المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

Abstract analysis and historical change: Tera
12-4-2022
المعروف والمنكر والأكثريّة الصّامتة
25-2-2018
الحشو
5-6-2022
الجنة ميراث المتقين
23-10-2014
Why English has so little inflection
21-1-2022
الموشحات
4-7-2016


أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي (أبو بكر الخطيب البغدادي)  
  
4493   05:40 مساءاً   التاريخ: 10-04-2015
المؤلف : ياقوت الحموي
الكتاب أو المصدر : معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)
الجزء والصفحة : ج1، ص497-514
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-08-2015 1727
التاريخ: 27-1-2016 2434
التاريخ: 12-08-2015 2101
التاريخ: 8-1-2021 3751

الخطيب، أبو بكر البغدادي، الفقيه الحافظ، أحد الأئمة المشهورين، المصنفين المكثرين، والحفاظ المبرزين، ومن ختم به ديوان المحدثين. سمع ببغداد شيوخ وقته وبالبصرة وبالدينور وبالكوفة ورحل إلى نيسابور في سنة  عشرة وأربعمائة حاجا فسمع بها ثم قدمها بعد فتنة البساسيري لاضطراب الأحوال ببغداد فآذاه الحنابلة بجامع المنصور سنة إحدى وخمسين فسكنها مدة وحدث بها بعامة كببه ومصنفاته إلى صفر سنة سبع وخمسين فقصد صور فأقام بها وكان يتردد إلى القدس للزيارة ثم يعود إلى صور إلى أن خرج مثن صور في سنة اثنتين وستين وأربعمائة وتوجه إلى طرابلس وحلب فأقام في كل واحدة من البلدتين أياما قلائل ثم عاد إلى بغداد في أعقاب سنة اثنتين وستين وأقام بها سنة إلى أن توفي وحينئذ روى تاريخ بغداد وروى عنه من شيوخه أبو بكر البرقاني والأزهري وغيرهما.

 وقال غيث بن علي الصوري سألت أبا بكر الخطيب عضن مولده فقال ولدت يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة كان الخطيب يذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات وسأل الله عز وجل ثلاث حاجات آخذا بقول النبي ماء زمزم لما شرب له فالحاجة الأولى أن يحدث بتاريخ بغداد والثانية أن يملي الحديث بجامع المنصور والثالثة أن يدفن إذا مات عند قبر بشر الحافي فلما عاد إلى بغداد حدث بالتاريخ بها ووقع إليه جزء فيه سماع الخليفة القائم بأمر الله فحمل الجزء ومضى إلى باب حجرة الخليفة وسأل أن يؤذن له في قراءة الجزء فقال الخليفة هذا رجل كبير في الحديث فليس له إلى السماع مني حاجة ولعل له حاجة أراد أن يتوصل إليها بذلك فسلوه ما حاجته فسئل فقال حاجتي أن يؤذن لي أن أملي بجامع المنصور فتقدم الخليفة إلى نقيب النقباء بأن يؤذن له في ذلك فحضر النقيب. فلما مات أرادوا دفنه عند قبر بشر بوصية منه قال ابن عساكر فذكر شيخنا إسماعيل بن أبي سعد الصوفي وكان الموضع الذي بجنب بشر قد حفر فيه أبو بكر أحمد بن علي الطرثيثي قبرا لنفسه وكان يمضي إلى ذلك الموضع فيختم فيه القرآن ويدعو ومضى على ذلك عدة سنين فلما مات الخطيب سألوه أن يدفنوه فيه فامتنع فقال هذا قبري قد حفرته وختمت فيه عدة ختمات ولا أمكن أحدا من الدفن فيه وهذا مما لا يتصور. فانتهى الخبر إلى والدي فقال له يا شيخ لو كان بشر في الأحياء ودخلت أنت والخطيب إليه أيكما كان يقعد إلي جنبه أنت أو الخطيب فقال لا بل الخطيب فقال له كذا ينبغي أن يكون في حالة الموت فإنه أحق به منك، فطاب قلبه ورضي بأن يدفن الخطيب في ذلك الموضع فدفن فيه.

