المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2764 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



المبرد وجهوده  
  
12442   05:19 مساءاً   التاريخ: 16-07-2015
المؤلف : د. محمد بن ابراهيم ولد اباه
الكتاب أو المصدر : تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب
الجزء والصفحة : ص129- ص139
القسم : علوم اللغة العربية / المدارس النحوية / المدرسة البصرية / جهود علماء المدرسة البصرية / كتاب المقتضب - للمبرد /

اختلف في لقبه الذي اشتهر به، منهم من ضبطه بفتح الراء مثل ما روي عن ابن عبد ربه، و ادعى أنه لم يختر في شعراء كتاب «الروضة» إلا أبردها، و السيرافي يصحح كسر الراء، و يقول إنه المتثبت في الحق، و كان الشيخ محمد محمود بن التلاميذ الشنقيطي، ينشد:

و الكسر في راء المبرد واجب          و يغير هذا ينطق الجهلاء(1) 
اشتهر أبو العباس المبرد بالبراعة في علم اللغة و النحو، و من شيوخه المشهورين، أبو عثمان المازني صاحب التصريف و أبو عمرو الجرمي، و قد سبق أن رأينا أنهما من أبرز تلاميذ الأخفش الأوسط.

نشأ المبرد في البصرة ثم ما لبث أن اشتهر أمره و علمه، فالتحق ببلاط الخليفة المتوكل في سرّ من رأى، فعرف عنده الرعاية، و المال و الأنس.

و يذكر المرزباني في معجم الشعراء أنه دخل على المتوكل يوما فقال له: «يا مبرد أ رأيت أحسن مني وجها، قال المبرد و لا أسمح راحة، ثم أنشد:

جهرت بحلفة لا أتقيها                   لشك في اليمين و لا ارتياب 
بأنك أحسن الخلفاء وجها                و أسمح راحتين و لا أحابي 
وأن مطيعه الأعلى جدودا               و من عاصاه، يهوي في تباب

ص129

فقال له المتوكل: (أحسنت و أجملت في حسن طبعك و بديهتك) (2).

و بعد موت المتوكل، غادر أبو العباس سرّ من رأى، و جاء بغداد و في أحد مساجدها اصطنع حيلة لتكوين حلقة خاصة به أنشأها حينما رفع صوته في الكلام عن قضايا علمية أوهم الحاضرين أنه سئل عنها، و لما سمعوا فصاحته، وسعة علمه، التفوا حوله، فبدأ يحدث الناس، و بصر به ثعلب، فبعث تلامذته لفضّ هذه الحلقة بيد أن تلاميذ ثعلب استمالتهم روعة حديث المبرد فترك أكثرهم أستاذهم، و التحقوا بمدرسة المبرد (3)، و كان من أشهر هؤلاء إبراهيم ابن سري الزجاج الذي ظل وفيا له إلى أن مات، كما كان منهم ختن ثعلب أبو علي الدينوري و أبو بكر بن السراج مؤلف كتاب الأصول.

توثيقه في الرواية

يكاد العلماء يجمعون أن المبرد كان ثقة في رواياته، هذا ما نقله ابن كثير في «البداية و النهاية» ، و الخطيب في «تاريخ بغداد» حتى ابن ولاد الذي كتب «الانتصار» لسيبويه في مسائل الغلط، ردّا على المبرد قال: «و ليس هو عندنا ممن يعتمد الكذب»، غير أن ابن الأنباري في «نزهة الألباء» ، أورد قصة يقول فيها: «قال أبو عبيد اللّه المفجع و كان المبرد لعظم حفظه اللغة و اتساعه، يتهم، فتواضعنا على مسألة لا أصل لها نسأله عنها فلننظر كيف يجيب، و كنا قبل ذلك تمارينا في عروض بيت الشاعر:

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا           حنانيك بعض الشر أهون من بعض 
و تردد على أفواهنا من تقطيعه (ق بعضنا) فقلت له: أيدك اللّه تعالى ما (القبعض) عند العرب، فقال القطن، يصدق ذلك قول الشاعر:

كأن سنامها حشي القبعضا

قال: فقلت لأصحابي ترون الجواب و الشاهد، إن كان صحيحا عجب و إن كان اختلق الجواب في الحال فهو أعجب) (4).

