أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-7-2019
1521
التاريخ: 9-9-2018
1158
التاريخ: 22-11-2019
1161
التاريخ: 15-11-2016
1534
|
جهاد أبو بكر
ولنعرف نبذة من أعظم المناظرات التي أقامها الخليفة العباسي في أفضل رجل بعد النبي مبينا في ذلك عدة أمور بها يمكن تعيين صلاحية الرجل الأول للخلافة بعد رسول الله، وبعد أن بين كما مر في فضل سابقة أبي بكر وأشرنا إلى القسم الأول من محاجة المأمون مع الأربعين فقيها. قال المأمون مخاطبا إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حمادي بن زيد :
( ثم أي الأعمال كانت أفضل بعد السبق إلى الاسلام ؟ قلت : الجهاد في سبيل الله . قال : " صدقت " . فهل تجد لأحد من أصحاب رسول الله ما تجد لعلي (عليه السلام) في الجهاد؟ قلت: في أي وقت ؟ قال : في أي الأوقات شئت ! قلت : بدر ، قال : لا أريد غيرها ، فهل تجد لأحد إلا دون ما تجد لعلي يوم بدر ؟ أخبرني كم قتلى بدر ؟ قلت : نيف وستون رجلا من المشركين . قال : فكم قتل علي وحده ؟ قلت : لا أدري قال : ثلاثة وعشرين أو اثنين وعشرين والأربعون لسائر الناس . قلت: يا أمير المؤمنين قد كان أبو بكر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عريشه . قال : يصنع ماذا ؟ قلت: يدبر. قال : ويحك ! يدبر دون رسول الله أو معه شريكا، أو افتقارا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى رأيه ؟ أي الثلاث أحب إليك؟ قلت: أعوذ بالله ان يكون أبو بكر يدبر دون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يكون معه شريكا ، أو أن يكون برسول الله افتقار إلى رأيه ، قال : فما الفضيلة بالعريش إذا كان الامر كذلك ؟ أليس من ضرب بسيفه بين يدي رسول الله أفضل ممن هو جالس ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ! كل الجيش كان مجاهدا ، قال : صدقت ، كل مجاهد ، ولكن الضارب بالسيف ، المحامي عن رسول الله وعن الجالس ، أفضل من الجالس . أما قرأت كتاب الله : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) ( 1 ) قلت : وكان أبو بكر وعمر مجاهدين ، قال : فهل كان لأبي بكر وعمر فضل على من لم يشهد ذلك المشهد ؟ قلت ، نعم قال : فكذلك سبق الباذل نفسه فضل أبي بكر وعمر ، قلت : أجل . قال : يا إسحاق ! هل تقرأ القرآن ؟ قلت : نعم ، قال : إقرأ علي ( هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) ( 2 ) . فقرأت منها حتى بلغت ( ان الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) ( 3 ) إلى قوله تعالى ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) ( 4 ) قال : على رسلك فيمن أنزلت هذه الآيات ؟ قلت : في علي . قال : فهل بلغك أن عليا حين أطعم المسكين واليتيم والأسير قال : إنما نطعمكم لوجه الله ؟ وهل سمعت الله وصف في كتابه أحدا بمثل ما وصف به عليا ؟ قلت : لا ، قال : صدقت ، لان الله جل ثناؤه عرف سيرته .
يا إسحاق ! الست تشهد ان العشرة في الجنة ؟ قلت : بلى يا أمير المؤمنين ! قال : أرأيت لو أن رجلا قال : والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا ، ولا أدري إن كان رسول الله قاله أم لم يقله ، أكان عندك كافرا ؟ قلت : أعوذ بالله ! قال : أرأيت لو أنه قال ما أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا ، كان كافرا قلت : نعم قال : يا إسحاق ! أرى بينهما فرقا . يا إسحاق ! أتروي الحديث ؟ قلت نعم . قال : أتروي حديث الطير ؟ قلت : نعم ، قال : فحدثني به . قال : فحدثته الحديث . قال : يا إسحاق ! إني كنت أكلمك وانا أظنك غير معاند للحق ، فأما الآن فقد بان لي عنادك ، انك توقن ان هذا الحديث صحيح ؟ قلت : نعم ، رواه من لا يمكنني رده . قال : أفرأيت ان من أيقن أن هذا الحديث صحيح ، ثم زعم أن أحدا أفضل من علي لا يخلو من أحد ثلاثة [ أوجه ] . من أن تكون دعوة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عنده مردودة عليه ، لو أن يقول : عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحب إليه ، أو أن يقول : إن الله عز وجل لم يعرف الفاضل من المفضول : فأي الثلاثة أحب إليك أن تقول ؟ فأطرقت ، ثم قال : يا إسحاق ! لا تقل منها شيئا . فإنك إن قلت منها شيئا استنبتك ( 5 ) . وان كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه فقله . قلت : لا أعلم ، وإن لأبي بكر فضلا ، قال : أجل ! لولا أن له فضلا لما قيل : إن عليا أفضل منه ، فما فضله الذي قصدت إليه الساعة ؟ قلت : قول الله عز وجل ! (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا ) فنسبه إلى صحبته . قال : يا إسحاق ! اما اني لا أحملك على الوعر من طريقك . اني وجدت الله تعالى نسب إلى صحبة من رضيه ورضي عنه كافرا - وهو قوله تعالى : ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا * لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا ) ( 6 ) قلت : إن ذلك صاحب كان كافرا وأبو بكر مؤمن . قال : فإذا جاز ان ينسب إلى صحبة من رضيه كافرا جاز ان ينسب إلى صحبة نبيه مؤمنا وليس بأفضل المؤمنين ، ولا الثاني ولا الثالث ، فقلت : يا أمير المؤمنين ان قدر الآية عظيم ، ان الله يقول : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا ) ( 7 ) . قال يا إسحاق : تأبى الآن إلا أن أخرج إلى الاستقصاء عليك : أخبرني عن حزن أبي بكر أكان رضا أم سخطا ؟ قلت : إن أبا بكر إنما حزن من أجل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خوفا عليه وغما أن يصل إلى رسول الله شئ من المكروه . قال : ليس هذا جوابي إنما كان جوابي أن تقول : رضا أم سخط ؟ قلت : بل كان رضا لله ، قال : فكان الله جل ذكره بعث إلينا رسولا ينهى عن رضا الله عز وجل وعن طاعته ! قلت : أعوذ بالله ! قال : أوليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضا لله ؟ قلت : بلى ، قال : أولم تجد أن القرآن يشهد ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال " لا تحزن " نهيا له عن الحزن ؟ قلت : أعوذ بالله ! ، قال : يا اسحق ! ان مذهبي الرفق بك لعل الله يردك إلى الحق ، ويعدل بك عن الباطل لكثرة ما تستعيذ به ، وحدثني عن قول الله تعالى : ( فأنزل الله سكينته عليه ) ( 8 ) من عنى بذلك ؟ رسول الله أم أبا بكر ؟ قلت : بل رسول الله ، قال : صدقت .
قال حدثني عن قول الله عز وجل : ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) ( 9 ) إلى قوله تعالى ( ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) ( 10 ) أتعلم من المؤمنون الذين أراد الله في هذا الموضوع ؟ قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين ! قال : الناس جميعا انهزموا يوم حنين فلم يبق مع رسول الله إلا سبعة نفر من بني هاشم : علي يضرب بسيفه بين يدي رسول الله ، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله ، والخمسة محدقون به خوفا من أن يناله من جراح القوم شئ ، حتى أعطى الله لرسوله الظفر . فالمؤمنون في هذا الموضع ، علي خاصة ثم من حضره من بني هاشم ، قال : فمن أفضل من كان مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في ذلك الوقت ، أم من انهزم عنه ولم يره الله موضعا لينزلها عليه ؟ قلت : بل من أنزلت عليه السكينة .