 وقال المؤتمن الساجي ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من الخطيب وذكر في المنتظم أن الخطيب لقي في مكة أبا عبد الله بن سلامة القضاعي فسمع منه بها وقرأ صحيح البخاري على كريمة بنت أحمد المروزي في خمسة أيام ورجع إلى بغداد فقرب من رئيس الرؤساء أبي القاسم بن مسلمة وزير القائم بأمر الله تعالى وكان قد أظهر بعض اليهود كتابا وادعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادات الصحابة وأنه خط علي بن أبي طالب رضي الله عنه فعرضه رئيس الرؤساء على أبي بكر الخطيب فقال هذا مزور فقيل له من أين لك ذلك قال في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان ومعاوية أسلم يوم الفتح وخيبر كانت في سنة سبع وفيه شهادة سعد بن معاذ وكان قد مات يوم الخندق في سنة خمس فاستحسن ذلك منه.

 وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني أن رئيس الرؤساء تقدم إلى القصاص والوعاظ ألا يورد أحد حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يعرضه على أبي بكر الخطيب فما أمرهم بإيراده أوردوه وما منعهم منه ألغوه.

 وفي المنتظم قال ولما جاءت نوبة البساسيري استتر الخطيب وخرج من بغداد إلى الشام وأقام بدمشق ثم خرج إلى صور ثم إلى طرابلس وإلى حلب ثم عاد إلي بغداد في سنة اثنتين وستين فأقام بها سنة ثم مات قال وله ستة وخمسون مصنفا بعيدة المثل منها كتاب تاريخ بغداد كتاب شرف أصحاب الحديث كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع كتاب الكفاية في معرفة علم الرواية كتاب المتفق والمفترق كتاب السابق واللاحق كتاب تلخيص المتشابه في الرسم كتاب في التلخيص كتاب في الفصل والوصل كتاب المكمل في بيان المهمل كتاب الفقيه والمتفقه كتاب الدلائل والشواهد على صحة العمل باليمين مع الشاهد كتاب غنية المقتبس في تمييز الملتبس كتاب الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة كتاب الموضح وهو أوهام الجمع والتفريق كتاب المؤتنف في تكملة المختلف والمؤتلف كتاب نهج الصواب في أن التسمية من فاتحة الكتاب كتاب الجهر بالبسملة كتاب الخيل كتاب رافع الارتياب في القلوب من الأسماء والألقاب كتاب القنوت كتاب التبيين لأسماء ال مدلسين كتاب تمييز المزيد في متصل الأسانيد كتاب من وافق كنيته اسم أبيه كتاب من حدث فنسي كتاب رواية الآباء عن الأبناء كتاب الرحلة في طلب الحديث كتاب الرواة عن مالك بن أنس كتاب الاحتجاج للشافعي فيما أسند إليه والرد على الجاهلين بطعنهم عليه كتاب التفصيل لمبهم المراسيل كتاب اقتضاء العمل كتاب تقييد العلم كتاب القول في علم النجوم كتاب روايات الصحابة عن التابعين كتاب صلاة التسبيح كتاب مسند نعيم بن هماز ،جزءٌ، كتاب النهي عن صوم الشك كتاب الإجازة للمعلوم والمجهول كتاب روايات السنة من التابعين كتاب البخلاء كتاب الطفيليين كتاب الدلائل والشواهد كتاب التنبيه والتوقيف على فضائل الخريف.

 قال ابن الجوزي فهذا الذي ظهر لنا من تصانيفه ومن نظر فيها عرف قدر الرجل وما هيئ له مما لم يهيأ لمن كان أحفظ منه كالدارقطني وغيره.

