوله سبحانه:{ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا } الظاهر في أن سنته تعالى أن لا يتخذ المضلين عضدا فافهم.
وفي قوله:{ مَا أَشْهَدْتُهُمْ} وقوله:{ وَمَا كُنْتُ} ولم يقل: ما شهدوا وما كانوا دلالة على أنه سبحانه هو القاهر المهيمن عليهم على كل حال، والقائلون بإشراك الشياطين أوالملائكة أوغيرهم بالله في أمر التدبير لم يقولوا باستقلالهم في ذلك بل بأن أمر التدبير مملوك لهم بتمليك من الله تعالى مفوض إليهم بتفويض منه وأنهم أرباب وآلهة والله رب الأرباب وإله الآلهة.
وما تقدم من معنى الآية مبني على حمل الإشهاد على معناه الحقيقي وإرجاع الضميرين في{ما أشهدتهم} و{أَنْفُسِهِمْ} إلى إبليس وذريته كما هو الظاهر المتبادر من السياق، وللمفسرين أقوال أخر:.
منها قول بعضهم: إن المراد من الإشهاد في خلقها المشاورة مجازا فإن أدنى مراتب الولاية على شيء أن يشاوره في أمره، والمراد بنفي الاعتضاد نفي سائر مراتب الاستعانة المؤدية إلى الولاية والسلطة على المولى عليه بوجه ما فكأنه قيل ما شاورتهم في أمر خلقها ولا استعنت بهم بشيء من أنواع الاستعانة فمن أين يكونون أولياء لهم؟.
وفيه أنه لا قرينة على هذا المجاز ولا مانع من الحمل على المعنى الحقيقي على أنه لا رابطة بين الإشارة بالشيء والولاية عليه حتى تعد المشاورة من مراتب التولية أوالإشارة من درجات الولاية، وقد وجه بعضهم هذا المعنى بأن المراد بالإشهاد المشاورة كناية ولازم المشاورة أن يخلق كما شاءوا أي أن يخلقهم كما أحبوا أي أن يخلقهم كاملين فالمراد بنفي إشهاد الشياطين خلق أنفسهم نفي أن يكونوا كاملين في الخلقة حتى يسع لهم ولاية تدبير الأمور.
وفيه مضافا إلى أنه يرد عليه ما أورد على سابقه أولا أن ذلك يرجع إلى إطلاق الشيء وإرادة لازمه بخمس مراتب من اللزوم فالمشاورة لازم الإشهاد على ما يدعيه وخلق ما يشاؤه المشير لازم المشاورة وخلق ما يحبه لازم خلق ما يشاؤه، وكمال الخلقة لازم خلق ما يحبه، وصحة الولاية لازم كمال الخلقة فإطلاق الإشهاد وإرادة كمال الخلقة أوصحة الولاية من قبيل التكنية عن لازم المعنى من وراء لزومات أربع أوخمس، والكتاب المبين يجل عن أمثال هذه الألغازات.
وثانيا: أنه لو صح فإنما يصح في إشهادهم خلق أنفسهم دون إشهادهم خلق السماوات والأرض فلازمه التفكيك بين الإشهادين.
وثالثا: أن لازمه صحة ولاية من كان كاملا في خلقه كالملائكة المقربين ففيه اعتراف بإمكان ولايتهم وجواز ربوبيتهم والقرآن يدفع ذلك بأصرح البيان فأين الممكن المفتقر لذاته إلى الله سبحانه من الاستقلال في تدبير نفسه أوتدبير غيره؟ وأما نحوقوله تعالى:{ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا }: النازعات: 5. فسيجيء توضيح معناه إن شاء الله.
ومنها قول بعضهم: إن المراد بالإشهاد حقيقة معناه والضميران للشياطين لكن المراد من إشهادهم خلق أنفسهم إشهاد بعضهم خلق بعض لا إشهاد كل خلق نفسه.
وفيه أن المراد بنفي الإشهاد استنتاج انتفاء الولاية، ولم يقل أحد من المشركين بولاية بعض الشياطين لبعض ولا تعلق الغرض بنفيها حتى يحمل لفظ الآية على إشهاد بعضهم خلق بعض.
ومنها قول بعضهم: إن أول الضميرين للشياطين والثاني للكفار أولهم ولغيرهم من الناس.
والمعنى ما أشهدت الشياطين خلق السماوات والأرض ولا خلق الكفار أوالناس حتى يكونوا أولياء لهم.
وفيه أن فيه تفكيك الضميرين.
