المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

كوكبة الجاثي أو هرقل أو الراقص Hercules
2023-11-07
ثعلبة بن ميمون
7-9-2016
{انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شي‏ء}
2024-05-14
تحليل البراز Stool analysis
26-1-2017
علم الدلالة الشكلي
20-2-2019
التقشف والاحتياط
28-11-2017


تفسير الاية (90-96) من سورة الأسراء  
  
6186   06:55 مساءً   التاريخ: 24-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الإسراء /

 

قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوتَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوتُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوتَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَويَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوتَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَو كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } [الإسراء: 90 - 96]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لما بين سبحانه فيما تقدم إعجاز القرآن عقب ذلك البيان بأنهم أبوا إلا الكفر والطغيان واقترحوا من الآيات ما ليس لهم ذلك فقال: { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} أي: لن نصدقك فيما تدعي من النبوة { حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ} أي: تشقق لنا من أرض مكة فإنها قليلة الماء { يَنبوعا } أي: عينا ينبع منه الماء في وسط مكة {  أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ} وهي ما تجنه الأشجار أي: تستره { مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ} من الماء { خلالها } أي: وسطها { تفجيرا } أي: تشقيقا حتى يجري الماء تحت الأشجار { أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} أي: قطعا قد تركب بعضها على بعض عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وقوله { كما زعمت } معناه: كما خوفتنا به من انشقاق السماء وانفطارها وقيل معناه كما زعمت أنك نبي تأتي بالمعجزات.

 { أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} أي: كفيلا ومعناه تأتي بكل واحد حتى يكون كفيلا ضامنا لنا بما تقول عن ابن عباس والضحاك وقيل هو جمع القبيلة أي تأتي بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة عن مجاهد وقيل: معناه مقابلين لنا كالشيء يقابل الشيء حتى نشاهدهم قبيلا أي مقابلة نعاينهم ويشهدون بأنك حق ودعوتك صدق عن الجبائي وقتادة وهذا يدل على أن القوم كانوا مشبهة مع شركهم {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} أي: من ذهب عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وقيل الزخرف النقوش عن الحسن {  أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ} أي: تصعد { وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} أي: ولو فعلت ذلك لم نصدقك حتى تنزل على كل واحد منا كتابا من الله شاهدا بصحة نبوتك نقرؤه وهو مثل قوله (بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشرة).

 { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي} أي: تنزيها له من كل قبيح وبراءة له من كل سوء وفي ذلك من الجواب أنكم تتخيرون الآيات وهي إلى الله سبحانه فهو العالم بالتدبير الفاعل لما توجبه المصلحة فلا وجه لطلبكم إياها مني وقيل: معناه تعظيما له عن أن يحكم عليه عبيده لأن له الطاعة عليهم وقيل: إنهم لما قالوا تأتي بالله وترقى في السماء إلى الله لاعتقادهم أن الله تعالى جسم قال { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي} عن كونه بصفة الأجسام حتى تجوز عليه المقابلة والنزول وقيل: معناه تنزيها له عن أن يفعل المعجزات تابعا للاقتراحات { هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} معناه: أن هذه الأشياء ليس في طاقة البشر أن يأتي بها وأن يفعلها فلا أقدر بنفسي أن آتي بها كما لم يقدر من كان قبلي من الرسل والله تعالى إنما يظهر الآيات المعجزة على حسب المصلحة وقد فعل فلا تطالبوني بما لا يطالب به البشر { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا} أي: وما صرف المشركين عن الإيمان أي التصديق بالله وبرسوله { إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى} أي: حين أتاهم الحجج والبينات.

 { إِلَّا أَنْ قَالُوا} أي: إلا قولهم { أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} دخلت عليهم الشبهة في أنه لا يجوز أن يبعث الله رسولا إلا من الملائكة كما دخلت عليهم الشبهة في أن عبادتهم لا تصلح لله فوجهوها إلى الأصنام فعظموا الله بجهلهم بما ليس فيه تعظيم وإنما ذكر سبحانه هنا لفظ المنع مبالغة في وصف الصرف وإلا فالمنع يستحيل معه الفعل فلا يجوز أن يكون مرادا هنا ولكن شبه الصرف بالمنع { قل} يا محمد { لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ} أي: ساكنين قاطنين { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} منهم عن الحسن وقيل: معناه مطمئنين إلى الدنيا ولذاتها غير خائفين ولا متعبدين بشرع لأن المطمئن من زال الخوف عنه عن الجبائي وقيل معناه لوكان أهل الأرض ملائكة لبعثنا إليهم ملكا ليكونوا إلى الفهم إليه أسرع عن أبي مسلم وقيل: إن العرب قالوا كنا ساكنين مطمئنين فجاء محمد فأزعجنا وشوش علينا أمرنا فبين سبحانه أنهم لوكانوا ملائكة مطمئنين لأوجبت الحكمة إرسال الرسل إليهم فكذلك كون الناس مطمئنين لا يمنع من إرسال الرسول إليهم إذ هم أحوج إليه من الملائكة فكيف أنكروا إرسال الرسول إليهم مع كونهم مطمئنين.

