أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-6-2016
2827
التاريخ: 16-10-2017
4403
التاريخ: 1-6-2016
21517
التاريخ: 12-3-2017
5480
|
الآثار العرضية والآثار الأصلية:
العقد الباطل ليس تصرفا قانونيا، إذ هو كعقد لا وجود له، ولكنه يوجد كواقعة مادية . وهو بهذه المثابة قد ينتج أثرة قانونيا، ليس هو الأثر الأصلي الذي يترتب على العقد باعتباره تصرفا قانونيا، بل هو أثر عرضي يترتب على العقد، باعتباره واقعة مادية .
على أن العقد الباطل قد ينتج في حالات استثنائية أثره الأصلي باعتباره تصرفا قانونيا. وهذا شذوذ تقتضيه تارة ضرورة استقرار التعامل، وطورة وجوب حماية حسن النية .
والعقد القابل للإبطال إذا تقرر بطلانه انعدم منذ البداية، وصار هو والعقد الباطل بمنزلة سواء، فإذا قلنا: العقد الباطل فيما نحن بصدده ، كان المقصود أن يدخل في مضمونه العقد القابل للإبطال بعد أن يتقرر بطلانه .
ونتناول على التعاقب الآثار العرضية والآثار الأصلية للعقد الباطل .
١. الآثار العرضية للعقد الباطل
استعراض بعض الآثار العرضية
قد ينتج العقد الباطل آثارا باعتباره واقعة مادية. من ذلك الزواج غير الصحيح، فهر في الشريعة الإسلامية لا ينتج آثاره الأصلية كحل التمنع ووجوب النفقة والتوارث بين الزوجين، ولكنه ينتج آثارا عرضية باعتباره واقعة مادية كوجوب العدة ووجوب المهر بعد الدخول وثبوت النسب وسقوط الحد. فالعدة واجبة بعد الدخول، والبنوة ثابتة بطبيعة الأشياء، والمهر واجب بمثابة تعويض، وسقوط الحد للشبهة لا لقيام الزوجية، وكل هذه النتائج قد ترتبت على الدخول المقترن بزواج غير صحيح، لا على عقد الزواج، فتكون قد ترتبت على واقعة مادية لا على تصرف قانوني.
وهناك من الإجراءات ما يكون باطلا، ولكنه ينتج بعض الآثار . من ذلك صحيفة الدعوى المرفوعة أمام محكمة غير مختصة، فهي باطلة ومع ذلك تقطع التقادم (م 383 مدني). ومن ذلك أيضا العطاء اللاحق في المزايدة يسقط العطاء السابق، حتى لو كان العطاء اللاحق باطلا (م 99 مدني).
ومن أهم الآثار التي ينتجها العقد الباطل أثران يستخلصان من نظريتين معروفتين، إحداهما نظرية انتقاص العقد والأخرى نظرية تحول العقد.
انتقاص العقد:
تنص المادة 134 من التقنين المدني المصري على أنه «إذا كان العقد في شق منه باطلا أو قابلا للإبطال، فهذا الشق وحده هو الذي يبطل، إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلا أو قابلا للإبطال، فيبطل العقد كلها.
ومن ذلك نرى أنه يجب أن يكون هناك عقد باطل في أحد أجزائه دون الأجزاء الأخرى، لأنه لو كان باطلا في جميع أجزائه لما كان هناك وجه لانتقاصه، فإن أي جزء منه يبقى بعد الانتقاص يكون باطلا، وإنما قد يكون هناك محل لتحوله إلى عقد آخر صحيح. كما سنرى. ومن ذلك أيضا نرى أن العقد المنتقص ينتج أثرة أصلا لا أثرة عرضيا، وينتجه باعتباره تصرفه قانونيا لا باعتباره واقعة مادية ، وإنما ذكرناه هنا لأنه لا ينتج أثرة أصليا كاملا، بل أثرة أصليا منتقصة.