كما ذكر ياقوت الحموي الخلاف بين المبرد و أبي حنيفة في تفسير الشاة المجثمة التي نهى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم عن أكل لحمها، فقال المبرد هي الشاة القليلة اللبن مثل اللجبة و أتى ببيت شاهد على ذلك، و هو:

لم يبق من آل الحميد نسمه                    إلا عنيز لجبة مجثمه

ص130

و أنكر عليه ذلك أبو حنيفة الدينوري مبينا أنها الشاة التي جثمت على ركبتيها و ذبحت من القفا، و أقر المبرد أن الشاهد من اختلاقه(5) ، و قبل التشكيك في توثيق المبرد، لابد من التأكد من صحة هاتين الروايتين. و لقد ذكر محقق المقتضب أن المفجع الذي روى القصة الأولى كان شيعيا من أنصار ثعلب، و كان ماجنا، فهو إذن ممن لا يطمأنّ إلى رأيه. أما القصة الثانية، فيظهر فيها أيضا أثر الانتحال لأنه لا علاقة لحرمة لحم الشاة بقلة لبنها، و لا شك أن أبا العباس يعرف ذلك بديهة(6).

و بيّن محقق المقتضب كذلك ما روي عن أبي الحسن الأخفش الأصغر علي ابن سليمان، أنه قال: (سمعت أبا العباس المبرد يقول لك إن الذي يغلط ثم يرجع لا يعد ذلك خطأ لأنه قد خرج منه برجوعه عنه، و إنما الخطأ البيّن الذي يصر فيه صاحبه على خطئه و لا يرجع عنه فذلك يعد كذابا ملعونا)(7).

و هذا يذكرنا بقول محنض بابه بن اعبيد الديماني الشنقيطي:

ليس من أخطأ الصواب بمخط                 إن يؤب لا و لا عليه ملامه 
إنما المخطئ المسي من إذا ما                  وضح الحق لج يحمي كلامه 
هذا و قد رووا أيضا عن المبرد قوله: «لا أتقلد مقالتي متى لزمتني حجة» ، و قوله: (ربما رأيت في الحرف سنة لتصبح لي حقيقة) (8).

أهم مصنفاته

لقد كان أبو العباس المبرد حجة، و إماما في النحو و اللغة، فكان من بين العلماء الذين ساهموا في تقريب قواعد الكتاب و ترتيبها، دون أن يجعلوا من النحو صيغا جافة، بعيدة عن سليقة اللغة و عفويتها، و هذا واضح في كتاب الكامل، الذي كان كتاب أداب و لغة و نحو. و كتاب الكامل يعد بصدق من أمهات الأدب الأصيلة، فقد اشتمل على طرائف الحكمة من جوامع كلم الرسول المصطفى عليه السّلام، و على مختارات من خطب الخلفاء و عيون الشعر العربي كما سجل فيه نوادر من الأخبار التاريخية، و نكتا من المسائل اللغوية و النحوية.

أما كتابه «المقتضب» فإنه بمثابة تلخيص و تبسيط لكتاب سيبويه مع التنبيه على بعض القضايا التي خالفه فيها متأثرا بآراء شيخيه المازني و الجرمي، و قد نظم فيه عرض

ص131

 القواعد النحوية، إلا أنه وقف على حافة التنظير المنطقي، الذي سيتولى ابن السراج صيغته في كتاب الأصول: و للمبرد مواقف معروفة من القراءات نذكر أمثلة منها، كما أنه تأثر بأبي عثمان المازني في إيراد التمارين غير العملية.

موقفه من القراءات:

لقد رأينا أن علماء النحو اعتمدوا القرآن، مادة لعلمهم، و استشهدوا بمئات الآيات، و منهم من صرح بأن القراءة سنة و أن ما صح منها، من أي طريق، يعتبر أساسا للوجه الصحيح في اللغة.

لكن بعضهم وقف من هذه القراءات موقف المجتهد المصوّب، فإذا لم تكن القراءة تعبر عن القواعد التي استنبطها من اللغة يصرح بأنها لحن، و لو كانت من القراءات السبع المتواترة عن الأمة بالإجماع، أو القراءات العشر المتواترة عند القراء.