 وحدث أبو سعد السمعاني قرأت بخط والدي سمعت أبا الحسين بن الطيوري ببغداد يقول أكثر كتب الخطيب سوى التاريخ مستفاد من كتب الصوري كان الصوري بدأ بها ولم يتممها وكانت للصوري أخت بصور مات وخلف عندها اثني عشر عدلا محزوما من الكتب فلما خرج الخطيب إلى الشام حصل من كتبه ما صنف منها كتبه قال وكان سبب وفاة الصوري أنه افتصد وكان الطبيب الذي فصده قد أعطي مبضعا مسموما ليفصد به غيره فغلط ففصده فقتله قال ابن الجوزي عند سماع هذه الحكاية وقد يضع الإنسان طريقا فيسلكه غيره وما قصر الخطيب على كل حال وكان حريصا على علم الحديث كان يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه وكان حسن القراءة فصيح اللهجة عارفا بالأدب يقول الشعر الحسن.

 قال ابن الجوزي ونقلت من خطه من شعره قوله: [الوافر]

 (لعمرك ما شجاني رسم دار ... وقفت بها ولا ذكر المغاني)

 (ولا أثر الخيام أراق دمعي ... لأجل تذكري عهد الغواني)

(ولا ملك الهوى يوما فؤادي ... ولا عاصيته فثنى عناني)

 (رأيت فعاله بذوي التصابي ... وما يلقون من ذل الهوان)

 (فلم أطمعه في وكم قتيل ... له في الناس لا يحصى وعان)

 (طلبت أخا صحيح الود مخضا ... سليم الغيب مأمون اللسان)

 (فلم أعرف من الإخوان إلا ... نفاقا في التباعد والتداني)

 (وعالم دهرنا لا خير فيه ... ترى صورا تروق بلا معاني)

 (ووصف جميعهم هذا فما إن ... أقول سوى فلان أو فلان)

 (ولما لم أجد حرا يواتي ... على ما ناب من صرف الزمان)

 (صبرت تكرما لقراع دهري ... ولم أجزع لما منه دهاني)

 (ولم أك في الشدائد مستكينا ... أقول لها ألا كفي كفاني)

 (ولكني صليب العود عود ... ربيط الجأش مجتمع الجنان)

 (أبي النفس لا أختار رزقا ... يجئ بغير سيفي أو سناني)

 (لعز في لظى باغيه يشوى ... ألذ من المذلة في الجنان)

 (ومن طلب المعالي وابتغاها ... أدار لها رحا الحرب العوان)

 ومن شعره أيضا: [البسيط]

(لا تغبطن أخا الدنيا بزخرفها ... ولا للذة وقت عجلت فرحا)

 (الدهر أسرع شيء في تقلبه ... وفعله بين للخلق قد وضحا)

 (كم شارب عسلا فيه منيته ... وكم تقلد سيفا من به ذبحا)

 قال أبو الفرج وكان الخطيب قديما على مذهب أحمد بن حنبل فمال عنه أصحابنا لما رأوا من ميله إلى المبتدعة وآذوه فانتقل إلى مذهب الشافعي وتعصب في تصانيفه عليهم فرمز إلى ذمهم فصرح بقدر ما أمكنه فقال في ترجمة أحمد بن حنبل سيد المحدثين وفي ترجمة الشافعي تاج الفقهاء فلم يذكر أحمد بالفقه وقال في ترجمة حسين الكرابيسي إنه قال عن أحمد "إيش تعمل بهذا الصبي إن قلنا لفظنا بالقرآن مخلوق قال بدعة وإن قلنا غير مخلوق قال بدعة. ثم التفت إلى أصحاب أحمد فقدح فيهم بما أمكن وله دسائس في ذمهم عجيبة. وذكر شيئا مما زعم أبو الفرج أنه قدح في الحنابلة وتأول له ثم قال أنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي عن أبيه قال سمعت إسماعيل بن أبي الفضل القومسي وكان من أهل المعرفة بالحديث يقول ثلاثة من الحفاظ لا أحبهم لشدة تعصبهم وقلة إنصافهم الحاكم أبو عبد الله وأبو نعيم الأصبهاني وأبو بكر الخطيب. قال أبو الفرج وصدق إسماعيل وكان من أهل المعرفة فإن الحاكم كان متشيعا ظاهر التشيع والآخران كانا يتعصبان للمتكلمين والأشاعرة قال وما يليق هذا بأصحاب الحديث لأن الحديث جاء في ذم الكلام وقد أكد الشافعي في هذا حتى قال رأيي في أصحاب الكلام أن يحملوا على البغال ويطاف بهم قال وكان للخطيب شيء من المال فكتب إلى القائم بأمر الله إني إذا مت كان مالي  لبيت المال وأنا أستأذن أن أفرقه على من شئت فأذن له ففرقه على أصحاب الحديث وكان مائتي دينار ووقف كتبه على المسلمين وسلمها إلى أبي الفضل بن خيرون فكان يعزها ثم صارت إلى ابنه الفضل فاحترقت في داره ووصى الخطيب أن يتصدق بجميع ما عليه من الثياب.

