أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-6-2020
14024
التاريخ: 5-6-2020
5332
التاريخ: 2-5-2020
4414
التاريخ: 7-6-2020
7156
|
قال تعالى: { ذَلِك مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَى نَقُصهُ عَلَيْك مِنهَا قَائمٌ وحَصِيدٌ(100) ومَا ظلَمْنَهُمْ ولَكِن ظلَمُوا أَنفُسهُمْ فَمَا أَغْنَت عَنهُمْ ءَالِهَتهُمُ الَّتى يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شىْء لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّك ومَا زَادُوهُمْ غَيرَ تَتْبِيب(101) وكَذَلِك أَخْذُ رَبِّك إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وهِىَ ظلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شدِيدٌ} [هود: 100، 102]
{ذلك} أي: ذلك النبأ { مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى} أي: من أخبار البلاد {نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} أن: نذكره لك ونخبرك به تذكرة وتسلية لك يا محمد {مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} أي: من تلك الديار معمور وخراب قد أتى عليه الإهلاك ولم يعمر فيما بعد وقيل معناه منها قائم على بنائه لم يذهب أصلا وإن كان خاليا من أهله وحصيد قد خرب وذهب واندرس أثره كالشيء المحصود عن قتادة وأبي مسلم وقيل منها قائم ينظرون إليها وحصيد قد هلك وباد أهله عن ابن عباس {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بإهلاكهم { وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بأن كفروا وارتكبوا ما استحقوا به الهلاك فكان ذلك ظلمهم لأنفسهم {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ} أي: أوثانهم {الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} أي: عذاب ربك وقيل: أمر ربك بإهلاكهم {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} أي:غير تخسير عن مجاهد وقتادة والمعنى لم يزيدوهم شيئا غير الهلاك والخسار وإنما أضاف الإهلاك إلى الأصنام لأنها السبب في ذلك ولو لم يعبدوها لم يهلكوا وإنما قال { يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} لأنهم كانوا يسمونها آلهة ويطلبون الحوائج منها كما يطلبها الموحدون من الله { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ} أي: وكما ذكر من إهلاك الأمم وأخذهم بالعذاب أخذ ربك { إِذَا أَخَذَ الْقُرَى} أي: أخذ أهلها وهو أن ينقلهم إلى العقوبة والهلاك {وَهِيَ ظَالِمَةٌ} من صفة القرى وهو في الحقيقة لأهلها وسكانها ونحوه وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وفي الصحيحين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: إن الله تعالى يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ هذه الآية {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} معناه: إن أخذ الله سبحانه الظالم مؤلم شديد الألم.
_______________________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج5،ص328.
{ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وحَصِيدٌ} . بعد أن ذكر سبحانه طرفا من قصص الأمم الماضية مع أنبيائهم قال لنبيه الأكرم ( صلى الله عليه واله ) : ان بعض تلك الأمم بقي شيء من آثارها ، وشبه الآثار الباقية بالزرع القائم على ساقه ، لأن كلا منهما ظاهر للعيان ، والبعض لم يبق شيء من آثارها ، وشبه هذه بالزرع المحصود الذي تعرت الأرض مما يشير إليه ، وقال بعض المفسرين : ان التي بقي أثرها هي بلاد عاد وثمود ، والتي لا أثر لها هي بلاد نوح ولوط . . أما نحن فنترك الكلام في ذلك لعلماء الآثار . . وعلى أية حال فان بيان هذه القصص بلسان محمد ( صلى الله عليه واله ) دليل قاطع على نبوته ، وانها من وحي السماء ، لا من نسيج الخيال ، ولا نقلا عمن قال .
{وما ظَلَمْناهُمْ ولكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بتكذيبهم رسل اللَّه وإصرارهم على الشرك والفساد ، وقد تكرر هذا المعنى في القرآن الكريم بحوالي عشرين آية { فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } . آلهتهم أصنامهم ، وواو زادوهم تعود إليها ، وأمر ربك عذابه ، والتتبيب التخسير ، وفي الآية 63 من هذه السورة : { فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} . ويتلخص المعنى بقوله تعالى : { ويَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ ولا يَضُرُّهُمْ - 55 الفرقان} .
{وكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وهِيَ ظالِمَةٌ} أي ان اللَّه سبحانه يهلك الكافرين الظالمين بمثل الطوفان والخسف وصيحة العذاب {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} ولكن بعد الانذار والإعذار بلسان رسل اللَّه مشافهة ومجابهة وجها لوجه . . وقلنا مشافهة ومجابهة لأن الكفر والفساد في هذا العصر أكثر منه في أي عصر مضى ، والإعذار والإنذار موجودان فيه بحكم العقل والكتب السماوية والأحاديث النبوية ، ومع ذلك لا طوفان ولا خسف ولا حجارة من سجيل ، ولا نعرف سرا لذلك إلا الظن بأن مشيئة اللَّه تعالى قضت بهلاك الذين يجابهون أنبياءهم بالتكذيب ، دون الذين يعصون الوحي والعقل . . والظن لا يغني عن الحق . واللَّه أعلم .
_______________
1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية، ج ٤، ص 266-267.
فيها رجوع إلى القصص السابقة بنظر كلي يلخص سنة الله في عباده وما يستتبعه الشرك في الأمم الظالمة من الهلاك في الدنيا والعذاب الخالد في الآخرة ليعتبر بذلك أهل الاعتبار.
قوله تعالى:{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} الإشارة إلى ما تقدم من القصص، ومن تبعيضية أي الذي قصصناه عليك هو بعض أخبار المدائن والبلاد أو أهلهم نقصه عليك.
وقوله:{منها قائم وحصيد} الحصد قطع الزرع، شبهها بالزرع يكون قائما ويكون حصيدا، والمعنى إن كان المراد بالقرى نفسها أن من القرى التي قصصنا أنباءها عليك ما هو قائم لم تذهب بقايا آثارها التي تدل عليها بالمرة كقرى قوم لوط حين نزول قصتهم في القرآن كما قال:{ وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}: العنكبوت: 35 وقال:{ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}: الصافات: 138، ومنها ما انمحت آثاره وانطمست أعلامه كقرى قوم نوح وعاد.
وإن كان المراد بالقرى أهلها فالمعنى أن من تلك الأمم والأجيال من هو قائم لم يقطع دابرهم البتة كأمة نوح وصالح، ومنهم من قطع الله دابرهم كقوم لوط لم ينج منهم إلا أهل بيت لوط ولم يكن لوط منهم.
قوله تعالى:{ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} إلى آخر الآية، أي ما ظلمناهم في إنزال العذاب عليهم وإهلاكهم إثر شركهم وفسوقهم ولكن ظلموا أنفسهم حين أشركوا وخرجوا عن زي العبودية، وكلما كان عمل وعقوبة عليه كان أحدهما ظلما إما العمل وإما العقوبة عليه فإذا لم تكن العقوبة ظلما كان الظلم هو العمل استتبع العقوبة.
فمحصل القول أنا عاقبناهم بظلمهم ولذا عقبه بقوله:{ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ} إلخ... لأن محصل النظم أخذناهم فما أغنت عنهم آلهتهم، فالمفرع عليه هو الذي يدل عليه قوله:{وما ظلمناهم} إلخ، والمعنى أخذناهم فلم يكفهم في ذلك آلهتهم، التي كانوا يدعونها من دون الله لتجلب إليهم الخير وتدفع عنهم الشر، ولم تغنهم شيئا لما جاء أمر ربك وحكمه بأخذهم أو لما جاء عذاب ربك.
وقوله:{ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} التتبيب التدمير والإهلاك من التب وأصله القطع لأن عبادتهم الأصنام كان ذنبا مقتضيا لعذابهم ولما أحسوا بالعذاب والبؤس فالتجئوا إلى الأصنام ودعوها لكشفه ودعاؤها ذنب آخر زاد ذلك في تشديد العذاب عليهم وتغليظ العقاب لهم فما زادوهم غير هلاك.
