المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8091 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01
المختلعة كيف يكون خلعها ؟
2024-11-01
المحكم والمتشابه
2024-11-01
الاستجابة اللاإرادية الجنسية للماشية sexual reflex
2024-11-01
المحاجة في الدين وتوضيح العقيدة
2024-11-01
الله هو الغني المقتدر
2024-11-01

زراعة الفلفل في الأرض المستديمة
21-3-2016
عبد النبي بن سعد الجزائري (ت/ 1021 )
2-7-2016
عرض العفو على المتهم والصلح
16-5-2017
Bioprospecting: Hunting for Natural Products
19-5-2017
في بيان أصول القراءات  
2023-09-19
الشيخ سليمان بن علي بن سليمان
20-11-2017


مسالة ورود المطلق والمقيد  
  
2123   07:46 صباحاً   التاريخ: 5-7-2020
المؤلف : الشيخ محمد علي الأراكي
الكتاب أو المصدر : أصول الفقه
الجزء والصفحة : ج‏1، ص: 338
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-8-2016 1353
التاريخ: 30-8-2016 1539
التاريخ: 31-8-2016 1457
التاريخ: 29-8-2016 1613

إذا ورد مطلق ومقيّد فلا يخلو إمّا أن يكونا متخالفين في الإيجاب والسلب، وإمّا أن يكونا متوافقين فيهما، فإن كانا من المتخالفين كما في أعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة فالنهي المتعلّق بالمقيّد محتمل لأن يكون للتحريم إمّا تكليفا، وإمّا إرشادا إلى الوضع من عدم الإجزاء، ولأن يكون تنزيهيّا مفيدا للكراهة.

 

فنقول: لا محيص عن التقييد وحمل المطلق على المقيّد سواء كان النهي من القبيل الأوّل أم من القبيل الثاني، وذلك لأنّ الظاهر من قوله: لا تعتق رقبة كافرة مثلا هو أنّ المنهيّ عنه هو العتق المقيّد بكون معتقه رقبة كافرة، لا أن يكون مورد النهي والمرجوحيّة هو إضافة الطبيعة إلى القيد مع محفوظيّة الرجحان بالنسبة إلى أصل الطبيعة؛ فإنّ هذا يحتاج في تأديته إلى تعبير آخر، وإذن فإن كان مورد الأمر والرجحان هو المطلق للزم اجتماع الراجحيّة والمرجوحيّة في محلّ واحد وهو أصل الطبيعة.

بيان ذلك أنّ الطبيعة المقيّدة بقيد يكون عند التحليل منحلّة إلى جزءين، أحدهما نفس الطبيعة، والآخر إضافتها إلى القيد وإن كان هذان الجزءان يوجدان في الخارج بوجود واحد.

فإن كانت المرجوحيّة المتعلّقة بالطبيعة المقيّدة غير راجعة إلى إضافتها إلى الطبيعة، بل كانت راجعة إلى الطبيعة المضافة فتكون الطبيعة أيضا مرجوحة في ظرف هذه الإضافة، فهذه منافية لما فرضنا من تعلّق الرجحان بالطبيعة على وجه الإطلاق والسريان؛ إذ معناه اجتماع الرجحان والمرجوحيّة في أصل الطبيعة عند إضافتها إلى القيد.

وإن كانت المرجوحيّة راجعة إلى إضافة الطبيعة إلى القيد من دون أن يحدث في أصل الطبيعة بسبب ذلك حزازة أصلا- كما في الدر الثمين الموضوع في الظرف السفال؛ فإنّ الحزازة لوضع الدر في الظرف المذكور من دون أن ينقص من بهاء الدر وحسنه شي‏ء أصلا- فهذا يجتمع مع رجحان أصل الطبيعة على وجه الإطلاق.

