أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-5-2020
1034
التاريخ: 23-8-2016
1156
التاريخ: 1-8-2016
734
التاريخ: 23-8-2016
1257
|
لا إشكال في جريان الاستصحاب في ما إذا كان المتيقّن السابق المشكوك لا حقا حكما ثابتا في الشريعة السابقة، ولا مانع عنه سوى امور موهومة:
منها: أنّ الحكم في الشريعة السابقة كان ثابتا في حقّ أشخاص غير الأشخاص الذين قصد إثبات الحكم بالاستصحاب في حقّهم، والمعتبر في الاستصحاب وحدة من تيقّن في حقّه الحكم ومن شكّ في بقاء الحكم في حقّه، وبعبارة اخرى:
وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة.
والجواب منع كون الموضوع لحكم اللّه في أيّ شريعة كان هو الأشخاص بخصوصيّاتهم، بل هو المكلّفون والعباد، نظير ما هو الموضوع في الوقف على الفقراء والاولاد، ومن المعلوم أنّ هذا الموضوع لا يتفاوت بتفاوت الأشخاص، وحينئذ فنقول: قد كان حكم اللّه على العباد في السابق حكما كذا، والآن نشكّ في ارتفاع هذا الحكم عنهم وبقائه في حقّهم، فمقتضى الاستصحاب بقائه، فأركان الاستصحاب تامّة، ومن هنا أيضا يصحّ إطلاق النسخ على الشريعة اللاحقة مع أنّه يعتبر في النسخ أيضا وحدة الموضوع، لأنّ معناه رفع الحكم الثابت في حقّ المكلّف في زمان عنه في زمان آخر، هذا ملخّص ما أجاب به شيخنا المرتضى قدّس سرّه، وهو متين.
وقد أجاب قدّس سرّه أيضا- بعد تسليم تعدّد الموضوع وكون الموضوع في الحكم السابق هو الأشخاص السابقين بخصوصيّاتهم- بأنّا نفرض شخصا مدركا للشريعتين، فنقول: إنّ هذا الشخص قد تحقّق له اليقين السابق والشكّ اللاحق في تكليف نفسه، فتمّ أركان الاستصحاب في حقّه، فيثبت الحكم في حقّه بالاستصحاب، وفي حقّ غيره بأدلّة الشركة في التكليف.
وردّ عليه بعض الأساتيد قدّس سرّه بأنّ أدلّة الشركة إنّما تدلّ على الاتّحاد فيما إذا تحقّق العنوان الذي به ثبت الحكم في حقّ الموجودين في حقّ المعدومين أيضا، وكان الاختلاف في صرف الوجود والعدم في حال الخطاب، لا فيما إذا لم يتحقّق هذا العنوان، فلا يدلّ على أنّ الحكم الثابت للموجودين بعنوان المسافريّة مثلا ثابت للمعدومين وإن لم يتلبّسوا بهذا العنوان، فكذلك من تيقّن بحكم لنفسه فشكّ، إذا جرى في حقّه إبقاء حكمه السابق بالاستصحاب فلا تدلّ أدلّة الشركة على ثبوت هذا الحكم في حقّ غيره، سواء انطبق عليه عنوان من تيقّن بتكليف نفسه فشكّ، أم لم ينطبق.
أقول: ليس غرض شيخنا أن يستصحب الشخص المتيقّن في تكليف نفسه الشاكّ في بقائه، ويكون هذا الاستصحاب نافعا بحال من ليس له يقين وشكّ، كيف وهذا الكلام لا يصدر من أصاغر الطلبة، فكيف من مثل شيخنا الأعظم قدّس اللّه تربته الزكيّة.
فالمقطوع أنّ غرضه بعد عدم التعرّض لحال الشخص المدرك للشريعتين- فلعلّه كان قاطعا بالنسخ أو بعدمه- إنّ لنا يقينا وشكّا بالنسبة إلى تكليف هذا الشخص، فنحن نستصحب التكليف في حقّه، لأنّ إبقاء تكليفه في الزمان المتأخّر موجب لتعيين التكليف في حقّ أنفسنا بأدلّة الشركة، وهذا كلام متين، إلّا أنّه يرد عليه أنّه ليس لهذا الاستصحاب أثر عملي، فإنّ التكليف الثابت في حقّ أنفسنا ليس أثرا للتكليف الثابت في حقّ غيرنا، وإنّما هما من باب المتلازمين في الوجود بأدلّة الشركة.
ومنها: العلم الإجمالي بالنسخ في كثير من أحكام الشريعة السابقة، وما وصل إلينا من موارد النسخ قليل يقصر عن عدد المعلوم بالإجمال قطعا، فلا يوجب انحلالا في العلم الإجمالي، فالعلم الإجمالي في الموارد المشكوكة باق بحاله، وقضيّته عدم جريان الاستصحاب في شيء من تلك الموارد؛ للزوم المخالفة القطعيّة من جريانه في الجميع، والترجيح بلا مرجّح من جريانه في البعض.