ونسبة التتبيب إلى آلهتهم مجاز وهو منسوب في الحقيقة إلى دعائهم إياها، وهو عمل قائم بالحقيقة بالداعي لا بالمدعو.
قوله تعالى:{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} الإشارة إلى ما تقدم من أنباء القرى، وذلك بعض مصاديق أخذه تعالى بالعقوبة قاس به مطلق أخذه القرى في أنه أليم شديد، وهذا من قبيل التشبيه الكلي ببعض مصاديقه في الحكم للدلالة على أن الحكم عام شامل لجميع الأفراد وهو نوع من فن التشبيه شائع وقوله:{إن أخذه أليم شديد} بيان لوجه الشبه وهو الألم والشدة.
والمعنى كما أخذ الله سبحانه هؤلاء الأمم الظالمة: قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وقوم فرعون أخذا أليما شديدا، كذلك يأخذ سائر القرى الظالمة إذا أخذها فليعتبر بذلك المعتبرون.
_________________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي، ج11،ص5-6.
في آيات هذه السورة تبيان لقصص سبعة أقوام من الأقوام السابقين ولمحات من تأريخ أنبيائهم، وكل واحد منهم يكشف للإِنسان قسماً جديراً بالنظر من حياته المليئة بالحوادث ويحمل بين جنبيه دروساً من العبرة للإِنسان.
وهنا إِشارة الى جميع تلك القصص، فيتحدث القرآن عن صورة مستجمعة لما مرّ من الحوادث والأنباء حيث يقول: { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ}.
وكلمة «قائم» تشير الى المدن والعمارات التي لا تزال باقية من الأقوام السابقين، كأرض مصر التي كانت مكان الفراعنة ولا تزال آثار أُولئك الظالمين باقية بعد الغرق، فالحدائق والبساتين وكثير من العمارات المذهلة قائمة بعدهم.
وكلمة «حصيد» معناها اللغوي قطع النباتات بالمنجل، وفي هذه الكلمة إِشارة الى بعض الأراضي البائرة، كأرض قوم نوح وأرض قوم لوط، حيث أنّ واحدة منهما دمرها الغرق والثانية أُمطرت بالحجارة.
{ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} حيث ركنوا ولجأوا الى الأصنام والآلهة «المزعومة» { فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} بل زادوهم ضرراً وخسراناً { وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ}(2).
{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} فلا يدعها على حالها و{ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
هذا قانون إِلهي عام ومنهج دائم، فما من قوم أو أُمّة من الناس يتجاوزون حدود الله ويمدون أيديهم للظلم ولا يكترثون لنصائح أنبيائهم ومواعظهم، إِلاّ أخذهم الله أخذاً شديداً واعتصرتهم قبضة العذاب.
هذه الحقيقة تؤكّد أنّ المنهاج السابق منهاج عمومي وسنّة دائمة، وتستفاد من آيات القرآن بصورة جيدة، وهي في الواقع إِنذار لأهل العالم جميعاً: أن لا تظنوا أنّكم مستثنون من هذا القانون، أوأنّ هذا الحكم مخصوص بالأقوام السابقين.
والطبع فإنّ الظلم بمعناه الواسع يشمل جميع الذنوب، ووصُفت القرية أوالمدينةُ بأنّها «ظالمة» مع أنّ الوصف ينبغي أن يكون لساكنيها، فكأنما هناك مسألة دقيقة وهي أنّ أهل هذه المدينة انغمسوا في الظلم الى درجة حتى كأنّ المدينة لها أصبحت مغموسة في الظلم أيضاً.
__________________
1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي،ج6،ص163-164.
2ـ «التتبيب» مشتق من مادة «تبّ» ومعناه الإِستمرار في الضرر، وقد يأتي بمعنى الهلاك أيضاً.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|