 سؤال: قالوا إذا جاز أن يكون الرسول إلى النبي ملكا ليس من جنسه فجاز أن يكون الرسول إلى الناس أيضا ملكا ليس من جنسهم؟  وجوابه: أن صاحب المعجزة قد اختير للنبوة فصارت حاله مقاربة لحال الملك وليس كذلك غيره من الأمة لأنه يجوز أن يرى الملائكة كما يرى بعضهم بعضا بخلاف الأمة وأيضا فإن النبي يحتاج إلى معجزة تعرف بها رسالة نفسه كما احتاجت إليه الأمة فجعل الله المعجزة رؤيته الملك .

ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) { قل } يا محمد لهؤلاء المشركين { كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} إني رسول الله إليكم وقد مر معناه في سورة الرعد { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} لا يخفى عليه من أحوالهم شيء.

___________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص293-296.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

حب الذات

كلنا نحب أنفسنا وذواتنا رجالا ونساء ، شيوخا وأطفالا ، أتقياء وأشقياء . . وأي انسان لا يحرص على حياته ، ويدافع عن وجوده وكيانه ؟ . ولولا هذا الحب لما استمر وجود الحياة ، ولا نمت وتقدمت . . أبدا لا فرق في حب الذات بين انسان وانسان ، وانما الفرق في نوع هذا الحب :

فمنه القائم على أساس الفطرة والعقل والوجدان . . ويستدل على وجود هذا الحب المهذب بتعفف الإنسان عن حق غيره ، وقناعته بما كتب له من كد اليمين وعرق الجبين ، وبالتعاون مع كل من يأمل فيه الخير والنفع للناس بجهة من الجهات ، بل وبالإيثار وبالتضحية أيضا لأن من يعطي ويضحي لوجه اللَّه والحق فقد أحب نفسه ، وعمل لها من حيث يريد أولا يريد ، لأن اللَّه لا يضيع أجر من أحسن عملا ، وكذلك المجتمع فإنه يمجد ويعظم من يضحي من أجله .

ومن حب الذات ما يطغى على العقل والدين والوجدان . . ويستدل على هذا الحب المفترس بالطمع والجشع الذي لا يري صاحبه هما غير همه ، ولا نفعا غير نفعه ونفع ذويه ، وهذا لا يجدي معه أي منطق حتى الحس والمشاهدة والعيان ، تماما كما قال تعالى : « لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ولَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ولَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ » - 178 . .

الأعراف وهؤلاء موجودون في كل زمان ومكان ، ومنهم الذين أشار إليهم بقوله :

1 – { وقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً} . اقترح المترفون من المشركين على رسول اللَّه ان يفجر لهم لا لغيرهم - لنا - أنهارا أوعيونا ليزدادوا مكاسبا وأرباحا وتحكما بالمعوزين والمستضعفين ، فقد روي أن عتاة قريش ومترفيها قالوا : يا محمد ان ارض مكة ضيقة فأزح جبالها ، وفجر لنا عيونا لننتفع بالأرض .

2 – { أَوتَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهارَ خِلالَها  - أي بينها -  تَفْجِيراً } . وإذا لم تفجر الأرض لنا عيونا ففجرها لك - على الأقل - كي تكون كفؤا للمناصب الشريفة العالية ، أما ويدك فارغة من المال فعليك أن تسمع لأهل المال وتطيع . . وهكذا ذهب بهم التفكير المالي إلى أن المال وحده هو الذي يجعل صاحبه كفؤا لتولي القيادة والسيادة . . ولم يدركوا أن رسالة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) هي ثروة الانسانية وحياتها وعظمتها ، وان محمدا رحمة مهداة إلى أهل الأرض لينقذهم من الفقر والجهل ، والظلم والطغيان . . وانّى لعبدة المال وصرعى المطامع أن يدركوا الرحمة والحق والخير ؟ .

3 – { أَوتُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوتَأْتِيَ بِاللَّهِ والْمَلائِكَةِ قَبِيلاً } .

اقترحوا عليه أن يفجر الأرض ينبوعا لهم أوله ، فإن لم يكن هذا أوذاك فليأتهم بالعذاب من السماء أوباللَّه والملائكة يشهدون له بالنبوة والرسالة . . وهذا أيضا من وحي تفكيرهم في أن المنصب الشريف حق للأغنياء دون الفقراء ، والدليل على هذا التفكير انهم علقوا ايمانهم بمحمد على أمر يرونه محالا . . ومن الواضح ان التعليق على المحال معناه الإصرار وعدم التنازل عن طلبهم لتفجير الأرض ينبوعا ، تماما كما لوقلت : لا افعل هذا حتى يلج الجمل في سم الخياط .