مثل انتقاص العقد قسمة أعيان بعضها موقوف وبعضها مملوك . فتقع القسمة فيما يتعلق بالموقوف باطلة، وتبقى صحيحة فيما يتعلق بالمملوك، وهذا ما لم يثبت من يطعن في القسمة كلها أنها ما كانت لتم في المملوك دون الموقوف.
ويتبين من ذلك أن القاعدة التي تقضي بأن وجود شرط باطل في وصية يبطل الوصية كلها إذا كان هو الدافع إلى التصرف، أو يبطل وحده إذا لم يكن هو الدافع، تدخل في نطاق قاعدة انتقاص العقد، ذلك أنه إذا كان الشرط الباطل هو الدافع، فإن التصرف وشرطه يكونان غير قابلين للتجزئة ، ويسقط التصرف كله ولا يجوز انتقاصه، أما إذا كان الشرط الباطل ليس هو الدافع إلى التصرف فإن التصرف يكون قابلا للتجزئة فيجوز انقاصه .
ويدخل في نطاق هذه القاعدة أيضا ما يشترط فيه القانون أن يقف عند رقم محدود على أن ينتقص ما يزيد على هذا الرقم، كالاتفاق على البقاء في الشيوع إذا كانت مدته أكثر من خمس سنوات فتنقض المدة إلى خمس (م 834 مدني)، وكعقد قرض بفوائد تزيد على 7٪ فتنتقص الفوائد إلى 7٪ (م 227 مدني).
في مثل هذه الأحوال ينتقص العقد ما دام قابلا للتجزئة، أما إذا كان غير قابل لها، بأن تبين أن العقد ما كان ليتم بغير شقه الباطل، فإن العقد يبطل بأكمله .
تحول العقد:
تنص المادة (144) من التقنين المدني المصري على أنه: «إذا كان العقد باطلا أو قابلا للإبطال، وتوافرت فيه أركان عقد آخر، فإن العقد يكون صحيحة باعتباره العقد الذي توافرت أركانه، إذا تبين أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد». وهذا النص يقرر في عبارة | عامة نظرية تحول العقد، وهي نظرية ألمانية، صاغها الفقهاء الألمان في القرن التاسع عشر، وأخذ بها التقنين المدني في نص صريح هو المادة (140). وعلى نهج التقنين المدني الألماني سار التقنين المدني المصري الجديد.
وتتلخص النظرية في أن التصرف الباطل قد ينطوي برغم بطلانه على عناصر تصرف آخر، فيتحول التصرف الذي قصد إليه المتعاقدان وهو التصرف الباطل إلى هذا التصرف الآخر، وبذلك يكون التصرف الباطل قد أنتج أثرة قانونيا، لا كواقعة مادية بل كتصرف قانوني، ولكنه أنتج أثرة عرضيا لا أثر أصليا:
ومن الأمثلة على تحول التصرف الباطل إلى تصرف آخر ما يأتي:
(1) كمبيالة لم تستوف الشكل الواجب قانون ، فتتحول من كمبيالة باطلة إلى سند دين عادي صحيح، وقد نصت على هذا الحكم صراحة المادة (108) من التقنين التجاري،
(2) كمبيالة مسحوبة من قاصر ليس تاجرة أو من ناقص الأهلية، فتكون باطلة طبقا للمادة (110) من التقنين التجاري، وتتحول من كمبيالة باطلة إلى سند دين عادي قابل للإبطال.
(3) شخص يتعهد تعهدا لا رجوع فيه أن يجعل آخر وارثا له، فيكون التعهد باطلا لأن الشريعة الإسلامية لا تعرف عقد إقامة الوارث ولكنه يتحول إلى وصية صحيحة بجوز الرجوع فيها.
(4) عقد بيع في ورقة رسمية يذكر فيه ثمن يكون تافهة إلى حد أنه لا يصلح ثمنا، فيكون باطلا باعتباره بيعة، ولكنه يتحول إلى هبة صحيحة استوفت الشكل الرسمي.
