المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
فيتامين D
2024-12-19
تقسيم أصناف الأرز
2024-12-19
أنواع البعوض الناقلة للحمى الصفراء
2024-12-19
تخزين محصول الارز
2024-12-19
مرض تجعد الخوخ Peach Leaf Curl Disease
2024-12-19
تجهيز وكمية محصول الارز
2024-12-19



التهديد والوعيد  
  
15142   04:13 مساءاً   التاريخ: 22-03-2015
المؤلف : د. صاحب خليل إبراهيم
الكتاب أو المصدر : الصّورة السّمعيّة في الشعر العربي قبل الإسلام
الجزء والصفحة : ص110-114
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الجاهلي /

التهديد أو الوعيد لفظتان مختلفتان لفظاً لمعنى واحد، فالتهدد والتهديد والتهداد من الوعيد والتخوف، والوعيد والتوعد هو التهدد، ويقال أوعده وتَوَعَّدَه(1) وتلك الألفاظ سمعية تدخل في نسيج الشعر تؤدي معناها عبر ما تشكله من أصوات لتوضح لنا الحالة النفسية للشاعر، عبر التعدد الصوتي.

وقد وجدنا أن لفظة الوعيد هي الأكثر شيوعاً في الشعر الجاهلي، ونجد هذه اللفظة في قصائد الهجاء والمديح، ينبثق معناها من الفخر الذاتي والقبلي، للتقليل من شأن التهديد وشأن مطلقها.

وردت لفظة الوعيد عند بشر بن أبي خازم في هجائه لأوس بن حارثة الذي أوعده بقومه وكثرتهم، فيرد عليه بالمثل، ولا يأبه لوعيده، ويبلغه بذلك عن طريق الرسول، حيث الإبانة عن الموقف يحتم النطق والسماع:

ألا أبلغْ بني لأمٍ رسولاً

 

فبئسَ محلُّ راحلةِ الغريبِ

وذلك منْ ملمّاتِ الخطوب ... أَتُوعدني بقومكَ يابنَ سعدى

وحولي مِنْ بني أسَدٍ حلولٌ

 

مُبِنٌّ، بين شبّانٍ وشِيبَ(2)

 

وفي الإطار نفسه يردّ عبيد بن الأبرص على امرئ القيس وعيده يهجوه ساخراً منه لما آل إليه مصير حجر:

أَتُوعدني أسرتي وتركتَ حجرا

 

يُريُغ سوادَ عينيهِ التُّرابُ(3)

1@بين حقلٍ وبينَ هُضْبٍ ذُبابِ ... في حين نجد حاتم الطائي يرد على المُهَدّد تهديده، ووعيده لمنعته وعزّه، فضلاً عن قوة الممدوح (الحارث بن عمرو والد النعمان) حينما أطلق سراح أسرى من قوم حاتم، وشبّه حاتم الطائي قوم الحارث بالليوث الغضاب وبذلك فقد سَدّ منافذ الوعيد على مُطلقيه:

أيها المُوعدي فإنَّ لبوني

حيثُ لا أرهبُ الخزاةَ وحولي

 

ثعليون كالليوثِ الغضابِ(4)

 

في حين نجد الأسود بن يعفر يعبّر عن الوعيد الذي أتاه عن ابني أنس، فمن هوله تطرح الآرام أولادها نقصاً، ومن جرائه تكره الذئاب ريح مرابض الغنم والظباء والبقر:

أتاني عن أبي أنسٍ وعيدٌ

 

ومعصوبٌ تخبُّ بهِ الركابُ

وعيدٌ تُخْدجُ الآرامُ منهُ

 

وتكرهُ بَنَّةَ الغَنَمِ الذّئابُ(5)

 

أراد الشاعر أن يعبّر من خلال البيتين عن الوعيد الذي لا ينفذ، من خلال صورة رسمتها الألفاظ السمعية مثل (الوعيد، وخبب الركاب)، ممّا أدى الوعيد إلى أن تخدج الآرام وهي بطبيعتها لا تخدج وتكره الذئاب ريح مرابض الغنم وهي لا تكرهه، بل هي مدعاة لجذبها إليه.

فلولا الألفاظ السمعية التي رسمت لنا صورة أولى، ما رسمت الصورة الثانية، لو لم ينطق أبو أنس الوعيد وسمعه الشاعر لما تشكّلت الصورة التي تخيلها الشاعر، على أن البحر الوافر استوعب تلك الصورة، بالرغم من الثقل في الموسيقى الداخلية في تقارب حرف الباء من (معصوب تخب).

ولولا تساوي عدد السواكن في التفعيلات مثل (أتاني عن، ومعصوب، وعيد تخدج الآرام) مع عدد المتحركات (أبي أنس، تخب به، وتكره بنّة الغنم) لتناسب حلاوة الإيقاع وَحَلَتْ في السماع، وبخاصة إذا قلّتْ السواكن.