4 – { أَويَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ } مبني من الذهب، أومزين ومنقوش به.. وهذا أيضا من التفكير المالي { أَوتَرْقى فِي السَّماءِ } وهو من التعليق على المحال أيضا بزعمهم، ومعناه الإصرار على أن المال هو المبرر الوحيد لتولي المنصب الشريف كما أشرنا.

{ ولَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ } . قال بعض المفسرين الجدد ، معلقا على هذا بقوله : « وتبدوطفولة الإدراك والتصور كما يبدوالتعنت في هذه المقترحات الساذجة » . كلا ، ليست هذه بطفولة ، ولا هي بسذاجة ، وانما هي من وحي الترف الفاسد ، والأمتيازات الجائرة ، والسلب والنهب ، وعبادة المال ، ولا شيء أدل على ذلك من اقتراحهم وشرطهم لاتباع الرسول ان يكون له من بيت من ذهب . . معبودهم الأول ، ومثلهم الأعلى { قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً } يأتمر بأمر من أرسله ، وينتهي بنهيه :

« وما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ » - 38 الرعد.

{ وما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً } . نظر المفسرون ، ومنهم الطبرسي والرازي ، نظروا إلى هذه الآية على أنها مستقلة عما تقدمها من الآيات ، وقالوا في تفسيرها : ان مشركي قريش لم يؤمنوا بمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) لأنهم كانوا يعتقدون بان الرسول يجب ان يكون من جنس الملائكة ، لا من جنس البشر . . وهذا تفسير بعيد عن الآية لوجوه :

« منها » : ان مشركي قريش كانوا يعتقدون بنبوة إبراهيم ، وبأنهم من نسله « مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ » - 78 الحج .

و« منها » ان قول المشركين لن نؤمن لك حتى تفجر الخ يدل انهم كانوا يؤمنون برسالة البشر ، ولكنهم يشترطون في النبي ان يكون من الأغنياء : « وقالُوا لَولا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ » - 31 الزخرف . ومرادهم بالرجل العظيم الوليد بن المغيرة من زعماء مكة ، أوعروة بن مسعود من زعماء الطائف .

و« منها » : انه لوكان معنى الآية ما قاله المفسرون لكان المشركون معذورين في انكارهم نبوة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) لأنهم فعلوا ما يعتقدون ، مع أن اللَّه سبحانه وصفهم في أكثر من آية بأنهم يبدون غير ما يخفون : « بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ » - 28 الانعام « وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وعُلُوًّا » - 14 النمل . »

ونخلص من هذا إلى أن المعنى الصحيح لتفسير الآية ان المشركين لما قامت الحجة عليهم بنبوة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) وعجزوا عن ردها لجأوا إلى التضليل والتمويه على الجهلاء والبسطاء شأن المبطل العاجز ، وقالوا في مكر وخداع : ان اللَّه لا يبعث للناس رسولا من البشر ، بل من الملائكة ، قالوا هذا ، وهم يعلمون بأنهم لكاذبون ، ولذا قال سبحانه : { إِلَّا أَنْ قالُوا } ولم يقل الا ان ظنوا ونحوه اشعارا بان انكارهم انما هو مجرد عناد وقول من غير اعتقاد .

{ قُلْ لَو كانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ » - أي لوكانوا من أهل الأرض يسعون فيها كالآدميين - « لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً } . لقد شاءت حكمته سبحانه وتعالى ان يبعث رسله إلى خلقه من جنس المرسل إليهم ، فان كانوا بشرا فرسولهم منهم وإليهم ، وان كانوا ملائكة فكذلك ، لان الجنس إلى الجنس أميل : « لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ » - 164 آل عمران . والمشركون يعرفون ذلك ولكنهم يمكرون ويخادعون . وتقدم نظير هذه الآية في سورة الأنعام الآية 9 ج 3 ص 164 .

وتسأل : ان جبريل ملك ، ومحمد بشر ، ومع هذا كان جبريل رسولا من اللَّه إلى محمد ؟

الجواب : ان بين الاثنين تجانسا وتشابها من حيث إن كلا منهما رسول من عند اللَّه . . ولا تجانس بين الملك والأمة من وجه.

{ قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } اللَّه يشهد لمحمد بما اظهر على يده من خوارق العادات ، والتاريخ يشهد له بما اسداه للانسانية من الخيرات ، ورسالته تشهد بأنه رحمة للعالمين . . وما جهة من سيرة محمد الا وهي حجة كافية بالدلالة على صدقه وعظمته .

_____________

1- التفسيرالكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 84-87.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا}- إلى قوله - كتابا نقرؤه} الفجر الفتح والشق وكذلك التفجير إلا أنه يفيد المبالغة والتكثير، والينبوع العين التي لا ينضب ماؤها، وخلال الشيء وسطه وأثناؤه، والكسف جمع كسفة كقطع جمع قطعة وزنا ومعنى، والقبيل هو المقابل كالعشير والمعاشر، والزخرف - الذهب، والرقي الصعود والارتقاء.

