أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-5-2019
2705
التاريخ: 8-12-2016
5636
التاريخ: 20-4-2021
2054
التاريخ: 2023-04-05
1308
|
وانطلاقا من رؤيا قدمها هربرت شنيدر في كتابه تاريخ الفلسفة الامريكية
يمكن ان اركز على جملة من الافكار المهمة في اطار البحث عن مساحة من الوعي والفكر لتأسيس المدرسة التاريخية العراقية، اذ ان معرفة الظروف كما هي يعد الاساس الوحيد المتين للمشاركة والاتصال، وهذا يعني دراسة الواقع دراسة حقيقية موضوعية واعطاء الوصف بكل موضوعية وصدق ، ليشكل ذلك الارضية المناسبة للانطلاق بمشروع جديد يؤسس لفكر وقيم واتجاهات .
وعلى الرغم من ان الكتابة التاريخية هي جزء من الموروث الثقافي والحضاري لأي مجتمع خلال الحقبة التاريخية مجال البحث، الا انه من المفروض ان لا تكون انعكاس لإفرازات ونتائج للمرحلة التاريخية بكل سلبياتها وقصورها، بل ان تكون مرتكز للتحدي وللتنبيه والتركيز ورسم الاتجاهات الفكرية والثقافية وخلق المناخات الايجابية لنمو السلوكيات والافكار والابداعات . نحن بحاجة الى عصر جديد يسوده الفكر والفلسفة والجرأة في التفكير وخوض غمار مرحلة تحدي فكري وقيمي جديدة لمواجهة التحديات الخطيرة التي تمس جوهر الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بل تمس الوجود الانساني.
في الوقت الذي نحتاج فيه الى صياغات وافكار وفلسفات متقدمة نافذة في المجتمع، الا انه في الوقت نفسه نحتاج الى وضوح وافكار نسترشد بها يمكن ان يتعامل معها الافراد وعموم المجتمع ، فالتوفيق بين الوضوح والواقعية من جهة وبين الفلسفة والفكر الثاقب يعد امر ضروري ومهم .(1)
ان كل ثقافة او ميدان معرفي يشكل صورة معينة عن الواقع، فالتصور لا يعدو كونه أكثر من وجهة نظر او زاوية، فالتصورات وجهات او زوايا نظر، وان عدم امتلاك تصورات تعبر عن الحاجات النفسية والاجتماعية يخلق حالة شعور بعدم الامان وعدم الرضى عن النفس، في حين ان امتلاك تصور للعالم يمنح الشعور بالانتماء الى مجتمع عبر الانتماء الى تصوراته الثقافية. (2) لذلك هذا يؤكد اهمية دراسة الواقع وامتلاك رؤيا فلسفية لتشخيص عوامله ومحركاته، لتشكل ارضية لرسم مستقبله ومواجهة التحديات ولوضع الحلول .
الديمقراطية هي قدرة التجربة الانسانية على خلق الاهداف والمناهج التي تنمو بها تجربة ابعد واغنى ، وهي الايمان بان عمل التجربة اهم من اي شي ، والتجربة هي التفاعل الحر للكائنات الانسانية الفردية مع الظروف المحيطة .(3) ويبدو ان كل التجارب والحكومات السياسية التي ادارت دفة الحكم منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 حتى اليوم لم تقلح في خلق اجواء ديمقراطية حقيقية تفضي الى استقرار وخلق مناخات لأطلاق الافكار والابداع ، لذلك فان السلطة والثروة هي المحرك في تفسير كل حدث وكل قضية ، وبالتالي ضاعت على العراق امكانية تأسيس تجربة انسانية حقيقية .وفي هذا القدر نفسه الذي فشلت فيه النخبة الحاكمة ، فان المعارضة السياسية هي الاخرى لم ترتقي الى مستوى مناسب من الاداء الذي يسهم في بناء مناخات ايجابية ، وكانت تبالغ في مطالبها ، وتعرقل الخطوات التي كان ن الممكن ان تنفذ بالتدريج ، وتخلق اجواء من الصراع والاضطراب ، وهي الاخرى فشلت في صياغة الفكر والفلسفة للحكم والادارة .
