الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
البعد الفلسفي لنظرية المعنى
المؤلف:
عايش الحسن
المصدر:
نظرية المعنى عند قدامة بن جعفر
الجزء والصفحة:
ص7-9
1-04-2015
3225
وكلمة الصناعة عند قدامة، وغيره من النقاد الفلاسفة تتصل اتصالاً وثيقاً بفلسفة الهيولى، والصورة عند الفلاسفة، فلقد أشار شرّاح أرسطو من الفلاسفة المسلمين إلى أن كل شيء له هيولى، وصورة، والعلاقة بينهما وثيقة، فلا يمكن تصور هيولى بلا صورة، أو صورة بلا هيولى، على أن المادة الواحدة يمكن أن تتشكل بأشكال مختلفة، فالخشب لدى النجار لا قيمة ذاتيه له إلا من خلال الأشكال التي يتشكل بها، كالباب، والكرسي، والخزانة، وكذلك [ كل مصنوع لا بُدّ له من هيولى وصورة يركب منها ](1)، ولقد أشار ابن سينا - بعد قدامة - إلى أن كل جسم طبيعي فهو [ متقوم الذات من جزأين، أحدهما يقوم فيه مقام الخشب من السرير، ويقال له هيولى، ومادة، والآخر يقوم مقام السرير، ويسمى صورة ](2).
فالمادة - عند ابن سينا - جزء لا يتجزأ من قوام الشيء، والصورة ماثلة بالقوة في هذه المادة، والصورة [هي ما يجعل المادة التي بالقوة شيئاً بالفعل ](3)، ولهذا فإن الصورة لا يمكن أن توجد مفارقة للمادة(4)، فهيولى الشيء حاملة لصورته بالضرورة، ولهذا فإن جوهر الأشياء ماثل في هذا المدرك الحسي، وفي ضوء هذه الفلسفة الأرسطية رأى قدامة [ أن المعاني للشعر بمنزلة المادة الموضوعة، والشعر فيها كالصورة، كما يوجد في كل صناعة من أنه لا بدّ فيها من شيء، موضوع يقبل تأثير الصور منها، مثل الخشب للنجارة، والفضة للصياغة ](5)، وعلى هذا الأساس لا ينبغي أن يحكم على المعنى من جهة رفعته أو ضعته، أو ما فيه من الرفث والنزاهة، والبذخ والقناعة، وغير ذلك من المعاني الحميدة والذميمة ولكن يحكم عليه من خلال بلوغه [ التجويد في ذلك إلى الغاية المطلوبة ](6)، هذه المعاني الشعرية أو الأفكار مرتبطة بالصناعة الشعرية، وبدرجة الإجادة فيها، ولكن هذه الأفكار منعزلة تماماً عن الارتباطات النفسية القائمة حولها، وهي ارتباطات تدرك بالعقل في تصور قدامة، لا بالذوق، فإذا كان امرؤ القيس قد وصف نفسه بسمو الهمه، وقلة الرضى بدنيء المعيشة، في قوله :
فلو أنّ ما أَسْعى لأدَنْى معيشَةٍ ... كفاني - ولم أَطْلُبْ - قليلٌ من المالِ
ولكنّما أَسْعى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلٍ ... وَقَدْ يُدْرِكُ الْمَجْدَ المُؤثَّلَ أَمثْالي
...
فإنه قد وصف نفسه بالقناعة، والاكتفاء بالقليل من الأقط والسمن، في قوله :
فَتْمَلأَُ بَيْتَنَا أَقِطاً وَسَمْنَاً ... وَحَسْبُك من غِنى شِبَعٌ وَرِيُّ
وليس هذا تناقضاً عند قدامة، ولا يوصف بالكذب، لأن الشاعر [ ليس يوصف بأن يكون صادقاً، بل إنما يراد منه، إذا أخذ في معنى من المعاني كائنا ما كان أن يجيده في وقته الحاضر، لا أن يطالب بأن لا ينسخ ما قاله في وقت آخر ](7). ولا يختلف هذا الفهم الذي قال به قدامة عمّا قاله معاصره الفارابي الفيلسوف، فالحقيقة الذاتية - عند الفاربي - لا تكمن في مادة المعاني من حيث جلالها، وهوانها، أو صدقها، أو كذبها، ولكن من خلال الشكل أو الطريقة التي تبرز فيها(8).
وبناء على هذا الفهم، فإن العلة الصوريّة أقوى العلل وأهمها، وهي - عند الفلاسفة - تعني حسن التأليف والتخييل، لكنّ التخييل عند الفارابي قياس منطقي كاذب، ولهذا يقول فيه : إنه [ نوع من أنواع السولو جسموس [القياس ] أو ما يتبعه من استقراء ومثال وفراسة](9)، ولهذا كان للتخييل في الشعر قيمة العلم في البرهان، والظن في الجدل، والإقناع في الخطابة على أن كلمة [ الكذب ] عند الفارابي ليست تهويناً لقيمة الشعر، وهو أمر أساء قدامة فهمه حين قال : [ إن الغلو عندي أجود المذهبين، وهو ما ذهب إليه أهل الفهم بالشعر والشعراء قديماً، وقد بلغني عن بعضهم أنه قال : أحسن الشعر أكذبه، وكذلك يرى الفلاسفة اليونانيون في الشعر على مذهب لغتهم ](10).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- إخوان الصفاء ( 1992 ) : رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء، تحقيق عارف تامر، منشورات عويدات، بيروت، باريس : طبعة أولى، ج2 : 6.
2- ابن سينا : كتاب الشفاء، مراجعة إبراهيم مدكور، تحقيق سعيد زايد، مركز تحقيق التراث، ج1 : 22.
3- المصدر نفسه، ج1 : 22.
4- المصدر نفسه، ج1 : 329.
5- قدامة بن جعفر : نقد الشعر : 16.
6- المصدر نفسه : 21.
7- المصدر نفسه : 16.
8- الفارابي : إحصاء العلوم : 67.
9- المصدر نفسه : 151
10- قدامة بن جعفر : نقد الشعر : 257.
الاكثر قراءة في النقد القديم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