والجواب أنّ من المقرّر في محلّة إجراء الأصل في بعض أطراف العلم الإجمالي إذا لم يكن معارضا بجريان مثله في البعض الآخر، وما نحن فيه من هذا القبيل؛ لأنّ أحكام هذه الشريعة إذا لوحظت مع أحكام الشريعة السابقة يحصل هنا طوائف خمسة؛ لأنّ الحكم إمّا معلوم في هذه الشريعة وغير معلوم في الشريعة السابقة، وإمّا معلوم في هذه الشريعة وفي الشريعة السابقة معا مع موافقة الحكمين، وإمّا معلوم في الشريعتين مع مخالفة الحكمين، وإمّا مجهول في هذه الشريعة وفي الشريعة السابقة معا، وإمّا مجهول في هذه الشريعة ومعلوم في الشريعة السابقة.
فالعلم الإجمالي بثبوت النسخ منتشر في ثلاث من تلك الطوائف من دون خروج فرد منها عن تحته، وحينئذ فإجراء استصحاب عدم النسخ في خصوص الطائفة الأخيرة ليس فيه مخالفة عمليّة؛ لاحتمال كون المعلوم بالإجمال بتمامه في تلك الطوائف الأخر، وعدم تعلّق علم إجمالي آخر صغير بخصوص هذه الطائفة، ولا يكون معارضا بالاستصحاب في تلك الطوائف الأخر، لعدم المجرى له فيها إمّا لعدم أثر عملي يترتّب عليه، وإمّا لاختلال أركانه.
ومنها: ما ذكره صاحب القوانين من أنّ جريان هذا الاستصحاب موقوف على القول بكون الحسن في الأشياء ذاتيّا، وحيث إنّ التحقيق كونه بالوجوه والاعتبار لم يكن لهذا الاستصحاب مجال.
وتوجيهه أنّه على القول بكون الأشياء علّة تامّة للحسن أو القبح لا حاجة إلى الاستصحاب أصلا، كما هو واضح، وحينئذ إمّا أن يقال بكونها مقتضيات للحسن والقبح، فيكون الشكّ راجعا إلى المانع، فيكون الاستصحاب حينئذ جاريا، أو يقال بكون الحسن والقبح بالوجوه والاعتبار، فيحتمل كون خصوص الزمان السابق جزءا من المقتضي، فيكون الشكّ حينئذ راجعا إلى المقتضي، فلا يجرى الاستصحاب حينئذ، فيكون كلامه قدّس سرّه راجعا إلى التفصيل في جريان الاستصحاب بين الشكّ في المانع والشكّ في المقتضي.
وجوابه يظهر ممّا تقدّم سابقا من اختيار جريانه في كلا القسمين، مضافا إلى انتقاضه باستصحاب عدم النسخ في أحكام هذه الشريعة، هذا كلّه هو الكلام في صورة إحراز حقيّة الشريعة اللاحقة والشكّ في مخالفتها مع السابقة في حكم فرعي.
ويمكن فرض المورد لاستصحاب عدم النسخ أيضا مع الشكّ في حقيّة الشريعة اللاحقة والعلم بمخالفتها مع السابقة في الفرعيّات، وهو ما إذا فحص المكلّف وعجز عن إثبات صدق النبيّ اللاحق وكذبه، فتردّد أمره بين أن يكون باقيا على عمله السابق، وبين أن يرجع إلى الشريعة اللاحقة وكان حكم «لا تنقض» من أحكام كلتا الشريعتين، فإنّ هذا المكلّف يعمل بمقتضى استصحاب عدم النسخ عمله السابق ويكون معذورا عند اللّه تعالى على كلّ حال.
ويشارك هذا في النتيجة وإن كان يخالفه في العمل بالاستصحاب ما إذا كان حكم «لا تنقض» من أحكام الشريعة اللاحقة فقط، فإنّ البقاء على العمل السابق حينئذ أيضا معذور فيه، غاية الأمر أنّه على فرض كذب النبيّ اللاحق حكم واقعي، وعلى فرض صدقه حكم استصحابي، فهو يأتي بالعمل لا بقصد كونه عملا بالاستصحاب، ولا بعنوان كونه حكما واقعيّا.
[مناظرة بعض أهل الكتاب]
وحيث انجرّ الكلام إلى هنا فلا بأس بالإشارة إلى مناظرة بعض أهل الكتاب مع بعض فضلاء السادة حيث تمسّك الكتابي على حقيّة دينه بأنّ المسلمين اعترفوا بنبوّة نبيّنا، فنحن وهم معتقدون بحقيّته ونبوته، فمقتضى الاستصحاب بقائها، فعلى المسلمين إثبات الشريعة الناسخة.
فأجاب بعض السادة بما حكي عن مولانا الرضا صلوات اللّه عليه في جواب الجاثليق حيث قال: ما تقول في نبوّة عيسى وكتابه، هل تنكر منهما شيئا؟ قال عليه السلام أنا مقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما يبشّر به امّته واقرت به الحواريّون، وكافر بنبوّة كلّ عيسى لم يقرّ بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وكتابه ولم يبشّر به امّته.
فذكر بعض السادة على حسب ذلك بأنّا نؤمن ونقرّ بنبوّة موسى أو عيسى الذي أقرّ بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله، ولا نقرّ بنبوّة كلّ موسى أو عيسى لم يقرّ بذلك.