 قال ابن طاهر سألت أبا القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي قلت هل كان أبو بكر الخطيب كتصانيفه في الحفظ فقال لا كنا إذا سألناه عن شيء أجابنا بعد أيام وإن ألححنا عليه غضب وكانت له بادرة وحشة.

 وأما تصانيفه فمصنوعة مهذبة ولم يكن حفظه علي قدر تصانيفه.

 وذكر أبو سعد السمعاني في ترجمة عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز قال سمع جميع كتاب تاريخ مدينة السلام من مصنفه أبي بكر الخطيب الحافظ إلا الجزأين السادس والثلاثين فإنه قال توفيت والدتي واشتغلت بدفنها والصلاة عليها ففاتني هذان الجزءان وما أعيدا لي لأن الخطيب كان قد شرط في الابتداء ألا يعاد الفوت لأحد فبقيا غير مسموعين.

 قال السمعاني لما رجعت إلى خراسان حصل لي تاريخ الخطيب بخط شجاع بن فارس الذهلي الأصل الذي كتبه بخطه لأبي غالب محمد بن عبد الواحد القزاز وعلى وجه كل واحد من الأجزاء مكتوب سماع لأبي غالب ولابنه أبي منصور عبد الرحمن ولأخيه عبد المحسن إلا هذين الجزأين السادس والثلاثين فإنه كتب على وجهيهما إجازة لأبي غالب وابنه أبى منصور وشجاع أعرف الناس فيكون قد فاته الجزءان المذكوران لا جزء واحد. ونقلت من خط أبي سعد السمعاني ومنتخبه لمعجم شيوخ عبد العزيز بن محمد النخشبي قال ومنهم أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب يخطب في بعض قرى بغداد حافظ فهم ولكنه كان يتهم بشرب الخمر كنت كلما لقيته بدأني بالسلام فلقيته في بعض الأيام فلم يسلم علي ولقيته شبه المتغير فلما جاز عني لحقني بعض أصحابنا وقال لقيت أبا بكر الخطيب سكران فقلت له قد لقيته متغيرا واستنكرت حاله ولم أعلم أنه سكران ولعله قد تاب إن شاء الله.