ولهذا قد قلنا في ما تقدّم في العبادات المكروهة- مثل الصلاة في الحمام- بأنّ النهي التنزيهي الكراهي تعلّقه بعنوان العبادة الملازمة للرجحان الذاتي لا يمكن إلّا بفرضه متعلّقا بإضافة العبادة إلى القيد مثل إيقاع الصلاة في الحمام لا إلى نفس العبادة؛ إذ يمتنع اجتماع الضدّين في محلّ واحد، وهذا يستلزم أقليّة الثواب يعنى أنّ الطبيعة إذا لم تكن مع هذه الاضافة المستلزمة للحزازة فثوابها أكثر منها إذا كانت مع هذه الإضافة، وهذا معنى قولهم: إنّ النّهي في العبادة بمعنى أقليّة الثواب، فليس المراد أنّ من معاني كلمة «لا» هو ذلك، بل المراد أنّ النهي محمول على معنى يستلزم الأقليّة، وعلى هذا فيمكن العبادة المحرّمة أيضا بتعلّق الحرمة بالإضافة لا بنفس العبادة، لكنّه ملازم للفساد من حيث إنّ الوجود واحد، والوجود الواحد لا يمكن أن يصير مقرّبا ومبعّدا بخلاف العبادة المكروهة؛ فإنّها أيضا وإن كانت في الوجود واحد لكن لا بعد فيها من جهة الكراهة حتّى لا يجتمع مع القرب.

وكيف كان ففي ما إذا احرز أنّ المقيّد الواقع تحت النهي مطلوب ومتعلّق للأمر من حيث نفس الطبيعة الموجودة في ضمنه كما في العبادات المكروهة فاللازم هو صرف النهي إلى الإضافة بحكم العقل وإن كان على خلاف الظاهر، وأمّا مع عدم إحراز ذلك مع وجدان النهي متعلّقا بحسب ظاهر القضيّة اللفظيّة بالمقيّد بما هو مقيّد الذي لازمه سراية النهي إلى نفس الطبيعة الموجودة في ضمنه فاللازم حينئذ صرف الأمر المتعلّق بالمطلق إلى المقيّد بضدّ هذا القيد بحكم العقل وإن كان ظاهر القضيّة هو الإطلاق.

وإن كان المطلق والمقيّد متوافقين إثباتا ونفيا كما في أعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة فنقول أوّلا: إنّه يمكن بحسب التصوّر هنا وجوه أربعة.

الأوّل: أن يكون هنا تكليفان، أحدهما بالمطلق والآخر بالمقيّد، فإتيان المقيّد كاف عن التكليفين وموجب للخروج عن العهدتين كما في الإتيان بالمجمع عند توجّه خطابين، أحدهما بإكرام العالم والآخر بإكرام الهاشمي، والإتيان بغير هذا المقيّد خروج عن عهدة التكليف بالمطلق دون التكليف بالمقيّد.

والثاني: أن يكون هنا تكليف واحد بالمطلق، والأمر بالمقيّد كان للاستحباب لا للتكليف الوجوبي فقيّد استحباب الخصوصيّة الفردية كما في الصلاة في المسجد.

والثالث: أن يكون هنا أيضا تكليف واحد إيجابي لكن كان تخييريّا وكان أحد طرفي التخيير هو المطلق والآخر هو المقيّد، فيكون الأمر بالمقيّد أمرا بأفضل فردي الواجب التخييري.

والرابع: أن يكون هنا أيضا تكليف واحد إيجابي تعييني متعلّق بالمقيّد لبّا وإن كان متعلّقا بالمطلق في الصورة.

والسالم عن محذور الوقوع في مخالفة الظاهر من هذه الأربعة أوّلها، فإنّ الثاني مستلزم لطرح ظهور الأمر المتعلّق بالمقيّد في الوجوب، والثالث لطرح ظهور هذا الأمر في التعيينيّة، والرابع مخالف لظاهر الأمر المتعلّق بالمطلق؛ فإنّه بعد إحراز المقدّمات ظاهر في كون المطلوب هو المطلق دون المقيّد، فالتقييد يوجب رفع اليد عن هذا الظهور.