(5) تنبيه بالإخلاء أرسله المؤجر للمستأجر بعد الميعاد، ونفرض أن ميعاد التنبيه هو خمسة عشر يوما قبل انتهاء الشهر، وإلا امتد الإيجار شهرة فشهرة. فإذا نبه المؤجر، في عشرين من شهر مارس مثلا، على المستأجر بالإخلاء، فهذا التنبيه باطل باعتباره تنبيها ينهي الإيجار في آخر شهر مارس، فيمتد الإيجار إلى آخر شهر إبريل، ويجوز أن يتحول هذا التنبيه الباطل إلى تنبيه صحيح صدر لإنهاء الإيجار في آخر شهر إبريل، فيعتبر تنبيها بالإخلاء لم يتأخر صدوره عن خمسة عشر من شهر إبريل.
(6) بيع صدر من البائع في مرض اعتقد أنه مرض
الموت، ثم شفي من المرض، فهذا بيع مشوب بغلط دافع فيكون قابلا للإبطال. ثم بموت البائع بعد شفائه من المرض تاركا عقد البيع كما هو، فتبطله الورثة على أساس الغلط، فيصح أن يتحول من بيع باطل إلى وصية صحيحة.
(7) إذا حكم للمشتري بإبطال البيع، في بيع ملك الغير ، وكان يجهل أن البيع غير مملوك للبائع، فله أن يطالب بتعويض ولو كان البائع حسن النية (م 498 مدني). ويمكن القول هنا أن عقد البيع بعد إبطاله تحول إلى عقد صحيح غير مسمى، ينشئ التزاما في ذمة البائع بتعويض المشتري عن عدم انتقال ملكية المبيع إليه .(1)
ويشترط لتحول التصرف الباطل إلى تصرف آخر اجتماع شروط ثلاثة :
اولا: بطلان التصرف الأصلي: فيجب أن يكون التصرف الأصلي إما تصرفا باطلا، وإما تصرفا قابلا للإبطال وقد أبطل فعلا. ولا يجوز أن يكون تصرفا صحيحة، ولا تصرفا باطلا في شق منه صحيحة في الشق الآخر، فإذا كان تصرفا صحيحة، لم يجز أن يتحول إلى تصرف آخر كان المتعاقدان يؤثران على التصرف الأول، حتى لو انطوى التصرف الأول على عناصر التصرف الآخر، مثل ذلك عقد رهن حيازة صحيح في ورقة رسمية، ويتبين أن كلا من الراهن والمرتهن كان يؤثر أن يكون الرهن رهنا رسميا لا رهن حيازة، فلا يتحول رهن الحيازة إلى رهن رسمي في هذه الحالة، لأن رهن الحيازة وقع صحيحة ولا يتحول إلا التصرف الباطل. كذلك العقد الصحيح المعلق على شرط واقف أو على شرط فاسخ، إذا تخلف الشرط الواقف أو تحقق الشرط الفاسخ فسقط العقد، لا يتحول إلى تصرف آخر، لأن العقد صحيح وأراد المتعاقدان أن يعلقاه على هذا الشرط ولا يريدان إذا سقط العقد بمفعول الشرط أن يتحول إلى عقد آخر، وهذا هو الحكم أيضا في العقد الذي لا يسري في حق الغير إذا كان عقدة صحيحة، فلا يجوز أن يتحول إلى عقد آخر. وإذا كان التصرف باطلا في شق منه صحيحة في الشق الآخر، وكان التصرف قابلا للانقسام، لم يكن هناك محل لتحول التصرف، بل لانتقاصه، فيزول الجزء الباطل ويبقى الجزء الصحيح. أما إذا كان التصرف غير قابل للانقسام، فإنه يبطل بأكمله، وقد سبق بيان ذلك. وقد يكون هناك محل في هذه الحالة لنحول التصرف الذي بطل بأكمله إلى تصرف آخر، كما قد يكون هناك محل، في حالة الانتقاص، لنحول الجزء الباطل وحده إلى تصرف آخر مع استبقاء الجزء الصحيح على النحو الذي قدمناه .