و كان بعض نحاة البصرة من بين الذي نصّبوا أنفسهم مهيمنين على تصويب القراء أو تخطئتهم. و اشتهر أبو عثمان المازني بهذا الموقف، و تبعه المبرد الذي سمح لنفسه أن يرفض بعض القراءات السبعية، مثل قراءة حمزة في الآيتين الكريمتين: وَ مٰا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ((إبراهيم-الآية 22) (9) بكسر الياء، و قوله تعالى: (وَ اِتَّقُوا اَللّٰهَ اَلَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ اَلْأَرْحٰامَ) (النساء-الآية 1) بكسر الميم (10).

و ادّعى أن قراءة ثَلاٰثَ مِائَةٍ سِنِينَ (الكهف-الآية 25) خطأ غير جائز في الكلام و إنما يجوز في الضرورة (11)، كما نمى للخطأ من قرأ «آيات» بالنصب في قوله تعالى: وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيٰا بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ تَصْرِيفِ اَلرِّيٰاحِ آيٰاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الجاثية الآية 5) (12).

و من الغريب أن ينسب المبرد إلى أهل المدينة قراءة شاذة في قوله تعالى:

(هٰؤُلاٰءِ بَنٰاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ )(13)  (هود-الآية 78 «بفتح الراء و المعروف أن قراءة أهل المدينة تعنى باصطلاح العلماء قراءة نافع بن أبي نعيم و هي بالرفع، و قد تابع المبرد المازني في

ص132

 

تحامله على الإمام نافع و ذكر ألاّ علم له بالعربية، مستدلا على ذلك بقراءة: (معائش) (الأعراف-الآية 10 و الحجر-الآية 20) بالهمزة مع أن نسبتها لنافع غير مشهورة (14).

هذا و لقد تأثر بعض القراء بهذا الموقف، حتى أن المحقق ابن الجزري جعل موافقة الوجه النحوي من أركان القرآن.

و ذلك حين قال:

 و كل ما وافق وجه النحو                      و كان للخط احتمالا يحوي 

و صح إسنادا هو القرآن                       فهذه الثلاثة الأركان 
و السؤال الذي نضعه هنا هو أنه إذا كانت القراءة صحيحة الإسناد إلى الرسول عليه الصلاة و السّلام، و كانت موافقة لرسم المصحف، هل علينا أن نشترط ركنا ثالثا و هو وفاقها لوجه نحوي؟ لأنّا نعتقد أن كل ما ثبت بالإسناد رواية، و وافق الرسم خطأ، فقد استكمل الوجه النحوي الصحيح. فالكتاب العربي المبين هو الذي يثبت الاستعمال الصحيح، أما القواعد المستنبطة من كلام الأعراب، و من شعرهم، و سماعاتهم فليست بحال من الأحوال ميزانا لصحة لغة القرآن.

 تأثره بكتاب سيبويه

لقد كان كتاب سيبويه المعين الذي استقى منه كل من جاء بعده، سواء كانوا من الكوفيين المخالفين أمثال الفراء و تلامذته، أم كان من البصريين المتبعين مثل المبرد و شيوخه. و لقد درس المبرد الكتاب على أبي عمرو الجرمي ثم على أبي عثمان المازني، و كان تأثيره واضحا عليه في كتاب المقتضب، الذي يمكن أن نعتبره تلخيصا و تقريبا لكتاب سيبويه. و قد حاول المبرد في هذا المؤلف تبسيط و تنظيم بعض المسائل التي وردت معقدة و متناثرة في كتاب سيبويه، و من أوضح الأمثلة ما جاء في باب أنحاء الفعل العشرة، التي وردت في أبواب مختلفة عن سيبويه و عرضها المبرد في فصل واحد، و في عرض سهل المتناول، فقال عنها (15):

1. الفعل الحقيقي: قام زيد و هو متعد، إلا لاسم الزمان و المكان، و الحال و المصدر.

2. الفعل الذي ذكر فاعله على وجه الاستعارة: مثل: سقط الحائط.

3. الفعل المتعدي لواحد الواصل المؤثر: نحو: ضرب زيد عمرا.

ص133

4. الفعل المتعدي لواحد غير واصل: نحو: أضحكت خالدا، ذكرت زيدا، مدحت عمرا.