 قال السمعاني ولم يذكر عن الخطيب رحمه الله هذا إلا النخشبي مع أني لحقت جماعة كثيرة من أصحابه. وقال في المذيل والخطيب في درجة القدماء من الحفاظ والأئمة الكبار كيحيى بن معين وعلي بن المديني وأحمد بن أبي خيثمة وطبقتهم. وكان علامة العصر اكتسى به هذا الشأن غضارة وبهجة ونضارة وكان مهيبا وقورا نبيلا خطيرا ثقة صدوقا متحريا حجة فيما يصنفه ويقوله وينقله ويجمعه حسن النقل والخط كثير الشكل والضبط قارئا للحديث فصيحا. وكان في درجة الكمال والرتبة العليا خلقا وخلقا وهيئة ومنظرا انتهى إليه معرفة علم الحديث وحفظه وختم به الحفاظ رحمه الله بدأ بسماع الحديث سنة ثلاث وأربعمائة وقد بلغ إحدى عشرة سنة من عمره ثم إنه قال وسمعت بعض مشايخي يقول دخل بعض الأكابر جامع دمشق أو صور ورأى حلقة عظيمة للخطيب والمجلس غاص يسمعون منه الحديث فصعد إلى جانبه وكأنه استكثر الجمع فقال له الخطيب القعود في جامع المنصور مع نفر يسير أحب إلي من هذا. قال وسمعت أبا الفتح  مسعود بن محمد بن أحمد أبي نصر الخطيب بمرو يقول سمعت عمر النسوي يعرف بابن أبي ليلى يقول كنت في جامع صور عند الخطيب فدخل عليه بعض العلوية وفي كمه دنانير وقال للخطيب فلان وذكر بعض المحتشمين من أهل صور يسلم عليك ويقول هذا تصرفه في بعض مهماتك فقال الخطيب لا حاجة لي فيه وقطب وجهه فقال العلوي فتصرفه إلى بعض أصحابك قال قل له يصرفه إلى من يريد فقال العلوي كأنك تستقله ونفض كمه على سجادة الخطيب وطرح الدنانير عليها وقال هذه ثلاثمائة دينار فقام الخطيب محمر الوجه وأخذ السجادة ونفض الدنانير على الأرض وخرج من المسجد. قال الفضل بن أبي ليلى ما أنسى عز خروج الخطيب وذل ذلك العلوي وهو قاعد على الأرض يلتقط الدنانير من شقق الحصر ويجمعها. وحدث بإسناده رفعه إلى الخطيب قال حدثت ولي عشرون سنة حين قدمت من البصرة كتب عني شيخنا أبو القاسم الأزهري أشياء أدخلها في تصانيفه وسألني فقرأتها عليه وذلك في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة وحدث قال ذكر أبو الفضل ناصر السلامي قال كان أبو بكر الخطيب من ذوي المروءات حدثني أبو زكريا يحيى بن علي اللغوي قال لما دخلت دمشق في سنة ست وخمسين كان بها ذاك الإمام أبو بكر الحافظ وكانت له حلقة كبيرة في بكرة كل يوم فيقرأ لهم وكنت أقرأ عليه الكتب الأدبية المسموعة له فكان إذا مر في كتابه شيء يحتاج إلى إصلاح يصلحه ويقول أنت تريد مني الرواية وأنا أريد منك الدراية. وكنت أسكن منارة الجامع فصعد إلي يوما وسط النهار وقال أحببت أن أزورك في بيتك وقعد عندي وتحدثنا ساعة ثم أخرج قرطاسا فيه شيء وقال الهدية مستحبة وأسألك أن تشتري به الأقلام ونهض. ففتحت القرطاس بعد خروجه فإذا فيه خمسة دنانير صحاح مصرية ثم مرة ثانية صعد وحمل إلي ذهبا وقال لي تشتري به كاغدا وكان نحوا من الأول أو أكثر قال وكان إذا قرأ الحديث في جامع دمشق يسمع صوته في آخر الجامع وكان يقرأ مع هذا صحيحا.

 وقال أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي الحافظ الأصبهاني يمدح مؤلفات الخطيب: [الوافر]

 (تصانيف ابن ثابت الخطيب ... ألذ من الصبا الغض الرطيب)

 (تراها إذ حواها من رواها ... رياضا تركها رأس الذنوب)

 (ويأخذ حسن ما قد صاغ منها ... بقلب الحافظ الفطن الأريب)

 (فأية راحة ونعيم عيش ... يوازي كتبه أم أي طيب)