ومنها قول بعضهم: برجوع الضميرين إلى الكفار قال الإمام الرازي في تفسيره، والأقرب عندي عودهما يعني الضميرين على الكفار الذين قالوا للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): إن لم تطرد عن مجلسك هؤلاء الفقراء لم نؤمن بك فكأنه تعالى قال: إن هؤلاء الذين أتوا بهذا الاقتراح الفاسد والتعنت الباطل ما كانوا شركائي في تدبير العالم بدليل أني ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ولا اعتضدت بهم في تدبير الدنيا والآخرة بل هم كسائر الخلق فلم أقدموا على هذا الاقتراح الفاسد؟ ونظيره أن من اقترح عليك اقتراحات عظيمة فإنك تقول له: لست بسلطان البلد حتى نقبل منك هذه الاقتراحات الهائلة فلم تقدم عليها؟.
ويؤكده أن الضمير يجب عوده على أقرب المذكورات وهو في الآية أولئك الكفار لأنهم المراد بالظالمين في قوله تعالى:{ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} انتهى.
وفيه أن فيه خرق السياق بتعليق مضمون الآية بما تعرض به في قوله:{ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} بنحو الإشارة قبل ثلاث وعشرين آية وقد تحول وجه الكلام بالانعطاف على أول السورة مرة بعد مرة بالتمثيل بعد التمثيل والتذكير بعد التذكير فما احتمله من المعنى في غاية البعد.
على أن ما ذكره من اقتراحهم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):{إن لم تطرد هؤلاء الفقراء من مجلسك لم نؤمن بك} ليس باقتراح فيه مداخلة في تدبير أمر العالم حتى يرد عليهم بمثل قوله{مَا أَشْهَدْتُهُمْ} إلخ بل اشتراط لإيمانهم بطرد أولئك من غير أن يبتني على دعوى ترد بمثل ذلك، نعم لوقيل: اطرد عن مجلسك هؤلاء الفقراء واكتفي به لكان لما قاله بعض الوجه.
وكأن التنبه لهذه النكتة دعا بعضهم إلى توجيه معنى الآية على تقدير رجوع الضميرين إلى الكفار بأن المراد أنهم جاهلون بما جرى عليه القلم في الأزل من أمر السعادة والشقاء إذ لم يشهدوا الخلقة فكيف يقترحون عليك أن تقربهم إليك وتطرد الفقراء.
ومثله قول آخرين: إن المراد أني ما أطلعتهم على أسرار الخلقة ولم يختصوا مني بما يمتازون به من غيرهم حتى يكونوا قدوة يقتدي بهم الناس في الإيمان بك فلا تطمع في نصرتهم فلا ينبغي لي أن أعتضد لديني بالمضلين.
وكلا الوجهين أبعد مما ذكره الإمام من الوجه فأين الآية من الدلالة على ما اختلقاه من المعنى؟.
ومنها أن الضميرين للملائكة والمعنى ما أشهدت الملائكة خلق العالم ولا خلق أنفسهم حتى يعبدوا من دوني، وينبغي أن يضاف إليه أن قوله:{ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} أيضا متعرض لنفي ولاية الشياطين فتدل الآية حينئذ بصدرها وذيلها على نفي ولاية الفريقين جميعا وإلا دفعه ذيل الآية.
وفيه أن الآية السابقة إنما خاطبت الكفار في قولهم بولاية الشياطين ثم ذكرتهم بضمير الجمع في قولها:{ وَهُمْ لَكُمْ عَدُو } ولم يتعرض لشيء من أمر الملائكة فإرجاع الضميرين إلى الملائكة دون الشياطين تفكيك، والاشتغال بنفي ولاية الملائكة تعرض لما لم يحوج إليه السياق ولا اقتضاه المقام.
قوله تعالى:{ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} إلى آخر الآية هذا تذكير ثالث يذكر فيه ظهور بطلان الرابطة بين المشركين وبين شركائهم يوم القيامة ويتأكد بذلك أنهم ليسوا على شيء مما يدعيه لهم المشركون.
فقوله:{ وَيَوْمَ يَقُولُ} إلخ الضمير له تعالى بشهادة السياق، والمعنى واذكر لهم يوم يقول الله لهم نادوا شركائي الذين زعمتم أنهم لي شركاء فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وبان أنهم ليسوا لي شركاء ولوكانوا لاستجابوا.
وقوله:{ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} الموبق بكسر الباء اسم مكان من وبق وبوقا بمعنى هلك، والمعنى جعلنا بين المشركين وشركائهم محل هلاك وقد فسر القوم هذا الموبق والمهلك بالنار أوبمحل من النار يهلك فيه الفريقان المشركون وشركاءهم لكن التدبر في كلامه تعالى لا يساعد عليه فإن الآية قد أطلقت الشركاء وفيهم - ولعلهم الأكثر - الملائكة وبعض الأنبياء والأولياء، وأرجع إليهم ضمير أولي العقل مرة بعد مرة، ولا دليل على اختصاصهم بمردة الجن والإنس وكون جعل الموبق بينهم دليلا على الاختصاص أول الكلام.