والآيات تحكي الآيات المعجزة التي اقترحتها قريش على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلقوا إيمانهم به عليها مستهينة بالقرآن الذي هو معجزة خالدة.

والمعنى{وقالوا} أي قالت قريش{لن نؤمن لك} يا محمد{حتى تفجر} وتشق{لنا من الأرض} أرض مكة لقلة مائها{ينبوعا} عينا لا ينضب ماؤها{أوتكون} بالإعجاز{ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ} أي تشقها أوتجريها{خلالها} أي وسط تلك الجنة وأثناءها{تفجيرا}{ أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ} أي مماثلا لما زعمت يشيرون  به إلى قوله تعالى:{ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ}: السبا: 9{علينا كسفا} وقطعا{ أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} مقابلا نعاينهم ونشاهدهم{ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} وذهب{أوترقى} وتصعد{ فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} وصعودك{حتى تنزل علينا} منها{كتابا نقرؤه} ونتلوه.

قوله تعالى:{ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} فيه أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجيب عما اقترحوه عليه وينبههم على جهلهم ومكابرتهم فيما لا يخفى على ذي نظر فإنهم سألوه أمورا عظاما لا يقوى على أكثرها إلا القدرة الغيبية الإلهية وفيها ما هو مستحيل بالذات كالإتيان بالله والملائكة قبيلا، ولم يرضوا بهذا المقدار ولم يقنعوا به دون أن جعلوه هو المسئول المتصدي لذلك المجيب لما سألوه فلم يقولوا لن نؤمن لك حتى تسأل ربك أن يفعل كذا وكذا بل قالوا:{لن نؤمن لك حتى تفجر} إلخ{أوتكون لك إلخ{أوتسقط السماء} إلخ{أوتأتي بالله} إلخ{أويكون لك} إلخ{ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ}.

فإن أرادوا منه ذلك بما أنه بشر فأين البشر من هذه القدرة المطلقة غير المتناهية المحيطة حتى بالمحال الذاتي، وإن أرادوا منه ذلك بما أنه يدعي الرسالة فالرسالة لا تقتضي إلا حمل ما حمله الله من أمره وبعثه لتبليغه بالإنذار والتبشير لا تفويض القدرة الغيبية إليه وإقداره أن يخلق كل ما يريد، ويوجد كل ما شاءوا، وهو(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدعي لنفسه ذلك فاقتراحهم ما اقترحوه مع ظهور الأمر من عجيب الاقتراح.

ولذلك أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبادر في جوابهم أولا إلى تنزيه ربه مما يلوح إليه اقتراحهم هذا من المجازفة وتفويض القدرة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يبعد أن يستفاد منه التعجب فالمقام صالح لذلك.

وثانيا: إلى الجواب بقوله في صورة الاستفهام:{ هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} وهو يؤيد كون قوله:{سبحان ربي} واقعا موقع التعجب أي إن كنتم اقترحتم على هذه الأمور وطلبتموها مني بما أنا محمد فإنما أنا بشر ولا قدرة للبشر على شيء من هذه الأمور، وإن كنتم اقترحتموها لأني رسول أدعي الرسالة فلا شأن للرسول إلا حمل الرسالة وتبليغها لا تقلد القدرة الغيبية المطلقة.

وقد ظهر بهذا البيان أن كلا من قوله:{بشرا} و{رسولا} دخيل في استقامة الجواب عن اقتراحهم أما قوله:{بشرا} فليرد به اقتراحهم عليه أن يأتي بهذه الآيات عن قدرته في نفسه، وأما قوله:{رسولا} فليرد به اقتراح إيتائها عن قدرة مكتسبة من ربه.

وذكر بعضهم ما محصله أن معتمد الكلام هوقوله:{رسولا} وقوله:{بشرا} توطئة له ردا لما أنكروه من جواز كون الرسول بشرا، ودلالة على أن من قبله من الرسل كانوا كذلك، والمعنى على هذا هل كنت إلا بشرا رسولا كسائر الرسل وكانوا لا يأتون إلا بما أجراه على أيديهم من غير أن يفوض إليهم أويتحكموا على ربهم بشيء.

قال: وجعل{بشرا} و{رسولا} كليهما معتمدين مخالف لما يظهر من الآثار أولا فإن الذي ورد في الآثار أنهم سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يسأل ربه أن يفعل كذا وكذا، ولم يسألوه أن يأتيهم بشيء من قبل نفسه حتى يشار إلى رده بإثبات بشريته، ومستلزم لكون رسولا خبرا بعد خبر وكونهما خبرين لكان يأباه الذوق السليم. انتهى محصلا.

وفيه أولا: أن أخذ قوله:{بشرا} ردا على زعمهم عدم جواز كون الرسول بشرا مع عدم اشتمال الآيات على مزعمتهم هذه لا تصريحا ولا تلويحا تحميل من غير دليل.

