المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

اهتمام امير المؤمنين بالإنتاج الزراعي
9-4-2016
بروتوكول كيوتو
21-1-2020
المناطق السكنية
27-2-2022
معنى كلمة سطح‌
24-11-2015
القياس
23-3-2018
الأمراض الفيروسية التي تصيب محصول الفلفل
21-3-2016


الرثاء  
  
5160   05:58 مساءاً   التاريخ: 22-03-2015
المؤلف : ابن رشيق القيرواني
الكتاب أو المصدر : العمدة في محاسن الشعر وآدابه
الجزء والصفحة : ص159-163
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاسلامي /

ليس بين الرثاء والمدح فرق؛ إلا أنه يخلط بالرثاء شيء يدل على أن المقصود به ميت مثل " كان " أو " عدمنا به كيت وكيت " وما يشاكل هذا وليعلم أنه ميت.

وسبيل الرثاء أن يكون ظاهر التفجع، بين الحسرة، مخلوطاً بالتلهف والأسف والاستعظام، إن كان الميت ملكاً أو رئيساً كبيراً، كما قال النابغة في حصن بن حذيفة بن بدر:

يقولون حصن ثم تأبى نفوسهم ... وكيف بحصن والجبال جنوح

ولم تلفظ الموتى القبور، ولم تزل ... نجوم السماء، والأديم صحيح

فعما قليل ثم جاء نعيه ... فظل ندي الحي وهو ينوح

فهذا وما شاكله رثاء الملوك والرؤساء الجلة، وإلى هذا المعنى ذهب أبو العتاهية حين قال: مات الخليفة أيها الثقلان فرفع الناس رؤوسهم، وفتحوا عيونهم، وقالوا: نعاه إلى الجن والإنس، ثم أدركه اللين والفترة فقال: فكأنني أفطرت في رمضان يريد: إني بمجاهرتي بهذا القول كأنما جاهرت بالإفطار في رمضان نهاراً وكل أحد ينكر ذلك علي، ويستعظمه من فعلي، وهذا معنى جيد غريب في لفظ رديء غير معرب عما في النفس.

ومن أفضل الرثاء قول حسين بن مطير يرثي معن بن زائدة، ويروي لابن أبي حفصة:

فيا قبر معن، كنت أول حفرة ... من الأرض خطت للسماحة مضجعا

ويا قبر معن، كيف واريت جوده؟ ... وقد كان منه البر والبحر مترعا

بلى وقد وسعت الجود والجود ميت ... ولو كان حياً ضقت حتى تصدعا

فتى عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعاً

وما قصر أبو تمام في رثائه محمد بن حميد بالقصيدة التي يقول فيها:

ألا في سبيل الله من عطلت له ... فجاج سبيل الثغر وانثغر الثغر

فتى كلما فاضت عيون قبيلة ... دماً ضحكت عنه الأحاديث والنشر

وما مات حتى مات مضرب سيفه ... من الضرب واعتلت عليه القنا السمر

فتى مات بين الطعن والضرب ميتة ... تقوم مقام النصر إذ فاته النصر

وقد كان فوت الموت سهلاً فرده ... إليه الحفاظ المر والخلق الوعر

ونفس تخاف العار حتى كأنما ... هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر

فأثبت في مستنقع الموت رجله ... وقال لها من تحت أخمصك الحشر

وقد أجاد أيضاً في القصيدة التي رثى بها إدريس بن بدر السامي يقول فيها:

ولم أنس سعي الجود خلف سريره ... بأكسف بال يستقل ويظلع

وتكبيره خمساً عليه معالناً ... وإن كان تكبير المصلين أربع

وما كنت أدري يعلم الله قبلها ... بأن الندى في أهله يتشيع

وليس في ابتداءات المرائي المولدة مثل قوله:

أصم بك الناعي وإن كان أسمعا ... وأصبح مغنى الجود بعدك بلقعا

يرثي بها محمد بن حميد، وجعل خاتمها:

فإن أترم عن عمر تدانى به المدى ... فخانك حتى لم تجد عنه منزعا

فما كنت إلا السيف لاقى ضريبة ... فقطعها ثم انثنى فتقطعا

وأبو تمام من المعدودين في إجادة الرثاء، ومثله عبد السلام بن رغبان ديك الجن، وهو أشهر في هذا من حبيب، وله فيه طريق انفرد بها، وذلك أنه قتل جاريته واتهم بها أخاه، ثم قال يرثيها:

يا مهجة جثم الحمام عليها ... وجنى لها ثمر الردى بيديها

رويت من دمها التراب، وربما ... روى الهوى شفتي من شفتيها

حكمت سيفي في مجال خناقها ... ومدامعي تجري على خديها

فوحق نعليها لما وطئ الحصى ... شيء أعز علي من نعليها

ما كان قتليها لأني لم أكن ... أخشى إذا سقط الغبار عليها

لكن بخلت على الأنام بحسنها ... وأنفت من نظر العيون إليها

وقال أيضاً فيها على بعض الروايات:

أشفقت أن يرد الزمان بغدره ... أو أبتلى بعد الوصال بهجره

فقتلته، وله علي كرامة ... ملء الحشا، وله الفؤاد بأسره

قمر أنا استخرجته من دجنه ... لبليتي وزففته من خدره

عهدي به ميتاً كأحسن نائم ... والحزن ينحر دمعتي في نحره

الذي أعرف " ينحر مقلتي " وهو أصح استعارة.

لو كان يدري الميت ماذا بعده ... بالحي منه بكى له في قبره

غصص تكاد تفيض منها نفسه ... ويكاد يخرج قلبه من صدره

والرواية الأخرى أن المتهم بالجارية غلام كان يهواه قتله أيضاً، فصنع فيه هذه الأبيات، فصنعت فيه أخت الغلام:

يا ويح ديك الجن، بل تباً له ... ماذا تضمن صدره من غدره

قتل الذي يهوى وعمر بعده ... يا رب لا تمدد له في عمره

ويكون الرثاء مجملاً كالمدح المجمل فيقع حسناً لطيفاً: كقول ابن المعتز في المعتضد:

قضوا ما قضوا من أمره ثم قدموا ... إماماً إمام الخير بين يديه

وصلوا عليه خاشعين كأنهم ... صفوف قيام للسلام عليه

وقال في عبيد الله بن سليمان بن وهب:

قد استوى الناس ومات الكمال ... وصاح صرف الدهر: أين الرجال!

هذا أبو العباس في نعشه ... قوموا انظروا كيف تسير الجبال

يا ناصر الملك بآرائه ... بعدك للملك ليال طوال

وذكر غير واحد أن أرثى بيت قيل:

أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطيب تراب القبر دل على القبر.

ومن عادة القدماء أن يضربوا الأمثال في المرائي بالملوك الأعزة، والأمم السالفة، والوعول الممتنعة في قلل الجبال، والأسود الخادرة في الغياض، وبحمر الوحش المتصرفة بين القفار، والنسور، والعقبان، والحيات؛ لبأسها وطول أعمارها، وذلك في أشعارهم كثير موجود لا يكاد يخلو منه شعر.

قال أبو علي: فأما المحدثون فهم على غير هذه الطريقة أميل، ومذهبهم في الرثاء أمثل، في هذا وقبله، وربما جروا على سنن من قبلهم إقتداء بهم وأخذاً بسنتهم كالذي صنع أبو أيوب في رثائه أبا البيداء الأعرابي وخلف بن حيان الأحمر ومرائيه فيهما وقافية مشهورات: إحداهن قوله:

لا تئل العصم في الهضاب ولا ... شغواء تغذو فرخين في لجف

والثانية قوله: لو كان حي وائلا من التلف والثالثة قوله في أبي البيداء:

هل مخطئ يومه عفر بشاهقة ... ترعى بأخيافها شثاً وطباقا

وكما صنع ابن المعتز يرثي أباه بالقصيدة اللامية المقيدة في الرمل:

رب حتف بين أثناء الأمل ... وحياة المرء ظل منتقل

وهي أيضاً معروفة، ولولا اشتهار هذه القصائد، ووجودها، وخيفة التطويل بها؛ لأثبتها في هذا الموضع.