 وحدث محمد بن طاهر المقدسي سمعت أبا القاسم مكي بن عبد السلام الرميلي كان يقول سبب خروج أبي بكر الخطيب من دمشق إلى صور أنه كان يختلف إليه صبي صبيح الوجه وقد سماه مكي وأنا نكبت عن ذكره فتكلم الناس في ذلك وكان أمير البلدة رافضيا متعصبا فبلغه القصة فجعل ذلك سببا للفتك به فأمر صاحب الشرطة أن يأخذه بالليل ويقتله وكان صاحب الشرطة  من أهل السنة فقصده صاحب الشرطة تلك الليلة مع جماعة من أصحابه ولم يمكنه أن يخالف الأمر فأخذه وقال له قد أمرت بكذا وكذا ولا أجد لك حيلة إلا أني أعبر بك على دار الشريف ابن أبي الحسن العلوي فإذا حاذيت الباب فادخل الدار فإني أرجع إلى الأمير وأخبره بالقصة ففعل ذلك ودخل دار الشريف وذهب صاحب الشرطة إلى الأمير وأخبره الخبر فبعث الأمير إلى الشريف أن يبعث به فقال الشريف أيها الأمير أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله ولكن ليس في قتله مصلحة هذا رجل مشهور بالعراق وإن قتلته قتل به جماعة من الشيعة بالعراق وخربت المشاهد قال فما ترى قال أرى أن يخرج من بلدك فأمر بإخراجه فخرج إلى صور وبقي بها مدة إلى أن رجع إلى بغداد فأقام بها إلى أن مات.

 ومن شعر الخطيب أيضا: [البسيط]

 (قد شاب رأسي وقلبي ما يغيره ... كر الدهور عن الإسهاب في الغزل)

 (وكم زمانا طويلا ظلت أعذله ... فقال قولا صحيحا صادق المثل)

 (حكم الهوى يترك الألباب حائرة ... ويورث الصب طول السقم والعلل)

 (وحبك الشيء يعمي عن مقابحه ... ويمنع الأذن أن تصغي إلى العذل)

(لا أسمع العذل في ترك الصبا أبدا ... جهدي فما ذاك من همي ولا شغلي)

 (من ادعى الحب لم تظهر دلائله ... فحبه كذب قول بلا عمل)

 وله أيضا: [البسيط]

 (تغيب الخلق عن عيني سوى قمر ... حسبي من الخلق طرا ذلك القمر)

 (محله في فؤادي قد تملكه ... وحاز روحي ومالي عنه مصطبر)

 (فالشمس أقرب منه في تناولها ... وغاية الحظ منها للورى النظر)

 (أردت تقبيله يوما مخالسة ... فصار من خاطري في خده أثر)

(وكم حليم رآه ظنه ملكا ... وراجع الفكر فيه أنه بشر)

 قال عبد الخالق بن يوسف أنشدني من لفظه الشيخ أبو العز أحمد بن عبد الله كادش عن الخطيب وقال هي في أبي منصور بن النفور: [البسيط]

 (الشمس تشبهه والبدر يحكيه ... والدر يضحك والمرجان من فيه)

 (ومن سرى وظلام الليل معتكر ... فوجهه عن ضياء البدر يغنيه)

 (روي له الحسن حتى حاز أحسنه ... لنفسه وبقي للخلق باقيه)

 (فالعقل يعجز عن تحديد غايته ... والوحي يقصر عن فحوى معانيه)

 (يدعو القلوب فتأتيه مسارعة ... مطيعة الأمر منه ليس تعصيه)

 (سألته زورة يوما فأعجزني ... وأظهر الغضب المقرون بالتيه)

 (وقال لي دون ما تبغي وتطلبه ... تناول الفلك الأعلى وما فيه)

 (رضيت يا معشر العشاق منه بأن ... أصبحت أعلم أني من محبيه)

 (وأن يكون فؤادي في يديه لكي ... يميته بالهوى منه ويحييه)

 وله أيضا: [الوافر]

(بنفسي عاتب في كل حال ... وما لمحبه ذنب جناه)

 (حفظت عهودي ورعيت منه ... ذماما مثله لي ما رعاه)