وثانيا: أن الذي ذكره في معنى الآية(هل كنت إلا بشرا رسولا كسائر الرسل وكانوا لا يأتون إلا كذا وكذا) معتمد الكلام فيه هو التشبيه الذي في قوله:{كسائر الرسل} لا قوله:{رسولا} وفي حذف معتمد الكلام إفساد السياق فافهم ذلك.

وثالثا: أن اشتمال الآثار على أنهم إنما سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يسأل ربه الإتيان بتلك الآيات من غير أن يسألوه نفسه أن يأتي بها، لا يعارض نص الكتاب بخلافه، والذي حكاه الله عنهم أنهم قالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا{إلخ} فتفجر الأنهار{إلخ} أوتسقط السماء{إلخ} وهذا من عجيب المغالاة في حق الآثار وتحكيمها على كتاب الله وتقديمها عليه حتى في صورة المخالفة.

ورابعا: أن إباء الذوق السليم عن تجويز كون{رسولا} خبرا بعد خبر لا يظهر له وجه.

قوله تعالى:{ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} الاستفهام في قوله:{ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} للإنكار، وجملة{قالوا أ بعث الله}{إلخ} حكاية حالهم بحسب الاعتقاد وإن لم يتكلموا بهذه الكلمة بعينها.

وإنكار النبوة والرسالة مع إثبات الإله من عقائد الوثنية، وهذه قرينة على أن المراد بالناس الوثنيون، والمراد بالإيمان الذي منعوه هو الإيمان بالرسول.

فمعنى الآية وما منع الوثنيين - وكانت قريش وعامة العرب يومئذ منهم - أن يؤمنوا بالرسالة - أوبرسالتك - إلا إنكارهم لرسالة البشر، ولذلك كانوا يردون على رسلهم دعوتهم - كما حكاه الله - بمثل قولهم:{ لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }: فصلت: 14.

قوله تعالى:{ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} أمر سبحانه رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يرد عليهم قولهم وإنكارهم لرسالة البشر ونزول الوحي بأن العناية الإلهية قد تعلقت بهداية أهل الأرض ولا يكون ذلك إلا بوحي سماوي لا من عند أنفسهم فالبشر القاطنون في الأرض لا غنى لهم عن وحي سماوي بنزول ملك رسول إليهم ويختص بذلك نبيهم.

وهذه خاصة الحياة الأرضية والعيشة المادية المفتقرة إلى هداية إلهية لا سبيل إليها إلا بنزول الوحي من السماء حتى لو أن طائفة من الملائكة سكنوا الأرض وأخذوا يعيشون عيشة أرضية مادية لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا كما ننزل على البشر ملكا رسولا.

والعناية في الآية الكريمة. كما ترى - متعلقة بجهتين إحداهما كون الحياة أرضية مادية، والأخرى كون الهداية الواجبة بالعناية الإلهية بوحي نازل من السماء برسالة ملك من الملائكة.

والأمر على ذلك فهاتان الجهتان أعني كون حياة النوع أرضية مادية ووجوب هدايتهم بواسطة سماوية وملك علوي هما المقدمتان الأصليتان في البرهان على وجود الرسالة ولزومها.

وأما ما أصر عليه المفسرون من تقييد معنى الآية بوجوب كون الرسول من جنس المرسل إليهم ومن أنفسهم كالإنسان للإنسان والملك للملك فليس بتلك الأهمية، ولذلك لم يصرح به في الآية الكريمة.

وذلك أن كون الرسول إلى البشر وهو الذي يعلمهم ويربيهم من أنفسهم من لوازم كون حياتهم أرضية، وكون الوحي النازل عليهم بواسطة الملك السماوي فإن اختلاف أفراد النوع المادية بالسعادة والشقاء والكمال والنقص وطهارة الباطن وقذارته ضروري والملك الملقي للوحي وما تحمله منه طاهر زكي لا يمسه إلا المطهرون، فالملك النازل بالوحي وإن نزل على النوع لكن لا يمسه إلا آحاد منهم مطهرون من قذارات المادة وألواثها مقدسون من مس الشيطان وهم الرسل (عليهم السلام).

وتوضيح المقام: أن مقتضى العناية الإلهية هداية كل نوع من أنواع الخليقة إلى كماله وسعادته، والإنسان الذي هو أحد هذه الأنواع غير مستثنى من هذه الكلية، ولا تتم سعادته في الحياة إلا بأن يعيش عيشة اجتماعية تحكم فيها قوانين وسنن تضمن سعادة حياته في الدنيا وبعدها، وترفع الاختلافات الضرورية الناشئة بين الأفراد، وإذ كانت حياته حياة شعورية فلا بد أن يجهز بما يتلقى به هذه القوانين والسنن ولا يكفي في ذلك ما جهز به من العقل المميز بين خيره وشره فإن العقل بعينه يهديه إلى الاختلاف فلا بد أن يجهز بشعور آخر يتلقى به ما يفيضه الله من المعارف والقوانين الرافعة للاختلاف الضامنة لسعادته وكماله وهو شعور الوحي والإنسان المتلبس به هو النبي.