قال : يا إسحاق ! من أفضل ؟ من كان معه في الغار أم من نام على فراشه ووقاه بنفسه ، حتى تم لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما أراد من الهجرة ؟ ان الله تبارك وتعالى أمر رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يأمر عليا بالنوم على فراشه ، وأن يقي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنفسه ، فأمره رسول الله بذلك ، فبكى علي فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما يبكيك يا علي ؟ ! أجزعا من الموت ؟ ! قال : لا ، والذي بعثك بالحق يا رسول الله ، ولكن خوفا عليك ، أفتسلم يا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : سمعا وطاعة وطيبة نفسي بالفداء لك يا رسول الله . ثم أتى مضجعه واضطجع وتسجى بثوبه ، وجاء المشركون من قريش فحفوا به لا يشكون انه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد اجمعوا ان يضربه من كل بطن من بطون قريش رجل ضربة بالسيف ، لئلا يطلب الهاشميون من البطون بطنا بدمه ، وعلي يسمع ما القوم فيه من إتلاف نفسه ولم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع صاحبه في الغار ، ولم يزل علي صابرا محتسبا ، فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش حتى أصبح ، فلما أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا : أين محمد ؟ قال وما علمي بمحمد أين هو ؟ قالوا : فلا نراك إلا مغررا بنفسك منذ ليلتنا ، فلم يزل على أفضل ما بدأ به ، يزيد ولا ينقص حتى قبضه الله إليه .
يا إسحاق ! هل تروي حديث الولاية ، قلت : نعم ، يا أمير المؤمنين قال : اروه . ففعلت . قال : يا إسحاق ! أرأيت هذا الحديث هل أوجب على أبي بكر وعمر ما لم يوجب لهما عليه ؟ قلت : إن الناس ذكروا ان الحديث انما كان بسبب زيد بن حارثة لشئ جرى بينه وبين علي وأنكر ولاء علي ، فقال رسول الله : " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " قال : في أي موضع قال هذا ؟ أليس بعد منصرفه في حجة الوداع ؟ قلت : أجل قال : فإن قتل زيد بن حارثة كان قبل الغدير ، كيف رضيت لنفسك بهذا ؟ أخبرني لو رأيت ابنا لك قد اتت عليه خمس عشرة سنة يقول : مولاي مولى ابن عمي : أيها الناس فاعلموا ذلك ، أكنت منكرا ذلك عليه تعريفه الناس ما لا ينكرون ولا يجهلون ؟ فقلت : اللهم نعم . قال : يا إسحاق أفتنزه ابنك عما لا تنزه عنه رسول الله ؟ ويحكم ! لا تجعلوا فقهاءكم أربابكم ( 11 ) . ان الله جل ذكره قال في كتابه ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ( 12 ) ولم يصلوا لهم ولا صاموا ولا زعموا انهم أرباب ولكن أمروهم فأطاعوا امرهم .
يا إسحاق ! أتروي حديث " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " ؟ قلت : نعم ، يا أمير المؤمنين ، قد سمعته وسمعت من صححه وجحده قال : فمن أوثق عندك ، من سمعت منه فصححه ، أو من جحده ؟ قلت : من صححه . قال : فهل يمكن ان يكون الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مزح بهذا القول ؟ قلت : أعوذ بالله ! ، قال : فقال قولا لا معنى له فلا يوقف عليه ؟ قلت : أعوذ بالله ! قال : أفما تعلم أن هارون كان أخا موسى لأبيه وأمه ؟ قلت : بلى ، قال : فعلي أخو رسول الله لأبيه وأمه ؟ قلت : لا ، قال : أوليس هارون كان نبيا وعلي غير نبي ؟ قلت : بلى . قال فهذان الحالان معدومان في علي وقد كانا في هارون ، فما معنى قوله : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " ؟ قلت له : انما أراد أن يطيب بذلك نفس علي لما قال المنافقون : إنه خلفه استثقالا له .