ثمّ نقول: لو ورد أمر بالمطلق وأمر بالمقيّد، ولم يعلم من الخارج كون التكليف واحدا ولا ذكر في اللفظ ما هو سبب للتكليف حتى يستفاد من وحدته وحدة التكليف ومن تعدّده تعدّده، فحينئذ لا إشكال في تعيّن الوجه الأوّل من حمل كلّ منهما على تكليف مستقل، وأصالة البراءة عن التكليف الزائد غير مفيدة بعد وجود الدليل وهو ظهور كلّ من الأمرين في كونه تكليفا مستقلا غير مرتبط بالآخر، ولا وجه لاختيار سائر الوجوه بعد ما عرفت من استلزامها لمخالفة الظاهر وسلامة هذا الوجه عنها.

وأمّا لو علم من الخارج بوحدة التكليف وأنّه إمّا متوجّه إلى المطلق وإمّا إلى المقيّد فحينئذ يدور الأمر بين الوجوه الثلاثة المتأخّرة ولا ترجيح لأحدها، لاشتراك الجميع في كونه ارتكابا لخلاف الظاهر، ولا سبيل إلى تعيين الأقوائيّة في أحدها حتّى يتعيّن اختياره وارتكاب المخالفة في غيره.

وأمّا لو علم وحدة التكليف من ذكر السبب الواحد قبل كلّ من الأمرين كما لو قيل: إن ظاهرت فأعتق رقبة، وإن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة فإنّه يعلم أنّ الظهار الذي هو سبب واحد لا يمكن تأثيره في مسبّبين بناء على ما قرّر في المعقول من امتناع صدور الاثنين عن علّة واحدة؛ فإنّ العلّة لا بدّ من وجود السنخيّة بينها وبين المعلول، وإلّا لأثّر كلّ شي‏ء في كلّ شي‏ء، ومن المعلوم عدم إمكان تحقّق السنخيّة بين الواحد وبين الاثنين بما هما اثنان متباينان، فيلزم أن يكون المعلول هو الجامع بينهما وهو خلاف الظاهر من القضيّتين؛ حيث إنّ الظاهر من كلّ منهما كون المسبّب للظهار هو خصوص المطلق أو خصوص المقيّد بخصوصهما لا بجامعهما.

وحينئذ فنقول: لا إشكال في أنّ الظاهر من قوله: إن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة هو كون الظهار سببا لعتق الرقبة المؤمنة بما هو مقيّد بهذا القيد؛ فإنّ من الواضح أنّه لو كان لمطلوبيّة خصوصيّة هذا القيد سبب آخر وراء الظهار وكان الظهار سببا لمطلوبيّة نفس العتق مع قطع النظر عن خصوصيّته لكان هذا التعبير خطأ؛ فإنّ الظهار وإن كان سببا لأصل وجوب العتق لكنّ المفروض أنّ الخصوصيّة مطلوبة بسبب آخر، فلا وجه لتعليق وجوب أصل العتق مع مطلوبيّة الخصوصيّة جميعا على الظهار؛ فإنّه بالنسبة إلى الثاني تعليق للشي‏ء على ما هو أجنبيّ عن سببه وعلّته، ولا إشكال في عدم صحّته.

فهذا نظير ما لو قيل: إذا دخل الوقت فصّل في المسجد، والصحيح أن يقال: إذا دخل الوقت فصّل؛ إذ لا ربط لدخول الوقت إلّا بوجوب أصل الصلاة، فلا يصح أن يعلّق عليه إلّا وجوب أصل الصلاة، وأمّا رجحان إتيان الصلاة في المسجد فهو جاء من قبل سبب آخر غير دخول الوقت، فحال الدخول بالنسبة إليه حال سائر الأشياء الأجنبيّة عن هذا المعلول، فتعليقه على الدخول كتعليقه على أحدها.