 (حرمت وصاله إن كنت يوما ... جرى لي خاطر بهوى سواه)

 (ولو تلفي رضاه لهان عندي ... خروج الروح في طلبي رضاه)

 وله أيضا: [الطويل]

 (خمار الهوى يربي على نشوة الخمر ... وذو الحزم فيه ليس يصحو من السكر)

 (وللحب في الأحشاء حر أقله ... وأبرده يوفي على لهب الجمر)

 (أخبركم يا أيها الناس أنني ... عليم بأحوال المحبين ذو خبر)

 (سبيل الهوى سهل يسير سلوكه ... ولكنه يفضي إلى مسلك وعر)

 (وترجع أوصاف الهوى ونعوته ... لحرفين سعد الوصل أو شقوة الهجر)

 وله أيضا: [الطويل]

 (إلى الله أشكو من زماني حوادثا ... رمت بسهام البين في غرض الوصل)

 (أصابت بها قلبي ولم أقض منيتي ... ولو قتلتني كان أجمل بالفعل)

(متى ما تماثل بين قتل وفرقة ... تجد فرقة الأحباب شرا من القتل)

 قال أبو بكر الخطيب كتب معي أبو بكر البرقاني إلى أبي نعيم الأصبهاني الحافظ كتابا يقول في فصل منه وقد نفذ إلى ما عندك عمدا متعمدا أخونا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت أيده الله وسلمه ليقتبس من علومك ويستفيد من حديثك وهو بحمد الله من له في هذا الشأن سابقة حسنة وقدم ثابتة وفهم حسن وقد رحل فيه وفي طلبه وحصل له منه ما لم يحصل لكثير من أمثاله الطالبين له وسيظهر لك منه عند الاجتماع من ذلك مع التورع والتحفظ وصحة التحصيل ما يحسن لديك موقعه ويجمل عندك منزلته وأنا أرجو إذا صحت منه لديك هذه الصفة أن تلين له جانبك وأن تتوفر له وتحمل منه ما عساه يورده من تثقيل في الاستكثار أو زيادة في الاصطبار فقديما حمل السلف عن الخلف ما ربما ثقل وتوفروا على المستحق منهم بالتخصيص والتقديم والتفضيل ما لم ينله الكل منهم

 وقال الرئيس أبو الخطاب بن الجراح يمدح الخطيب: [البسيط]

 (فاق الخطيب الورى صدقا ومعرفة ... وأعجز الناس في تصنيفه الكتبا)

 (حمى الشريعة من غاو يدنسها ... بوضعه ونفى التدليس والكذبا)

(جلا محاسن بغداد فأودعها ... تاريخه مخلصا لله محتسبا)

 (وقال في الناس بالقسطاس منزويا ... عن الهوى وأزال الشك والريبا)

 (سقى ثراك أبا بكر على ظمأ ... جون ركام يسح الواكف السربا)

 (ونلت فوزا ورضوانا ومغفرة ... إذا تحقق وعد الله واقتربا)

 (يا أحمد بن علي طبت مضطجعا ... وباء شانيك بالأوزار محتقبا)

 وقال أبو القاسم حدثني أبو محمد الأكفاني حدثني أبو القاسم مكي بن عبد السلام المقدسي قال مرض الشيخ أبو بكر الخطيب ببغداد في نصف رمضان إلى أن اشتد به الحال في ذي الحجة وأيسنا منه وأوصى إلى أبي الفضل بن خيرون ووقف كتبه على يده وفرق جميع ماله في وجوه البر وعلى أهل العلم والحديث وأخرجت جنازته من حجرة تلي المدرسة النظامية من نهر المعلى وتبعه الفقهاء والخلق العظيم ومرت الجنازة على الجسر وحملت إلى جامع المنصور وكان بين يدي الجنازة جماعة ينادون هذا الذي كان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الذي كان ينفي الكذب  عن رسول الله هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله وعبرت الجنازة بالكرخ ومعها ذلك الخلق العظيم.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.