ثانيا : أن ينطوي التصرف الأصلي الباطل على عناصر التصرف الآخر الذي يتحول إليه فيجب أن يكون هناك تصرف آخر يتحول إليه التصرف الأصلي، والمغايرة بين التصرف الأصلي والتصرف الآخر ضرورية للتحول. أما مجرد تعديل التكييف القانوني للتصرف مع بقاء التصرف ذاته قائمة فلبس بتحول، كما إذا كيفت وصية خطأ على أنها بيع فتعديل التكييف الخاطئ ليس تحولا بل هو تفسير للتكييف الصحيح للتصرف. وإذا كان هناك تصرف آخر، وجب أن تقوم رابطة
بين التصرفين تجعل التصرف الأصلي منطوية في مجموعة على عناصر التصرف الآخر. ولكن لا يشترط أن يتضمن التصرف الأصلي عناصر التصرف الآخر تضمنا فعليا، فالتنبيه الباطل الذي ذكر فيه أن الإيجار ينتهي في آخر مارس منطو على أن الإيجار ينتهي في آخر إبريل وإن كان لا يتضمن ذلك فعلا، على أنه لا يجوز أن يضاف إلى التصرف الآخر عنصر جديد لا ينطوي عليه التصرف الأصلي، فإذا أضيف عنصر جديد لم يكن هذا تحولا. مثل ذلك شخص باع أرضا من آخر، وتبين أن الأرض غير مملوكة للبائع، فلا يتحول العقد إلى بيع بقع على منزل مملوك للبائع، حتى لو ثبت أن المتعاقدين كانا يقبلان ذلك لو علما أن البائع لا يملك الأرض. ومن ثم لا يعد تحولا ما نصت عليه المادة (124 مدني) من أنه: «ليس لمن وقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية، ويبقى بالأخص ملزمة بالعقد الذي قصد إبرامه إذا ظهر الطرف الآخر استعداده لتنفيذ هذا العقد». وتطبيقا لهذا النص، يظل الشخص الذي اشترى شيئا وهو يعتقد أنه أثرى مرتبطة بالعقد، إذا عرض البائع أن يعطيه الشيء الأثري الذي قصد شراءه، فليس في هذا تحول بيع شيء غير أثري إلى بيع شيء أثري (2)، لأن البيع الثاني أدخل عليه عنصر جديد لم يكن موجودة في البيع الأول، وهو الشيء الأثري بالذات، فتخلف بذلك شرط من شروط التحول، وليس هذا تحولا كما قدمنا، بل هو تصحيح للعقد.
ويحسن في هذه المناسبة أن نشير إلى وجوب التمييز ما بين تصحيح العقد ومراجعته وتحوله وإجازته. فتصحيح العقد يكون بإدخال عنصر جديد عليه، يؤدي قانونا إلى جعله صحيحة. فعرض البائع على المشتري الشيء الأثري الذي قصد شراءه في المثل المتقدم يجعل المشتري مرتبطة بالعقد كما قدمنا وإدخال العنصر الجديد - الشيء الأثري . على العقد أدى قانونا إلى جعل العقد صحيحة، وفي الاستغلال يجوز في عقود المعارضة أن يتوقى الطرف المستغل دعوى الإبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافيا لرفع الغبن، فعرض ما يكفي لرفع الغبن هو إدخال عنصر جديد في العقد أدى إلى تصحيحه. وفي الغبن يعتبر تصحيحا لبيع العقار المملوك لشخص لا تتوافر فيه الأهلية تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل إذا كان في البيع غبن يزيد على الخمس، ويعتبر تصحيح العقد القسمة إكمال نصيب المتقاسم المغبون ما نقص من حصنه إذا لحقه غبن يزيد على الخمس. وتصحيح العقد غير مراجعة القاضي للعقد. فالتصحيح يكون بحكم القانون، أما مراجعة العقد فتكون من عمل القاضي. والتصحيح لا يكون لا في عقد نشأ معيبا منذ البداية ، أما مراجعة العقد فقد تكون في عقد نشأ معيبا كإنقاص الالتزام في الاستغلال وفي عقد الإذعان، وقد تكون في عقد نشأ صحيحة كاستكمال القاضي للمسائل غير الجوهرية التي لم يتفق عليها المتعاقدان وكإنقاص الالتزام المرهق في نظرية الحوادث الطارئة . أما تحول العقد فهو، كما رأينا استبدال عقد جديد بعقد قديم من غير إدخال أي عنصر جديد، وعدم إدخال أي عنصر جديد هو الذي يميز تحول العقد عن تصحيحه ومراجعته. وأما في إجازة العقد فنستبقي عناصر العقد القابل للإبطال
ثالثا : جواز انصراف إرادة المتعاقدين المحتملة إلى التصرف الآخر الذي حول إليه التصرف الأصلي، وليس معنى ذلك أن المتعاقدين أرادا التصرف الآخر إرادة حقيقية، وإلا لما كان هذا تحولا، بل كان إعمالا للإرادة الحقيقية عن طريق تفسيرها(3) ولا يمكن على كل حال أن يكون المتعاقدان قد أرادا التصرف الآخر إرادة حقيقية، لأنهما لم يكونا يعلمان ببطلان التصرف الأصلي حتي بريدا تصرفا آخر يحل محله. وإنما مما قد أرادا التصرف الأصلي، نعلبه وحده قد انصبت إرادتهما الحقيقية. ثم يتساءل بعد ذلك : لو كان المتعاقدان رفت أن أبرما التصرف الأصلي علما ببطلانه ، أكان من المحتمل أن يريدا التصرف الآخر؟ فإن كان محتملا، وقع التحول. فالتحول إذن يقوم، لا على إرادة حقيقية، بل على إرادة مفروضة، يستخلصها القاضي فيفرضها القانون . يستخلصها القاضي من الغابة العملية التي يريد العقدان الوصول إليها، وقد اختارا لها طريقة قانونيا تبين بطلانه . فلو كان هناك طريق قانوني صحيح يؤدي إلى الغابة ذاتها كلها أو بعضها، فمن الممكن أنهما كانا يريدان هذا الطريق القانوني الصحيح لو أنهما كانا يعلمان ببطلان الطريق القانوني الذي سلكاه، ما دام الطريق الصحيح يؤدي إلى الغاية العملية التي قصداها. فالعبرة إذن بالغاية العملية لا بالوسيلة القانونية، والتحول يقع في الحدود التي تتحقق فيها نفس الغاية العملية في جوهرها عن طريق التصرف الآخر. ذلك أن إنشاء تصرف قانوني ليس في ذاته هو الغاية العملية للمتعاقدين، وإنما هو وسيلة لتحقيق هذه الغاية . ولكن كيف يتعرف القاضي على هذه الغاية؟ يتعرف عليها من واقع التصرف الأصلي ومن كل الظروف المقارنة له، وما دام التصرف الآخر يحقق، كليا أو جزئيا، هذه الغاية العملية، فإن القانون بفرض أن المتعاقدين قد أرادا هذا التصرف.
وهنا نتساءل مرة أخرى : متى يفرض القانون هذه الإرادة؟ هناك رأيان :
(۱) رأي بذهب إلى أن مجرد انعدام إرادة عكسية أي إرادة تستبعد التصرف الآخر، يكفي لفرض هذه الإرادة.
(۲) ورأي آخر يذهب إلى أنه لا يكفي انعدام الإرادة العكسية، بل يجب أيضا أن يقوم من الظروف .
والقرائن ما يتضح معه أن إرادة المتعاقدين المحتملة كانت تنصرف إلى هذا التصرف الآخر. فإذا حصل الدائن من مدينه على كمبيالة باطلة، وكان عنده قبل ذلك سند عادي يثبت الدين، فالكمبيالة الباطلة لا تتحول إلى سند عادي، لأن القرائن دلت هنا على أن غاية الدائن من الحصول على الكمبيالة ليس هو الوصول إلى مجرد دليل يثبت الدين، بل الحصول على أداة بالذات لها مميزات خاصة هي الكمالة . فلو علم المتعاقدان ببطلان الكمبيالة وقت تحريرها، لما انصرفت إرادتهما المحتملة إلى السند العادي، إذ هو موجود عند الدائن من قبل، فلا تتحول الكمبيالة في هذه الحالة إلى سند عادي، بالرغم من عدم قيام إرادة عكسية تستبعد السند العادي.