وحاصل الكلام في المتوافقين أنّه إمّا أن يعلم بوحدة التكليف أو يعلم بوحدة السبب أو لا يعلم بشي‏ء منهما، ففي صورة عدم العلم يدور الأمر في الحقيقة بين رفع اليد عن ظاهر الخطابين من كون كلّ منهما تكليفا مستقلا والأخذ به، ولا ريب في تعيّن الثاني، ولهذا جعلوا من مقدّمات حمل المطلق على المقيّد العلم بوحدة التكليف، وأمّا لو علم بوحدة التكليف من الخارج لا من جهة وحدة السبب فلا إشكال في رفع‏ اليد عن الظهور المذكور، يعني لا يمكن الأخذ بمجموع الظهورين، فيدور الأمر حينئذ بين التصرّف في المطلق ورفع اليد عن ظهوره في الإطلاق بحمله على المقيّد وبين التصرّف في المقيّد بأحد نحوين: إمّا بجعل الأمر المتعلّق به إرشادا إلى الخصوصيّة المشتملة على الفضل، فيكون الأمر في قوله: أعتق رقبة مؤمنة مثل الأمر فيما إذا كان أصل وجوب الصلاة مثلا مفروغا عنه عند المتخاطبين، ومع ذلك أمر بالصلاة في المسجد للإرشاد إلى أنّ الصلاة المفروغ عن وجوبها يكون من الفضل، وإلّا لمستحب إتيانها في المسجد، وإمّا بجعل الأمر المتعلّق بالمقيّد مثل الأمر فيما إذا علّق الأمر الساري من مطلق الصلاة إلى أفرادها على الصلاة في المسجد وكان تخصيص هذا الفرد من بين أفراد الصلاة بالذكر للإرشاد إلى ما فيه من الفضل، والأوّل تصرّف في هيئته الأمر بحملها على الاستحباب، والثاني تصرّف في ظهور القيد في كونه دخيلا في موضوع الوجوب.

وبعبارة اخرى: الأمر بالطبيعة المقيّدة يمكن على أنحاء ثلاثة، الأوّل: أن يكون إيجابا للمقيّد بما هو مقيّد، والثاني: أن يكون للإشارة إلى فضيلة خصوصيّة إضافة الطبيعة إلى القيد مع الفراغ عن وجوب أصل الطبيعة، فيكون الكلام في قوّة أن يقال:

يستحب إتيان هذه الطبيعة الواجبة بهذه الخصوصيّة، والثالث: أن يكون أمرا إيجابيّا لكن لم يتعلّق بهذا المقيّد بنفسه بل من باب كونه من مصاديق الطبيعة الواجبة؛ فإنّه يصحّ نسبة الوجوب المتعلّق بأصل الطبيعة إلى جميع أفرادها على نحو التخيير العقلي، ومن جملة الأفراد المقيّد بالقيد الخاص، فيصحّ الأمر الإيجابي به بلحاظ الطبيعة الموجودة في ضمنه ويكون اختيار هذا المقيّد من بين الأفراد الواجبة بوجوب الطبيعة تخييرا للإشارة إلى الفضيلة الكائنة فيه. ولا فرق في هذا الوجه بين أن يكون ذهن المخاطب مسبوقا بأصل وجوب الطبيعة أو لم يكن.

وبالجملة، فعلى هذا لا شبهة في كون الهيئة مستعملة في الوجوب ولكنّ القيد لم يؤت به لأجل دخله في موضوع الوجوب وقوامه به، بل للإرشاد إلى الفضيلة الكائنة فيه، فيكون من هذه الجهة خلاف الظاهر، وأمّا الثاني فهو خلاف الظاهر من‏ جهة كون الهيئة على تقديره مستعملة في الاستحباب، وأمّا الوجه الأوّل فهو السليم عن مخالفة الظاهر.

وحينئذ فنقول بعد عدم إمكان حفظ ظهور المطلق والمقيّد معا- كما هو المفروض- لا بدّ إمّا من التصرّف في المطلق وإمّا في المقيّد بأحد النحوين، إمّا بالتصرّف في الهيئة بحملها على الاستحباب كما هو الوجه الثاني، وإمّا بالتصرّف في القيد بحمله على أنّه اتى به بغرض الإرشاد إلى الفضيلة كما هو الوجه الثالث، وحيث لا معيّن لأحد هذه الثلاثة فلا بدّ من التوقّف.