وإذا ما تأملنا الوعيد لدى النابغة سنجده من نوع آخر، وأن انبثق هذا الغرض من المديح، ولكنه تهديد صادر من الملك، مما أخاف النابغة وأقلقه، وأقض مضجعه إذ إن هذا التهديد صوت مرتفع لا يعلوه صوت، ما جعل النابغة في نظر الناس كأنه أجرب قد طلي بالقار لابتعاد الناس عنه، فالوعيد هزّ كيانه كله:

فلا تتركنّي بالوعيد كأنني

 

إلى الناس مطليٌّ بهِ القار أجربُ(6)

حيث يظهر صوت النابغة متوسلاً بعدم تركه بالوعيد (الصوت القوي) الصادر من الأعلى إلى الأدنى، حيث نصغي للتشكيلات الصوتية في استخدام النون ذات الرنين والغُنّة، مما تحدث نغماً يثير النابغة ليغدو قلقاً، وقد ورد رنين النون المشددة في (تتركنّي، وكأنني، والناس، وتنوين "مطلي")، إذ تتصاعد الأصوات في أعماق الشاعر بعد سماعه(الوعيد) الذي سيفقد بموجبه صلته بالنعمان أولاً، والناس ثانياً، ممّا أثّر ذلك في نفسيته، ولو كان يعلم أن هجاءه يصل إلى النعمان لما هجاه، في حين كانت النصوص التي مرّت بنا لم تأبه بالتهديد والوعيد منهم أوس بن حجر الذي بادر المُهَدّد بالإجابة وأنه سوف يلقى منه مالا يسرّه:

ألَمْ يعلم المُهدي الوعيدَ بأنني

 

سريعٌ إلى مالا يُسَرُّ له قرني(7)

لست على الأعداءِ بالقادرِ ... ونجد الأعشى من موقع القوة ردَّ على الوعيد:

أَجَذَعاً(8)تُوعدني سادراً

انظرْ إلى كفٍّ وأسرارها

 

هل أنت إنْ أوعدتني ضائري(9)

 

فرسم لنا صورة واضحة التحدي بتأثير منافذ الأداء السمعي عبر الاستفهام، ولفظة (توعدني) الذي كررها، ولو لم تكن تلك الأصوات السمعية لما تشكلت الصورة الكلية، بالرغم منْ أن هذا الوعيد ليس بجديد، والمُهدِّد أضعف منْ أن ينال عدوّاً به بأذى.

وتشكلت الصورة الثانية من جراء الصورة الأولى بدعوة الشاعر ذلك المتهدد الحائر أن ينظر إلى كفّه ليقرأ أسرار الغيب، ومن ثم يخبره هل وعيده يضرّ عدوّه؟، حيث امتزجت الصورة السمعية بالبصرية، وما تشكيل هذه الصورة إلاّ بفعل طبيعة الشاعر وقدرته على استيحاء الصوت لرسم الصورة.

على أن البحر السريع قد استجاب لأفكار الشاعر، وما تنطوي عليه من هجاء، فالإيقاع السريع ينسجم والحالة النفسية التي عليها الشاعر وإن كان هذا البحر يجهدهُ في الإنشاد، بيد أنّه يأخذ نفساً وراحة في ألف المدّ اللينة في كل من (سادراً والأعداء، والقادر وأسرارها، وضائرى).

وقد ردّت الخنساء، وعيد دريد بن الصمة وتهديده بالزواج منها بأمر عزم عليه أخوها صخر:

أُيُوعدني حُجَيَّةُ كلَ يومٍ

 

بما آلى معاوية بن عمرو

تَخفّى جمعهم في كلِ جُحْرِ(10) ... قُبَيِّلةٌ إذا سمعوا بذعرٍ

 

فاستخدمت الخنساء قوّتها الشخصية على وعيد دريد، على أن الصورة الكلية شكلّتها لفظة سمعية (أيوعدني) وتكرار هذا الوعيد كل يوم، ولفظة (سمعوا) التي تجعلهم يتخفون /كلما سمعوا/ ذعراً في كل جحر مثل الحيوانات.

والتجأت الخنساء إلى التشديد في (حجيّه) و(قبيّلة)، مع المجانسة بين (ذعر وجحر) لتقوية النغم من جهة، وتقوية الصورة المشوهة لدريد وقبيلته عندما صغّرت لفظة القبيلة، كما تجانس الإيقاع الخارجي في البحر الوافر لتحقيق الغرض الذي توخته الخنساء.

إن حسن استخدام الشاعرة للأداء السمعي ورسم صورة كاريكاتيرية يعود إلى طبيعة الشاعرة وقدرتها.

__________

(1)        ينظر لسان العرب: مادة (هدّ) و (وعد).

 (2) ديوانه: ق4/21، وما بعدها، المُبِنّ: المقيم من الابنان وهو اللزوم والإقامة بالمكان.

(3) ديوانه: ق1/1.

(4) ديوان حاتم الطائي: 8 لبوني من الشاة والإبل ذات اللبن، ذباب: اسم جبل بالمدينة، ثعلبون: من بني ثعل. وينظر ديوان حاتم أيضاً: 17، وينظر ديوان دريد بن الصمة: ق29/76، وق30/78، وق63/110، وينظر عميرة بن جُعل، المفضليات، المفصلية: 64.

 (5) الأسود بن يعفر: ق2/20. معصوب: كتاب، بنة الغنم: ريح مرابض الغنم والظباء والبقر. والآرام لا تخدج.

(6) النابغة الذبياني: 56، وينظر الصفحات: 60-87-169-256.

 (7) أوس بن حجر: ق54/130.

(8) أصاب التفعيلة زحاف مركب هو (الخبل) فانتقلت إلى (فعلتن).

(9) الأعشى: ق18/145.

(10)الخنساء: 120-121. حجية: لقب هجت به الخنساءُ دُريدَ بن الصمة.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.