5. الفعل المتعدي لاثنين و يمكن الاقتصار على أحدهما: نحو: كسوت زيدا.

6. الفعل المتعدي لاثنين و لا يمكن الاقتصار على أحدهما: نحو: ظننت زيدا أخاك.

7. الفعل المتعدي لثلاثة مفعولين: و هو من باب الأول إلا أنك جعلت الفاعل مفعولا: نحو: أعلم زيدا عمرا خير الناس.

8. الفعل المتعدي لمفعول: اسم الفاعل و المفعول فيه لشيء واحد: نحو:

أمسى عبد اللّه ظريفا، و هي أفعال وزن لا حقيقة.

9. فعل التعجب: و هو فعل صحيح غير متصرف و كذلك كل شيء دخل معنى من غير أصله على لفظ فهو يلزم ذلك اللفظ لذلك المعنى: نحو: ما أحسن زيدا.

ما أجري مجرى الفعل و ليس بفعل: و لكن أشبهه بلفظ أو معنى: نحو:

ما زيدا منطلق، و مثل هنا بالنواسخ.

كما أن المبرد تابع مسائل الكتاب، و استشهد بأكثر شواهده القرآنية و العشرية، و اتبع طريقه في عدم الاستشهاد بالحديث النبوي، و اعتنق جل آرائه في السماع و القياس و بيان الضرورات، أو اللغات الضعيفة. و مع ذلك فإن المبرد زيادة على تجديده في الأسلوب، خالف إمام النحاة في كثير من الآراء، اشتهرت بمسائل الغلط، لأن المبرد نسب فيها الخطأ إلى سيبويه.

مسائل الغلط، و ردّ ابن ولاد عليها (16):

روي عنه أنه في عهد الشباب ألف كتابا سماه «نقد كتاب سيبويه» ، تناول فيه أكثر من مئة و ثلاثين مسألة انتقد فيها إمام النحاة، مما أدى إلى قيام ابن ولاد المصري بتصنيف كتاب الانتصار لسيبويه، و الاحتجاج له و الرد على المبرد فيه ما عدا مسألتين، و يقال إن المبرد اعتذر عن أكثر اعتراضاته، و قال إن ذلك من هفوات الشباب و لم يترك في كتاب المقتضب إلا نحوا من ثلاثين مسألة، نستعرض نماذج منها لاستبانة منهج المبرد النحوي، و ميزاته الخاصة.

لقد عبر المبرد عن اعتراضه على آراء سيبويه، تعبيرات مختلفة، ففي بعض المواضيع يعقب على رأي سيبويه «القول: ليس عندي كما قال، أو أنه بعيد، أو محال، أو غلط، أو (خطأ فاحش) .

ص134

و من أهم اعتراضاته عليه أن سيبويه يقول إن الألف و الواو و الياء في الأسماء الخمسة حروف إعراب، و يقول المبرد إن ذلك محال لأنها لو كانت حروف إعراب للزمها ذلك، مؤيدا رأي الأخفش و الجرمي في كونها دلائل الإعراب لا حروفه (17)، كما يرى رأي شيوخه في امتناع إعمال فعل و فعيل (18)، و يصوب رأي المازني في جواز تقديم التمييز على عامله في مثل (عرقا تصبب) (19) و مما خالفه فيه كذلك، إعمال «إن» المخففة التي بمعنى «ما» ففي مثل «إن زيد منطلق» لا يرى سيبويه غير الرفع جائزا، و المبرد يجيز النصب، مستدلا بقوله تعالى: إِنْ يَقُولُونَ إِلاّٰ كَذِباً )(الكهف-الآية 5) ، إِنِ اَلْكٰافِرُونَ إِلاّٰ فِي غُرُورٍ )(الملك- الآية 20)(20). و الملاحظ هنا أن المبرد لم يشر في هذين المثالين إلى تأثير «إلا» في إعراب الجملتين، و أنكر عليه رفع المضارع في نحو: خفت أن لا تقوم، و قال إنه بعيد، و لم يستحضر هنا قول الشاعر:

و لا تدفنني في الفلاة فإنني            أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها (21)
و في بعض المواضيع يضعف رأي سيبويه دون أن يرفضه كليا. فمن ذلك قوله: (القياس و أكثر كلام العرب أن تقول: هذه أربعة عشرك، فتدعه مفتوحا، و قوم من العرب يقولون: هذه أربعة عشرك، و مررت بأربعة عشرك، و هم قليل و له وجه من القياس و أجاز سيبويه الضم على بعد) (22).

كما ضعف تخريجه في إعراب قوله تعالى: أَ يَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذٰا مِتُّمْ وَ كُنْتُمْ تُرٰاباً وَ عِظٰاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ((المؤمنون- الآية 35) ، فقال: إن سيبويه يرى أن «يعد» وقعت على «أن» الثانية، و ذكر «أن» الأولى ليعلم أي شيء يكون الإخراج، و هذا قول ليس بالقوي. أما رأي المبرد فهو أن المعنى: أيعدكم إذا متم إخراجكم. و هذه المسائل من قضايا ملك النحاة المشهورة (23).

و قد يحلو للمبرد في بعض المرات أن يستبد برأيه و لو كان مخالفا لسيبويه و الأخفش. ففي الكلام عن «عسى» قال إن رأي سيبويه غلط، و قول الأخفش ليس بشيء

ص135

حينما زعم الأول أنها مع المضمر تأتي بمعنى «لعل» و قال الثاني إن ضمير النصب ناب عن ضمير الرفع مثل ما وقع في (لو لا) (24).

و في هذه المسألة نورد أبياتا بديعة، يقول العلامة الشنقيطي محمد حامد بن آلا البوحسني:

عمرو «عسى» إن ضمير النصب متصلا           يلحق بها، فهي حرف عامل كلعل 
أما المبرد فالمنصوب ذا خبرا                        مقدما و اسمها ما بعد ذاك جعل 
و رأي الأخفش تعكيس الأخير يرى          ضمير نصب من المرفوع جاء بدل 
رأي المبرد مردود بأنّ به                             إخبارنا لعسى بالمفردات و قل 
و إن قولهم فيه عساك فقط                            فيه اقتصار على منصوبها و حظل 
ورد ثالثها أن التعاقب في                             ضمائر الفصل لم يثبت عليه عمل 
و «نار كأس» برفع النار قد رويت                  فبان أن سوى نهج الإمام بطل 
و في البيت الأخير إشارة إلى قول الشاعر:
فقلت عساها نار كأس وعلها                          تشكى فآتى نحوها فأعودها 
و في معرض قول الشاعر:
فأصبحوا قد أعاد اللّه نعمتهم                          إذ هم قريش و إذ ما مثلهم بشر 
يقول المبرد: (فالرفع الوجه، و قد نصبه بعض النحويين، و ذهب إلى أنه خبر مقدم، و هذا خطأ فاحش و غلط بيّن، و لكن نصبه يجوز على أن تجعله نعتا مقدما، و تضم الخبر فتنصبه على الحال مثل قوله فيها: قائما رجل) (25). و ذكرفي النقد أن هذا قول المازني، ورده ابن ولاد بحجة الرواية و أنكر جواز تقديم الحال على النكرة (26).

و بعد ما أورد المبرد قول القائل:

فليس بمعروف لنا أن نردها             صحاحا و لا مستنكرا أن تعقرا (27)
علق عليه بأن رفع «مستنكر» على وجه عطف جملة على جملة. كما قال إنه يحسن النصب للعطف على الموضع لأن ليس يقدم فيها الخبر أما الخفض فيمتنع لأنك تعطف

ص136

بحرف واحد على عاملين و هما الباء و «ليس» فكأنك قلت «زيد في الدار و الحجرة عمرو» فتعطف على «في» و المبتدأ و مثله:

هون عليك فإن الأمور                       بكف الإله مقاديرها 
فليس بآتيك منهيّها                            و لا قاصر عنك مامورها 
و يجيز سيبويه الخفض فيهما محتجا بأبيات اكتسب فيها المضاف التأنيث من المضاف إليه و هي:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته                 كما شرقت صدر القناة من الدم 
و قوله:
لما أتى خبر الزبير تواضعت                سور المدينة و الجبال الخشع 
و قوله:
 مشين كما اهتزت رماح تسفهت              أعاليها مر الرياح النواسم 
و قوله:
إذا مر السنين تعرقتننا                         كفى الأيتام فقد أبي اليتيم (28)
و في كتاب اللّه تعالى: (فَظَلَّتْ أَعْنٰاقُهُمْ لَهٰا خٰاضِعِينَ )(الشعراء- الآية 3) .