وأمّا لو علم بوحدة السبب، كما لو صرّح بأنّ الظهار سبب لوجوب عتق الرقبة ويقول منفصلا عن ذلك: الظهار سبب لوجوب عتق الرقبة المؤمنة، فيتعيّن حينئذ التقييد، أمّا رفع اليد عن الظاهر الأوّلي من ثبوت التكليفين فبوحدة السبب، فيعلم من وحدتها وحدة التكليف المسبّب، أمّا تعيين التقييد من بين الوجوه الثلاثة المردّد بينها بعد رفع اليد عن الظاهر الأوّلي فلأنّه على التقديرين الآخرين يلزم نسبة العلّة الثابتة لأصل وجوب الطبيعة إلى المقيّد وهي غير صحيحة؛ إذ ليست العليّة كالعوارض الطارئة على الطبيعة، فإنّه يصح نسبة وجوب الإكرام المتعلّق بطبيعة الرجل إلى الرجل الأسود ولكن لا يصحّ إثبات عليّة ما يكون علّة لأصل الطبيعة للمجموع منها ومن القيد؛ وذلك لأنّ استناد الطبيعة في مقام الإيجاد يكون إلى هذه العلّة وأمّا الخصوصيّة فليس اختيارها بعليّة هذه العلّة بديهة، بل يكون بعليّة أمر آخر، ولكن يصحّ نسبة ما يكون علّة لمجموع الطبيعة والتقيّد من حيث المجموع إلى كلّ منهما.

وإذن فيتعيّن حمل المطلق على المقيّد والجمع بأنّ نسبة العليّة في المطلق من باب نسبة علّة الكلّ إلى الجزء، ونسبتها في المقيّد من باب نسبة علّة الشي‏ء إلى نفسه، هذا.

وقد عرفت ممّا ذكرنا أنّه لا بدّ في حمل المطلق على المقيّد من إحراز مقدّمتين، الاولى وحدة التكليف والاخرى وحدة السبب، وإن شئت قلت: يحتاج إلى مقدّمة واحدة وهي إحراز وحدة السبب، وهذا على خلاف مذاق المشهور من اعتبار وحدة التكليف ولو لم يكن وحدة السبب محرزة؛ ولهذا لم يفرقوا في الحمل على التقييد بين الصورتين، فحملوا المطلق على المقيّد في الصورة الاولى أيضا التي ذكرنا أنّ الأمر دائر فيها بين مخالفة أحد الظهورات الثلاثة.

وربّما يتمسّك على المشهور بما ذكره الشيخ المرتضى قدّس سرّه في باب التعارض والتراجيح من أنّه إذا دار الأمر بين التقييد ومخالفة ظاهر آخر فالتقييد أولى؛ لموهونيّة ظهور المطلق في الإطلاق حينئذ، فيكون أولى برفع اليد؛ وذلك لأنّ ظهور المطلق متقوّم بعدم البيان، فبورود ما يصلح للبيانيّة يصير ظهوره موهونا، لكن قد عرفت فيما تقدّم دفع هذا بأنّه وإن كان قوام ظهور المطلق في الإطلاق بعدم البيان، لكن بعدم البيان المتّصل لا بعدمه مطلقا ولو منفصلا حتى لا يستقرّ الظهور للمطلق أبدا.

نعم يمكن توجيه التقييد في الصورة المذكورة بوجه نفينا عنه البعد في باب الألفاظ، ولكنّه مستتبع لثمرة لا يقول بها المشهور وهو أن يقال: الكلمات الصادرة من كلّ متكلّم ما دامت يكون في معرض إلحاق القيد والقرينة بها لا يستقرّ لها الظهور، غاية الأمر أنّ المعرضيّة يختلف بحسب اختلاف المتكلّمين وكذا المخاطبين، فالمتكلّم إذا كان من أهل العرف في التكلّم في الامور الجزئيّة الشخصيّة فمعرضيّة كلامه ما دام مشتغلا بالكلام، فإذا فرغ استقرّ له الظهور ويعدّ القيد بعد ذلك متنافيا معه، فلو قال أوّلا: أكرم جميع علماء أهل البلد فذكر في مجلس آخر: أهن زيد العالم يحمل ذلك على حصول البداء ونحوه، ولا يحمل على أنّه أراد في كلامه الأوّل ما سوى هذا الفرد، وكلامه الثاني قرينة على ذلك.