وليس من عادة الشعراء أن يقدموا قبل الرثاء نسيباً كما يصنعون ذلك في المدح والهجاء، وقال ابن الكلبي وكان علامة: لا أعلم مرثية أولها نسيب إلا قصيدة دريد بن الصمة:

أرث جديد الحبل من أم معبد ... بعافية وأخلفت كل موعد؟

وعن علي بن سليمان، عن أبي العباس الأحول، وأن القصيدة التي لأبي قحافة أعشى باهلة، إنما هي لابنة المنتشر، واسمها الدعجاء.

قال: وقال علي بن سليمان: حدثني أبي أن أولها.

هاج الفؤاد على عرفانه الذكر ... وذكر خودٍ على الأيام ما يذر

قد كنت أذكرها والدار جامعة ... والدهر فيه هلاك الناس والشجر

هكذا أنشده النحاس والذي أعرف " وذكر ميت " وأعرف أيضاً " والدهر فيه هلاك الناس والغير " كذلك أنشدنيه الموصلي في الأغاني، ثم عطف النحاس فقال: هذان البيتان لا يعرفان في أول هذه القصيدة؛ ومما يزيد الاسترابة بهما أن المتعارف عند أهل اللغة أنه ليس للعرب في الجاهلية مرثية أولها تشبيب إلا قصيدة دريد، وأنا أقول: إنه الواجب في الجاهلية والإسلام، وإلى وقتنا هذا، ومن بعده؛ لأن الآخذ في الرثاء يجب أن يكون مشغولاً عن التشبيب بما هو فيه من الحسرة والاهتمام بالمصيبة؛ وإنما تغزل دريد بعد قتل أخيه بسنة، وحين أخذ ثأره، وأدرك طلبته. وربما قال الشاعر في مقدمة الرثاء " تركت كذا " أو " كبرت عن كذا " وهو في ذلك كله يتغزل ويصف أحوال النساء، وكان الكميت ركاباً لهذه الطريقة في أكثر شعره؛ فأما ابن مقبل فمن جفاء أعرابيته أنه رثى عثمان بن عفان بقصيدة حسنة أتى فيها على ما في النفس، ثم عطف وقال:

فدع ذا، ولكن علقت حبل عاشق ... لإحدى شعاب الحين والقتل أريب

ولم تنسني قتلى قريش ظعائناً ... تحملن حتى كادت الشمس تغرب

يطفن بغريد يعلل ذا الصبا ... إذا رام أركب الغواية أركب

من الهيف مبدان ترى نطفاتها ... بمهلكة أخراصهن تذبذب

والنسيب في أول القصيدة على مذهب دريد خير مما ختم به هذا الجلف، على تقدمه في الصناعة، إلا أن تكون الرواية " ظعائن " بالرفع.

ومما عيب على الكميت في الرثاء قوله في ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وبورك قبر أنت فيه، وبوركت ... به وله أهل بذلك يثرب

لقد غيبوا براً وحزماً ونائلاً ... عشية واراه الضريح المنصب

حكاه الجاحظ وغيره، وأظن أن المراد بما عيب الثاني من هذين البيتين، فأما الأول فجيد.

ومن العجب أن يقول عبدة بن الطيب في تأبين قيس بن عاصم:

عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما

تحية من ألبسته منك نعمة ... إذا زار عن شحط بلادك سلما

فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما

ويقول الكميت في تأبين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول، فهلا قال مثل قول فاطمة رضي الله عنها:

اغبر آفاق السماء وكورت ... شمس النهار وأظلم العصران

فالأرض من بعد النبي كئيبة ... أسفاً عليه كثيرة الرجفان

فليبكه شرق البلاد وغربها ... وليبكه مضر وكل يماني

وليبكه الطود المعظم جوه ... والبيت ذو الأستار والأركان

يا خاتم الرسل المبارك صنوه ... صلى عليك منزل القرآن

صلى الله عليه وسلم، ورحم وكرم وعظم.