فلعل المراد من جعل موبق بينهم إبطال الرابطة ورفعها من بينهم وقد كانوا يرون في الدنيا أن بينهم وبين شركائهم رابطة الربوبية والمربوبية أوالسببية والمسببية فكني عن ذلك بجعل موبق بينهم يهلك فيه الرابطة والعلقة من غير أن يهلك الطرفان، ويومىء إلى ذلك بلطيف الإشارة تعبيره عن دعوتهم أولا بالنداء حيث قال:{نادوا شركائي} والنداء إنما يكون في البعيد فهودليل على بعد ما بينهما.
وإلى مثل هذا المعنى يشير قوله تعالى في موضع آخر من كلامه:{وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون}: الأنعام: 94، وقوله تعالى:{ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون}: يونس: 28.
قوله تعالى:{ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} في أخذ المجرمين مكان المشركين دلالة على أن الحكم عام لجميع أهل الإجرام، والمراد بالظن هو العلم - على ما قيل - ويشهد به قوله:{ وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا}.
والمراد بمواقعة النار الوقوع فيها - على ما قيل ولا يبعد أن يكون المراد حصول الوقوع من الجانبين فهم واقعون في النار بدخولهم فيها والنار واقعة فيهم باشتعالهم بها.
وقوله:{ وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} المصرف بكسر الراء اسم مكان من الصرف أي لم يجدوا محلا ينصرفون إليه ويعدلون عن النار ولا مناص.
_______________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص263-268.
لا تتخذوا الشياطين أولياء:
لقد تحدثت الآيات مرّات عدَّة عن خلق آدم وسجود الملائكة له، وعدم انصياع إِبليس. وقد قلنا: إِنَّ هذا التكرار يطوي دروس مُتعدِّدة، وفي كل مقطع مكرَّر هناك دروس وعبرٌ جديدة.
بعبارة أُخرى نقول: إِنَّ للحادثة المهمّة عدَّة أبعاد، وفي كل مرَّة تذكر فيها يتجلى واحد مِن أبعادها.
ولأنَّ الآيات السابقة ذكرت مثالا واقعياً عن كيفية وقوف الأثرياء المستكبرين والمغرورين في مقابل الفقراء المستضعفين وتجسُّد عاقبة عملهم، ولأنَّ الغرور كانَ هو السبب الأصلي لإِنحراف هؤلاء وانجرارهم إلى الكفر والطغيان، لذا فإِنَّ الآيات تعطف الكلام على قصة إِبليس وكيف أبى السجود لآدم غروراً مِنهُ وعلواً، وكيف قاده هذا الغرور والعلو إلى الكفر والطغيان.
إِضافة إلى ذلك، فإِنَّ هذه القصّة توضّح أنَّ الإِنحرافات تنبع مِن وَساوس الشيطان، كم تكشف أنَّ الإِستسلام إلى وساوس الشيطان الذي أصرَّ على عناده وعداوته للحق تعالى يعدّ غاية الجنون والحمق.
في البداية تقول الآيات: تذكروا ذلك اليوم الذي فيه: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ}. هذا الإِستثناء يمكن أن يوهمنا بأنَّ إِبليس كانَ مِن جنس املائكة، في حين أنَّ الملائكة معصومون، فكيف سلك إِبليس ـ إِذاً ـ طريق الطغيان والكفر إِذا كانَ مِن جملتهم؟
لذلك فإِنَّ الآيات ـ منعاً لهذا الوهم ـ تقول مُباشرة إِنَّهُ: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}.
إِنَّهُ إِذاً لم يكن مِن الملائكة، لكنَّهُ ـ بسبب عبوديته وطاعته للخالق جلَّ وعلا ـ قُرِّب وكانَ في صف الملائكة، بل وكان معلماً لهم، إِلاَّ أنَّهُ ـ بسبب لحظة مِن الغرور والكبر ـ سقط سقوطاً بحيث أنَّهُ فقد معهُ كل ملاكاته المعنوية، وأصبح أكثر الموجودات نفرة وابتعاداً عن الله تبارك وتعالى.
ثمّ تقول الآية: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي}.
والعجب أنّهم: {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ}.
وهذا العدو، هو عدوّ صعب مُصَمِّم على ضلالكم وأن يوردكم سوء العاقبة، وقد أظهر عدوانه مُنذ اليوم الأوّل لأبيكم آدم(عليه السلام).
فاتّخاذ الشيطان وأولاده. بدلا مِن الخالق المتعال أمرٌ قبيح: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}(2).