قال : فأراد أن يطيب نفسه بقول لا معنى له ؟ فأطرقت . قال : يا إسحاق ! له معنى في كتاب الله بين . قلت : وما هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : قوله عز وجل حكاية عن موسى أنه قال لأخيه هارون ( أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ) ( 13 ) قلت : يا أمير المؤمنين : ان موسى خلف هارون في قومه وهو حي ومضى إلى ربه ، وان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خلف عليا كذلك حين خرج إلى غزاته . قال : كلا ، ليس كما قلت ، أخبرني عن موسى حين خلف هارون هل كان معه حين ذهب إلى ربه أحد من أصحابه أو أحد من بني إسرائيل ؟ قلت : لا قال : أوليس استخلفه على جماعتهم ؟ قلت : نعم . قال : فأخبرني عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين خرج إلى غزاته هل خلف إلا الضعفاء والنساء والصبيان فأنى يكون مثل ذلك ؟ وله عندي تأويل آخر من كتاب الله يدل على استخلافه إياه لا يقدر أحد ان يحتج به ، ولا أعلم أحدا احتج به ، وأرجو أن يكون توقيعا من الله . قلت : وما هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : قوله عز وجل حين حكى عن موسى قوله : ( واجعل لي وزيرا من
أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا ) ( 14 ) .
" فأنت مني يا علي بمنزلة هارون من موسى : وزيري من أهلي وأخي شد الله به أزري وأشركه في أمري كي نسبح الله كثيرا ونذكره كثيرا " فهل يقدر أحد أن يدخل في هذا شيئا غير هذا ولم يكن ليبطل قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأن يكون لا معنى له ؟ قال : فطال المجلس وارتفع النهار فقال يحيى بن أكثم القاضي : يا أمير المؤمنين ! قد أوضحت الحق لمن أراد الله به الخير - وأثبت ما لا يقدر أحد ان يدفعه. قال إسحاق: فاقبل علينا وقال: ما تقولون؟ فقلنا: كلنا نقول بقول أمير المؤمنين أعزه الله، فقال: والله لولا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: اقبلوا القول من الناس، ما كنت لأقبل منكم القول - اللهم قد نصحت لهم القول ، اللهم إني قد أخرجت القول من عنقي ، اللهم إني أدينك بالتقرب إليك بحب علي وولايته ) . (15) هذا ما كان من المناظرة التي قام بها الخليفة العباسي ذلك الخليفة الذي ازدهرت في عصره العلوم وشجعها ، وقرب العلماء ، وعرف بحبه للعم وفكرته الوقادة ، وقامت في عهده المناظرات والمباحثات والمجالس العلمية والأدبية . ثم نعود نكرر في الجهاد وما أبلاه كل من الخلفاء ونقارن بينها باعتبار الجهاد أعظم ركن من ابراز الايمان والمؤمن وتضحيته في إشادة صرح الاسلام وإقامته في الأسس المتينة القويمة بالجود ببذل النفس والنفيس في ذلك وقد رأينا عليا كمظهر أعلى للجهاد وبذل النفس ، كيف يقوم بأكبر مخاطرة للمبيت في محل رسول الله وهو يعلم ويرى ويسمع كيف ان رجال قريش الأشداء يحيطون به وان سوفهم خلفا العفة جميعا
من أول الليل في أية لحظة يمكن ان تهوي عليه وتقتله باعتباره الرجل الأول والرسول الأعظم للوحدانية والإسلام . ورغم كل ذلك فهو يتلقى تلك المحنة بصبر وجلد عظيمين صابرا محتسبا غير خائف ولا حزين في وجه الله وانصياعا لامر نبيه وحبيبه وأخيه ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذلك الذي انتخبه وزيرا ووصيا له في يوم الدار وأوجب اطاعته على جميع من كان حاضرا . فأنظر لهذا الايمان والتقوى والاخلاص الراسخين في قلبه ثم انظر إلى أي فرد في الاسلام منذ بدأ فهل تجد له نظيرا . كلا والله ، ثم تصفح حروبه الواحدة تلو الأخرى التي جاهد فيها ولتجدن شجاعته وايمانه واخلاصه في الذب عن الاسلام وعن رسول الله لا يوجد له نظير :
1 - ففي أول مقابلة بين المشركين والمسلمين تلك الواقعة العظيمة التي بدأت بأول بناء لهذا الصرح كيف أبلى فيها علي البلاء الحسن بين جميع المجاهدين كما ذكر أعلاه فكان له القدح الأعلى فله من جميع القتلى الذين هم نيف وستون ، لوحده نيف وعشرون مقتول من أشجع من قدم للقتال في اللحظة التي كان فيها أبو بكر وعمر في العريش .