والنساء أشجى الناس قلوباً عند المصيبة، وأشدهم جزعاً على هالك؛ لما ركب الله عز وجل في طبعهن من الخور وضعف العزيمة.

وعلى شدة الجزع يبنى الرثاء، كما قال أبو تمام:

لولا التفجع لادعى هضب الحمى ... وصفا المشقر أنه محزون

فانظر إلى قول جليلة بنت مرة ترثي زوجها كليباً، حين قتله أخوها جساس، ما أشجى لفظها، وأظهر الفجيعة فيه!! وكيف يثير كوامن الأشجان، ويقدح شرر النيران، وذلك:

يا ابنة الأقوام إن لمت فلا ... تعجلي باللوم حتى تسألي

فإذا أنت تبينت التي ... عندها اللوم فلومي واعذلي

إن تكن أخت امرئ ليمت على ... جزع منها عليه فافعلي

فعل جساس على ضني به ... قاطع ظهري ومدن أجلي

لو بعين فديت عيني سوى ... أختها وانفقأت لم أحفل

تحمل العين قذى العين كما ... تحمل الأم قذى ما تفتلي

إنني قاتلة مقتولة ... فلعل الله أن يرتاح لي

يا قتيلاً قوض الدهر به ... سقف بيتي جميعاً من عل

ورماني فقده من كثب ... رمية المصمى به المستأصل

هدم البيت الذي استحدثته ... وسعى في هدم بيتي الأول

مسني فقد كليب بلظى ... من ورائي ولظى مستقبلي

ليس من يبكي ليومين كمن ... إنما يبكي ليوم ينجلي

درك الثائر شافيه وفي ... دركي ثأري ثكل المثكل

ليته كان دمى فاحتلبوا ... درراً منه دمى من أكحلي

ومن أشد الرثاء صعوبة على الشاعر أن يرثي طفلاً أو امرأة؛ لضيق الكلام عليه فيهما، وقلة الصفات، ألا ترى ما صنعوا بأبي الطيب وهو فحل مجود إذا ذكر المحدثون في قوله يذكر أم سيف الدولة:

صلاة الله خالقنا حنوط ... على الوجه المكفن بالجمال

فقالوا: ماله ولهذه العجوز يصف جمالها؟ وقال الصاحب بن عباد: استعارة حداد في عرس، فان كان أراد بالاستعارة الحنوط فقد والله ظلم وتعسف، وإن كان أراد استعارة الكفن بجمال العجوز فقد اعترض في موضع اعتراض إلى مواضع كثيرة في هذه القصيدة، على أن فيهما ما يمحو كل زلة، ويعفى على كل إساءة قال الصاحب بن عباد: ولقد مررت على مرثية له في أم سيف الدولة تدل مع فساد الحس على سوء أدب النفس، وما ظنك بمن يخاطب ملكاً في أمه بقوله:

رواق العز فوقك مسبطر ... وملك على ابنك في كمال

ولعل لفظة الاسبطرار في مراثي النساء من الخذلان الصفيق الرقيق، وأنا أقول: إن أشد ما هجن هذه اللفظة وجعلها مقام قصيدة هجاء أنه قرنها بفوقك؛ فجاء عملاً تاماً لم يبق فيه الإفضاء.

ومن صعب الرثاء أيضاً جمع تعزية وتهنئة في موضع، قالوا: لما مات معاوية اجتمع الناس بباب يزيد، فلم يقدر أحد على الجمع بين التهنئة والتعزية، حتى أتى عبيد الله بن همام السلولي فدخل فقال: يا أمير المؤمنين، آجرك الله على الرزية، وبارك لك في العطية، وأعانك على الرعية، فقد رزئت عظيماً، وأعطيت جسيماً، فاشكر الله على ما أعطيت، واصبر على ما رزئت، فقد فقدت خليفة الله، وأعطيت خلافة الله، ففارقت جليلا، ووهبت جزيلا؛ إذ قضى معاوية نحبه، ووليت الرياسة، وأعطيت السياسة، فأورده الله موارد السرور، ووفقك لصالح الأمور.