وأمّا إذا كان المتكلّم بانيا على عدم الاقتصار في بيان مقاصده على مجلس واحد، لكون مقاصده مطالب عظيمة وقوانين كليّة لا يمكن تفهيمها إلّا بترتيب مجالس عديدة ولا يسع لها مجلس واحد، فزمان المعرضيّة بالنسبة إلى كلام هذا المتكلّم في مقام اليقين يصير أوسع ولا يكتفي بمجرّد انقضاء المجلس وانقطاع الكلام، بل يختلف الحال في ذلك بين المخاطبين.

فالمخاطب المشافه ما لم يصل زمان العمل لا يأخذ بظهور ما سمعه وإن طال المدّة ولم يظهر القرينة؛ لاحتمال وجود القرينة وإرادة المتكلّم إبلاغها إليه إمّا بالمشافهة وإمّا بإرسال شخص إليه يبلغه ذلك القرينة، نعم لو حضر وقت العمل ولم يسمع القرينة لا من المولى ولا من الرسول كان حينئذ حال ما أخذه من المتكلّم في رأس مدّة طويلة حال الكلام في غيره بعد الانقطاع وفصل زمان قليل، فكما يعامل مع الثاني معاملة العموم أو الإطلاق على إحدى الطريقتين المتقدمتين من مقدّمات الحكمة أو المقدّمات التي ذكرناها، فكذا يعامل ذلك مع الثاني بعد مضيّ تلك المدّة الطويلة وعدم وصول المخصّص أو المقيّد إليه.

وأمّا المخاطب غير المشافه الذي طريقه في استعلام التكاليف الرجوع إلى المكتوبات كما في أحكام الشارع بالنسبة إلينا فلا بدّ من أن يفحص، ولا يكتفي بمجرّد رؤية المطلق أو العام في صفحة، بل يجعل ما في الصفحة الاخرى قرينة عليه، بل ما يكون في باب قرينة في حقّه على ما يكون في باب آخر، بل ما يكون في كتاب على ما في كتاب آخر، فبعد الفحص في جميع ما وصل إليه من الكتب وعدم وصوله إلى المخصّص أو المقيّد يكون حال الكلام حينئذ حال الكلام من المتكلّم في الامور الجزئيّة بعد انقطاع كلامه.

وإذن فربّما يكون زمان المعرضيّة للحوق القيد بالنسبة إلى المخاطب المراجع إلى الكتب والآثار أوسع من زمان المعرضيّة بالنسبة إلى المخاطب المشافه، ولازم هذا أنّه لو رأى المخاطب الأوّل بعد رؤية المطلق مقيّدا بعد الفحص التام والتتبع في الكتب- مثلا رأى في موضع: أعتق رقبة واطّلع بعد الفحص والتتبع في موضع آخر على قوله: أعتق رقبة مؤمنة وعلم باتّحاد التكليف- فلا بدّ من أن يعامل مع هاتين القضيتين من هذا المتكلّم معاملته معهما لو سمعهما من المتكلّم في الجزئيّات في مجلس واحد قبل مضيّ لحوق القيد بالمطلق، فكما أنّه يجعل المقيّد قرينة على المطلق في الثاني بلا كلام فكذا لا بدّ أن يعامل ذلك في الأوّل؛ إذ المطلق في القابليّة للحوق القيد والمعرضية له وعدم استقرار الظهور على السواء في المقامين، هذا.

ولكن لازم هذا الذي ذكرنا من عدم الفرق بين القرائن المتّصلة والمنفصلة في كلام الشارع هو سراية الإجمال من المقيّد المنفصل المجمل إلى المطلق، كما لو كان المقيّد المتّصل مجملا بلا فرق، والمشهور غير ملتزمين بذلك بل يفرقون بين المتّصل والمنفصل فيجعلون إجمال الأوّل ساريا دون الثاني؛ لأنّهما حجّتان مستقلّتان فلا يوجب إجمال إحداهما إلّا طرحها خاصّة في مورد الإجمال ولزوم الأخذ بالاخرى فيه.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.