وهذا برهان عقلي تام مأخوذ من كلامه وقد أوردناه وفصلنا القول فيه في مباحث النبوة من الجزء الثاني وفي ضمن قصص نوح في الجزء العاشر من الكتاب.

وأما الآية التي نحن فيها أعني قوله:{ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ} إلخ فإنها تزيد على ما مر من معنى البرهان بشيء وهو أن إلقاء الوحي إلى البشر يجب أن يكون بنزول ملك من السماء إليهم.

وذلك أن محصل مضمون الآية وما قبلها هو أن الذي يمنع الناس أن يؤمنوا برسالتك أنهم يحيلون رسالة البشر من جانب الله سبحانه.

وقد أخطئوا في ذلك فإن مقتضى الحياة الأرضية وعناية الله بهداية عباده أن ينزل إلى بعضهم ملكا من السماء رسولا حتى أن الملائكة لو كانوا كالإنسان عائشين في الأرض لنزل الله إلى بعضهم وهو رسولهم ملكا من السماء رسولا حاملا لوحيه.

وهذا كما ترى يعطي أولا: معنى الرسالة البشرية وهو أن الرسول إنسان ينزل عليه ملك من السماء بدين الله ثم هو يبلغه الناس بأمر الله.

ويشير ثانيا: إلى برهان الرسالة أن حياة الإنسان الأرضية والعناية الربانية متعلقة بهداية عباده وإيصالهم إلى غاياتهم لا غنى لها عن نزول دين سماوي عليهم، والملائكة وسائط نزول البركات السماوية إلى الأرض فلا محالة ينزل الدين على الناس بوساطة الملك وهو رسالته، والذي يشاهده ويتلقى ما ينزل به - ولا يكون إلا بعض الناس لا جميعهم لحاجته إلى طهارة باطنية وروح من أمر الله – هو الرسول البشري.

وكان المترقب من السياق أن يقال:{لبعث الله فيهم ملكا رسولا} بحذاء قولهم المحكي في الآية السابقة:{ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} لكنه عدل إلى مثل قوله:{ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} ليكون أولا أحسم للشبهة وأقطع للتوهم فإن عامة الوثنيين من البرهمانية والبوذية والصابئة كما يشهد به ما في كتبهم المقدسة لا يتحاشون ذاك التحاشي عن النبوة بمعنى انبعاث بشر كامل لتكميل الناس ويعبرون عنه بظهور المنجي أوالمصلح ونزول الإله إلى الأرض وظهوره على أهلها في صورة موجود أرضي وكان بوذه ويوذاسف - على ما يقال - منهم والمعبود عندهم على أي حال هو الملك أوالجن أوالإنسان المستغرق فيه دون الله سبحانه.

وإنما يمتنعون كل الامتناع عن رسالة الملك وهو من الآلهة المعبودين عندهم إلى البشر بدين يعبد فيه الله وحده وهو إله غير معبود عندهم ففي التصريح برسالة الملك السماوي إلى البشر الأرضي من عند الله النص على كمال المخالفة لهم.

وليكون ثانيا إشارة إلى أن رسالة الملك بالحقيقة إلى عامة الإنسان غير أن الذي يصلح لتلقي الوحي منه هو الرسول منهم، وأما غيره فهم محرومون عن ذلك لعدم استعدادهم لذلك فالفيض عام وإن كان المستفيض خاصا قال تعالى:{ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}: الأسراء: 20، وقال:{ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}: الأنعام: 124.

والآية بما تعطي من معنى الرسالة يؤيد ما ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الفرق بين الرسول والنبي أن الرسول هو الذي يرى الملك ويسمع منه والنبي يرى المنام ولا يعاين، وقد أوردنا بعض هذه الأخبار في خلال أبحاث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب.

ومن ألطف التعبير في الآية وأوجزه تعبيره عن الحياة الأرضية بقوله:{ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ} فإن الانتقال المكاني على الأرض مع الوقوع تحت الجاذبة الأرضية من أوضح خواص الحياة المادية الأرضية.

قوله تعالى:{ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} لما احتج عليهم بما احتج وبين لهم ما بين في أمر معجزة رسالته وهي القرآن الذي تحدى به وهم على عنادهم وجحودهم وعنتهم لا يعتنون به ويقترحون عليه بأمور جزافية أخرى ولا يحترمون لحق ولا ينقطعون عن باطل أمر أن يرجع الأمر إلى شهادة الله فهوشهيد بما وقع منه ومنهم فقد بلغ ما أرسل به ودعا واحتج وأعذر وقد سمعوا وتمت عليهم الحجة واستكبروا وعتوا فالكلام في معنى إعلام قطع المحاجة وترك المخاصمة ورد الأمر إلى مالك الأمر فليقض ما هو قاض.

وقيل المراد بالآية الاستشهاد بالله سبحانه على حقية الدعوة وصحة الرسالة كأنه يقول: كفاني حجة أن الله شهيد على رسالتي فهذا كلامه يصرح بذلك فإن قلتم: ليس بكلامه بل مما افتريته فأتوا بمثله ولن تأتوا بمثله ولوكان الثقلان أعوانا لكم وأعضادا يمدونكم.