فاصبر يزيد فقد فارقت ذا ثقة ... واشكر حباء الذي بالملك أصفاك

لا رزء أصبح في الأقوام نعلمه ... كما رزئت ولا عقبى كعقباكا

أصبحت والي أمر الناس كلهم ... فأنت ترعاهم والله يرعاكا

وفي معاوية الباقي لنا خلف ... إذا نعيت ولا نسمع بمنعاكا

ففتح للناس باب القول.

وعلى هذا السنن جرى الشعراء بعده؛ فقال أبو نواس يعزي الفضل بن الربيع عن الرشيد، ويهنئه بالأمين:

تعز أبا العباس عن خير هالك ... بأكرم حي كان أو هو كائن

حوادث أيام تدور صروفها ... لهن مساو مرة ومحاسن

وفي الحي بالميت الذي غيب الثرى ... فلا الملك مغبون ولا الموت غابن

ويروى: فلا أنت مغبون واتبعه أبو تمام بالقصيدة التي أولها: ما للدموع تروم كل مرام يقولها للواثق بعد موت المعتصم، صرف الكلام فيها كيف شاء، وأطنب كما أراد، واحتج فيها فأسهب، وتقدم فيها على كل من سلك هذه الناحية من الشعراء، وأراد ابن الزيات مجاراته فعلم من نفسه التقصير فاقتصر على قوله:

قد قلت إذ غيبوك واصطفقت ... عليك أيد بالترب والطين

اذهب فنعم المعين كنت على الد ... نيا ونعم الظهير للدين

لن يجبر الله أمة فقدت ... مثلك إلا بمثل هارون

ومن جيد ما رثي به النساء وأشجاه وأشده تأثيراً في القلب وإثارة للحزن قول محمد بن عبد الملك هذا في أم ولده:

ألا من رأى الطفل المفارق أمه ... بعيد الكرى عيناه تبتدران

رأى كل أم وابنها غير أمه ... يبيتان تحت الليل ينتجيان

وبات وحيداً في الفراش تحثه ... بلابل قلب دائم الخفقان

يقول فيها بعد أبيات:

ألا إن سجلاً واحدا قد أرقته ... من الدمع أو سجلين قد شفياني

فلا تلحياني إن بكيت؛ فإنما ... أداوي بهذا الدمع ما تريان

وإن مكاناً في الثرى خط لحده ... لمن كان في قلبي بكل مكان

أحق مكان بالزيارة والهوى ... فهل أنتما إن عجت منتظران

ومن أشجى الشعر رثاء قوله في هذه القصيدة:

فهبني عزمت الصبر عنها لأنني ... جليد، فمن بالصبر لابن ثمان؟؟

ضعيف القوى لا يعرف الأجر حسبة ... ولا يأتسى بالناس في الحدثان

ألا من أمنيه المنى فأعده ... لعثرة أيامي وصرف زماني

ألا من إذا ما جئت أكرم مجلسي ... وإن غبت عنه حاطني ورعاني

فلم أر كالأقدار كيف تصيبني ... ولا مثل هذا الدهر كيف رماني

فهذه الطريق هي الغاية التي يجري حذاق الشعر إليها، ويعتمدون في الرثاء عليها، ما لم تكن المرئية من نساء الملوك، وبنات الأشراف، وغير ذوات محارم الأشعار؛ فإنه يتجافى عن هذه الطريقة إلى أرفع منها، نحو قول أبي الطيب:

ولو أن النساء كمن فقدنا ... لفضلت النساء على الرجال

وقوله في هذه القصيدة:

مشى الأمراء حوليها حفاة ... كأن المرو من زف الرئال

ونحو قوله لأخت سيف الدولة:

يا أخت خير أخ، يا بنت خير أب ... كناية بهما عن أشرف النسب

أجل قدرك أن تدعي مؤنثة ... ومن يصفك فقد سماك للعرب

ورثاء الأطفال أن يذكر مخايلهم، وما كانت الفراسة تعطيه فيهم، مع تحزن لمصابهم، وتفجع بهم، كالذي صنع أبو تمام في ابني عبد الله بن طاهر.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.