المأزق الفكري للنظام الرأسمالي ( ﺗـﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻟﻠﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﺮﺃﺳــﻤﺎﻟﻴﺔ ) |
2246
03:27 مساءً
التاريخ: 18-7-2019
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-1-2019
2256
التاريخ: 12-10-2020
4500
التاريخ: 2-10-2019
1489
التاريخ: 11-1-2019
5554
|
الفصل الثاني :
المأزق الفكري للنظام الرأسمالي
المبحث الأول :
ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻟﻠﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﺮﺃﺳـــﻤﺎﻟﻴﺔ
ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻰ اﻟﺸﻚ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ أﻧﻈﻤﺘﻪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ كـﺎن وﻻ ﻳﺰال ﻳﺸﻬﺪ ﺗﻐﻴﺮات ﺳﺮﻳﻌﺔ وﻣﺬهـﻠﺔ اﻗﺘﺼﺎدﻳًﺎ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴًﺎ وأن اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ كـﻨﻈﺎم اﻗﺘﺼﺎدي واﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺗﻌﺮض إﻟﻰ هـﺬﻩ اﻟﺘﻐﻴﺮات ﻓﻲ اﻟﺤﻘﺐ اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﺗﻔﺎﻋﻞ ﻣﻌﻬﺎ وﺗﺄﺛﺮ ﺑﻬﺎ ، إﻻ إن درﺟﺔ هـﺬﻩ اﻟﺘﻔﺎﻋﻼت واﻟﺘﺄﺛﻴﺮات ﻗﺪ اﺧﺘﻠﻔﺖ ﺣﺴﺐ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﻟﻠﻨﻈﺎم واﻟﺘﻨﺎﻗﺾ اﻟﻌﻤﻴﻖ اﻟﻜﺎﻣﻦ ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺘﻪ ، وﻣﺎ ﻳﺆكـﺪ ذﻟﻚ إن أﺣﺪاث اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻣﺜًﻼ (اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ) رﻏﻢ أﻧﻬﺎ كـﺎﻧﺖ أﺣﺪاﺛًﺎ ﻓﺎﺻﻠﺔ ﺧﻠﻘﺖ أزﻣﺎت ﻋﻨﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺔ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ وﺷﻮهـﺖ هـﻴﻜﻠﺘﻪ ، إﻻ إن هـﺬا اﻟﻨﻈﺎم ﻗﺪ ﺗﻌﺮض ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺪ اﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ هـﺬا اﻟﻘﺮن إﻟﻰ ﺗﺼﺪﻋﺎت وهـﺰات ﻋﻨﻴﻔﺔ ﻏﻴﺮت اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﻘﻮﻣﺎت اﻟﻨﻈﺎم وركـﺎﺋﺰﻩ إﻟﻰ أن أﺻﺒﺢ هـﺬا اﻟﻨﻈﺎم ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﺿﺮ هـﻮ أﺿﻌﻒ ﻓﻲ اﻷﺳﺎس ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻤﺎ كـﺎن ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺘﻪ .. وﻻﺳﺘﻜﻤﺎل ﺻﻮرة وأﺷﻜﺎل هـﺬﻩ اﻟﺘﻐﻴﺮات اﺳﺘﻬﺪف اﻟﺒﺎﺣﺚ ﺿﻤﻦ هـﺬا اﻟﻤﺤﻮر أن ﻳﺴﺘﻌﺮض ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺗﻄﻮر اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ اﺑﺘداًء ﻣﻦ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﺎركـﻨﺘﻴﻠﻴﺔ واﻧﺘﻬﺎًء ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻐﻴﺮات اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﺗﻬﺎ ﺁﻟﻴﺔ ﻋﻤﻞ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ اﺑﺘداًء ﻣﻦ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ .
ﻳﺆكـﺪ أﻏﻠﺐ اﻟﻤﺘﺨﺼﺼﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻨﻈﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ، إن اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﻤﻮﺿﻮﻋيـة واﻟﺬاﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﺿﻤﻦ اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ كـﺎﻧﺖ ﻣﻨﻄﻠﻘﺔ أﺳﺎﺳًﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﻋﻠﻰ ﻗﻮى اﻹﻧﺘﺎج(1) . ﻓﺎﻟﺘﻄﻮر اﻟﺬي ﺣﺪث ﻋﻠﻰ ﻗﻮى اﻹﻧﺘﺎج أﺧﺬ ﻣﺴﺎرات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﺒﺮ ﻋﻦ ﺷﻜﻠﻪ وﻣﻀمـﻮﻨﻪ وﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻮر ﺿﻤﻦ (ﻣﺮﺣﻠﺘﻪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ) وﻋﻜﺲ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ، وﻋﻠﻰ ﺿﻮء ذﻟﻚ ﻓﺮز ﺁﻟﻴﺎﺗﻪ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﻓﻲ كـﻞ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﻄﻮرﻩ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ أهـﺪاﻓﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﺑﺎﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻈﺎم وﻣﻨﻊ اﻧﻬﻴﺎرﻩ ﺑﻜﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ ﻣﺴﺘﻨﺪًا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺒﺪأ اﻟﻤﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲ وﻓﻠﺴﻔﺘﻪ اﻟﺒﺮاكـﻤﺎﺗﻴﺔ وﺻﻮًﻻ إﻟﻰ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ذاﺗﻪ في ﺗﺤﻘﻴﻖ أﻋﻠﻰ ﻣﻌﺪﻻت ﻣﻦ اﻷرﺑﺎح وﺗﺤﻘﻴﻖ رﻓﺎهـﻴﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب رﻓﺎﻩ ﺷﻌﻮب الارض كافة ، وﻗﺪ ﺗﺤﻘﻖ ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﺮكـﺎﻧﺘﻴﻠﻴﺔ وﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺜﻮرة اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻷوﻟﻰ واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ وﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ هـﺬا ، وﻳﻼﺣﻆ أن اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ وﻓﻲ كـﻞ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﻄﻮرﻩ ﻟﻦ ﻳﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﺟﻮهـﺮ ﻋﻘﻴﺪﺗﻪ ، وﻟﻦ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ أﻋﺮاﺿﻪ وﻣﺸﻜﻼﺗﻪ وأزﻣﺎﺗﻪ اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻴﺔ اﻟﺤﻞ واﻟﺘﻲ ﻻزﻣﺘﻪ ﺑﻤﺮاﺣﻞ ﺗﻄﻮرﻩ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ، وﻟﻜﻦ اﻟﺬي ﻳﺨﺘﻠﻒ هـﻮ ﻣﻴﻜﺎﻧﺰﻣﺎﺗﻪ ووﺳﺎﺋﻞ ﻋﻤﻠﻪ وأﺳﺎﻟﻴﺒﻪ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ أهـﺪاﻓﻪ واﻟﺬي ﻳﺤﺪد هـﺬﻩ اﻵﻟﻴﺎت هـﻮ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺬي وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻪ ﻗﻮى اﻹﻧﺘﺎج وﻣﺪى ﺗﺄﺛﻴﺮ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت الاﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺪول اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ وﺑﻘﻴﺔ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ(2).
ﻓﻔﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ واﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﻣﻦ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ ﺣﺘﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ واﻟﺘﻲ ﺳﺎد ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻴﺎر اﻟﻔﻜﺮي اﻻﻗﺘﺼﺎدي (اﻟﻤﺮكـﺎﻧﺘﻠﻲ) اﻟﺬي كـﺎن ﻳﺮكـﺰ ﻋﻠﻰ ﺗﺮكـﻴـﺰ اﻟﺴﻠﻄﺔ وﻗﻮة اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ ﺛﺮوات اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮات ﺣﻴﺚ اﻟﻌﻤﻮد اﻟﻔﻘﺮي ﻟﻠﻨﺸﺎط اﻻﻗﺘﺼﺎدي كـﺎﻧﺖ اﻟﺘﺠﺎرة ، وأﺻﺒﺢ هـﺬا اﻟﻨﺸﺎط ﻳﻤﺎرس داﺧﻞ اﻷراﺿﻲ اﻷورﺑﻴﺔ وﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻦ دوﻟﻬﺎ واﻣﺘﺪت اﻟﺘﺠﺎرة ﻟﺘﺸﻤﻞ ﺑﻠﺪان أﺧﺮى ﺧﺎرج ﺣﺪودهـﺎ ، وكـﺎﻧﺖ اﻟﺴﻔﻦ ﺗﻘﻮم ﺑﻨﻘﻞ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت إﻟﻰ أﺑﻌﺪ اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت وﻇﻬﺮت اﻟﺒﻨﻮك وﺑﻮرﺻﺎت اﻟﻨﻘﻮد وأﺻﺒﺢ ﻟﻠﺘﺠﺎرة ﻣﻜﺎﻧﻪ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﺮﻣﻮﻗﺔ داﺧﻞ هـﺬﻩ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ، وأﺻﺒﺢ اﻟﺘﻔﻮق اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﻘﺼـﻮرًا ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻘﺔ اﻟﺘﺠﺎر . وﺑﺪأ ﻧﻔﻮذهـﻢ ﻳﺘﺰاﻳﺪ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ وﺑﺪأت اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑﻴﻦ دوﻟﻬﻢ ﺗﺰداد ﺗﺸﺎﺑﻜًﺎ . وﺣﺪث ﺗﻄﻮرًا كـﺒﻴﺮًا ﻓﻲ اﻟﺘﺒﺎدل اﻟﺘﺠﺎري ﻣﻊ ﺑﻠﺪان ﺷﺮق اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ وﺟﻨﻮب أﻣﺮﻳﻜﺎ واﻟﻬﻨﺪ . ﻓﺠﺎءت ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﻼح (كـﺮﻳﺴﺘﻮﻓﺮ كـﻮﻟﻤﺒﺲ) واﻟﻤﻼح اﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﻲ (ﻓﺎﺳﻜﻮدي كـﺎﻣﺎ) إﻟﻰ اﻟﻬﻨﺪ إذ هـﻴﺄت هـﺬﻩ اﻻكـﺘﺸﺎﻓﺎت ﻃﺮﻳﻘًﺎ ﺟﺪﻳﺪًا إﻟﻰ أﺳﻮاق وﻣﺼﺎدر ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻣﻮارد أﺧﺮى(3) . وكـﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ هـﻲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة واﻟﻐﻴﺮ ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ إﻟﻰ أورﺑﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ . وﻋﻠﻰ هـﺬا اﻷﺳﺎس ﺑﺪأ اﻟﺘﺠﺎر ﻳﺴﻌﻮن إﻟﻰ ﺗﻌﺎﻇﻢ ﺛﺮوﺗﻬﻢ ﻟﻴﺰداد ﻧﻔﻮذهـﻢ داﺧﻞ ﺑﻠﺪاﻧﻬﻢ وﺑﺪأ ﺷﻌﻮرهـﻢ ﻳﺰداد ﻣﻦ ﺟﻌﻞ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ أداة ﺿﺮورﻳﺔ ﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺘﺠﺎر . وهـﻜﺬا ﺑﺪأت ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺮاكـﻢ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ واﻟﺤﺪ اﻟﺬي ﺑﺎت ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺎر وﻣﻦ ﺧﻼل دوﻟﺘﻬﻢ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ أن ﻳﺮكـﺒﻮا اﻟﺒﺤﺮ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ أﺳﻮاق ﺧﺎرج ﺣﺪودهـﻢ ﻟﺘﺮوﻳﺞ ﺑﻀﺎﺋﻌﻬﻢ ورؤوس أﻣﻮاﻟﻬﻢ(4) .
وﻣﻦ ﺧﻼل هـﺬﻩ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﺘﻔﻮق اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺷﺆون اﻟﺤﻴﺎة اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ كـﺎﻧﺖ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺒﺎدل اﻟﺘﺠﺎري ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺪول اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻤﺎ ﺷﺠﻌﻬﺎ ذﻟﻚ إﻟﻰ أن ﺗﻐﺰو وﺗﻨﻬﺐ ﺛﺮوات دول اﻟﺸﺮق وﻣﻦ ﺛﻢ أﻓﻀﻰ ذﻟﻚ إﻟﻰ ﺧﻠﻖ اﻟﺘﻔﺎوت اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ .
اﺳﺘﻤﺮت اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﺎركـﻨﻴﻠﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﻘﺎرب اﻟﺜﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﺗﺪاﺧﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ واﻻﺟﺘﻬﺎدات اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻟﻤﺪارس اﻟﻤﺬهـﺒﻴﺔ ، إذ ﻣﺜﻠﺖ هـﺬﻩ اﻟﺴﻨﻮات ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻏﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻟﺘﻲ دارت ﻓﻲ وﻗﺖ ﻻﺣﻖ . وهـﻨﺎ كـﺎﻧﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ وﺗﻔﻮض اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻜﻤﺮكـﻴﺔ وﺗﻀﻊ ﺳﻴﺎﺳﺎت ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﻣﻴﺰان اﻟﻤﺪﻓﻮﻋﺎت وﻟﻜﻦ اﻷهـﻢ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ كـﻠﻪ ﻇﻬﻮر اﻟﺸﺮكـﺎت اﻟﻤﺴﺎهـﻤﺔ اﻟﻜﺒﺮى اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ . ﻓﻔﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ كـﺎﻧﺖ هـﺬﻩ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ رواﺑﻂ ﺑﻴﻦ اﻷﻓﺮاد ﻳﻮﺣﺪون ﺟﻬﻮدهـﻢ ورؤوس أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ هـﺪف ﻣﺸﺘﺮك وﻟﻀﻤﺎن ﺳﻌﺮ ﻏﻴﺮ ﺗﻨﺎﻓﺴﻲ ﻟﻠﺒﻀﺎﺋﻊ اﻟﻤﻨﺘﺠﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺸﺘﺮي وﺗﺒﺎع ، وكـﺎﻧﺖ ﺟﺬورهـﺎ ﺗﻤﺘﺪ إﻟﻰ اﻟﻄﻮاﺋﻒ اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ كـﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ . وﻟﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ ﻗﺎم اﻟﻤﻐﺎﻣﺮون اﻟﺘﺠﺎر وهـﻢ ﺗﺠﺎر كـﺎﻧﻮا ﻳﺒﻴﻌﻮن اﻷﻗﻤﺸﺔ ﻣﻦ اﻧﻜﻠﺘﺮا إﻟﻰ اﻟﻘﺎرة اﻷورﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﺠﻤﻊ ﻓﻲ اﺗﺤﺎد ﻏﻴﺮ ﻣﺤﻜﻢ اﻟﺮواﺑﻂ واﺗﺨﺬ ﺑﻤﺮور اﻟﻮﻗﺖ ﺷﻜًﻼ أكـﺜﺮ ﺗﻤﺎﺳﻜًﺎ ﺗﻤﺜﻞ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺷﺮكـﺔ ﻣﻮﺳﻜﻮ ﻋﺎم (1955) وﻓﻲ ﺷﺮكـﺔ اﻟﻬﻨﺪ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ اﻟﻬﻮﻟﻨﺪﻳﺔ ﻋﺎم (1602) وكـﺎن رأس اﻟﻤﺎل ﻳﺘﻮﺟﻪ ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ . وﻓﻲ اﻟﻤﺪة ﻧﻔﺴﻬﺎ أﺳﺴﺖ ﺷﺮكـﺔ اﻟﻬﻨﺪ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ اﻟﺒﺮﻳطﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﻣﺘﺪت ﻟﻠﻤﺪة 1600 - 1864 وكـﺎﻧﺖ هـﺬﻩ اﻟﺸﺮكـﺎت ذات ﺳﻤﺔ اﺣﺘﻜﺎرﻳﺔ . وﻣﻊ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻧﺠﺪ أن ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﺘﻄﻮر اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﺘﻘﺎرﺑﺔ ﻧﺴﺒﻴًﺎ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺑﻠﺪان اﻟﻌﺎﻟﻢ . وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺪأت اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻄﻮر ﻣﻤﺎ أﻓﻀﻰ ذﻟﻚ إﻟﻰ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﻌﻤﻞ اﻟﺪوﻟﻲ . وﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺜﻮرة اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ اﻧﻜﻠﺘﺮا واﻣﺘﺪت إﻟﻰ اﻟﺪول اﻷورﺑﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ أﻣﺮﻳﻜﺎ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي أدى إﻟﻰ ﺣﺼﻮل ﺗﻔﺎوت ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ﺗﻄﻮر ﻗﻮى اﻹﻧﺘﺎج ﻓﻲ ﺑﻠﺪان اﻟﻌﺎﻟﻢ(5) .
وﺗﻤﺨﺾ ﻋﻦ هـﺬﻩ اﻟﺘﻄﻮرات وﻷﺳﺒﺎب وﻋﻮاﻣﻞ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷﺳﺎس ﻗﻴﺎم اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻋﺎم 1914 ﺑﻴﻦ دول اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ أﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وﻓﺮﻧﺴﺎ وﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ، وكـﺎن اﻟﺒﺎﻋﺚ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﺤﺮب هـﻮ ﺑﺎﻋﺚ اﻗﺘﺼﺎدي ، إذ كـﺎﻧﺖ أﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ أﺳﻮاق ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻤﻨﺘﺠﺎﺗﻬﺎ وﻋﻦ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮات ﺗﻤﺪهـﺎ ﺑﺎﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ واﻟﻄﺎﻗﺔ ﺑﺄﺳﻌﺎر ﻣﺘﺪﻧﻴﺔ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺷﺄن اﻟﺪول اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ اﻷﺧﺮى(6) .
وﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ وﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺑﺪأت ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪة أدت إﻟﻰ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺟﺬري ﻓﻲ ﻗﻮى اﻹﻧﺘﺎج ، ﻓﻔﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي كـﺎن ﻓﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﻘﻮد اﻟﻤﺎكـﻨﺔ وﻳﺤﺮك اﻵﻻت داﺧﻞ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ أﺻﺒﺢ كـﻞ ﺷﻲء ﻃﻮﻋﻲ ﺑﺸﻜﻞ كـﺎﻣﻞ ﻓﺘﻘﻠﺺ دور اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ وأﺻﺒﺢ ﻣﺤﺼﻮرًا ﻓﻲ اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ ﻓﻘﻂ ، هـﺬا ﻳﻌﻨﻲ ﺑﺪاﻳﺔ ﻋﺼﺮ ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬي دﺧﻞ ﻓﻴﻪ اﻟﻌﻠﻢ كـﺄﺣﺪ ﻗﻮى اﻹﻧﺘﺎج اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ﻓﺄن اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ اﻵﻻت اﻟﻤﺆﺗﻤﺘﺔ أدى إﻟﻰ ﺗﺴﺮﻳﺢ أﻋﺪاد هـﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎل مما ﺧﻠﻖ أزﻣﺔ ﺑﻄﺎﻟﺔ . وﻓﻲ هـﺬﻩ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻴﺖ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﻮرة اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ اﺗﺴﻌﺖ اﻟﻔﺮو ﻗﺎت اﻟﻄﺒﻘﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ كـﺒﻴﺮ وﺗﺒﺎﻳﻨﺖ اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﻧﻔﺴﻬﺎ وﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻌﺸﺮﻳﻨﺎت وﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺜﻼﺛﻴﻨﺎت ﻇﻬﺮت ﺑﻮادر أزﻣﺔ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ كـﺎن ﻣﻦ أﺑﺮز ﻣﻌﺎﻟﻤﻬﺎ اﻧﻬﻴﺎر أﺳﻮاق اﻟﻤﺎل واﻧﻬﻴﺎر اﻟﻌﻤﻼت اﻷﺳﺎس وﻋﺎنى اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻣﻦ ﻣﺪة كـﺴﺎد وﻇﻬﺮت ﺑﻮادر اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ اﻟﺸﺒﻪ كـﺎﻣﻠﺔ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﻮﺿﻊ اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺪوﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻻﻧﻬﻴﺎر(7) . وﻓﻲ هـﺬﻩ اﻟﻤﺪة ﻇﻬﺮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي( Kenize كـﻴﻨﺰ) ﻓﻲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻟﻴﻀﻊ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ اﻷزﻣﺔ اﻟﺘﻲ كـﺎن ﻳﻤﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﻈﺎ م اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ واﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﻋﺎدت اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﻜﻼﺳﻜﻴﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺣﻠﻬﺎ ، ﺣﻴﺚ دﻋﺎ كـﻴﻨﺰ إﻟﻰ ﺿﺮورة ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺸﺎط اﻻﻗﺘﺼـﺎدي ﻟﺘﺤﻔﻴﺰ اﻻﺳــﺘﺜﻤﺎر ﻣﻦ أﺟﻞ ﺧﻠﻖ ﻓﺮص ﻋﻤﻞ ﺟﺪﻳﺪة ﻻﺳـــﺘﻴﻌﺎب اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ زادت ﺧﻼل اﻟﻤﺪة 1929 - 1933 من (6) ﻣﻠﻴﻮن ﻋﺎﻃﻞ إﻟﻰ(30 ـ40) ﻣﻠﻴﻮن ﻋﺎﻃﻞ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻋﺎم 1932 وهـﻲ أﻋﻠﻰ ﻧﺴﺒﺔ ﺑﻄﺎﻟﺔ وﺻﻠﺘﻬﺎ أزﻣﺎت اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﺷﻤﻠﺖ ﺗﺄﺛﻴﺮاﺗﻬﺎ اﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ 100- 120ﻣﻠﻴﻮن إﻧﺴﺎن (8).
وﻓﻲ ﺧﻀﻢ هـﺬا اﻟﺼﺮاع اﻟﺪاﺋﺮ داﺧﻞ اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺑﺪأت ﺑﻮادر اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ واﻟﺘﻲ كـﺎﻧﺖ ﺑﻮاﻋﺜﻬﺎ اﻷﺧﺮى هـﻲ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ، وجاءت اﻟﺤﺮب كـﻨﺘﻴﺠﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ وأزﻣﺎﺗﻪ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻴﺔ اﻟﺤﻞ إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺤﺮب ، ﻷن اﻟﺤﺮب ﺗﻘﻊ ﻋﻨﺪ وﺟﻮد أزﻣﺎت ﻣﺴﺘﻌﺼﻴﺔ اﻟﺤﻞ ، وﻗﻌﺖ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم 1939 واﺳﺘﻤﺮت إﻟﻰ ﻋﺎم 1945 كـﻠﻔﺖ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻀﺤﺎﻳﺎ واﻟﺨﺴﺎﺋﺮ اﻟﻤﺎدﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻷوﻟﻰ(9) .
وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺪراﻣﺎﺗﻴﻜﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺮت ﺑﻬﺎ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺑﺴﺒﺐ اﻷزﻣﺎت اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ واﻟﺘﻲ أدت إﻟﻰ ﺧﻮض ﺣﺮﺑﻴﻦ ﻋﺎﻟﻤﻴﺘﻴﻦ ﻗﺎﻣﺘﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﺼﻒ اﻷول ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ أﻓﺮزت هـﺬﻩ اﻷﺣﺪاث ﻧﻈﺎﻣًﺎ دوﻟﻴًﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ﺗﻤﻴﺰ ﺑﻈﻬﻮر دوﻟﺘﻴﻦ ﺗﻘﺎﺳﻤﺎ اﻟﻨﻔﻮذ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ، ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ أﻳﺪوﻟﻮﺟﻴﺔ ﺗﺨﺘﻠﻒ وﺗﻨﺎﻗﺾ اﻷﺧﺮى إﻻ إﻧﻬﻤﺎ وﺟﻬﺎن ﻟﻌﻤﻠﺔ واﺣﺪة ، ﻓﻜﻼهـﻤﺎ ﻣﺎدي وﻗﺪ اﺧﺘﻠﻔﺎ ﻋﻠﻰ كـﻴﻔﻴﺔ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺜﺮوات وكـﻼهـﻤﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺎ وﻋﺪ ﺑﻪ ، وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻣﺠﻠﺲ اﻷﻣﻦ اﻟﺪوﻟﻲ واﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﻳﺮﺗﻴﻮن ودوز وﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻬﺎ كـﺼﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ إﻻ أن اﻟﻘﻄﺒﻴﻦ دﺧﻼ ﺣﺮﺑًﺎ ﺑﺎردة ﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﺒﺪأ اﻟﺘﻌﺎﻳﺶ اﻟﺴﻠﻤﻲ . وﻣﺒﺪأ ﺳبـﺎق اﻟﺘﺴﻠﺢ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﻄﺒﻴﻦ وﻏﺰو اﻟﻔﻀﺎء وﻣﻦ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ وﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ هـﺬا ﺣﺪث ﺗﻄﻮرًا هـﺎﺋًﻼ وﺳﺮﻳﻌًﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ و كـﺎن هﺬا اﻟﺘﻄﻮر ﻳﻤﺜﻞ ﺑﺤﻖ اﻟﺜﻮرة اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ . ﻣﻤﺎ أدى ﺗﻄﻮر ﻗﻮى اﻹﻧﺘﺎج ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﺸﻬﺪﻩ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺧﻼل ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ وﻗﺪ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ أن ﻳﻮﻇﻒ هـﺬا اﻟﺘﻄﻮر ﻟﺼﺎﻟﺤﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺠﺎوز أزﻣﺎﺗﻪ ، وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺬي ﺣﺪث ﻓﻲ ﻗﻮى اﻹﻧﺘﺎج ﺣﺪث ﺗﺪوﻳﻞ ﻣﻀﻄﺮد ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻓﻲ كـﻞ ﺑﻠﺪ ﻋﻠﻰ ﺣﺪة ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺨﻄﻰ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺤﺪود اﻟﻘﻄﺮﻳﺔ واﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ، وأكـﺘﺴﺐ رأس اﻟﻤﺎل ﻃﺎﺑﻌًﺎ دوﻟﻴًﺎ ، وﻧﻤﺖ اﻟﻤﺸﺮوﻋﺎت واﻟﻤﺼﺎرف اﻟﻤﺘﺨﻄﻴﺔ ﻟﻠﻘﻮﻣﻴﺎت ﻟﺘﺼﺒﺢ هـﻲ اﻟﻘﻮة اﻟﻤﺤﺮكـﺔ اﻟﺠﺒﺎرة ﻟﻠﺘﺮكـﻴﺰ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ واﻟﻤﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﺣﻘًﺎ . وﺗﺼﺒﺢ اﻟﻐﻠﺒﺔ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻘﻮى اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﺣﺘﻰ ﻟﻴﺼﺒﺢ ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻣﺜًﻼ اﻗﺘﺼﺎدان : اﻗﺘﺼﺎدهـﺎ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي واﻗﺘﺼﺎدهـﺎ اﻟﺪوﻟﻲ وهـﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻗﺘﺼﺎد ﺛﺎن ﻟﻬﺎ . وﺗﻨﺸﺄ رأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﺘﺨﻄﻴﺔ ﻟﻠﻘﻮﻣﻴﺎت ذات ﺟﺒﺮوت ﻋﺎﻟﻤﻲ ، وﺗﺘﻮﻟﺪ ﻣﻦ ﺛﻢ ﻣﺸﺎكـﻞ ﺟﺪﻳﺪة . ﻓﺄﻳﻦ ﺗﻮﺟﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺘﻬﺎ اﻟﺮ أﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺻﻌﻮدهـﺎ ؟ وأﻳﻦ ﺗﻘﻒ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ أﺻًﻼ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻔﻲ ﻇﻞ اﻟﺘﺪوﻳﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﻤﻀﻄﺮد ﻳﺼﺤﻮ اﻟﺘﻌﺼﺐ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﺣﺘﻰ ﻟﻴﺼﻞ إﻟﻰ ﺣﺪ اﻟﺤﺮوب اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ واﻟﻨﻘﺪﻳﺔ واﻟﻤﺎﻟﻴﺔ (10) .
ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﺻﻌﺪت اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﻤﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ وﺗﻌﺪدت أدواﺗﻬﺎ وﺁﻟﻴﺎت ﺣﺮكـﺘﻬﺎ ، وأﻋﺎدت ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﻴﻦ اﻟﻤﺤﻠﻲ واﻟﺪوﻟﻲ ﻟﺘﺠﻌﻞ ﻣﻨﻪ اﻗﺘﺼﺎدًا رﻣﺰﻳًﺎ ـ أﻋﻨﻲ أكـﺜﺮ رﻣﺰﻳﺔ ﻣﻤﺎ كـﺎن ، ﻟﻜﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﺻﺎرت أﻗﻮى ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ، وﺻﺎرت ﺗﺴﺒﻎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻃﺎﺑﻌًﺎ ﻣﺤﺎﻓﻈًﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ ﻃﺎﺑﻊ اﻧﻜﻤﺎﺷﻲ ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد .
وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻤﺎ زاﻟـــﺖ اﻟﺪوﻟﺔ هـﻲ اﻟﻤﻠﺠﺄ اﻷﺧﻴﺮ ﻟﻠﺮأﺳــــﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة (11) . وﻣﻊ كـﻞ ﻣﺎ ﻋﺒّﺮت ﻋﻨﻪ هـﺬﻩ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﺆﺧﺮًا ﻣﻦ ﻧﺰﻋﺎت ﻟﻠﺤﺪ ﻣﻦ دور اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻤﻂ اﻟﺬي ﺣﺒﺬﻩ كـﻴﻨﺰ ﻓﻴﻤﺎ ﻣﻀﻰ ﻓﺈن ﻗﺪرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎت اﻟﻌﺼﺮ ﺗﺠﻌﻞ ﻟﻠﺪوﻟﺔ دورًا أﺳﺎﺳًﺎ ﻓﻲ ﺿﺒﻂ ﺣﺮكـﺘﻬﺎ واﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ آﻟﻴﺎﺗﻬﺎ ، فـﻣﺎ زاﻟﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﺗﺤﺮك كـﻼ ﻣﻦ اﻟﺮاﻓﻌﺔ اﻟﻤﻀﺎدة ﻟﻸزﻣﺔ واﻟﺮاﻓﻌﺔ اﻟﻤﻀﺎدة ﻟﻠﺘﻀﺨﻢ وﻤﺎ زاﻟﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﺗﻤﻠﻚ ﻧﻈﺎم ﺿﺒﻂ اﻹﻧﺘﺎج ، ﺑﻞ إن هـﻨﺎك ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻘﻴﺎم ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﻟﻺﻧﺘﺎج واﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﻠﺒﺎت ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺮﻏﻮب ﻓﻴﻬﺎ . وﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻳﺘﻢ ﺗﻤﻮﻳﻞ اﻟﺒﺤﺚ واﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ . وﺑﻔﻀﻞ ﻣﻴﺰاﻧﻴﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻳﺠﺮي تمويل اﻟﻘﻄﺎع اﻟﻌﺴﻜﺮي ﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻘﻮﻣﻲ . وﻣﺎ زاﻟﺖ ﺑﺄﻳﺪي اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻘﺎﻟﻴﺪ إﻋﺎدة ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺪﺧﻞ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺗﺒﻨﻲ اﻷدوات اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ واﻟﻤﺎﻟﻴﺔ .
كـﻞ ذﻟﻚ ﻳﺠﺮي ﻓﻲ ﻇﻞ دﻋﻮة ﻣﺘﺼﺎﻋﺪة ﻟﻠﺘﺤﺮر ﻣﻦ ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺪوﻟﺔ وﺗﺨﺼﻴﺺ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﻌﺎم. وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺘﺸﻜﻞ ﻧﻤﻂ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﺘﻘﺴﻴﻢ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻌﻤﻞ ، إذ إﻧﻪ ﻳﻌﺎد ﻧﺸﺮ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ، كـﻤﺎ ﻳﻌﺎد ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺨﺎﻣﺎت أﻳﻀًﺎ ، واﻟﺠﺪﻳﺪ هـﻨﺎ أن هـﻨﺎك ﺑﻮادر ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ إﻋﺎدة ﻧﺸﺮ اﻟﺰراﻋﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴًﺎ ، ﺑﺤﻴﺚ ﺻﺎرﻋﻠﻰ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﻴﺔ واﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ أن ﺗﻌﻴﺪ اﻟﻨﻈﺮ ﺟﺬرﻳًﺎ ﻓﻲ هـﻴﺎكـﻞ اﻗﺘﺼﺎدهـﺎ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ هـﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺳﺮﻳﻊ اﻟﺘﺒﺪل واﻟﺘﺤﻮل .
وﻣﻊ ﺗﻌﺎﻇﻢ ﻗﺪرة اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ ﻋﺼﺮهـﺎ إﻻ أﻧﻪ ﻳﺒﺪو أن اﻷزﻣﺔ اﻟﺪورﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻴﺰت ﺗﻄﻮر اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﻣﻄﻠﻊ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻗﺪ ازدادت اﻵن ﺗﻌﻘﻴﺪًا . ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻷﺧﻴﺮة ﺗﻮاﺟﻪ اﻷزﻣﺔ اﻟﺪورﻳﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ازدادت ﻗﺪرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ إدارﺗﻬﺎ ، وإﻧﻤﺎ ﺻﺎرت ﺗﻮاﺟﻪ أزﻣﺔ ﻣﺮكـﺒﺔ ﻓﻬﻲ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ أزﻣﺔ دورﻳﺔ وأزﻣﺎت هـﻴﻜﻠﻴﺔ ﻋﺪﻳﺪة . وﻣﻦ هـﻨﺎ ﺷﻬﺪﻧﺎ اﻟﻨﻤﻮ اﻟﻤﻀﻄﺮد ﻟﻠﻘﻄﺎع اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﻌﺴﻜﺮي اﻟﺬي ﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﻗﺪ اﻧﺘﻘﻠﺖ إﻟﻴﻪ داﺧﻞ أكـﺒﺮ اﻷﻗﻄﺎر اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ﻗﻴﺎدة اﻻﻗﺘﺼﺎد في ﻣﺠﻤﻮﻋـه (12) .
وﻣﻊ كـﻞ ذﻟﻚ ﻓﺈن رأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ وﻣﻊ كـﻞ ﻗﺪراﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ اكـﺘﺴﺒﺘﻬﺎ أن ﺗﻠﻐﻲ ﻗﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ . إﻧﻬﺎ ﺗﻐﻴﺮ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل وأﺳﺎﻟﻴﺐ ﻋﻤﻠﻬﺎ . وﺗﻈﻞ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ هـﻲ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ،وﻳﻈﻞ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻷﺳﺎس اﻟﺬي ﻳﺤﻜﻤﻬﺎ هـﻮ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺘﻄﻮر ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺘﻜﺎﻓﺊ ﻓﻲ اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاء .
وهـﻜﺬا ﻓﻤﺎ زال اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ ﻳﻨﻘﺴﻢ إﻟﻰ ﻗﻄﺎﻋﻴﻦ ﻣﺘﻔﺎوﺗﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﻨﻤﻮ . وﻣﺎ زال اﺳﺘﻘﻄﺎب اﻟﻨﻤﻮ ﻳﺠﺮي ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﻤﺘﻘﺪم دون اﻟﻘﻄﺎﻋﻴﻦ اﻟﻨﺎﻣﻲ واﻟﻤﺘﺨﻠﻒ وﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺑﻪ . و ﻣﺎ زال ﻳﺘﻢ ﺗﺒﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮارد اﻟﻤﺤﺪودة ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻗﺔ واﻟﺨﺎﻣﺎت اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ وﻧﺸﺮ اﻟﺘﻠﻮث ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ .
وﻳﻈﻞ أﺧﻄﺮ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة هـﻮ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺘﻜﺎﻓﺊ ﻣﻊ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﻴﺔ واﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ . ﻓﻌﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﺼﻔﻴﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﻓﻤﺎ زاﻟﺖ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﺣﺮﻳﺼﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺄكـﻴﺪ أواﺻﺮ اﻟﺘﺒﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻂ اﻟﻤﺮاكـﺰ ﺑﺎﻷﻃﺮاف . وﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﺘﺪوﻳﻞ اﻟﻤﻀﻄﺮد ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﻴﺔ واﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن اﺳﺘﻌﻤﺎرًا ﺟﻤﺎﻋﻴًﺎ ﻳﻤﺜﻞ اﻟﺴﻴﻄﺮة اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ واﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻟﺮأس اﻟﻤﺎل اﻟﻤﺘﺨﻄﻲ ﻟﻠﻘﻮﻣﻴﺎت . وﻟﻘﺪ اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺘﻜﺎﻓﺌﺔ ﻟﻨﻘﻞ أﻋﺒﺎء اﻷزﻣﺎت اﻟﺪورﻳﺔ واﻟﻬﻴﻜﻠﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﻴﺔ وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻤﻔﻌﻮل اﻟﺘﻠﻘﺎﺋﻲ ﻟﻠﻘﻮاﻧﻴﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ مركز دراسات الوحدة العربية ، العرب والعولمة ، ط1 ، بيروت ، حزيران ، 1998 ، ص5 .
2ـ د . اسماعيل صبري عبد الله ، الرأسمالية العالمية في مرحلة ما بعد الامبريالية ، مجلة آفاق استراتيجية ، بيت الحكمة ، العدد 4 ، السنة الثانية ، حزيران ، 1999، ص20-25 .
3ـ د . اسماعيل صبري عبد الله ، مصدر سبق ذكره ، ص36 .
4ـ مركز دراسات الوحدة العربية ، العرب والعولمة ، مدر سبق ذكره ، ص20 .
5ـ اسماعيل صبري عبد الله ، مصدر سبق ذكره ، ص30-37 .
6ـ اسماعيل صبري عبد الله ، مصدر سبق ذكره ، ص45 .
7ـ محمد طاقة ، العولمة الاقتصادية ، دار الحرية للطباعة ، عام 1999 ، ص36-40 .
8ـ فؤاد مرسي ، مشكلات الاقتصاد الدولي المعاصر ، الاسكندرية ، 1981 ، ص19-25 .
9ـ محمد طاقة ، مصدر سابق ، ص45-46 .
10 ـ سعيد النجار ، تطور الفكر الاقتصادي في نظرية التجارة الخارجية ، القاهرة ، 1960 .
11ـ فؤاد مرسي ، مصدر سبق ذكره ، ص65 .
12 ـ سعيد النجار ، تطور الفكر الاقتصادي في نظرية التجارة الخارجية ، مصدر سبق ذكره ، ص30 .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|