ومن ذلك يرى أن هناك من يكتفي بانعدام الإرادة العكسية(4)، وهناك من يقول بوجوب الإرادة الاحتمالية(5). وهناك رأي ثالث لا يكتفي حتى بالإرادة الاحتمالية، بل يشترط أن يكون هناك إرادة احتياطية، فتنصرف إرادة المتعاقدين احتياطيا إلى التصرف الصحيح الذي تحول إليه التصرف الباطل. وهذا الرأي الأخير لا يجوز الأخذ به، لأن معناه أن يتوقع المتعاقدان احتمال بطلان التصرف الأصلي، فتنصرف إرادتهما احتياطيا إلى التصرف الآخر عند تحقق هذا الاحتمال، فالإرادة الاحتياطية هي، كما نرى، إرادة حقيقية، ويكون المتعاقدان قد أرادا تصرفا باطلا في الأصل، وأرادا تصرفا صحيحا على سبيل الاحتياط، فيقوم التصرف على إرادة حقيقية لا على إرادة احتمالية . وقد قدمنا أن التحول لا يمكن أن يقوم على إرادة حقيقة، وإلا لما كان هذا تحولا، بل تفسيرا لهذه الإرادة الحقيقية، ومن ثم يجب التمييز تمييزا دقيقا بين الإرادة الاحتياطية والإرادة الاحتمالية، وكثيرا ما يخلط بينهما (6) . فالتحول لا يمكن أن يقوم على إرادة احتياطية، وإن جاز أن يقوم على إرادة احتمالية .
ومتى توافرت هذه الشروط الثلاثة السالفة الذكر ، وقع التحول منذ البداية ، وانقلب التصرف الأصلي الباطل إلى تصرف آخر ينتج آثاره القانونية في الحال، ويتم التحول بحكم القانون لا بعمل القاضي، ولا تزيد مهمة القاضي فيه على أن يقرر أن شروط التحول قد توافرت وأن التحول قد وقع بحكم القانون. ومن ثم ليس من الضروري لوقوع التحول الحصول على حكم بذلك، وإذا رفعت دعوى فإنما تكون للكشف على أن التحول قد وقع، ويجوز للقاضي أن يحكم بوقوع التحول من تلقاء نفسه دون حاجة إلى طلب من الخصوم.
٢. الآثار الأصلية للعقد الباطل
ما الذي يبرر أن يترتب على العقد الباطل آثاره الأصلية:
قد يرتب القانون في بعض الحالات على العقد الباطل آثاره الأصلية، لا باعتباره واقعة مادية، بل باعتباره تصرفا قانونيا، فيكون هو والعقد الصحيح في منزلة واحدة. وفي هذا خروج صريح على القواعد العامة، يبرره أن هذه الحالات ترجع بوجه عام إلى فكرة احترام الظاهر لا سيما إذا اصطحب بحسن النية ، وهذه رعاية واجبة لاستقرار التعامل.
فالظاهر المستقر الذي اطمأنت إليه الناس في تعاملهم يبقي في حماية القانون حتى لو خالف الحقيقة، ويقوم كما لو كان هو الحقيقة ذاتها. هذا الأصل الجوهري من أصول القانون، الذي تندرج تحته نظرية الإرادة الظاهرة ونظرية التصرف المجرد ونظرية الصورية في مختلف تطبيقاتها، يمتد أيضا ليشمل العقد الباطل فيرتب عليه آثاره الأصلية كما لو كان عقدة صحيحة.