و يقول المبرد و ليس القول عندي كما ذهب إليه، و يؤول ما ورد في الآية الكريمة و في الأبيات المذكورة.

و ذلك أن الخليل و سيبويه يزعمان أنك إذا قلت لا غلامين لك أن «غلامين» مع «لا» اسم واحد و تثبت النون كما تثبت مع الألف و اللام و في تثنية ما لا ينصرف و جمعه نحو قولك: هذان أحمران و هذان المسلمان، و ليس القول عندي كذلك لأن الأسماء المثناة و المجموعة بالواو و النون لا تكون مع ما قبلها اسما واحدا، و لم يوجد ذلك كما لم يوجد المضاف و لا الموصول مع ما قبله بمنزلة اسم واحد (29).

و في وصل الواو و الياء بالهاء إذا كانت ضمير خفض، في نحو «فيه» فإن سيبويه يرجح الإتمام و المبرد يميل إلى الحذف(30). و في نحو «إن أتيتني لأقومن» ، و «إن لم تأت لأغضبن» فإن سيبويه يرى في هذا تقديما و تأخيرا. فكأن القائل يقول «لأقومن إن أتيتني» ، أما المبرد فإنه يقدر حذف الفاء في هذا النوع من الاستعمال (31).

ص137

و ينسب المبرد الخطأ إلى سيبويه في بعض الأقيسة الصرفية، منها اعتباره أن «دما» على وزن فعل بتسكين العين، و هو غير صحيح عنده لأن العرب تقول دمي يدمى، و مقيس مصدره، بفتح العين، و استدل بقول الشاعر:

فلو أنا على حجر ذبحنا                 جرى الدميان بالخبر اليقين (32)
و يعتبر المبرد قول سيبويه في مقعنسس مقاعس غلط شديد. و يدخل في هذا المجال مسائل من التصغير حاد فيها سيبويه عن القياس (33)

بيد أن كل هذه الانتقادات لا تعني أن المبرد غير ملتزم بأصول مذهب إماما النحاة العام. و لقد روي اعتذاره عن مسائل النقد، و رجوعه عن أكثرها، حتى أنه في عدة مواضع انتصر له على أستاذه المازني، و على شيخ أستاذه أبي الحسن الأخفش.

و يروي ابن جني أن المبرد رجع عن كثير من هذه الآراء، و أنه كان يعتذر عما جرى منه، و يقول ذاك الشيء، كنا رأيناه أيام الحداثة أما الآن فلا (34)، و مع ذلك فإن كتاب المقتضب تضمن كثيرا من هذه المسائل، التي لم يتغير رأي المبرد فيها.

المسائل التمرينية

يقول المبرد في المقتضب: (هذا باب، و نقول في المسائل الطوال يمتحن بها المتعلمون: الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهما القائم في داره أخوك سوطا أكرم الآكل طعامه غلامه زيد عمرا خالد بكرا عبد اللّه أخوك) .

«نصبت الضارب بأكرم و جعلت ما بعد الضارب من صلته إلى قولك أكرم، فصار اسما واحدا، و الفاعل هو الآكل و ما بعده صلة له إلى ذكرك الأسماء المفردة، و هذه الأسماء المنصوبة بدل من الضارب و الشاتم، و المكرم و خالد المجرور بدل من الهاء في غلامه. و المرفوع بدل من أحد هؤلاء الفاعلين الذين ذكرتهم و تقديرها، كأنك قلت :(أكرم الآكل طعامه غلامه الرجل الذي ضرب سوطا رجلا شتم رجلا أكرم رجلا أعطاه درهما، رجل قام في داره أخوك) .