وهذا في نفسه جيد غير أن ذيل الآية كما قيل لا يلائمه أعني قوله:{بيني وبينكم} وقوله:{ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} بل كان الأقرب أن يقال: شهيدا لي عليكم أوعلى رسالتي أو نحوذلك.

وهذه الآية والآيتان قبلها مسجعة بقوله:{رسولا} وهو المورد الوحيد في القرآن الذي اتفقت فيه ثلاث آيات متوالية في سجع واحد على ما نذكر.

_______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص164-169.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

أعذار وذرائع مُختلفة:

بعد الآيات السابقة التي تحدثت عن عظمة وإِعجاز القرآن، جاءت هذه الآيات تشير إِلى ذرائع المشركين، هذه الذرائع تُثبت أنَّ مواقف هؤلاء المشركين إِزاء دعوة الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) التي جاءت أصلا لإِحيائهم، لم تكن إِلاَّ للعناد والمُكابرة، حيثُ أنّهم كانوا يُطالبون بأشياء غير معقولة في مقابل اقتراح الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)المنطقي وإِعجاز القوي.

هذه الطلبات وردت على ستة أقسام هي:

1 ـ في البداية يقولون: { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا}.

«فجور وتفجير» بمعنى الشق. وهي عامّة، سواء كان شق الأرض بواسطة العيون أو شق الأفق بواسطة نور الصباح (مع الأخذ بنظر الإِعتبار أن تفجير هي صيغة مُبالغة لفجور).

«ينبوع» مأخوذة مِن «نبع» وهو محل فوران الماء، والبعض قالوا بأنَّ الينبوع هي عين الماء التي لا تنتهي أبداً.

2 ـ قولهم كما في الآية: { وْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا }.

3 ـ { أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًاً}.

4 ـ { أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا}.

«قبيل» تعني في بعض الأحيان «الكفيل والضامن»، وتعني ـ في أحيان أُخرى ـ الشيء الذي يوضع قبال الإِنسان وفي مُواجهته، وقال بعضهم بأنّها جمع (قبيلة) أي الجماعة مِن الناس.

وطِبقاً للمعنى الأوّل يكون معنى الآية أن تأتي بالله والملائكة كضامنين على صدقك!

وأمّا طِبقاً للمعنى الثّاني فيكون المعنى أن تأتي بالله والملائكة وتضعهما في مقابلنا!

وأمّا طِبقاً للمعنى الثّالث فيكون معنى الآية أن تأتي بالله والملائكة على شكل مجموعة مجموعة!

ويجب الإِنتباه إِلى أنَّ هذه المفاهيم الثلاثة لا تتعارض فيما بينها، ويمكن أن تكون مجتمعة في مفهوم الآية، لأنّ استخدام كلمة واحدة لأكثر مِن معنى ممكن عِندنا.

5 ـ {أو يكون لك بيتٌ مِن زُخرف}.

«زخرف» في الأصل تعني (الزينة)، ويقال للذهب «زُخرف» لأنَّهُ مِن الفلزات المعروفة والمستخدمة لأغراض الزينة، ويقال للبيوت المزيَّنة والملونة أنّها (مزخرفة)، كما يُقال للكلام المزوَّق والمخادع بأنَّهُ «كلام مزخرف».

6 ـ {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ}.

ثمّ يصدر الأمر مِن الخالق جلَّوعلا لرسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقول لهؤلاء في مقابل اقتراحاتهم هذه: {قل سبحان رَبّي هل كُنت إِلاَّ بشراً رسولا}.

ذريعة عامّة:

الآيات السابقة تحدَّثت عن تذرُّع المشركين ـ أو قسم منهم ـ في قضية التوحيد، أمّا الآيات التي نبحثها فإِنّها تشير إِلى ذريعة عامّة في مقابل دعوة الأنبياء، حيثُ تقول: {وما منعَ الناس أن يؤمنوا إِذ جاءهم الهُدى إِلاَّ أن قالوا أبَعَثَ اللَّهُ بشراً رسولا}.

هل يمكن التصديق بأنَّ هذه المهمّة والمنزلة الرفيعة تقع على عاتق الإِنسان ... ثمّ والكلام للمشركين ـ ألم يكن الأُولى والأجدر أن تقع هذه المهمّة ـ وهذه المسؤولية ـ على عاتق مخلوق أفضل كالملائكة - مثلا ـ كي يستطيعوا أداء هذه المهمّة بجدارة ... إِذ أين الإِنسان الترابي والرسالة الإِلهية؟!

إِنَّ هذا المنطق الواهي الذي تحكيه الآية على لسانِ المشركين لا يخص مجموعة أو مجموعتين مِن الناس، بل إِنَّ أكثر الناس وفي امتداد تأريخ النّبوات قد تَذَرّعوا به في مقابل الأنبياء والرُسُل.