والمشروع الفكري التاريخي الجديد ينطلق من استيعاب التقنيات العلمية في البحث العلمي ومعاييره العالمية من جهة ، ويضع نصب عينه تأثير التكنولوجيا وعصر المعلومات والمعرفة في مجرى تكوين عناصر الدفاع والقوة في مواجهة التحديات ، اذ لابد ان نبدأ من حيث انتهى العالم ، ان نبدأ من ادراك اهمية ودور المعرفة وعصر المعرفة في الشخصية وفي ادارة الدولة والحكم الرشيد وفي التفكير .اذ ان من المؤكد ان عدم امتلاك المعرفة وغياب التعامل مع التكنولوجيا كان احد اهم الاسباب وراء تراجع الامة وضعف دورها وعدم تقدمها .
فضلا عن ذلك ان استكمال صياغة الاطار النظري للمدرسة التاريخية الجديدة بحاجة الى هوية وطنية ، و بناء وامتلاك عناصر القوة القادرة على تنفيذ برنامج اصلاحي كبير ، فالتشظي والهويات الصغيرة والتناقض والاختلاف لا يمكن ان توفر فرصة امتلاك عناصر وشروط النهضة والقدرة على مواجهة التحديات ، فالدولة الوطنية يجب ان تمتلك اقتصاد قوي وخطط للتنشئة الاجتماعية والبناء الثقافي والانساني والمجتمعي للإنسان العراقي والعربي ، فالاطار النظري يدعونا الى ان نضع في الحسبان الحاجة الى اعتماد قيم ثقافية واقتصادية وسياسية ومعنوية تعزز الهوية الوطنية والمصلحة الوطنية .
واستلهاما من نهج واراء فريدريك ليست مؤسس المدرسة التاريخية التي تقوم على الاقتصاد القومي وجاءت ردا على اراء ادم سمث التي تقوم على الاقتصاد الحر والتجارة الحرة، اذ اكد ليست على الاقتصاد القومي.(4)
تعود العقل البشري على نفي ذاته من اجل خلق ذاته ، وهي ما توصف بانها عمليات النفي الايجابية ، نفي الجهل لبناء المعرفة ، ثم تحويلها الى جهل عبر اكتشاف جديد من خلال التفاعل مع الطبيعة ومع الاخرين ، اذ ان العقل البشري نشاط فعال يكشف ويجد الاشياء والحلول ويدعو الى التغيير ، ولابد ان تتحول الافكار والنظريات العلمية والفلسفية او العلوم الاخرى الى تصورات مهيمنة مؤثرة على باقي اشكال الثقافة المحلية والعالمية ، فالثقافة العلمية التي نتطلع اليها هي نظريات او نظرية تصف وتفسر العالم بهدف فرض وخلق ثقافة سائدة لنفسها ، وبالتالي فهي رؤية وتصور للإنسان والعالم ، وصولا لتقديم تصور علمي يترجم الوضع المعاصر للمعرفة العلمية ، انه حسب وجهة نظر (دافيد نوغل) ليس هناك ما هو اعمق او اقوى من شكل ومحتوى وعي الانسان وتفسيره الاساسي لطبيعة الاشياء .(5) ومن خلال حالة الوعي وتفسير الاشياء يمكن ان نحدد طريقة التفكير ونسك بخيوط الاطار النظري لمدرسة فكرية تاريخية .
نحن بحاجة الى كتابات ونظريات تستند وترتكز عليها الاسس الجديدة المدرسة التاريخية العراقية، فضلا عن ان تجارب المدارس التاريخية الفكرية التي سبقتها كالمدرسة الالمانية اهتمت في مسالة طرائق البحث، كالاستنباط والاستنتاج والاستقراء، ونحن بحاجة الى اكتشاف قوانين اجتماعية وتاريخية يمكن ان تكون قوانين متحركة للتطور . زيادة على ذلك فان المدرسة التاريخية العراقية تتطلب دراسة اسباب الهزائم العسكرية القومية والوطنية، واسباب فشل بناء منظومة واليات العمل السياسي وغياب الحكم الرشيد، وغياب المشاركة والوعي .
من المؤكد القول ان النخبة التي تتصدى للعملية السياسية والتي تتولى الحكم هي مع بيئتها ومع كل الظروف التي ساهت في صيرورتها تتحمل المسؤولية التاريخية في الفشل في خلق دول مؤسسات وبناء حكم رشيد ، اذ ان الصيرورة التاريخية تتشكل بحسب طبيعة التجربة البشرية ، وان الانسان هو صاحب الكلمة النهائية في تكوين الحدث ، وان الجماعة البشرية هي التي تصنع تاريخها من خلال تأثير عاملين اساسيين في التكوين الاجتماعي وهما البيئة الاجتماعية وما يطلق عليهم الابطال او الطليعة الرائدة .(6) لذلك تبرز الحاجة الى خلق بيئة اجتماعية تساعد في بناء منظمة سياسية حقيقية وفاعلة وايجابية ، زيادة على ذلك فان المؤسسات السياسية العربية عموما تحتاج الى ابطال ونخب فذة وطنية ومقتدرة تضع على سلم اولوياتها المصلحة الوطنية العليا .وليس دكتاتوريات او انظمة قبلية بعيدة عن امال شعوبها .
الاطار النظري لمدرسة تاريخية يحتاج الى كتابات جديدة جريئة تحدد اطار فكري فلسفي جديد يحدد المشكلات والاشكاليات التاريخية، لذلك فان المهم وجود من يتصدى ويتقدم الصفوف بجراة وقوة للخوض في غمار البحث التاريخي الجديد.
ان فهم مسارات السياسة الدولية والعوامل التي تتحكم بمساراتها، ومعرفة جوانب الخلاف والصراع والمصالح لكل طرف من الاطراف المحركة للسياسة الدولية كفيل بان يجلعنا قادرين على تحديد موقفنا ورسم سياستنا وخيارتنا، فنحن ضحية مصالح واجندات دولية كانت لها التأثيرات السلبية الكبيرة على حياتنا، فضلا عن فشلنا في التعامل مع العوامل الدولية والاقليمية، مع الاعتراف بغياب بالدور والارادة الوطنية، كلها عوامل جعلا منا ضحية عوامل واجندات ومصالح متناقضة ، لم تراعي ابدا مصالحنا .
في عام 2008 وقعت حادثتان مهمتان عدت مؤشر ينذر بنهاية النظام العالمي الجديد الذي تهيمن فيه القوة العالمية والاقتصادية الامريكية ، ففي اب 2008 شنت روسيا حرب وهجوم على جورجيا ، اذ كانت هذه الجمهورية السوفياتية سابقا محط اهتمام الامريكان ، ويعد جيشها المدرب والمسلح من الولايات المتحدة ومن اسرائيل ثالث اكبر الجيوش التي شاركت بحرب العراق ، وكان الرئيس الجورجي يسعى لانضمام بلاده الى حلف شمال الاطلسي ، فكان الصراع الروسي الجورجي في المنطقة المتنازع عليها (باوسيتيا) نقطة تحول دولية ، تحدت فيها روسيا الولايات المتحدة وقوضت سيطرتها العسكرية ، والحادثة الثانية التي حدثت بعد ثلاث اسابيع من الاولى كانت قد هددت صلب المنظومة المالية الاقتصادية للولايات المتحدة ، اذ انهار رابع اكبر مصرف استثماري في الولايات المتحدة وهو افلاس مصرف ليمان براذرز فاغرق العالم الغربي في ازمة تعد اخطر ازمة بعد ازمة عام 1929 المالية العالمية .(7)