أمثلة من عقود باطلة ترتب آثارها الأصلية
من ذلك الشركة التجارية التي لم تستوف الإجراءات الواجبة قانونا، فإنها تقع باطلة، ومع ذلك فقد قضت المادة (54) من التقنين التجاري بأنه إذا قضى ببطلان الشركة، فإن تصفية حقوق الشركاء عن المعاملات التي تمت قبل طلب البطلان تجري وفقا لشروط الشركة التي قضي ببطلانها. وهذا الحكم يجعل عقد الشركة الباطل ينتج آثاره الأصلية كما لو كان عقدة صحيحا، ووجه ذلك أن الشركة التي نضي ببطلانها تعتبر في المدة السابقة على الحكم بالبطلان شركة واقعية، تنتج الآثار التي تنتجها الشركة الصحيحة، ويعتبر تعامل الغير مع الشركة صحيحة، ويجني الشركاء الربح ويتحملون الخسارة ويقتسمون مال الشركة طبقا للشروط التي اتفقوا عليها في العقد الباطل.
ومن ذلك ما نصت عليه المادة (1034) من التقنين المدني المصري من أنه: «يبقى قائمة المصلحة الدائن المرتهن الرهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو إلغاؤه أو زواله لأي سبب آخر، إذا كان هذا الدائن حسن النية في الوقت الذي أبرم فيه الرهن، ويتبين من هذا النص أن عقد الرهن الصادر من شخص لا يملك العقار المرهون . إذ أن سند ملكيته قد أبطل أو فسخ أو الغي أو زال لأي سبب . يبقي بالرغم من بطلانه مترتبة عليه آثاره الأصلية، ومن أهمها قيام حق الرهن لمصلحة الدائن المرتهن .
ويتصل بذلك أيضا العقد الصوري، وهو عقد لا وجود له، ومع ذلك يعتبر قائمة بالنسبة إلى الغير حسن النية ، إذا تعامل على مقتضاه ، وكالعقد الصوري تصرفات الوارث الظاهر ، فإنها تبقى قائمة رعاية الاستقرار التعامل.
______________
1- انظر في هذا الموضوع رسالة على الآلة الكاتبة في تحول التصرف القانوني للدكتور أحمد يسري جامعة هيد لبرج بألمانيا - وقارن ص(144) هامش رقم (7) من هذه الرسالة
2- قارن ص(145) من رسالة الدكتور أحمد يسري في تحول التصرف القانوني .
كما هي، وفي هذا تنفق الإجازة مع التحول وتختلف عن التصحيح والمراجعة، ويستبقي أيضا العقد المجاز ذاته دون أن يحل محله عقد جديد، وفي هذا تنفق الإجازة مع التصحيح والمراجعة تختلف عن التحول. وخلاصة القول أن كلا من التصحيح والمراجعة يستبقي العقد الأصلي ولكن يدخل عليه عناصر جديدة، والتحول لا بدخل عناصر جديدة ولكن لا يستبقي العقد الأصلي، أما الإجازة فتستبقي العقد الأصلي ولا تدخل عليه عناصر جديدة.
3- ويترتب على ذلك أنه لا يعتبر تحولا أن تعقب وصية سابقة رمية لاحقة باطلة، أو أي تصرف قانوني آخر باطل في الشيء الموصي به، ولا يمكن أن يقال : إن التصرف الباطل قد تحول إلى عدول صحيح عن الوصية، ذلك أن التصرف الباطل التالي للوصية تستخلص منه إرادة ضمنية . ولكنها إرادة حقيقية ... في العدول عن الوصية السابقة . فليس الأمر هنا أمر تحول، لأن التحول لا يقوم على إرادة حقيقية ، بل هو استخلاص لإرادة حقيقية ضمنية. انظر في هذا المعنى الدكتور أحمد يسري في تحول التصرف القانوني ص (183)، وقارن الوسيط، (1/ فقرة 306)
4- انظر الدكتور أحمد يسري في نحول التصرف القانوني (91-92-185-186 )
5- سالي في الإعلان عن الإرادة (140) فقرة (16) ص(319 - 320).
6- انظر على سبيل المثال رسالة الدكتور أحمد يسري في تحول التصرف القانوني (93 و 18 - 180).
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|