قوم نوح(عليه السلام) ـ مثلا ـ كانوا يعارضون نبيّهم بمثل هذا المنطق ويصّرحون: {ما هذا إِلاَّ بشرٌ مِثلكم} كما حَكَت ذلك الآية (24) مِن سورة المؤمنون.

أمّا قوم هود فقد كانوا يُواجهون نبيّهم بالقول: (ما هذا إِلاَّ بشرٌ مِثلكم يأكل ممّا تأكلون مِنهُ ويشرب مما تشربون) كما ورد في الآية (33) مِن سورة المؤمنون. ثمّ أضافت الآية (34) مِن نفس السورة قولهم: { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ}.

نفس هذه الذريعة تمسّك بها المشركون ضد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأمام دعوة الإِسلام التي جاءَ بها، إِذ قالوا: { مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا}(الفرقان،7).

القرآن الكريم أجاب هؤلاء جميعاً في جملة قصيرة واحدة مليئة بالمعاني والدلالات، قال تعالى: { قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا}.

يعني أنَّ القائد يجب أن يكون مِن سنخ مَن بُعِثَ إِليه، ومِن جنس أتباعه، فالإِنسان لجماعة البشر، والمَلَك لجماعة الملائكة.

ودليل هذا التجانس والتطابق بين القائد وأتباعه واضح; فمن جانب يعتبر التبليغ العملي أهم وظيفة في عمل القائد مِن خلال كونه قدوة واسوة، وهذا لا يتمّ إِلاَّ أن يكون القائد مِن جنسهم، يمتلك نفس الغرائز والأحاسيس، ونفس مكونات البناء الجسمي والروحي الذي يملكهُ كل فرد مِن أفراد جماعته، فلو كانَ الرّسول إِلى البشر مِن جنس الملائكة الذين لا يملكون الشهوة ولا يحتاجون إِلى الطعام والمسكن والملبس، فلا يستطيع أن يتمثل معنى الأسوة والقدوة لِمن بُعِثَ إِليهم، بل إِنَّ الناس سوف يقولون: إِنَّ هذا النّبي المرسل لا يعرف ما في قلوبنا وضمائرنا، ولا يدرك ما تنطوي عليه أرواحنا من عوامل الشهوة والغضب وما إِلى ذلك، إِنَّ مثل هذا الرّسول سوف يتحدث إِلى نفسه فقط، إِذ لو كان مِثلنا يملك نفس أحاسيسنا ومشاعرنا لكانَ مِثلَ حالنا أو أسوأ، لذا لا اعتبار لكلامه.

أمّا عندما يكون القائد مِثل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) الذي يقول: «إِنّما هي نفسي أروضها بالتقوى لِتأتي أمنة يوم الخوف الأكبر»(2). فإنّ مِثلُه يصلح أن يكون الأسوة والقدوة لِمن يقودهم.

مِن جانب آخر ينبغي للقائد أن يُدرك جميع احتياجات ومشاكل أتباعه كي يكون قادراً على علاجهم، والإِجابةِ على أسئلتهم، لهذا السبب نرى أنَّ الأنبياء برزوا مِن بين عامّة الناس، وعانوا في حياتهم كما يعاني الناس، وذاقوا جميع مرارات الحياة، ولمسوا الحقائق المؤلمة بأنفسهم وهيأوا أنفسهم لمعالجتها ومصابرة مُشكلات الحياة.

المهتدون الحقيقيون:

بعد أن قطعت الآيات السابقة أشواطاً في مجال التوحيد والنّبوة وعرض حديث المعارضين والمشركين، فإِنَّ هذه الآيات عبارة عن خاتمة المطاف في هذا الحديث، إِذ تضع النتيجة الأخيرة لكل ذلك. ففي البداية تقول الآية إِذا لم يقبل أُولئك أدلتك الواضحة حول التوحيد والنّبوة والمعاد فقل لهم: { قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}(3).

إِنَّ هذه الآية تستهدف أمرين فهي أوّلا: تُهدِّد المعارضين المتعصبين والمعاندين، بأنَّ الله خبير وبصير ويشهد أعمالنا وأعمالكم، فلا تظنوا بأنّكم خارجون عن محيط قدرته أو أنَّ شيئاً مِن أعمالكم خاف عنه.

الأمر الثّاني: هو أنَّ الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أظهر إِيمانه القاطع بما قال، حيث أنَّ ايمان المتحدّث القوي بما يقول له أثرٌ نفسي عميق في المستمع، وعسى أن يكون هذا التعبير القاطع والحاسم المقرون بنوع من التهديد مؤثراً فيهم، ويهز وجودهم، ويوقظ فكرهم ووجدانهم ويهديهم إِلى الطريق الصحيح.

______________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص407-416.

2- نهج البلاغة،الرسالة 45.

3ـ مِن حيث التركيب: إِنَّ «الباء» في (كفى بالله) زائدة، و«الله» فاعل «كفى» و«شهيداً» تمييز، أو حال كما يقول البعض.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .