أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-06-2015
1984
التاريخ: 26-1-2016
2039
التاريخ: 28-06-2015
2106
التاريخ: 9-7-2019
2589
|
جحظة (1)
اسمه أحمد بن جعفر من نسل البرامكة، كان شاعرا حسن الشعر، وكان يحسن الغناء على الطّنبور كما كان يحسن فنونا مختلفة مثل الطبيخ والنجوم، وله في الطّنبوريين كتاب غير كتب أخرى في عدة فنون، وكان من ظرفاء عصره وصاحب أخبار ومنادمة حاضر النادرة. وابن المعتز هو الذى لقبه بجحظة لقبه الذي اشتهر به إذ كان في عينيه نتوء شديد، وكان قبيح الوجه تقتحمه العيون، وفي ذلك يقول ابن الرومي:
وارحمتا لمنادميه تحمّلوا … ألم العيون للذّة الآذان
وكان الخليفة المعتمد يقرّبه منه، ولكن بيوت الخلفاء لم تفتح له بعده، وفتحت بعض بيوت الوزراء مثل العباس بن الحسن وزير المكتفي وابن مقلة وزير المقتدر.
وكان لا يبقى على شيء يصله من خليفة أو أمير أو وزير، فأكثر أيامه كانت بائسة، ولولا صنعته الطنبورية لعاش معدما. وهو من خير من يمثلون حياة الشعب التعسة، فقد كان كثير من الحكام والوجهاء يزورّون عنه لا لدمامته فقط، بل أيضا لما قيل من أنه كان دائما وسخ الثياب، وكان شيعيّا، فانصرف عنه كثيرون وأغلقوا أبوابهم في وجهه. وكل ذلك كان يدفعه دفعا للاختلاط بأبناء الشعب وكانوا يتعلقون بشعره، فما إن ينظم شعرا حتى يدور في بغداد وحتى تتناقله المجالس ويرويه الشباب وغير الشباب، حدّث هو نفسه، قال: كنت يوما عند عبد الله ابن المعتز فطلبت نعلى فلم أجده، فجعلت أقول:
يا قوم من لي بنعلي … أو في مصحّف نعل
يقصد بغلا يركبه. يقول: فسار هذا البيت حتى رواه الصبيان. وكان كثير من أشعاره الأخرى يرويها الصبيان أيضا، وكثير منها يحكى قصة بؤسه من مثل قوله:
ص505
أنا الذي دينه إسعاف سائله … والضّرّ يعرفه والبؤس والعدم
أنا الذي حبّ أهل البيت أفقره … فالعدل مستعبر والجور مبتسم
وهو يعلّل لبؤسه من بعض وجوهه بتشيعه لأهل البيت كما أسلفنا، وكأنما عملت عوامل كثيرة على أن يعيش معيشة بائسة أكثر جوانبها ضيق وإقلال في الرزق، وليس المهم أن يعيش تلك المعيشة، ولكن المهم أن تتعمق أحاسيسه وأن يصدر عنها بمثل قوله:
أحمد الله لم أقل قطّ يا بد … ر ويا منصفا ويا كافور
لا، ولا قلت أين أين الشواهين … ووزّاننا وأين البذور (2)
لا، ولا قيل: قد أتاك من الضّي … عة برّ موفّر وشعير
أنا خلو من المماليك والأه … لاك جلد على البلا وصبور
ليس إلا كسيرة وقديح … وخليق أتت عليه الدهور
فهو ليس ممن يخدمهم الغلمان وتكتظّ بهم داره من مثل بدر ومنصف وكافور، وهو ليس ممن يحتاج إلى ميزان ووزّان يزن الحصاد، لأنه ليس من أصحاب الضياع الذين يجنون من ضياعهم البرّ والشعير، ليس عنده أملاك ولا مماليك إنما عنده الجلد والصبر على احتمال حياة الشظف والحرمان، عنده ما يقوته من كسرة وقدح ماء وثوب خلق أكل الدهر عليه وشرب، وقلبه يمتلئ حسرة ولوعة، فغيره يتقلب في أعطاف النعيم وهو يتقلب في أشواك الحسرات والشقاء والعناء، يقول:
الحمد لله ليس لي كاتب … ولا على باب منزلي حاجب
ولا حمار إذا عزمت على … ركوبه قيل جحظة راكب
ولا قميص يكون لي بدلا … مخافة من قميصي الذاهب
وأجرة البيت فهي مقرحة … أجفان عيني بالوابل الساكب
إن زارني صاحب عزمت على … بيع كتاب لشبعة الصاحب
فهو ليس من أصحاب الجاه والسلطان فلا كاتب له ولا حاجب. بل ليس من أصحاب الوجاهة والثراء فلا حمار له يركبه لقضاء مهمّاته كسى كسوة حسنة، ولا قميص له جديد بدلا من قميصه البلل؟ ؟ ؟ ، وما أشد كدره، فأجرة البيت وعجزه عن سدادها ينغصانه، بل يبكيانه، حتى لقد تقرّحت أجفانه لكثرة بكائه، ولا من رحيم يرقّ قلبه له أو يعطف عليه. وحتى إن زاره صاحب لم يجد ما يغذوه به ويطعمه له إلا أن يبيع كتابا من كتبه يشترى له به بعض ما يقيم أوده. فيا للبؤس ويا للظلم الصارخ الذى جعل أبناء الشعب يكدحون ويضنون والحكام يجنون ويقطفون ثمار أعمالهم ولا يبقون لهم منها إلا الذلّ والهوان. وينتابه مرارا الشك في حرفته الأدبية وتآليفه وما ينظم من أشعار. فيقول:
حسبي ضجرت من الأدب … ورأيته سبب العطب
وهجرت إعراب الكلا … م وما حفظت من الخطب
ورهنت ديوان النّقا … ئض واسترحت من التعب
فهو قد صمم على أن يهجر حرفة الأدب التي لم يجن منها سوى الشقاء والعناء أما كتاب النقائض بين جرير والفرزدق فمع نفاسته رهنه ليسدّ به رمقه، وكأنما أحسّ فيه وفى غيره من كتب الأدب التي صمّم على هجرانها أعباء ثقالا كانت تبهظ كتفيه. فهو يتخلص منها ليريح ويستريح.
وكان طبيعيّا أن يشتد سخطه-مع أبناء الشعب-على فساد الحياة السياسية في عصر المقتدر وأن يصبّ جاء غضبه على الوزراء الذين كانوا يعتصرون الشعب ليعيشوا هم والخلفاء والقواد في النعيم. ولا ضير من أن يعيش الشعب في الجحيم، لذلك كان طبيعيّا أن يتمنى للوزراء أن تحيق بهم الكوارث حتى يتخلص الشعب من ظلمهم وفساد حكمهم. ويروى أن بعض أصدقائه دخل عليه في عصر المقتدر. فقال له: ما تتمنّى؟ فقال توّا: لم يبق لي مني غير نكبات الوزراء، فقال له: قد نكب ابن الفرات. فقال جحظة على البديهة:
أحسن من قهوة معتقة … تخالها في إنائها ذهبا
ص507
من كفّ مقدودة منعّمة … تقسم فينا ألحاظها الوصبا (3)
نعمة قوم أزالها قدر … لم يحظ حرّ فيها بما طلبا
فقد أفرحته نكبة ابن الفرات وانتشى بها كما ينتشى السكارى بالخمر نشوة لا تعد لها نشوة. ويشمت به لأن أحدا لم يصب شيئا مما كان فيه من نعمة، وإنه ليضيق به كما ضاق به الشعب. إذ كان يملأ الأرض ظلما وشرّا ونكرا. وإنه ليبغضه ويبغض دولته التي حرمت الأحرار كل برّ وكل خير.
وكان يكثر من هجاء البخلاء الأشحاء الذين يقدمون الطعام للضيوف على كره منهم، وكثيرا ما يصوغ هذا الهجاء في قالب فكه من مثل قوله في صديق:
دعاني صديق لي لأكل القطائف … فأمعنت فيها آمنا غير خائف
فقال وقد أوجعت بالأكل قلبه … رويدك مهلا فهي إحدى المتالف
فقلت له: ما إن سمعنا بهالك … ينادى عليه: يا قتيل القطائف
وكانت القطائف صادفت منه مسغبة وجوعا شديدا، فأكل منها أكل النّهم وصديقه ينظر إليه شزرا، فقال له: إني أخاف عليك التخمة، بل التلف والهلاك، فردّ عليه هذا الرد الظريف. وله في قوم بخلاء يحفظون القرآن:
قد حفظوا القرآن واستعملوا … ما فيه إلا سورة المائدة
وتروى له أبيات مختلفة من هذا الطراز تدل على أنه كان حلو الدعابة على الرغم من قبح وجهه ورثائة ثيابه. وله هجاء كثير لاذع يدل على أنه كان سريع الإحساس طويل اللسان. ولم يكن يخشى أحدا فهو يهجو الوزراء والحجّاب وغير الحجاب والوزراء. وخاصة البخلاء منهم، وكانوا يتحامونه لما يعلمون من شيوع شعره على ألسنة الصبيان في الشوارع والأزقة. ومن قوله في ثقيل:
يا لفظة النّعي بموت الخليل … يا وقفة التّوديع بين الحمول
ص508
يا طلعة النّعش ويا منزلا … أقفر من بعد الأنيس الحلول
يا نعمة قد آذنت بالرّحيل … ونكسة من بعد برء العليل
ويستمر طويلا في وصف الثقيل بمثل هذه الصفات التي تجعله تمثالا لكل شر، وكأنما تجمعت له شرور الحياة في أسوأ صورها، لكي يصمه بما يشاء منها، وتتوالى الشرور في أبشع هيئاتها، ويضع بينها طلعة النعش ونكسة العليل. وكان يلم بالديارات، وقد روى الشابشتي له بعض أشعار في الخمر كان يغنيها على طنبوره من مثل قوله في دير أشموني ولهوه فيه:
سقيا لأشموني ولذّاتها … والعيش فيما بين جنّاتها
سقيا لأيام مضت لي بها … ما بين شطّيها وحاناتها
ويبدو أن إلمامه بالأديرة كان قليلا لقلة أشعاره فيها، وربما كان الذي أقعده عنها بؤسه الذي كثيرا ما كان يرافقه. وله في الغزل بعض قطع وأبيات طريفة من مثل قوله:
فقلت لها: بخلت علىّ يقظى … فجودي في المنام لمستهام
فقالت لي: وصرت تنام أيضا … وتطمع أن أزورك في المنام
وقد توفى سنة 323 عن سن عالية، ويقال إنه عاش نحو قرن، ولعل فيما أسلفنا من أشعاره ما يصوّر شاعريته الخصبة. وقد أسقطنا من أشعاره ما كان يستخدمه من الألفاظ والأساليب العامية، وهى أثر من آثار شعبيته واختلاطه بالعامة في بغداد.
ص509
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع في جحطة وأخباره وأشعاره تاريخ بغداد 4/ 65 والفهرست ص 214 ومعجم الأدباء 2/ 241 وابن خلكان والديارات ص 21، 47، 97 وزهر الآداب 2/ 137 وذيل زهر الآداب ص 149 وتكملة الطبري ص 8، 19 والنجوم الزاهرة 3/ 250.
(2) الشاهين هنا: عمود الميزان.
(3) مقدودة: رشيقة القد. الوصب: التعب
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|