فضلا عن ذلك فان هناك حقيقة قد تجسدت بشكل واقعي على الارض ان القوى الغربية الكبرى والولايات المتحدة لم تكن تصلح لان تكون حليف استراتيجي يحقق للعرب امالهم وطموحاتهم وتضعهم على مسار التقدم ، وبالتالي فأننا امام مفترق طرق في تحديد سياستنا الخارجية ، فأما ان نتمكن من اقناع او اجبار الولايات المتحدة على تعديل مسارات سياستها نحو افاق تعاون بناء مثمر يحقق الامن والاستقرار يمنح الفرصة للعمل والابداع والعطاء والبناء ، او نحدد خياراتنا في التحالف مع روسيا وفق رؤيا وفلسفة تحقق مصالح الطرفين من جهة وتدفع العالم الى افاق مراحل جديدة من التعايش والامان والعلاقات الودية ، وسيادة التوازن الدولي وتامين مصالح الحليف الاستراتيجي (روسيا) من جهة ومصالحنا الاستراتيجية من جهة اخرى ، بل ان من مصلحتنا ان نخلق عالم متعدد الاقطاب يحقق التوازن والسلام ، وبالتالي فان المؤرخ مطالب بقراءة التطورات والسياسات في مجال فهم مسارات السياسة الدولية وانعكاسها على الامن القومي العربي .
على الامة ان تبحث عن ضمانات اكيدة تمنحها قدرة للدفاع في مواجهة المخاطر، او تكون ضماناتها في تحقيق الامن والاستقرار والتطور، ولعل ابرز المؤسسات الضامنة الحكم الرشيد والمؤسسة العسكرية المهنية والمرجعيات الدينية والمجتمع المدني، او اي خيار اخر يمنح الامة قدرة الصمود وقدرة المواجهة والبناء .
البحث في جذور ومسببات العنف وزيادة مساحة استخدامه في التعامل مع الخلافات السياسية والدينية ، والبحث عن عناصر مشتركة توحد الامة وتمنع او تحد من استخدام العنف والتعصب والاقصاء في الحياة الاجتماعية والسياسية ، نحن بحاجة الى تعزيز وترسيخ الهوية الوطنية الجامعة .
الحروب والصراعات سواء كانت على صعيد القضية الفلسطينية او على صعيد القضية الكردية او الحروب غير المبررة القت بضلالها على الداخل العراقي من حيث وجود الخطر الخارجي او الازمة الداخلية ، وما افرزته من خلافات ووجهات نظر وولاءات مختلفة عرقلت او منعت تحقيق التوافق الوطني والانسجام الداخلي ، بل ادت الى تفتيت وضياع الجهود .
_________________
(1) هربرت شنيدر ، المصدر السابق ، تاريخ الفلسفة الامريكية ، 406.
(2) يوسف تيبس ، التصورات العلمية للعالم .. قضايا واتجاهات في فلسفة العلم المعاصرة ، ابن النديم للنشر والتوزيع ،
(3) هربرت شنيدر ، المصدر السابق ، تاريخ الفلسفة الامريكية ، 410.
(4) طارق يوسف العزاوي ، تاريخ المجتمعات ومدارس الفكر الاقتصادي ، دار البرهان ، ط/1 ، (بغداد 2014)
(5) يوسف تيبس ، التصورات العلمية للعالم .. قضايا واتجاهات في فلسفة العلم المعاصرة ، ابن النديم للنشر والتوزيع ،
(6) صائب عبدالحميد، فلسفة التاريخ في الفكر الاسلامي : دراسة مقارنة بالمدارس الغربية الحديثة والمعاصرة ، دار
(7) شيموس مين ، انتقام التاريخ ، معركة القرن الحادي والعشرين ، ترجمة اميرة المصري ، دار التنوير للطباعة والنشر ، ط/1 ، (بيروت 2014) ، 6 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|