2 - ثم تعال معي في حرب أحد وانظر كيف وحده ذب عن رسول الله عندما اندحر المسلمون ، ولولاه لقتل رسول الله حتى ولى المشركون وانتهت الحرب فكانت في علي نحو تسعين جراحة . فأين كان أبو بكر وعمر وغيرهما ؟ نعم كانوا قد تركوا رسول الله وهربوا فارين .
3 - أما حرب الخندق التي آلى فيها المشركون القضاء المبرم على الإسلام ونبيه وفيهم عشرة آلاف مقاتل بينهم من أشجع أبطالهم مثل عمرو بن عبد ود العامري الذي كان وحده يعد بألف فارس وكان لوحده بامكانه القضاء على المسلمين لولا علي بن أبي طالب ، وتراه كيف يحمل لوحده على الخندق ويعبره ويقف امام المسلمين ويهتف لمن يبارزه فلا تجد سوى علي بن أبي طالب وهو يقوم ويقعده النبي ثلاثا حتى إذا وجد المسلمين جميعهم واجمين ولم يحضر أحد للقيام والدفاع حتى من خلقوا له المعجزات بعد وفاة رسول الله . نعم في المرة الثالثة يقوم علي وهو راجل ويقف امام ذلك الفارس الصنديد بعد أن قال رسول الله : لقد برز الايمان كله إلى الشرك كله ، وبعد تبادل بعض الكلمات بين عمرو وعلي وإذا بعلي يهوي عليه بضربة تلقيه صريعا مضرجا بدمائه ، ومع ذلك فقد جلس على صدره وطلب منه الاسلام كي لا يقتله ، فوجده مصرا على شركه فقتله .
فقال رسول الله : لقد كانت ضربة علي لعمرو يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين . لقد صدق رسول الله في الأول والآخر حينما قال أولها : برز الايمان كله إلى الشرك كله . كانت كلمة جمعت فيها كل الحقائق إذ بقتل عمرو بن عبد ود العامري ، وبقتله وحده ، تضعضعت كل قوى الشرك . وضعفت ولم تمض سوى مدة وجيزة حتى ويطوون راجعين من حيث أتوا ، وقد تركوا العار والخزي وقتل أعظم شجعانهم بيد المسلمين . فمن كان يقتل عمرا لو لم يقتله علي ؟ ! وما كان مصير المسلمين فيها بعد ذلك وهم واجمون امام أحد فرسان المشركين ؟ ! وإذا فتك رجل واحد
بالمسلمين ماذا كانت عاقبة الاسلام وماذا كان للمشركين من النصر ؟ لقد كان النصر للمسلمين بضربة أخي رسول الله ووصيه ومولى المؤمنين ذلك هو علي بن أبي طالب ، وحقا كانت ضربته تعدل عبادة الثقلين وهل هناك مقتول يساوي عمرا وقاتل يساوي عليا ألم يستحق ان يكون جزاؤه عبادة الثقلين ومن ينكر عليه ذلك الجزاء العظيم . وتعال معي لنراه في الوقائع الأخرى . فأخبرني أين كان ذلك اليوم أبو بكر وصاحبه عمر ؟ بالله عليك أيها السامع الكريم أنصف .