فاعترضه الكتابي بأنّ موسى أو عيسى ليس كليّا قابلا للتقسيم، بل هو جزئي حقيقي، وحاله معهود وشخصه معروف، ونحن وأنتم معترفون بنبوّته، ولا يفرق الحال في نبوّة هذا الشخص المعيّن بين إقراره بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وعدم إقراره، فمقتضى الاستصحاب بقاء نبوّته إلى أن يثبت بطلان دينه ونسخ شريعته، فعند ذلك أفحم بعض السادة.
أقول: الحقّ في جواب الكتابي أن يقال: إنّ حال هذا الكتابي لا يخلو من قسمين، لأنّه إمّا أن يتمسّك بهذا الاستصحاب في مقام عمل نفسه فيما بينه وبين اللّه تعالى، وإمّا أن يتمسّك به في مقام إسكات المسلمين وإلزامهم.
فيتوجّه عليه على الأوّل أنّ النبوّة المستصحبة ملزومة لأمرين، الأوّل الاعتقاد الجناني بها، والثاني العمل الأركاني بأحكام الشريعة السابقة، فلا يمكن إثبات لازمها الأوّل بالاستصحاب؛ لأنّ الاستصحاب حكم في حال الشكّ، ولا يمكن أن يجتمع الاعتقاد مع الشكّ، فلا يصحّ أن يقال: أيّها الشاكّ في الأمر الفلاني تيقّن به مع كونك شاكّا به، نعم يمكن إذا كان المقصود مجرّد عقد القلب بوجود المشكوك أو إزالة الشكّ وتبديله باليقين، لا تحصيل اليقين مع حفظ الشكّ كما هو المقصود في المقام، وهل هو إلّا أمرا بالجمع بين النقيضين؟
وأمّا إثبات اللازم الثاني بالاستصحاب فقد تقدّم الكلام فيه وأنّه لا إشكال في جريان الاستصحاب مع أحد الشرطين المتقدّمين، لكن يرد على الكتابي أنّ الرجوع إلى الأصل في الشبهات الحكميّة إنّما هو بعد الفحص عن الدليل واليأس عنه، والأمر في هذا المقام ليس بهذا المنوال؛ لأنّ الأدلّة الموجودة في هذا المقام تكون بحيث لو راجعها الكتابي وجانب العناد لما يشكّ في تعيّن العمل بأحكام الشريعة اللاحقة.
ويتوجّه عليه على الثاني- أي على تقدير إرادته إلزام المسلمين كما يشهد بذلك قوله: فعلى المسلمين كذا- أنّا (1)معاشر المسلمين إنّما نقرّ بنبوّة موسى أو عيسى من جهة الإقرار بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله والقرآن الناطق بنبوّتهما، ولو لا الإقرار بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله لما كان للإقرار بنبوّتهما طريق أصلا، لانحصار الطريق للإقرار بنبوّتهما في الإقرار بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله، ولا محالة يكون المقرّ به حينئذ نبوّتهما المغيّاة بمجيئي محمّد صلّى اللّه عليه وآله، وأمّا النبوّة الباقية بعد مجيئه صلّى اللّه عليه وآله فلسنا مقرّين بها من أوّل الأمر، لعدم طريق إليها، بل لوجود الطريق إلى عدمها، وحينئذ فكيف تلزمنا أيّها الكتابي بهذا الاستصحاب والحال أنّا لسنا بقاطعين في فرض، ولسنا بشاكّين في فرض آخر؛ إذ مع حفظ الإقرار بنبوّة نبيّنا ليس لنا شكّ لاحق، ومع رفع اليد عنها ليس لنا يقين سابق، ولا يخفي أنّ ما ذكرنا هو مراد مولانا الرضا صلّى اللّه عليه بجوابه المتقدّم عن الجاثليق.
_______________
(1) فإنّ معرفة النبوّة الشخصيّة إنّما يحصل بمعرفة آثارها و هي صدور المعجزات من شخص المدّعي، و طريق معرفة ذلك منحصر في النقل القطعي و هو في حقّ أمثالنا ممّن يبعد عصره من تلك الأعصار منحصر في التواتر، و حينئذ فإن ادّعوا وجود التواتر في نبوّة موسى أو عيسى دون نبيّنا عليه و على آله و عليهما السلام نقول: علينا بإتيان فوق ما أتيتم به من الأخبار، فإن أفاد القطع فليفد كلاهما، و إن لم يفد فلا بدّ أن لا يفيد كلاهما، ففي تقدير لا يقين سابق، و في آخر لا شكّ لا حق، و هذا مما شاة معهم، و إلّا فلا تواتر على ثبوتهما غير التواتر القائم على نبوّة نبيّنا عليه و آله و عليها السلام، فإنّه بضميمة تصديقه صلّى اللّه عليه و آله لنبوّتهما عليهما السلام مفيد لنبوّتهما، و حينئذ فالنبوّة التي إثباتها طفيل لإثبات نبوّة اخرى كيف يرفعها بالاستصحاب.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|