حقّاً إِنَّهُ لأمر قبيح أن يترك الإِنسان الإِله العالم الرحيم العطوف ذا الفيوضات والرحمات والألطاف، ويتمسك بالشيطان وأصحابه، إِنَّهُ أقبح إِختيار، فأي عاقل يقبل أن يتخذ مِن عدوّه الذي ناصبهُ العداء ـ مُنذ اليوم الأوّل ولياً وقائداً ودليلا ومعتمداً؟!
الآيه التي بعدها هي دليل آخر على إِبطال هذا التصوّر الخاطيء، إِذ تقول: عن إِبليس وابنائه أنّهم لم يكن لهم وجود حين خلق السماوات والأرض، بل لم يشهدوا حتى خلق أنفسهم: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ}. حتى نطلب العون مِنهم في خلق العالم، أو نطلعهم على أسرار الخلق.
لذا فإِنَّ الشخص الذي ليسَ له أي دور في خلق العالم، وحتى في خلق مَن يقع على شاكلته ومَن هو مِن نوعه، ولا يعرف شيئاً مِن أسرار الخلق، كيف يكون مستحقاً للولاية، أو العبادة، وأي قدرة أو دور يملك؟
إِنَّهُ كائن ضعيف وجاهل حتى بقضاياه الذاتية، فكيف يستطيع أن يقود الآخرين، أو أن ينقذهم مِن المشاكل والصعوبات؟
ثمّ تقول: {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}.
يعني أنّّ الخلق قائم على أساس الصدق والصحة والهداية، أمّا الكائن الذي يقوم منهج حياته على الإِضلال والإِفساد، فليس لهُ مكان في إِدارة هذا النظام، لأنَّه يسير في إِتجاه معاكس لنظام الخلق والوجود; إِنَّهُ مخرَّب ومدمِّر وليسَ مُصلحاً متكاملا.
آخر آية مِن الآيات التي نبحثها، تحذّر مرَّة أُخرى، وتقول: تذكروا يوماً يأتي فيه النداء الإِلهي: {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ}.
لقد كُنتم تنادونهم عمراً كاملا، وكنتم تسجدون لهم، واليوم وبعد أن أحاطت بكم أمواج العذاب في ساحة الجزاء، نادوهم ليأتوا لمساعدتكم ولو لساعة واحدة فقط.
هناك ينادي الأشخاص الذين لا تزال ترسبات أفكار الدنيا في عقولهم: { فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ }. فلم يجيبوا على ندائهم، فكيف بمساعدتهم وانقاذهم!!
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا}(3).
ثمّ تقول الآية التي بعدها موضحة عاقبة الذين اتبعوا الشيطان والمشركين: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ}.
لقد انكشفت لهم النّار التي لم يكونوا يُصدِّقون بها أبداً، وظهرت أمام أعينهم، وحينئذ يشعرون بأخطائهم، ويتيقنون بأنّهم سيدخلون النّار وستدخلهم: {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا}.
ثمّ يتيقنون أيضاً أنَّ لا منقذ لهم مِنها: {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا}.
فلا تنقذهم اليوم مِنها لا معبوداتهم ولا شفاعة الشفعاء، ولا الكذب أو التوَسُّل بالذهب والقوّة، إِنَّها النّار التي يزداد سعيرها بسبب أعمالهم.
ينبغي الإِلتفات هنا إِلى أنَّ جملة «ظنّوا» بالرغم مِن أنّها مُشتقّة مِن «الظن» إِلاَّ أنّها في هذا المورد، وفي موارد أُخرى تأتي بمعنى اليقين، لذا فإِنَّ الآية (249) مِن سورة البقره تستخدم نفس التعبير بالرغم مِن أنّها تتحدث عن المؤمنين الحقيقيين والمجاهدين المرابطين الذين كانوا مع طالوت لقتال جالوت الجبّار الظالم، إِذ تقول: {قالَ الذين يظنون أنّهم مُلاقوا الله كم مِن فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإِذن الله}.
فإِنَّ كلمة «موقعوها» مُشتقّة مِن «مواقعة» بمعنى الوقوع على الآخرين، وهي إِشارة إلى أنّهم يقعون على النّار، وأنَّ النّار تقع عليهم; فالنّار تنفذ فيهم وهم ينفذون في النّار، وقد قرأنا في الآية (24) مِن سورة البقره قوله تعالى: { فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }.
______________
1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص529-532.
2ـ «بدلا» من حيث التركيب اللغوي، تمييز. وفاعل «بئس» هو الشيطان وعصابته، أو عباد الشيطان وعصابته.
3ـ «موبق» مِن «وبوق» على وزن «نبوغ» وهي تعني الهلاك، وَ(موبق) تقال للمهلكة.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|