4 - فتح خيبر تلك الواقعة المشهورة التي لا يمكن ابدا نسيانها ونسيان اعلامها ومعالمها وآثارها التي فتح الله بها للإسلام الفتح العظيم على اليهود في قتل أعظم شجعانها مثل مرحب واخوته ، وفتح أكبر حصونهم بعد قلع باب الحصن الكبير . وقد أعطى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الراية في اليوم الأول إلى أبي بكر . نعم إلى أبي بكر وطلب منه فتح خيبر فعاد آخرها مندحرا مغلوبا فارا ظاهر العجز . وفي اليوم الثاني أعطى الراية إلى عمر فلم تكن نتيجته بأحسن من صاحبه ففر وعاد مندحرا مكسورا وكاد المسلمون أن يستولي عليهم اليأس إذ كان علي آنذاك أرمد فقال رسول الله بعد إرسال أبي بكر وعمر : لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرارا غير فرار فاطلع المسلمون وترقبوا بفارغ الصبر من يكون هذا البطل العظيم الذي وصفه رسول الله بهذا الوصف الباهر العظيم ، وكل منهم يتمنى لو يكون هو حتى أبو بكر وعمر كما صرحا بعد ذلك أنهما كانا يتمنيان لو كانا هما الفاتحين ، وانقضى ذلك اليوم وصار الصباح وقد نفد صبر المنتظرين وكل شئ ربما يخالجهم سوى ان يكون في هذه المرة أيضا بطلها المرموق هو نفسه علي ، فصاح رسول الله : أين أخي ووزيري علي بن أبي طالب ، فقالوا : انه أرمد ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علي به ، وهم يتطلعون وإذا برسول الله يشفي عينيه بريقه ، ويعطيه الراية ويأمره بفتح خيبر ، وإذا به كعادته في كل مرة يهجم على القوم ويقتل شجعانهم وفي مقدمتهم مرحب واخوته فيفرون إلى القلعة المحصنة العظيمة ببابها الهائلة الكبيرة التي ينوء بفتحها الرجال ، وإذا به يقتلعها ويهجم بجيشه داخل الحصن ويفتح الله على يديه ذلك الحصن وأهم قلاع اليهود . وبهذا يقضون عليهم القضاء المبرم . وبعدها تعال معي مرة لترى مقدرة أبي بكر في الجهاد وبلاءه ، ومثله صاحبه لنقيس سوابقه التي ذكرناها وبعدها ترى جهاده وتقارنه هو وصاحبه بجهاد علي وبلائه في الحروب .
5 - والذي يتتبع حربه الأخرى في الحجاز واليمن وحده أو مع رسول الله يجد عظمته وتفاديه العديم النظير .
6 - يوم حنين وقد مر ذكره في محاجة المأمون بصورة مقتضبة وفيها أيضا نجد عظمة علي وكيف كان له القدح المعلى في الذب عن رسول الله دون جميع الصحابة خصوصا أبا بكر وعمر اللذين كانا من جملة الهاربين ، وعلي وحده الذي كان يذب عن رسول الله ويحميه ، أيها القارئ أنصف وقارن وانظر واحتسب فالله عليك رقيب ، وقل الحق فيمن غصبه حقه وظلم الأمة الاسلامية إذ حرمها من عدله وإخلاصه وعلمه ، ولم يكتف بالغصب حتى ولاها بعده ألد أعداء الاسلام من الطلقاء متعمدا بعد أن نحى أنصار آل محمد وقوى أعداءهم ولقد صرح رسول الله بفرار أبي بكر يوم خيبر حينما أعرب في المرة الثالثة بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ليس بفرار وبلفظ آخر كرارا غير فرار . وقد قال ذلك رسول الله بعد فرار أبي بكر وعمر وبعد
ان كانا قد عاهدا الله أن لا يوليا الادبار . فهل يعلم ما أراد الله بكلمته سوى ان عليا غير أولئك بالصفات المارة الذكر . فهذا يحب الله ورسوله فيضحي بنفسه ولا يهرب كما عاهد الله ورسوله عليه ونتيجة ذلك حب الله ورسوله له ، واما اللذين فرا فقد خالفا أوامر الله وأخلفا عهد الله وميثاقه أن لا يوليا الادبار كما جاء في الآية ( 16 ) .