لقد تناول أبو إسحق الزجاج هذه المسألة، و قال إن المبرد أخطأ فيها، فزاد أن سعيد بن سعيد الفارقي أسهب في شرحها معتذرا عن أبي العباس المبرّد. وقد أورد محقق المقتضب رأي الفارقي و لخّص إعراب المسألة قائلا:

ص138

(إن الضارب مفعول أكرم، و الشاتم مفعول الضارب، و المكرم مفعول الشاتم، و المعطيه مفعول المكرم، و سوطا مفعول مطلق للضارب، و طعامه مفعول للآكل، و درهما مفعول شأن لمعطيه، و الآكل فاعل أكرم، و القائم فاعل المعطيه، و غلامه فاعل الآكل فأخوك الأولى فاعل القائم.

و زيد بدل من القائم، و عمرا بدل من المكرم، و بكرا بدل من الشاتم، و عبد اللّه بدل من الضارب، و خالد بدل من الهاء في غلامه، و أخوك الثانية بدل من الآكل) .

كما بين المحقق أن في هذه القضية أمورا من الفصل بين الموصول وصلته لا تجوز، و أن الفارقي يعتذر عن المبرد لأنها امتحان، و الامتحان بوضع بعضه على بعض الصحة، و بعضه على الخطأ ليميز الممتحن بين الخطإ و الصواب (25).

و المهم في المسألة هو ملاحظة تطور التفكير النحوي الذي تجاوز تحليل الوضع اللغوي المسموع، إلى افتراضات معقدة جاءت تطبيقا للقواعد العامة التي أقرها النحو البصري، يمكن مقارنتها بالتركيب اللاتيني، و لقد توجد في الكتاب نماذج من نوع مثل «و كيف تصغر اسم من سميته» [؟]، و «كيف تعرف رجلا اسمه «ضربوا» على لغة أكلوني البراغيث.

غير أن هذا النوع من التدريبات وصل إلى قمته عند المبرد في هذا النوع من المسائل، و هذا ما أثار حفيظة الزجاج، و لعل موقفه وضع حدا لمثل هذه القضايا العديمة الجدوى، و إذا كان قد بقي منها شيء فإنه اقتصر على بعض المسائل الصرفية.

ص139

______________________

(1) كتاب المقتضب، المقدمة، ج 1 ص 11.

(2) معجم الشعراء للمرزباني، ص 449.

(3) إبناه الرواة، ج 3 ص 249.

(4) نزهة الألباء، ص 166.

(5) ياقوت: معجم الأدباء، ج 1 ص 260.

(6) المقتضب، ج 1 ص 61(المقدمة) .

(7) السيوطي: المزهر ج 2 ص 203، بواسطة عن عبد الخالق عضمه في مقدمة المقتضب ص 18.

(8) المقتضب، ج 1 ص 18 نقلا عن مجالس العلماء.

(9) المقتضب، ج 5 ص 2.

(10) المقتضب، ج 3 ص 453.

(11) المقتضب، ج 2 ص 171.

(12) المقتضب، ج 4 ص 195.

(13) المقتضب، ج 4 ص 103.

(14) المقتضب، ج 1 ص 114.

(15) المقتضب، ج 3 ص 187.

(16) ابن ولاد هو أبو العباس أحمد بن محمد بن الوليد بن محمد، كان بصيرا بالنحو و رحل إلى بغداد و لقي أبا إسحاق بن السري الزجاج و غيره و أخذ عنهم و توفي سنة 332 ه‍، راجع طبقات النحاة للزبيدي ص 219.

(17) المقتضب، ج 2 ص 154.

(18) المقتضب، ج 2 ص 118.

(19) المقتضب، ج 3 ص 36.

(20) المقتضب، ج 1 ص 49-50.

(21) المقتضب، ج 1 ص 50.

(22) المقتضب، ج 2 ص 178.

(23) المقتضب، ج 2 ص 358-360.

(24) المقتضب، ج 3 ص 71-3.

(25) المقتضب، ج 4 ص 91-2.

(26) المقتضب، ج 4 ص 91-2 الهامش.

(27) المقتضب، ج 4 ص 195-196.

(28) المقتضب، ج 2 ص 19.

(29) المقتضب، ج 4 ص 366.

(30) المقتضب، ج 1 ص 266.

(31) المقتضب، ج 2 ص 62.

(32) المقتضب، ج 3 ص 153.

(33) المقتضب، ج 2 ص 235.

(34) ابن جني: الخصائص، ج 1 ص 206.

(35) عظيمة مقدمة المقتضب، ج1 ص83.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.