____________________
( 1 ) سورة النساء ، الآية 95 .
( 2 ) سورة الانسان ، الآية 1 .
( 3 ) سورة الانسان ، الآية 5 .
( 4 ) سورة الانسان ، الآية 8 .
( 5 ) استنبتك : أقمتك مقامي .
( 6 ) سورة الكهف ، الآيتان 37 و 38 .
( 7 ) سورة التوبة ، الآية 40 .
( 8 ) سورة التوبة ، الآية 40 .
( 9 ) سورة التوبة ، الآية 25 .
( 10 ) سورة التوبة ، الآية 26 .
( 11 ) الأرباب : جمع رب ، وهو الإله أو الصاحب .
( 12 ) سورة التوبة ، الآية 31 .
( 13 ) سورة الأعراف ، الآية 142 .
( 14 ) سورة طه ، الآية 35 .
( 15 ) العقد الفريد ، لابن عبد ربه الأندلسي : 5 / 349 - 359 ط . دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان . الطبعة الأولى عام 1404 ه - 1983 م .
( 16 ) راجع صحيح البخاري ج 6 ص 191 ، ومسلم ج 2 ص 324 ، وطبقات ابن سعد ص 618 و 630 ط مصر ، ومسند أحمد ج 1 ص 284 ، 285 و 353 ، 358 . وخصائص النسائي ص 4 - 8 ، وسيرة ابن هشام ج 3 ص 386 ، ومستدرك الحاكم ج 3 ص 109 ، وحلية الأولياء ج 2 ص 62 ، وأسد الغابة 4 ص 21 ، والاقناع للحويزي ص 314 ، وتاريخ ابن كثير ج 4 ص 185 و 187 ، وتيسير الوصول ج 3 ص 227 والرياض النضرة ج 2 ص 184 - 188 ومجمع الزوائد ج 9 ص 124 ، وكما أقر ذلك القاضي عضد الإيجي في المواقف ، وأقره شراحه كما في شرح ج 3 ص 276 ، والبيضاوي في طوالع الأنوار كما في الطالع ص 483 ، والقصيدة الآتية لابن أبي الحديد :
وما انس لا أنسى اللذين تقدما * وفرهما والفرقد علما حوب
وللراية العظمى وقد ذهبا بها * ملابس ذل فوقها وجلابيب
يشلهما من آل موسى شمردل * طويل نجاد السيف أجيد يعبوب
يمنح منونا سيفه وسنانه * ويلهب نارا غمده والأنابيب
احضرهما أم حضر اخرج خاضب * ودان هما أم ناعم الخد مخضوب
عذرتكما ان الحمام لمبغض * وان بقاء النفس للنفس محبوب
ليكره طعم الموت والموت طالب * فكيف يلذ الموت والموت مطلوب
فهل ترى ابن حزم وابن تيمية عرفا ذلك وقالا ما قالا ؟ وقد قيل : حدث المرء بما لا يليق فان صدق فلا عقل له . فحسبكما عقلا وحقدا ! والآية أعلاه في سورة الأنفال ، الآية 16 قوله تعال : ( ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال و متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|